فك تثبيت
→ جميع الحلقات حلقة 3 من 69

رحلة اليقين ٣: الفطرة والكمبيوتر

(مؤثّرات صوتيّة) السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ أيُّها الأحبَّةُ، سنَبدأُ اليومَ بأصلِ الأصولِ: بإثباتِ وجودِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لِنُؤسِّسَ القاعدةَ الَّتي منها ننطلقُ إلى ما بعدَها بدايةً إخوانِي، ما الَّذِي يدُلُّنا على وجودِ اللهِ؟ إنَّها الفِطْرةُ والعقلُ وسنتكلَّمُ في البدايةِ عنِ الأدلَّةِ الفطريَّةِ ما هيَ الفطرةُ؟ كثيرًا ما نسمعُ هذهِ الكلمةَ، ماذا تعنِي؟ وكيفَ تدُلُّ على وجودِ اللهِ تعالى؟ (مؤثِّراتٌ صوتيَّةٌ) الفطرةُ هي قُوًى واندفاعاتٌ مودَعَةٌ في نفسِ الإنسانِ، تظهرُ آثارُها أثناءَ نموِّهِ وتفاعلِهِ معَ بيئتِهِ، بدءًا مِن الْتِقامِهِ ثديَ أُمِّهِ ليرضعَ، ثمَّ انجذابِهِ للحقائقِ والأخلاقِ السَّليمةِ يمكنُ تشبيهُ الفطرةِ للإنسانِ، بنِظامِ التَّشغيلِ للكمبيوتر "Operating System" نظامُ التَّشغيلِ هذا لهُ مكوِّناتٌ تتعاونُ وتأتلفُ فيما بينَها لتُعطيَ إنسانًا سَوِيًّا لاحِظْ قولَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التّين: 4] فأحسنُ تقويمٍ يشملُ المكوِّناتِ الفطريَّةَ اللّازمةَ لتحقيقِ الغايةِ مِنْ خلقِ الإنسانِ وهيَ تُفهَمُ كذلكَ منْ قولِ اللهِ تعالى... حِكايةً عن موسى عليهِ السَّلامُ: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ﴾ [طه: 50] فإنَّ مِمَّنْ هدَى: الإنسانَ؛ فاللهُ تعالى أحسنَ تقويمَ الإنسانِ، وهداهُ بالفطرةِ... فهداهُ بالفطرةِ إلى: 1- الإقرارِ بأنَّ لهُ ولهذا الكونِ خالقًا مُدبِّرًا، والشُّعورِ بالحاجةِ إلى هذا الخالقِ، وكذلكَ اللُّجوءِ إليهِ عندَ الشَّدائدِ 2- وهداهُ بالفطرةِ الَّتي ستُكَوِّنُ لديهِ المُسَلَّماتِ العقليَّةَ، والَّتي بِها يَفهمُ خطابَ هذَا الخالقِ وتكليفَهُ إِيَّاهُ 3- وهداهُ إلى السُّؤالِ عنِ الغايةِ منْ وجودِهِ، ومصيرِهِ بعدَ موتِهِ، بما يُكَوِّنُ القوَّةَ الدّافعةَ للبحثِ عن أمرِ خالقِهِ، والعملِ بهِ 4- وهداهُ أيضًا إلى النَّزعةِ الأخلاقيَّةِ مِنْ محبَّةٍ فطريَّةٍ للخيرِ والعدلِ والصَّلاحِ، وكراهيةٍ للشَّرِّ والظُّلمِ والفسادِ، بما ينسجمُ معَ أوامرِ الخالقِ الشَّرعيَّةِ، فيميلُ إلَيها الإنسان ُويحبُّها 5- وهداهُ للشُّعورِ بالإرادةِ الحُرَّةِ بما يجعلُهُ مختارًا لأفعالِهِ في طاعةِ الخالقِ أو معْصيَتِهِ: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10] 6- وهداهُ إلى الغرائزِ اللّازمةِ لِمَعيشتِهِ بشكلٍ سَويٍّ، ما دامَ في فترةِ الاختِبارِ على هذهِ الأرضِ؛ كغريزةِ الأمومِة، وغريزةِ حُبِّ البقاءِ (مؤثِّراتٌ صوتيَّةٌ) هذا التَّعريفُ المُوَسَّعُ للفطرةِ تجدُ قريبًا منهُ في كلامِ ابنِ عاشورَ في التَّحريرِ والتَّنويرِ، عندَ قولِ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4] فهيَ إذًا حُزْمةٌ فطريَّةٌ، تتعاونُ بشكلٍ عجيبٍ لتُنتجَ إنسانًا سوِيًّا يعملُ لغايةٍ قد يحجُبُ الفطرةَ ما يحجُبُها أثناءَ مسيرِ الإنسانِ... قد يُغالِبُها الإنسانُ، ويَصُمُّ أُذُنَيْهِ عنْ ندائِها، بلْ ويكبِتُها ويطمِسُها؛ فلا يعودُ يسمعُ هذا النِّداءَ العميقَ لكنَّ هذا كُلَّهُ لا يُلغي حقيقةَ أنَّها موجودةٌ أصالةً وابتداءً فيهِ، قبلَ هذِهِ المُغالَبةِ وتبقى تهجُمُ عليهِ الفَيْنةَ بعدَ الفَيْنةِ، وتنجذبُ لما ينبشُ عنها وينفضُ الرُّكامَ المُتجمِّعَ عليها لذا فالفطرةُ تشكِّلُ مأزقًا كبيرًا للملحدينَ؛ فالفطرةُ تشكِّلُ بالنِّسبةِ لهمْ تدخُّلًا خارجيًّا من قوَّةٍ مُريدةٍ عليمَةٍ، مُتعاليةٍ عن التَّفاعلاتِ البيوكيميائيَّةِ العشوائيَّةِ (مؤثِّراتٌ صوتيَّةٌ) وَرْطةُ الملحدينَ هيَ كوَرْطةِ شخصٍ قالَ لكَ: هذا جهازُ كمبيوتر تكوَّنَ بِمَحْضِ الصُّدفةِ تركَّبتْ أجزاؤُهُ وتناسقَتْ دونَ صانعٍ... وإنَّما رياحٌ عاصفةٌ هَوْجاءُ جمَّعتْهُ على هذا [النَّحْوِ] فتحْنَا الكمبيوتر... فإذا فيهِ نظامُ تشغيلٍ كاملٌ متناسقٌ، وبرامجُ لكلٍّ منها غايةٌ كيفَ تُفسِّرُ وجودَ هذهِ البرامِجِ أيُّهَا الملْحِدُ؟ إنْ بَلعْنا أُكْذوبَتَكَ المُضحِكةَ عن (بالإنجليزيَّة) الجسمِ الصُّلبِ للحاسوبِ، فكيفَ تُفسِّرُ وجودَ هذا (بالإنجليزيّة) المُحتوَى البرمَجِيِّ على الجهازِ؟ التَّفاعلاتُ البيولوجيَّةُ الكيميائيَّةُ المجرَّدةُ، والطَّفراتُ العشوائيَّةُ والانتخابُ الطَّبيعيُّ... لو تجاوزْنَا أنَّها لا يمكِنُها خلقُ إنسانٍ وسلَّمْنا لكُم، وقلْنا: خَلقَتْ إنسانًا وبثَّتْ فيه الحياةَ، هذهِ المعاني العمياءُ كلُّها... مِنْ أينَ لها أنْ تودِعَ في عقلِ هذا الإنسانِ ونفسِه هذهِ الحزمةَ المتناسقةَ الموجَّهةَ؟ وكيف تُفسِّرونَ تكوُّنَ هذهِ الحُزْمةِ -هِيَ هِيَ- في كلِّ نفْسٍ جديدةٍ تولَدُ؟ أقرَّ بعضُ الملحدينَ بالمأزقِ ومنهُمُ الفيلسوفُ البريطانيُّ الملحِدُ توماس نيجل "Thomas Nagel" في كتابِهِ المعروفِ بعنوانِ: Mind and Cosmos: Why the Materialist Neo-Darwini[an] Conception Of Nature is ?Almost Certainly False العقلُ والكونُ: لماذا التصوُّرُ النِّيو داروِينيُّ للطَّبيعةِ يكادُ يكونُ خطأً قطْعًا؟ (مؤثِّراتٌ صوتيَّةٌ) والكتابُ يستعرضُ ثلاثَ قضَايَا أساسيَّةٍ، موضِّحًا عجزَ المادِّيَّةِ الدَّاروينيَّةِ عن تقديمِ حلٍّ لها وهي: الوعيُ، والإدراكُ، والقِيَمُ ومعَ ذلِكَ، بقيَ الكاتبُ مُلحدًا! أمّا عامَّةُ الملحدينَ، فكيفَ تعامَلُوا معَ الورْطَةِ؟ تردَّدوا بينَ إنكارِ فِطْريَّةِ هذهِ المُكوِّناتِ؛ أيْ أنَّ منهُمْ منْ أنكرَ وجودَ هذهِ المكوِّناتِ في الإنسانِ -ابْتداءً- معَ ولادتِهِ، واعتبرَها من تأثيراتِ التَّربيةِ والبيئةِ الاجتماعيَّةِ ومنهمْ منْ أقرَّ بوجودِها لكنْ حاولَ إيجادَ تفسيراتٍ ماديَّةٍ لها والطَّرفانِ وقَعَا في أعاجيبِ التَّخبُّطِ والتَّناقضِ واللَّا معقولِ، كما سنرى بإذنِ اللهِ (مؤثِّراتٌ صوتيَّةٌ) كانَ هذا بيانًا لتعريفِ الفطرةِ، ولإشكاليَّةِ الملحدينَ الإجماليَّةِ معَها في الحلَقاتِ القادمةِ... سنرَى ورَطاتِ الملحدينَ البائسةَ معَ كلِّ مُكوِّنٍ منْ مُكوِّناتِ الفطرةِ المذكورةِ لتقولَ بِملءِ فيكَ بعدَها: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: 43] ويجدرُ بالذِّكرِ أنِّي في هذهِ الحلَقاتِ عنِ الأدلَّةِ الفطريَّةِ على وجودِ اللهِ تعالى... قدِ استفدْتُ كثيرًا منْ كتابِ شُموعِ النَّهارِ للمهندسِ عبدِ اللهِ العُجَيْرِيِّ حفظَهُ اللهُ ستكونُ حلَقتُنا القادمةُ -بإذْنِ اللهِ تعالى- عن نزْعةِ التَّديُّنِ، فكونوا معَنا والسَّلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللّهِ (مؤثِّراتٌ صوتيَّةٌ)
التالي ←
رحلة اليقين ٤: هل نحن مفطورون على عبادة الله؟
حلقة #4 · 10 دفيفة