رحلة اليقين ٤٢: هل بالفعل "نظرية التطور" مفيدة للبشر؟
السَّلامُ عليكم
من عادةِ الإعلامِ المطبِّلِ للزُّعماء
أنْ يَنسِبَ كلَّ فضلٍ في البلادِ إليهم،
فإذا أَنبتتْ الأرضُ وشُقَّتْ الطُّرقات،
فالفضلُ لفخامةِ الرَّئيس،
وإذا شُيِّد بناءٌ وقامَ مشروع،
فالفضلُ لفخامة الرَّئيس،
ولابدَّ أن يأتيَ بعدَ انتهاءِ كلِّّ شيء؛
لِيقُصَّ الشَّريط ويفتتحَ المشروع،
هذا كلُّه حتى لو كان فخامةُ الرَّئيس
لم يُسْهِمْ في تقدُّمِ بلادِهِ مليمترًا واحدًا.
بلْ، وحتَّى لو كان فسادُه، وفسادُ حاشيتِه
قدْ عرقلَ الكثيرَ من التَّقدُّم،
وَوَأَدَ الكثيرَ مِن المشاريعِ في مهدِها.
ومع ذَلك، فبِما أنَّ هناك خيراتٍ حصَلت
في عهدِ فخامة الرَّئيس،
فلا شكَّ أنَّ الفضلَ لهُ فيها
حَسْبَ الإعلامِ المُطبِّل،
وَلَيْسَ لِأَحدٍ الحق في أنْ يتساءل:
تُرَى، لو لمْ يكُن فخامةُ الرئيس موجودًا،
ألمْ يكُنْ مِن الممكن أنْ تتقدَّمَ البلادُ والعباد
أكثرَ بكثيرٍ ممَّا هي عليه؟
أليسَتْ هذه الإنجازات متوقَّعة
من تقدُّم الزمن وتراكُم الخبرات البشريَّة؟
يَعتمِد الإعلامُ في هذا كلِّه على ما يُسمَّى
في (علم المغالطات المنطقيَّة): معهُ إِذن بِسَبَبِه
"With this, therefore because of this"
ومغالطة أنَّ (التَّزامُن يعني التسبُّب).
يعني: ادِّعاء أنَّ حصول حدثَيْن معًا
يدلُّ على أنَّ أحدَهما سببٌ للآخر.
وهذه المغالطة في أسخفِ أشكالها مضحكة،
كأنْ يقول أحدهم: لاحظتُ أنَّني
كلَّما شربتُ كأس حليب أشرقَتْ الشَّمس،
ممَّا يدلُّ على أنَّ شُربيَ للحليب يُسبِّبُ شروقَ الشَّمس
ولهذا يتمُّ التأكيدُ دائمًا على أن
التَّزامُن ووجودَ علاقة ما لا يعني التَّسبُّب
"Correlation doesn't imply causation"
ما علاقةُ هذا كلِّه بخرافة التَّطوُّر؟
بنفس الطَّريقة تمامًا،
يؤكِّدُ أتباعُ الخرافة على أهميَّةِ خرافتهم،
ويَنْسِبون إليها الفضل في الاكتشافات،
ويَحشرون اسمَها بطريقةٍ مضحكة
مع أنَّها عديمةُ القيمةِ تمامًا،
بل، وأضرَّت بالبحث العلميّ، كما سنرى.
تعالَوا نرَ (6) نماذج بارزة،
يُدَّعى أنَّ لخرافة التَّطور فضلًا عظيمًا فيها،
وسنأخذُها من أبرز المواقعِ العلميَّة:
الأكاديميَّة الوطنيَّة الأمريكيَّة للعلوم،
موقع ساينتفك أمريكان "Scientific American"،
وموقع جائزة نوبل.
هذه النَّماذجُ السِّتةُ هي:
1. المطاعيم ضدَّ فيروس سارس،
2. البغال والقمح،
3. مقاومة البكتيريا للمضادات،
4. سعر السَّمك،
5. وجبات الفوتوتشيني "Fettuccine"،
6. وجائزة نوبل للكيمياء عام (2018)
مؤثرات صوتية
في موقع الأكاديميَّات الوطنيَّة
للعلوم والهندسة والطِّب بأمريكا
تجدُ هذا الكتاب بعنوان:
(العلم، التطور، والخلق).
والذي يؤكِّد على أنَّ نظريَّة التطوُّر
أصبحتْ حقيقة، وأنَّ الخَلْق ليس عِلمًا.
ثُمَّ يَشْرَعُ في بيان أهمِّيَّة نظريَّة التطوُّر للعلوم:
ذَكرَ الكِتابُ إنجازيْنِ للنظريَّة،
والنُّسخةُ الملخَّصةُ منه أضافت
-باختصار- إنجازًا ثالثًا،
تعالوا نرَ هذه الإنجازات،
وصحَّةَ نِسبتها لفخامة الرَّئيس.
تحت عنوان (التَّطوُّر في الطِّب:
مقاومةُ الأمراض المُعدية الجديدة) :
Evolution in Medicine] Combating New Infectious Diseases]
يروي الكِتاب قصَّة فيروس سارس"SARS"
الذي ظهر في الصِّين وانتشر لغيرها وقتل المئات،
ثُمَّ قال الكتاب: "باستخدام تقنيةٍ جديدةٍ
معروفةٍ بالـ (دي إن إيه مايكروأري)
"DNA Microarray"
استطاع الباحثون خلال (24) ساعة
أن يتعرَّفوا على الفيروس
كعضوٍ لم يكن معروفًا قبل ذلك
من عائلةٍ معيَّنة من الفيروسات؛
وهي نتيجةٌ أَثبتَها أيضًا باحثون
آخرون باستخدام تقنياتٍ أخرى.
وعلى الفور، بدأ العمل على إنتاجِ فحصِ دمٍ
يُمكِّن من التعرُّف على الأشخاص
المصابين بالمرض لِيَتمَّ حجْرهم صحيًّا،
وعلى علاجاتٍ للمرض، وعلى مطاعيم
لمنعِ الإصابةِ بالمرض."
طبعًا إلى هنا كلامٌ جميل،
وإنجازٌ علميٌّ ممتازٌ بالفعل.
هنا لابدَّ أنْ يُؤتَى بفخامة الخرافة
لِتأخذَ صورةً مع المكتشفين. (صوت كاميرا)
يتابعُ الكتاب: "لقد كان فهمُ التطوُّر أساسيًّا
للتعرُّف على فيروس سارس،
المادَّة الوراثيَّة في الفيروس كانت شبيهة
بتلك التي في فيروسات أخرى؛
لأنَّها تطوَّرت من نفس الفيروس المشترك."
لنا أنْ نسألَ هنا:
ما علاقةُ فخامتِهِ بالاكتشاف؟
فيروس سارس يشبهُ فيروساتٍ أخرى؛
وهذا مكَّن المكتشفين من إنتاج علاجاتٍ
ومطاعيم معدَّلة بناءً على فهم هذا التَّشابُه.
ما علاقةُ هذا كلِّه باعتقادك
عمَّا كان في الزَّمان الماضي؟
سواءً اعتقدت أنَّ هذه الكائنات
تطوَّر بعضُها عن بعض بِعشوائيَّة
وَصُدَفيَّة كما تقول الخرافة،
أم أنَّ هناك خالقًا
أخرج بعضها من بعضٍ بعلمٍ وتقدير،
أم أنَّ الخالق خلَقَ كُلًّا منها خلقًا مستقلًّا؟
أنتَ الآن أمام كائناتٍ فيها أشياء متشابهةٌ،
وتستطيع استغلالَ هذا التَّشابه لصالح الإنسان.
ما علاقة سبب التَّشابه بالموضوع؟!
ولا تنسَوا إخواني أنَّه في الحلقات الماضية
قد نُسِفَتْ تمامًا -بفضل الله- دَعْوَى
أنَّ (التَّشابُه يعني وَحدة الأصل)،
والتي يذكرها الكتاب كحقيقةٍ مُسلَّمةٍ بقوله:
"المادَّة الوراثيَّة في الفيروس
كانت شبيهةً بتلك التي في فيروساتٍ أخرى؛
لأنَّها تطوَّرت من نفس الفيروس المشترك"،
بيَّنَّا كوميديَّةَ مِثْلِ هذه الدَّعاوى
في حلقة (ذَيلُكَ الذي لا تعرفُ عنه الكثير)،
أم لَعَلَّ أتباعَ فخامتِه يظنُّون أنَّ
لهُ الفضل في مفهوم المطاعيم من أصله؟
التَّاريخ لا يُسعفهم؛
فأولُّ مطعومٍ معروفٍ (مطعوم الجدري).
كان على يد إدوارد جينر "Edward Jenner"
عام (1796)، يعني قبل
خرافة داروين ب(60) عامًا.
بعد ذلك، ينتقل الكتاب
إلى الإنجاز الثَّاني لفخامته،
تحت عنوان:
التطور في الزراعة: استئناس القمح
يعني استزراعه وتحسين خصائصه،
بدلَ الاكتفاء بالنَّابت منه في البرِّيَّة.
شرَحَ الكتاب كيف عمِل المزارعون منذ زمنٍ قديمٍ
على تحسين خصائص القمح والمحاصيل الأخرى،
وعلى المزاوجة بين الأصناف
المتقاربة من الحيوانات.
ثُمَّ كيف حدَّد الباحثون جيناتٍ
مسؤولة عن الخصائص المرغوبة.
جميلٌ! ما علاقة هذا بفخامته؟
يقول لك الكتاب:
"إنَّ النَّاس كانوا بذلك يستخدمون
تغيُّراتٍ تطوُّرية "Evolutionary change"
ثم يختم بقوله: "هذه التَّقدُّمات تعتمد على
فهم التطوُّر لتحليل العلاقات بين النَّباتات،
والبحثِ عن خصائص يمكن
استخدامها لتحسين المحاصيل".
لحظة! يعني عندما كان أجدادنا
وأجداد أجدادنا -قبل أن يولد داروين-
عندما كانوا يُطَعِّمون أشجار التفاح بالإجاص،
وعندما كانوا يزاوجون أصنافًا متشابهةً
من الحيوانات؛ ليحصلوا على نسلٍ مُحسَّن،
هل كانوا في ذلك ينطلقون من قناعاتٍ دارونيَّةٍ
عن تغيُّراتٍ عشوائيَّةٍ وانتخابٍ أعْمى؟!
ألم يولد أوَّل بَغْلٍ من تزاوج حمار مع فرس،
قبل ميلاد خرافة داروين؟!
ثُمَّ ما علاقة فخامته بتحديد الجينات المسؤولة
عن صفاتٍ مرغوبة في القمح والمحاصيل؟
ما الخدمة التي قدَّمها فخامته
-تحديدًا- في هذا الإنجاز؟
ما علاقة قناعتي عن مَنشأ الجينات
باستغلالي لها وتوظيفها لصالح الإنسان؟
لا علاقة.
لكنْ، لابدَّ أنْ تُلتقَطَ صورةٌ لفخامته
مع هذا الإنجاز أيضًا. (صوت كاميرا)
ثالثًا - مقاومة البكتيريا للمُضادَّات:
هناك أنواعٌ كثيرةٌ من البكتيريا
حصل فيها تغيُّرات جينية،
جعلتْها أكثر مقاومةً للمضادَّات الحيويَّة؛
وبالتالي أكثرَ فتكًا بالإنسان.
صحيح، ما علاقة ذلك بفخامته؟
قالوا: "إنَّ معرفةَ كيف يؤدِّي التَّطور
إلى زيادةِ المقاومةِ البَكتيريَّة مهمٌ
في الحدِّ من انتشار الأمراض المعدية"
التَّطوُّر؟! ما علاقةُ التَّطورِ بالموضوع؟!
ما علاقته بالمقاومة البكتيريَّة؟
ما علاقة الطَّفرات العشوائيَّة والانتخاب الأعمى
بالآليَّات التي بهرتكم، أنتم أنفسَكم،
وجعلتكم تصفون البكتيريا بالذكاء،
وتُطْلقون على البكتيريا أوصافًا
إلهيَّة كالعِلم والإرادة؟!!
كما بيَّنا في حلقة (عَبَدة الميكروبات).
لو أخذنا -مثلًا- قدرةَ البكتيريا على مقاومة
أوَّل مضادٍ معروف، وهو البنسلين "Penicillin"
كيف استطاعت البكتيريا عملَ ذلك؟
بوسائل عديدةٍ كلٌّ منها
في غاية التَّعقيد والإحكام،
منها -مثلًا- إنتاج إنزيم
بيتالاكتاميز "Beta-lactamase"
هذا الإنزيم مكوَّنٌ مِن مئات الأحماضِ الأمينيَّة
المصفوفة بترتيبٍ دقيق،
لا مكان فيه للعشوائيَّة،
والتي تتعرَّض في المراحل الأخيرة من إنتاجها
لتعديلاتٍ على أماكن محدَّدة جدًا منها؛
لِتتخذَ شكلًا ثلاثيَّ الأبعاد؛
ليقومَ هذا الإنزيم بمهمَّةٍ محدَّدة
وهي استهداف أضعف نقطةٍ
في المضادِّ الحيويِّ؛ لإبطال مفعوله.
أين العشوائيَّة والصُّدَفيَّة في هذا كلِّه؟!
هذه الورقة العلميَّة مثلًا تتكلَّم عن
أحد أنواع البيتالاكتاميز
يتألَّف من (263) حمضًا أمينيًّا.
هل رأيتم في البكتيريا
محاولاتٍ عشوائيَّة فاشلة
بتصنيع سلاسل بأطوال
أكثر وأقل من هذا الطول؟
(50)، (100)، (200)، (300)
وبترتيبات عشوائيَّة للأحماض الأمينيَّة قبل أنْ
تصلَ البكتيريا -بالصُّدفة- إلى هذا الإنزيم؟
لو تُرِكَتْ المسألة للعشوائيَّة -كما تقولون-
فإنَّ البرَّ والبحر، والأرضَ والجوّ
ستمتلئ بهذه المحاولات الفاشلة
قبل أن تَصِل البكتيريا إلى إنتاج هذا الإنزيم
فهل بالتطوُّر العشوائي وَصلَتْ البكتيريا
لإنتاج هذا الإنزيم تحديدًا؟
وبتكرار، دون أن نرى معهُ
ما لا يُحصى من المحاولات العشوائيَّة؟
ثمَّ إنَّ الباحثين يُنتجون مضادًّا
حيويًا جديدًا يُقاوِم هذا الإنزيم؛
فتقوم البكتيريا بإنتاج
نوعٍ آخر من البيتالاكتاميز،
يُنتجون مضادًا آخر فتُنتِج هي الأخرى
نوعًا ثالثًا ورابعًا وخامسًا مِن البيتالاكتاميز
حتَّى تُحسَّ أنَّك تتعاملُ مع كائنٍ
لديه مراكز دراسات، وأبحاث عملاقة،
لا مع كائنات مجهريَّة تتجمَّع
الملايين منها على رأس دبوس.
هذا كلُّه في آليَّةٍ واحدةٍ فقط
من آليَّات المقاومة البكتيريَّة الكثيرة.
ما علاقة هذا بالعشوائيَّة أو الصُّدَفيَّة؟!
وبالمناسبة، فعددٌ من كبار العاملين
في مجال المضادَّات الحيويَّة
أَبدَى انزعاجه من زجِّ صاحبِ الفخامة نفسَه
في صورة الاكتشافات في هذا المجال.
الدكتور إرنست تشن "Ernst Chain"
هو أحدُ الثَّلاثةِ الذين أَنتجوا البنسلين،
وحازَ لذلك على جائزة نوبل
مع ألكسندر فليمينغ "Alexander Fleming"
وهوارد فلوري"Howard Florey"
تجده يصِف خرافة الطَّفرات العشوائيَّة
بأنَّها فرضيَّةٌ غير مستندةٍ إلى أيِّ دليل،
ولا يُمْكن التَّوفيق بينها وبين الحقائق،
ويستغرب من ابتلاع علماء لها دون نقد.
وكذلك دكتور سِيلمان واكسمان "Selman Waksman"
مكتشف الستربتومايسين "Streptomycin"
أول مضادٍّ حيويٍّ فعَّالٍ على السِّل،
والحائز -أيضًا- على جائزة نوبل.
وصف تطبيقَ المبادئ الدارونية
في الصِّراع على البقاء
على عالم المضادَّات الحيويَّة
بأنه تلفيقُ خيالات
"Figment of the imagination"
وكذلك البروفيسور فيليب سكل "Philip Skell"
والذي ساهمَ في إنتاجِ مضادَّاتٍ حيويَّةٍ أيضًا،
والذي يوصَف بأنه أبو كيمياء الكاربين
كتب عام (2005) في مجلة ذا ساينتست
"The Scientist"
مقالًا بعنوان (لماذا نحشر داروين؟!)
لماذا نحشر داروين؟!
قال فيه: "لا شكَّ أنَّ بحثيَ الخاصَّ في المضادَّات
الحيويَّة خلال الحرب العالميَّة الثَّانية
لم يتلقَّ توجيهًا من التطوُّر الدارويني،
ولا ألكسندر فليمنج أيضًا عندما اكتشف
"تثبيط البنسلين للبكتيريا".
ويقول سكل: "سألتُ مؤخَّرًا أكثر من
سبعين عالِمًا بارزًا؛
هل كانوا سيقومون بأعمالهم بشكلٍ
مختلف لو كانوا يرون نظريَّة داروين خاطئة؟
وأجوبتهم كانت كلُّها نفسَ الشيء: لا.
ويقول أنَّه تفحَّص الاكتشافات المتميِّزة
في البيولوجيا خلال القرن الماضي،
فوجد أنَّه -كما الحالُ دومًا-
فإنَّ نظريَّة داروين لم تُوفِّر توجيهًا محسوسًا،
بل تمَّ إحضارُها بعد الاكتشافات
كبريقٍ أدبيٍّ مثيرٍ للانتباه؛
يعني: تمامًا كما يتمُّ إحضارُ
فخامة الرَّئيس ليقصَّ شريط المشروع.
ويقول سكل: "من حواراتي مع باحثين مرموقين
أصبح من الواضح أنَّ
البيولوجيا التجريبيَّةَ الحديثة
تكتسبُ قوَّتها مِن تَوفُّر أدواتٍ وطرقٍ جديدة،
وَليس الانغماس في البيولوجيا التاريخيَّة.
بروفيسور سكل كان جريئًا في نقد الداروينيَّة،
وعندما قامت (الأكاديميَّات الوطنيَّة للعلوم)
بإصدار الكتاب الذي نناقشه،
ردَّ عليهم سكل -والذي كان
أحدَ أعضاءِ الأكاديميَّة بالمناسبة-
ردَّ عليهم بمقالٍ في مجلَّة
(السِّياسة وعلوم الحياة)
-ولاحِظوا العنوان-
وكان ممَّا قاله فيها:
"إنَّ على النَّاس أنْ ينظروا باستنفارٍ شديد
في الحشرِ غير الضروريِّ والمضلِّل
لأفكارٍ تخمينيَّةٍ تاريخيَّةٍ، وفلسفيَّةٍ، ودينيَّةٍ
في عوالم العلم التجريبيِّ،
والآتية من مصادرَ شتَّى؛
بما في ذلك هذا الإصدارُ الحديث
للأكاديميَّة الوطنيَّة للعلوم".
مع التذكير -إخواني- بأنَّنا وضَّحنا
علاقة الدين بالعلم التَّجريبيِّ
في حلقة (المخطوف).
وطبعًا، لمْ يَسْلم سكِل بعد هذا النَّقد الجريء
من تهجُّماتِ شبِّيحَة الخرافة،
الذين وصفوه بأنه خَلْقَوِيٌّ جبان،
وبأنه كاذبٌ أو جاهل.
هذا -باختصار- فيما يتعلَّقُ بنسبة الإنجازات
في مجال المقاومة البكتيريَّة لفخامته.
ثالث الإنجازات الَّتي ذكرها كتابُ
منظمَّةٍ كبرى أمريكيَّة: (ناس) "NAS"
مذكرًا إيَّانا بمقولة:
تمخَّض الجبل فوَلدَ فأرًا.
تعالَوا بنا إلى موقعٍ آخر،
ساينتفِك أمريكان "Scientific American"
المعنيّ بتثقيف الأمريكان في القضايا العلميَّة
تجدُ فيه هذا المقال بعنوان:
(لماذا يجبُ على الجميع
أنْ يتعلَّموا نظريَّة التطوُّر؟)
أيوه، فهِّمونا لماذا، لو سمحتم.
قال لك: "التَّطوُّر يجب أن يُدَرَّس كوسيلةٍ
عمليَّةٍ لفهم المقاومةِ للدواء، وسعر السَّمك."
يتابع: "الأكثر أهميَّةً هو أنَّ
ميراث داروين له علاقةٌ مباشرة
بصياغةِ المجتمع للسِّياسات العامَّة
وفي بعضِ الأوقات بالطَّريقة التي نختار
أن نُدير فيها حياتنا.
فالاصْطياد الزائد للأسماك الكبيرة البالغة
سيقلِّلُها ويؤدِّي إلى تكاثر الصَّغيرة بدلًا منها،
وبالتَّالي إلى زيادة سعر السَّمك في السُّوق.
ياه! ما هذا الإنجاز العظيم؟!
ما هذا الإنجاز العظيم لفخامته؟!
إذا بقينا نصطاد السَّمك الكبير فسيَقلُّ عددُه،
وتكثر الأسماك الصغيرة.
هذه الحقيقة لم نكُن لنعرفها
إلا إذا آمنَّا بالتطور
وإلا إذا سمَّينا هذه العمليَّة
(بالإنجليزية): بالانتخاب [Selection]
هذه الحقيقة لا يعرفها سكَّانُ أطرافِ الإسكيمو
وأدغال إفريقيا ممَّن لم يسمعوا يومًا بفخامته.
(صوت كاميرا)
طبعًا -إخواني- الانتقاء البشريُّ
في التَّعامل مع الغذائيَّات مدوَّنٌ تاريخيًا
قبل ميلاد الخرافة بأكثر من (800) سنة
كما في كتاب العالم
المسلم (البيروني) عن الهند
والذي رصد سلوك المزارعين في انتقاء
الحبوب والأغصان الأفضل، واستثناء الأضعف.
ينتقل مقال (الساينتفِك أمريكان) إلى
الإنجاز الثَّاني لفخامته،
والذي يتعلَّق بمقاومة البكتيريا للمضادَّات،
وهذه رددْنا عليها.
ثم يذكر الإنجازَ الثَّالث والأخير في المقال.
تعالوا يا إخواننا، واسمعوا معنا.
تقول لك (الساينتفِك أمريكان):
"كثيرٌ من الأمراض الحديثة كالسُّمنة والسُّكريِّ
تَنْتجُ جزئيًا من عدم التَّناسُق بين جِيناتنا
والبيئَةِ الَّتي تتغيَّر بسرعةٍ
أكبرَ من قدرة المادَّة الوراثيَّة على التَّطوُّر.
فَهْمُ عدمِ التَّناسُق هذا قد يُسَاعِد
في إقناع المريض أن يُْجرِيَ تَغْيِيراتٍ في غِذائِهِ،
تَتَنَاسبُ مع عَدَمِ قدرة جِيناتِهِ على التَّأقْلم
مع الكميَّات الكبيرة من الكربوهيدرات المعدَّلة
والدُّهون المشبَعة من التَّناول المستمر
للنجوين ألفريدو "linguine alfredo"
وشبيهاتها
لنجوين ألفريدو لمن لا يعرفه
هو وجبة شبيهة بالفتوتشيني "Fettuccine"،
والفتوتشيني لمن لا يعرفه هو وجبة
شبيهة بلنجوين ألفريدو...
على كلٍّ
إذن، حسْب مقال (ساينتفِك أمريكان)
المريض البدين المصاب بالسُّكريِّ إذا جئتَه،
وقلتَ له: عارف ما سبب مشكلتك؟
وجبات الأفريدو والدوناتس،
أو الكنافة و المنسف إن كنت عربيًّا،
هذه كلُّها اسُمها: تغيُّرات بيئيَّة
والطَّفَرات العشوائيَّة في مادَّتك الوراثيَّة
-وإن كانت أخرجَتْكَ من نسل حيوان-
إلَّا أنَّها -للأسف- ليسَتْ بالسُّرعةِ الكافية
لتُنتج لك آليَّاتٍ مناسبة
للتَّعامل مع هذه التَّغيُّرات البيئيَّة.
فالحلّ هو في أن تُعدِّل غذاءك
بما يتناسب مع مادَّتك الوراثيَّة.
إذا قلتَ له هذا الكلام فإنَّه سيقتنع؛
وَيُعدِّل في غذائه،
وتنحلُّ مشكلة البدانة والسُّكريِّ،
ويأتي فخامته ليلتقط معهم الصُّور
بعد أن تمتَّعوا بالصِّحة والعافية؛
ونعيش في عالمٍِ سعيد.
هل عرفتم Why everyone should learn"
"?the theory of Evolution
(لماذا يجب على الجميع
أنْ يتعلَّم نظريَّة التَّطوُّر؟)
أنا -بصراحة- إخواني،
لو جئتُ لأكتبَ مقالًا رمزيًّا ساخرًا
على لسان أنصار الخرافة
ما كنتُ لآتيَ بشيءٍ أكثرَ كوميديَّةً من هذا.
بقي معنا الإنجاز السَّادس المنسوب إلى فخامته:
جائزة نوبل للكيمياء لعام (2018)،
والتي مُنحت قبل حوالي شهرٍ ونصف
لثلاثةٍ من الباحثين.
ما الذي فعلوه تحديدًا؟
تعالَوا نشرحْ بدايةً ما قامتْ به
فرانسيس آرنولد "FRANCES Arnold"
كانت آرنولد تريد تحسين صفات
إنزيماتٍ موجودةٍ في الطَّبيعة
الإنزيمات هي بروتيناتٌ تُنتجها الخلايا الحيَّة
لتسرِّعَ حصولَ تفاعلاتٍ حيويَّةٍ محدَّدة
أشهَرُ بحثٍ لآرنولد في المجال هو الذي
قامتْ به علَى إنزيم سبتالسن "subtilisin"
والذي يُصَنِّعُهُ نوعٌ من البكتيريا،
هذا الإنزيم نريد أنْ نُغيِّرَ في تركيبِه؛
بما يمكِّنُه من العمل علَى درجاتِ
حرارةٍ أعلى وفي مذيباتٍ عضوية؛
ممَّا يمكِّنُ من استخدامِه في التَّنظيفِ
وفي عمليَّاتٍ كثيرةٍ أُخرى.
تمام، ماذا فعلتْ آرنولد؟
هيَ لا تستطيعُ إنتاجَ إنزيمٍ
مُحَسَّنٍ من عناصرِهِ الأوَّليَّةِ
وبالتالي، استخرجَتْ مِن
البكتيريا المنتِجَة للسبتالسن
المادةَ الوراثيَّةَ التي تتمُّ ترجمتُها
إلى هذا الإنزيم،
وعرَّضتْ المادةَ الوراثيَّةَ لعواملَ
محدَّدة بمقادير ومدد محدَّدة؛
لِتُحْدِثَ في هذه المادَّةِ طفَرات؛
يعني تغييرات في عناصرِها الأوليَّةِ،
ثمَّ وضعَتْ هذه المادةَ الوراثيَّةَ المُغيَّرةَ
في خلايا بكتيريَّةٍ حيَّة لديها آليَّاتٌ جاهزة
لقراءةِ المادَّةِ الوراثيَّة؛
لتقومَ هذه الخلايا بإنتاج إنزيماتٍ جديدةٍ
مِنْ هذه المادة الوراثيَّة.
ثمَّ قامتْ بمقارنةِ الإنزيماتِ الناتجة من حيثُ
قدرتِها على عملِ المهمَّةِ المطلوبةِ المحدَّدة
فانتقتْ آرنولد الإنزيماتِ التي تعمل
في المذيبِ العضويِّ وعلى حرارةٍ عالية،
واسْتَثْنَتْ الإنزيماتِ التي لم تستطعْ ذلك
كما تخلَّصَتْ من الإنزيماتِ
التي أتلفتْها التغييرات؛
فما عادَتْ تقومُ بأيَّةِ مهمَّةٍ.
ثمَّ أجرتْ آرنولد تحسيناتٍ
على الإنزيماتِ النَّاجحة، وهكذا.
إنجازٌ جميلٌ من إنجازاتِ الهندسةِ الوراثيَّة.
وما فعله الباحثان الآخران
هو بنفسِ المبادئِ الرئيسة:
إجراءُ تغييرات لتحسينِ كفاءةِ بروتينات
-وهي في هذه الحالة
الأجسام المضادة "Antibodies"-
وانتقاؤها حسْب معايير محددة
لتحسين ارتباطها بأهدافها.
أتعلمون -إخواني- ماذا فعل
الباحثون بهذه التَّجارب؟
كأنَّهم جاءوا بفخامة الخرافة،
وقالوا له: ما لك حزين؟
قال: الناس بيتمسخروا عليَّه؛ مش مصدقين
أنَّ كلَّ ما في الكون
من كائناتٍ حيَّةٍ هو من إنجازاتي.
طيب، أثبِتْ لهم بالدَّليل العمليِّ.
- محتاج وقت. - وقت، كم يعني؟
- يعني...كم، ألف مليون سنة.
- بس كده؟ مش مشكلة،
احنا هَنْساعدك.
ألستَ -يا فخامتك- طفرات عشوائيَّة،
وانتخابًا أعمى بلا غايات
عبر ملياراتِ السنين؟
طيب، سنساعدك في نقاط عجْزِك هذه كلِّها؛
لن نتركك للعشوائيَّة
لن ندَعَك تنتظر طفرةً عشوائية في
المادة الوراثيَّة من أشعةٍ فوقَ بنفسجيَّة،
ثمَّ طفرةً بعدها بسنوات من مادة كيميائية.
لا، لا، نحن سنُعرِّضُ
أماكنَ محددة من المادَّة الوراثيَّة
لمجموعاتٍ من الطَّفرات المتزامنة
بكثافةٍ عاليةٍ جدًا،
تصل إلى مليون ضعف
المُعدَّلِ المتوقَّع من الطبيعة،
ولن نترُك انتخابَك أعمى، لا!
هنأخذ بيدِك ونَقُودُكَ بعينينا.
لن نترك بروتيناتٍ عديمةَ القيمة،
تتراكم في الخلايا من الطَّفرات،
بل سنتخلص -نحن- من البروتينات عديمة القيمة،
ولن نتركك بلا غاية؛ بل سنُحدِّد نحنُ الغاية
ونصمِّمُ التَّجارب على أساسها،
يعني يا فخامتك، أفْرَغناك من محتواك تمامًا
وحلِّينا مشاكلَك كلَّها تمامًا،
فلا الطفراتُ عشوائية،
ولا الانتخابُ أعمى، ولا الغايةُ مجهولة،
وبهذا كلِّه لن تحتاجَ ملياراتِ السِّنين،
بل ما تمَّ في مليارات السِّنين
حسب كلام فخامتك
أصبح بالإمكانِ إتمامُه
في أسابيعَ قليلة أو سنة بالكثير
كما قالت البروفيسورة
سارة لينس "Sara Linse"
عُضوة اللَّجنة المسلِّمة
لجائزة نوبل للكيمياء لهذا العام
أثناء فعاليَّات التَّسليم.
(بالإنجليزية): "ما فعلوه هو تسريع التطور،
فالطبيعة كان لديها مليارات السنوات،
لكن الآن نريد أن تصبح العملية ممكنة
في أسابيع قليلة أو سنة في المختبر".
ورّينا عضلاتَك فخامتك!
ممكن لوْ سمحت، تُنتِج لنا ملياراتِ الأشكال
من الكائنات الحيَّة كالموجودةِ حاليًا،
علشان تُسْكِتْ اللي بيتمسخروا عليك؟
حاوَلَ فخامته فلم يستطعْ.
طيب، ممكن تخلُق لنا ذبابة واحدة؟
حاوَلَ فخامته ولم يستطع.
طيب، ممكن تُحوِّل نوعًا من الكائناتِ لنوعٍ آخر؟
حاوَلَ فخامته فلم يستطع.
طيب، ممكن تخلق لنا خلية واحدة؟
حاوَلَ فخامته ولم يستطع.
طيب، ممكن تُنتِج لنا إنزيمًا واحدًا؟
علمًا بأنَّ الخليَّة الواحدة الحيَّة
فيها ملايين الإنزيمات؟
حاوَلَ فخامته فلم يستطع.
جاتك الخيبة يا فخامتك.
طيِّب، ممكن نجرِّب إحنا كباحثين
نيابةً عن فخامتك؟
لم يستطيعوا.
لذلك عندما سُئِلَتْ البروفيسورة سارة:
لماذا لم يُصنِّع الباحثون الإنزيمَ بأنفسِهم،
بدلًا من التعديلِ على
الإنزيمات الموجودة في الطَّبيعة؟
قالت (بالإنجليزية):
"حتى الآن لا يمكننا بمعارفنا
إنتاج إنزيم من البداية"
إذن تقول لك:
"حتَّى الآن لا يمكِنُنا -بمعارفنا-
إنتاج إنزيمٍ من البداية"؛
يعني من وحداته الأوليَّة.
قُصَارَى ما فعَله الباحثون كان تغييرَ
خصائص البروتينات الموجودة في الطَّبيعة؛
إنزيمُ السَّابتِلسِن بَقِيَ إنزيم السَّابتِلسن
لكن بخصائص مختلفةٍ،
والأجسام المضادَّة بقيت أجسامًا مضادةً
ولكن بخصائص مختلفة،
وهذا ما أمكن فعْلُه في وقتٍ يختصر
-حسب بروفيسور سارة لينس-
مليارات السَّنوات من التَّطوُّر.
لذلك، فنتوقع أن يكون عنوان
جائزة نوبل للكيمياء لهذا العام:
جائزة إظهار خيبة نظريَّة التُّطوَّر
وإغلاق ملفِّها تمامًا
بعد مهزلتها الطَّويلة،
خاصةً وأنَّه -وكما وضَّحت
بروفيسور سارة لينس أيضًا-
الفروقات بين ما تمَّ والتطوُّر؛
(بالإنجليزية): "في الطبيعة هي عمليَّة عشوائيَّة
لأنَّ الطَّفرات تحدث بالصُّدفة
من أشعَّة UV أو شيءٍ ما،
بينما في المختبر كانت العمليَّة
مبنيَّة على المعرفة، يجب أن يكون لديك فكرةٌ
أيُّ المواضيع تغيُّرها في المادة الوراثيَّة،
ثمَّ نضيف على ذلك شيئًا من العشوائيَّة".
وكذلك وضَّحت الفرق من حيث وجود غاية:
"في الطَّبيعة ليس هناك هدف بينما في التَّطوُّر
الموجَّه فإنَّ العالِم يحدِّدُ الهدف،
وهذا كلُّه في إجاباتها عن الأسئلة
التي كانت تُثيرها الصحفيَّة.
ومع هذا كلِّه، فقُصارى ما حَصَل
هو تغيير خصائص البروتينات،
لا تحويلُ أنواعٍ إلى أخرى،
ولا خلقُ شيءٍ من عدم،
فكيف لو تُرِكَ الأمرُ لفخامته؟!
لذلك كلِّه نتوقَّع -طبعًا- أنْ يكونَ جزءٌ من
الجائزة هو عَلَى إثبات الباحثين لعجزِ فخامته.
تعالَوا نرَى كيف أُعلِن عن جائزةِ نوبل:
عَنْوَنَ له موقعُ جائزةِ نوبل بعنوان:
(هم تحكَّموا في قوَّة التَّطوُّر).
واستخدم موقعُ جائزةِ نوبل هذه الصورةَ
للتَّعبير عن جائزة هذا العام.
وهكذا، أخرجَتْ مواقعُ ناطقة بالعربيَّة الخبرَ،
كموقِع (ميدان) التَّابع للجزيرة؛
أخرجَ الخبرَ بعنوان: (نوبل للكيمياء 2018:
نظريَّة التَّطوُّر تعالِج البشر).
وهكذا، تتحوَّل التَّجارب الَّتي تُثْبِتُ
عَجْزَ فخامته إلى أحدِ إنجازاتِه.
وهكذا، يجعلون إنجازاتِ تجارب مشحونةٍ
بالتصميمِ، والاختيارِ الواعي، وتحديدِ الأهداف
يجعلونها إنجازاتٍ عشوائيَّة، وصُدَفيَّة،
وانتخابًا أعمى بلا غايةٍ، ولا فعلِ فاعلٍ.
مش مشكلة! المهمُّ يظهر فخامتُه في الصورة.
(صوت كاميرا)
(صوت كاميرا)
حشرٌ مبتذَلٌ مضحكٌ لفخامة الخرافة
نفرَ منه ثُلَّةٌ من كبار الباحثين وانتقدوه
ومنهم دكاترة في مناصب مرموقةٍ بأمريكا
كالدكتور ماتي لسولا "Matti Leisola"
والدكتور دوغلاس أكس "Douglas Axe"
والدكتورة آن كوجر "Anne Gauger"
وتجد لهم نُقولاتٍ علْميَّةً قويَّة،
غير التي ذكرناها في هذا المقال
لإخواننا في (الباحثون المسلمون).
فهل قدَّم فخامته أيَّ إسهامٍ لهذا البحث؟
هل احتاجه الباحثون بأيِّ شكل؟
سُئِلَتْ الباحثة -إحدى الفائزات بجائزة نوبل-
آرنولد "Arnold" من صحيفة (الجارديان) البريطانية:
"جائزة نوبل مُنِحتْ لكِ على التطوُّر الموجَّه
للإنزيمات، ما هو هذا المفهوم؟"
فأجابت: "إنَّه ببساطةٍ التَّهجين؛
شبيهًا بالمزاوجة بين القطط؛
-يعني الأنواع المختلفة منها- أو الكلاب،
لإنتاج الصِّفات المرغوبة
لكنَّنا فعلنا هذا على مستوى الجزيئات".
إذن، فآرنولد استوحتْ
ممَّا يحدث أمامها من تهجين،
ولا علاقة للموضوع بما كان في الزمان الأوَّل،
ولا بفخامة الخرافة.
هكذا يتم الزجُّ بالخرافة،
وهكذا يحاولون إقناع الناس
أنَّ حياتهم ما كانت لتكون
لولا فخامة الخرافة.
كما في هذا المثال المضحك لمحاضرةٍ بعنوان:
(طبٌّ بلا تطوّرٍ هو كهندسةٍ بلا فيزياء)
يكرِّر فيها المحاضر المغالطات المنطقيَّة،
ويجترُّ فيها أكاذيب قديمة
عن أعضاء بلا فائدة، وأخطاء في التصميم،
والتي كنَّا فنَّدنا مبدأها في حلقات:
(أحرجتك)، و (صحِّ النوم)، و(الكوكتيل).
ويقترح أنَّه لو كانت الكائنات مخلوقةً بعلم
لكان لدى النِّساء سحَّاب يفتحْنَهُ أثناءَ الولادة
بدلًا من المعاناة التي يعانينها.
(بالأنجليزية): "ما الذي يحتاجه النساء
حقيقةً؟ سحَّابًا... أعني...هذه الفكرة كلُّها
عن دفع رأس الطِّفل، عبر العظام...هذا جنون!".
أَرَأَيْتم عِلمَ أتباعِ فخامته؟!!
بَعد هذا، هل يستطيع أتباع الخرافة
أنْ يأتوا ببحثٍ علميٍّ واحد نافع؟
ارتكز على القناعة بأنَّ الكائنات
جاءت بالعشوائيَّة والصُدَفيَّة؟
هل حصَلَ يومًا أنْ ضمَّ فخامتُه
أحدَ الباحثين إليه وقال له:
"يا بنيَّ، هذا العالم الذي تراه
هو صنيع العشوائيَّة والصُّدَفيَّة
لا بفِعْل فاعل، ولا إرادة مريد"؛
فانطلق هذا الباحث بهذه
الأفكار الملهِمة لفخامته؛
واستطاع بها ومن خلالها
أن يأتي لنا باكتشافٍ فيه نفْعٌ للبشريَّة؟
ليست الطَّريقة العلميَّة أنْ تَحشد لي أسماءَ
علماءٍ يُدَّعى أنَّهم يؤمنون بالتَّطوُّر،
بل السُّؤال الذي يُطرَحُ هنا:
هل كان للخرافة الفضلُ في
أيٍّ من الاكتشافات النَّافعة؟
بل قد بيَّنَّا في حلقة (المخطوف)
أنَّ أيَّ عالِمٍ جاء بأيِّ علمٍ نافع
فإنَّه ما فعل ذلك إلَّا بعدما تَنكَّر
لغباء المادية ودعاوى العشوائيَّة والصُّدَفيَّة
بممارساته العلميَّة العمليَّة.
ولو كانوا مقتنعين بالفعل أنَّ هناك
ظواهرًا جاءت بالعشوائيَّة
وأعضاءً بلا فائدة، ومادَّة وراثيَّة خردة
فسيتوقَّف البحث عند هذا الحدِّ
ولا داعيَ للاستكشاف،
كما بيَّنَّا في حلقة (إلهُ فجوات الملحدين).
ومع ذلك، فأتباع الخرافة يمارسون -كالعادة-
استغفالَ الناس وتسخيفَ أفكارهم
ليُمرِّروا عليهم مغالطة
(في عهد فخامة الرئيس).
نعم، ليس للخرافة أيَّةُ فائدة من أيِّ نوع
بل على العكس تمامًا؛ فخرافة التَّطور
أضرَّتْ بالبحث العلميِّ،
وتسبَّبت في هدر أموالٍ كثيرةٍ جدًا،
وأوقاتٍ، وجهودٍ في محاولاتٍ عبثية
للإجابة عن أسئلةٍ مثل:
متى تطور الإنسان والشمبازي
عن أصلهما المشترك؟
ما أنواع الطَّفرات العشوائيَّة التي تسبَّبت
في تطوُّر الإنسان عن الكائنات البدائيَّة؟
اذهبْ واستعرضْ قواعدَ بياناتِ الأبحاث،
مثل: (بب مد) "PubMed"؛ واكتبْ عباراتٍ،
مثل: (بالإنجليزية) إنسان "Human"،
شمبانزي "Chimpanzee"
التطور "Evolution"،
المحتو الوراثي "Genome"
وانظر إلى الآلاف من الأبحاثِ
المعمولةِ في ذلك،
ثم هات لي فائدةً واحدةً من الأبحاث
المبنيَّة على وهم الخرافة.
عندما تنظر في أدلَّة الخرافة فلا ترى
سوى الكذب والمغالطات المنطقيَّة،
التي فصَّلناها في الحلقات الماضيَّة،
ثم ترى فخامتَه يتسكَّع في شوارع العلم،
باحثًا عن أيِّ اكتشافٍ جديدٍ ليهرول نحوه،
ويزُجَّ نفسَه وتُلتقطَ له صورةٌ مع هذا الاكتشاف
الذي لا ناقةَ له فيه ولا جَمَل؛
فإنَّّّّّّك تدرك حجمَ مأساتِه وبؤسِه.
وترى مع ذلك من بني جِلدتنا من يقول:
[للتأثيرِ الهائلِ والممتدِّ الَّذي
مارسَتْهُ -ولا تزال- النظريَّة
في حقول ونُطُق علميَّة مختلفة ومتباينة جدًا؛
من التَّشريحِ، والنُّسُج، ووظائفِ الأعضاء،
وعلم الأعصاب والدماغ،
وحتى علم الصَّيدلة وتحضير الأدوية،
فضلًا عن علم الأحياء والتَّاريخ الطَّبيعي
-وهو ميدانها العتيد الأصيل-
إلى علْم النَّفس؛ بالذات علْم النَّفس التَّطوُّريِّ،
وعلْم الاجتماع، وعلْم التَّاريخ،
وفلسفة الأخلاق؛ وفلسفة الأخلاق،
والفلسفة السِّياسيَّة
إلى غير هذه النُّطُق والميادين
من العلوم، والفنون].
بالفعل! يَظهَر أثرُها في كلِّ هذه العلوم،
لكن ما هو هذا الأثر؟
[هي نظريَّةٌ مهمَّةٌ،.
لا يمكن للإنسان في هذا العصر
أن يتعاطى مع هذه العلوم والفنون
بجدِّيَّة وفهم وإدراك واسع ومرن
دون أن يفهم هذه النَّظريَّة".
وأظنُّكم أدرَكْتم -إخواني- بعد هذه الحلقة
أنَّ واقع التَّأثير في هذه العلوم هو ببساطة:
(تمَّ في عهد فخامة الخرافة)
لا أنَّك تحتاجها -كما يقول- لفهم هذه العلوم.
نعم، تركت الخرافة بصمتها
في مجالاتٍ كثيرةٍ بالفعل،
لكنَّه أثرٌ مفسدٌ مدمِّر
كما فصَّلنا في حلقة
(رصاصة داروين على الإنسانيَّة)،
حين أدَّت إلى اعتقاد أُناسٍ
بأنَّهم أكثر تطوُّرًا من غيرهم،
وحرَّضتهم على إفناء واستعباد أجناسٍ
أُخرى أقلِّ تطورًا في نظرهم،
ووضعتهم في حدائق لاستعراضهم كالحيوانات!
وحين أدَّت إلى تبرير الجرائم بدعوى
أنَّها نتيجة عودة صفاتٍ حيوانيَّةٍ في الإنسان
الذي تطوَّر عن هذه الحيوانات المتوحِّشة،
وحين برَّرت كلَّ فسادٍ أخلاقي،
كما بيَّنَّا في حلقة
(تزييف العلم: الشُّذوذ مثالًا)
وَلمْ تأتِ الخرافةُ مقابل ذلك
بأيَّة فائدة من أيِّ نوع
اللَّهُمَّ إلَّا فائدةً واحدة
هي أنَّها حين أَوقعت الشَّكَّ في قلوب أُناس
كانت مدعاةً لمحبي العلم
أن يقتلعوها من القلوب
وينقِّحوا العلمَ من زيفها.
فنحن إذْ نستخرجها، نَستخرج معها
خَبَثًا عَلِقَ بها ما كان ليظهر؛
فيَعْظُمُ في قلوبنا اليقينُ بآياتِ الله
المنظورة والمستورة،
وتبيَضُّ صفحاتُ العلم
مصداقًا لقول الله -تعالى:
{فيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطَانُ
ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِه} [الحج: 52]
{فيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطَانُ
ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيْمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52]
وقوله تعالى: -بعدها-
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُم
وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
[الحج: 54]
بهذا نكون قد تكلَّمنا -إخواني-
عن المغالطة الرابعة عشرة
من مغالطات ترويج الخرافة،
وهي مغالطة: (معَه إذًا بسببه..
تمَّ في عهد فخامة الخرافة).
يبقى السُّؤال الَّذي يتكرَّر كثيرًا:
إن كانت الخرافة بهذا الفشل،
فلماذا يُظهر كلُّ هؤلاء العلماء الاقتناع بها؟
لماذا يَرْضوْن أن يُنْسَب
إليها الفضل في اكتشافاتهم؟
هل صحيحٌّ أنَّ (99%) من العلماء
يؤمنون بنظريَّة التَّطوُّر؟
أسئلة سنجيب عنها في الحلقة القادمة
بإذن الله،
فتابعوا معي.