تحرير المرأة الغربية - القصة الكاملة
السَّلَامُ عَليكُم ورَحمةُ اللهِ
نحنُ الآنَ فِي القَرنِ الـ 19
الميلادِيِّ في أورُوبَّا،
تحديدًا في بريطانيَا،
نَحضُرُ هذا المَزادَ العَلَنيَّ
ما البِضَاعةِ التِّي يَعْرِضُها البَائِعُ يَا تُرَى؟
-إنَّها زَوْجَتُه
-زَوْجَتهُ؟!
-نَعم، كَانَ بَعضُ الرِّجالِ يَبِيعُونَ زَوجَاتِهم
اكتب بيعُ الزَّوجَاتِ "Wife Selling"
في مَوْقعِ هستوري "History" مَثلًا
لِترَى تَوثيقًا لهذِهِ العَادةِ،
فَبَيعُ الزَّوجةِ كان أَوفرَ مِن تَكاليفِ طَلاقِها،
وكان يُسَاعدُ الرَّجُلَ في سَدادِ بَعضِ دُيُونه،
وهُناكَ رُسوماتٌ في الأرشِيفِ
التَّاريخِيِّ الغَربِيِّ لهَذهِ الظَّاهِرَةِ
المَرأةُ المُزعجَةُ لِزوجِهَا -اللي بتنق-
وبالمنَاسبةِ نفسُ الكَلمةِ بالإِنْجليزيَّة
المرأة المُلِحّة "Nagging Woman"، بتنُق
كَانت إِحدَى العُقُوباتِ المُستَخدَمَةِ معهَا
لِجَامُ التَّأنِيبِ "Scold's Bridle"
قَفصٌ حَدِيديٌّ لِلرَّأسِ، تَبرزُ مِنهُ
للدَّاخِلِ قِطعَةٌ لِتُوضعَ تحتَ اللِّسانِ،
بحيثُ لا تَستطيعُ المَرأةُ التَّكلُّمَ،
وتبقَى مُعاقَبةً بهِ لسَاعاتٍ
وبإمكَانِكَ حضورُ هذَا الفِيلم عن لِجامِ التَّأنِيبِ؛
لترَى كيفَ كانُوا يَصِفُونَ
صوتَ المَرأةِ -إذا أزعَجت- بِالنُّباحِ
ويستَخدِمُونَ معها هذا اللِّجامَ
الذِي استُخدِم أيضًا لِعقَابِ المرأةِ
التِي تَنشُرُ الإشاعاتِ، أو تَنُمُّ بينَ النَّاسِ
أشكالٌ مُتنوِّعةٌ من الظُّلمِ وَقعت على المرأةِ
وبِشكلٍ أَكبرَ في نِساءِ الطَّبقاتِ الدُّنيَا اجتِماعِيًّا
لِمن تَلجأُ هَذهِ المَرأةُ؟
كانَ يُمكنُ أَنْ تَبحثَ المَرأةُ
عنِ العَدلِ بَينَها وبينَ الرَّجُلِ،
وعن تَحصِيلِ حقِّهَا بِإحقاقِ الحقِّ وإبطالِ الباطلِ،
لكن هذهِ المَعَانِي -الحقُّ،
والعدْلُ- تحتَاجُ وَحيًا ربَّانيًّا،
مَرجِعًا يتَّفِقُ عليهِ الرَّجُلُ والمرأَةُ معًا
نَظرَتِ المرأَةُ الغَربيَّةُ في النُّصوصِ
الدِّينيَّةِ لَديهَا فِي دِينِها،
فَوَجَدَت أنَّ المرأَةَ عليهَا أنْ
تَتعلَّمَ بِسُكوتٍ وَبِكلِّ خُضوعٍ
وأنَّهُ لا يُؤذَنُ لها أنْ تُعلِّمَ
ولَا تَتسلَّطَ على الرَّجلِ
-لماذَا؟
-لأَنَّها حَوَّاءُ؛ حَوَّاءُ هيَ التِي أُغوِيَت وتَعدَّت،
فَأغوَت آدمَ فَهيَ أصلُ الخَطيئَةِ،
وهيَ تَسبَّبَت فِي شَقاءِ الجِنسِ البَشرِيِّ؛
لذَا فإنَّ الرَّبَّ -حَسبَ نُصوصِ دِينِهَا-
يُعاقِبُهَا بِأتعَابِ الحَملِ والوِلادَةِ،
وجَعْلِ الرَّجُلِ سَيِّدًا عليهَا
قَرأَتِ المَرأةُ الغَربيَّةُ فِي نُصوصِ دِينِهَا أَنَّهَا
خُلِقَت مِن أَجلِ الرَّجُلِ، ولَمْ يُخلَقِ الرَّجلُ مِن أَجلِهَا
وأنَّهُ يُمكِنُ لِلرَّجلِ أنْ يَبِيعَ ابنتَهُ،
وَمَرَاجعُ هَذهِ النُّصُوصِ تَجِدُونَها في التَّعلِيقَاتِ
لِذَا فإنَّ كثِيرًا منَ النِّساءِ الغَربِيَّاتِ لمْ يَرينَ
في دِينِهِنَّ مُنقِذًا لَهُنَّ مِن حالةِ الظُّلمِ
طَيِّب، إِذَا لمْ يَكُنِ المَرجِعُ للمَرأةِ وَحيًا رَبَّانيًّا
يُرَسِّمُ الحُدُودَ وَيُبيِّنُ حُقوقَ المَرأةِ وَوَاجِبَاتِها
عَلى أَساسِ الحَقِّ والعَدلِ،
فَعَلَى أَيِّ أَسَاسٍ تُنصَفُ المَرأةُ؟
لَم يَبقَ إلَّا القِيَمُ التِي يُعلنُ الغَربُ
أنَّهُ يَحتكِمُ إليها، قِيَمُ الحُرِّيَّةِ والمُسَاواةِ
إِذَن، لا بُدَّ أنْ تُحقِّقَ المرأةُ الحُرِّيَّةَ،
وأنْ تُحَقِّقَ المُسَاواةَ مَع الرَّجُلِ
طيِّب، مَاذا إذَا كَانت بعضُ أشكالِ هذهِ
الحُرِّيَّةِ والمُساواةِ تُعَارِضُ الحَقَّ والعَدلَ؟
مَنِ الذِي يُفتَرضُ أنْ يُحَدِّدَ الحَقَّ والعَدلَ؟
-الدِّينُ
-قُلنَا لَكَ! الدِّينُ بِالنِّسبَةِ لنَا خَصمٌ، لَا حَكَمٌ
وَهكذَا انطَلَقَت ثَورَةُ تَحريرِ المرأةِ الغَربِيَّةِ
"Woman Liberation"
بِبَوصلةٍ بَشريَّةٍ، لا رَبَّانيَّةٍ
وكالعَادةِ فإنَّ كُلَّ جُنوحٍ في اتِّجَاهٍ،
يَكُونُ سَببًا للجُنوحِ في الطَّرفِ الآخَرِ،
فَظَهرتْ معَ ثَورةِ تَحرِيرِ المرأةِ نَزعةُ
النَّسَوِيَّةِ "Feminism"،
التِي انتَقلَتْ إلى مرحَلةِ التَّحدِّي
للذُّكورِ، والنِّدِّيَّةِ والعِدَائِيَّةِ،
وكأنَّهُ انتِقامٌ للظُّلمِ التَّاريخِيِّ،
وانْطلقَتِ الشِّعاراتُ النَّسَويَّةُ التِي مُلخَّصُها:
أنَّ الرَّجلَ لا يُؤتَمنُ أَبَدًا،
وأنَّ المرأةَ لا بُدَّ أنْ تَكُونَ نِدًّا لهُ،
وتُنافسَهُ فِي كلِّ شَيءٍ،
وأنَّ المرأَةَ يَجبُ أن لَا تُضَحِّيَ مِن أجلِ أيِّ شخصٍ،
لا أحَدَ يَستحِقُّ تَضحِيتَكِ إلَّا نَفسَكِ وبَناتُ جِنسِكِ،
يَجِبُ ألَّا يَكُونَ لأَحدٍ سُلطَةٌ عَليكِ
وأن لَا تَحتَاجِي أَحدًا،
فَلسْتِ بحَاجةٍ لا إلى زَوجٍ
ولَا إلى أَخٍ ولا إلى أَبنَاءَ
قُدْرَتُكِ على الإنفَاقِ -على نَفْسِكِ-
هيَ مَصدرُ احتِرَامِكِ لذَاتِكِ،
فإذَا سَمَحتِ لأَحَدٍ أنْ يُنفِقَ عَليكِ
فَقد فَقَدتِ كَرامَتكِ وأصبَحتِ مُستَعبَدةً،
فَلا بُدَّ مِن أنْ تَستقِلِّي مَاليًّا
هُنا، ظَهرَتْ بَعضُ الأَصواتِ العَاقِلةِ مُنادِيَةً؛
أَنَّهُ إذَا أَصبَحَتْ قِيمَةُ المرأةِ تُقَاسُ
بِإنتَاجِها المَادِّيِّ فمَنْ سَيَرعَى الأبناءَ؟
وإذَا أَصبَحَتِ العَلاقةُ مع الأزواجِ
نِدِّيَّةً، فَمنْ سَيَقُودُ الأُسرةَ؟
ومنْ سَيَنفُذُ رَأيُهُ في النِّهايةِ؟
هذا كُلُّهُ يُهدِّدُ بِتَدميرِ كيِاَنِ الأُسرةِ
أولادٌ! أُسرةٌ!، فلْيَذهبُوا إلى الجَحِيمِ،
أنتُم ترِيدونَ استعبَادَ المرأَةِ من جَديدٍ
تحتَ هذهِ المُسمَّياتِ البرَّاقَةِ،
قُلنا لَكم: لا أحدَ يَستَحِقُّ تَضحيَتِي إلا أَنا،
وطُمُوحاتِي، وتَحريرُ بناتِ جِنسِي،
لنْ أسمحَ لشيءٍ أن يَقِفَ عائقًا
في طرِيقِ مَطالِبِيَ العَادِلةِ
أنا مَظلومَةٌ! كَفَاكُم ظُلمًا!
وبهذا تمَّ التَّنميطُ "Stereotyping"
لكُلِّ الأصواتِ المُطالِبةِ بِحمَايةِ
كَيانِ الأُسرةِ والمجتَمعِ،
بأنَّها تُحارِبُ حُرِّيَّةَ المرأةِ
وتُريدُ العَودةَ بهَا إلى الاستِعبادِ والظَّلامِ
وتَمَّ تَغذِيةُ عُقدَةِ المَظلوميَّةِ لَدى المرأةِ
لِتُبرِّرَ أيَّ تَصرُّفٍ مَهمَا كان،
ظُلِمَتْ كثيرًا، مَاذا فِيها -حتَّى وإِنْ ظَلمَتْ قَليلًا-
لِتَحصُلَ على حُرِّيَّتِها ومُساواتِها؟!
يَظهرُ هذا في تَصريحَاتِ
كَثيرٍ مِن قَائِدَات النَسَوِيَّات،
مِثلَ الأَمرِيكيَّةِ هيلين سولينجر
"Helen Solinger"، القَائِلةِ:
"لَقدْ رَوَّجَ علينا الرِّجَالُ فِكرَةَ الزَّواجِ،
ونحْنُ الآنَ نَعلمُ أنَّ مُؤسَّسةَ الزَّواجِ هي
التِي أَفشَلتنَا، وعلينا أنْ نَعملَ على تَدميرِها،
إِنهَاءُ مُؤسَّسةِ الزَّواجِ
شرطٌ أسَاسيٌّ لتَحريرِ المرأةِ؛
ولذَا فَعلينَا أنْ نُشجِّعَ النِّساءِ
على تَركِ أَزواجِهنَّ لا أنْ يَعِشنَ مَعهم،
يَجِبُ إعادةُ كِتابةِ التَّارِيخِ -كامِلًا-
عَلى ضوءِ الظُّلمِ الذِي تَعرَّضَتْ لهُ المرأةُ"
وهُناكَ الكثِيرُ منَ التَّصرِيحاتِ
المُمَاثِلةِ للقِيَاداتِ النَّسوِيَّةِ
هذهِ المرأةُ -المَظلومةُ الثَّائرةُ
التِي كلُّ تَصرُّفاتِها مُبرَّرَةٌ-
كانتْ غَنيمةً لتُجَّارِ القَضايَا منَ السَّاسةِ،
وكِبارِ الرَّأْسماليِّينَ، ودُعاةِ الفَوضَى الأَخلاقِيَّةِ،
وأصحابِ الملفات الخاصَّةِ،
وَعامَّتُهم منَ الرِّجالِ -بِالمُنَاسبةِ-،
فَركِبَ هؤُلاءِ مَوجَةَ النَّسوِيَّةِ وتحريرِ المرأةِ،
وهُوَ مَا اعتَرفَتْ بهِ بعضُ النَّسوِيَّاتِ
أَنفُسِهنَّ في نِهايَةِ المَطَافِ،
كمَا فِي هذَا المَقالِ الذِي كَتَبَتهُ النَّسوِيَّةُ
نانسي فرِيزر "Nancy Fraser"
في الجارديان "The Guardian"
البريطانية بِعُنوانِ:
"كيفَ تَحَوَّلتِ النَّسوِيَّةُ إلى
خَادمَةٍ في يَدِ الرَّأسماليَّةِ؟
وكَيفَ تَستعِيدُ زِمَامَ أَمرِهَا مرَّةً ثَانيةً؟"
وقَد أَقرَّتْ إِحدَى أشهرِ النَّاشِطَاتِ النسويَّات،
الأمريكيةُ جلوريا ستاينم "Gloria Steinem"
في مُقابَلةٍ مَنشُورةٍ دُونَ تَحرُّجٍ
أنَّها تَلقَّتْ دَعمًا مَاليًّا مِن وَكالةِ
الاستِخبَاراتِ المركزيَّة الأَمرِيكيَّةِ
سي آي إيه "CIA" لدَعمِ نَشاطاتِهَا،
انتقَدَها بَعضُ النَّسوِيَّاتِ
أنَّها تَحرِفُ مَسارَ الحرَكةِ النَّسوِيَّةِ
فَخرجَتْ في هذهِ المُقابلةِ مُبرِّرَةً فِعلَها،
ستايْنم هَذهِ كَانتْ مِنَ المُؤسِّساتِ
لمجَلَّةِ مِس مَغازِين "Ms. Magasine"
التِي تُصدِّرُ فِكرَةَ المرأةِ المُتحدِّيَةِ المُستقِلَّةِ
المرأة الخارقة "Super Woman"،
وكَانتْ تُشرِفُ عَلى مَركزِ
خَدمَاتِ الأَبحاثِ المُستقلَّةِ
إندبندنت ريسيرش سيرفيسز
"Independent Research Services"،
لاحِظْ "الأبْحاثُ المُسْتقِلَّةُ"،
معَ أنَّهَا تَتلقَّى دَعمًا مِن جِهَاتٍ سِيَاسيَّةٍ،
ما الذِي استفَادهُ السَّاسةُ وأصحابُ رُؤوسِ الأموالِ
فِي أَمرِيكا، وأُوروبَّا مِن رُكُوبِ
مَوجةِ النَّسوِيَّةِ وتَحريرِ المرأةِ؟
أوَّلًا، عَملُ المرْأةِ لتُثبتَ نَفسَها
وتُحقِّقَ استِقلَالَها؛
يَعني تَحصيلَ ضَرائِبَ عنْ نِصفِ المُجتمعِ
الذِي كَانَ يَعملُ فِي البُيُوتِ عَمَلًا لَا ضَرائِبَ عليهِ
وستُشَكِّلُ عَمالَةً أَرخَصَ مِنَ الرِّجَالِ،
ولَازَالَ التَّفريقُ في الأُجُورِ
والتَّرقِيَاتِ قَائِمًا حَتَّى اليَومِ
ثمَّ هَذهِ المَرأةُ التِي سَتخرُجُ لِلأَجوَاءِ المُختَلطَةِ
أَصبَحَتْ تَصرِفُ مَالهَا على التَّجمِيليَّاتِ
والمُبَاهاةِ والمُنافَساتِ المَادِّيَّةِ،
وهَذا بِدَورهِ يَصُبُّ فِي صَالِحِ المَادِّيَّةِ الرَّأْسمَاليَّةِ
ثَانيًا، سِياسةُ فَرِّق تَسُدْ،
وتَعزِيزُ الفَردِيَّةِ والفِئَويَّةِ،
بِحيثُ تَكونُ الدَّولَةُ -أو بالأَصَحِّ مَن يَرسُمُ
سِيَاساتِهَا- هُمُ الحَكَمَ بَينَ الأَفرادِ في خِلَافَاتِهِم
مِمَّا يُضعِفُ التَّوَجُّهاتِ المُطَالِبةَ بِالحَدِّ مِن جَشَعِ
وَتَسلُّطِ أصحَابِ رُؤوسِ الأموالِ في هَذا العَالَمِ
الذِي يَمتَلِكُ 1% منهُ أَكثرَ مِن نِصفِ
ثَروَتِهِ حَسبَ مَقالٍ في الجَارديَانِ البرِيطَانيَّةِ،
وقَد بيَّنَ كتابُ ذا مايتي
وورلتزر "The Mighty Wurlitzer"
اتِّبَاعَ السَّاسَةِ لهذهِ الطَّرِيقةِ فِي اختِراقِ
الفِئَاتِ، كَالنِّساءِ والسُّودِ
ثالثًا، النِّدِّيَّةُ بَينَ الأُمِّ والأَبِ
وانشِغَالُهُمَا عنِ الأَبناءِ؛
يَعنِي تَفتِيتَ الأُسرةِ وفُقدَانَها لِدَورِها المركزِيِّ
في تَربيَةِ الأبناءِ على مَا يَعتَقدُهُ الوَالِدانِ،
وبالتَّالِي يُصبِحُ المُرَبِّي هُو المَدرَسةُ، والدَّولَةُ،
ويُملِي المُتَحكِّمُونَ فِي سِياساتِها مَا شَاؤوا
مِن التَّوَجُّهَاتِ عَلى هَذهِ القُلوبِ الصَّغِيرَةِ
وَقد شَاعَ في أَمرِيكَا مُصطلحُ
"العَائلَةُ النَّووِيَّةُ تَمَّ تَذوِيبُهَا"،
وَقدِ استَفادَ السَّاسَةُ فِي ذَلكَ
مِن مُعَاداةِ النَّسوِيَّةِ لِكِيَانِ الأُسرةِ،
تَقُولُ النَّسوِيَّةُ
ماري بين "Mary Bane":
"حتَّى نُنْشِئ الأَبْناءَ بالتَّسَاوِي بينَ الجِنسَينِ
عَلينَا أنْ نَأخُذَهم بَعيدًا عنِ العَوائِلِ،
ونُرَبِّيَهُم تَربيَةً مُجتمعِيَّةً"
وَبالفِعلِ تَفَكَّكَتْ كَثيرٌ منَ الأُسرِ،
ووَصلَتْ نِسَبُ الأَولادِ المُشَرَّدِينَ
فِي أَمرِيكَا أَرقامًا تَارِيخيَّةً،
كَمَا فِي تَقرِيرٍ نَشرَتهُ صَحِيفَةُ
النيوزْوِيك "Newsweek"
حَيثُ فِي عَامِ 2013 مثلًا
عَانَى 2.5 مِليُونَ طِفلٍ منَ التَّشرُّدِ،
بَعضُ هَؤلَاءِ الأطفالِ
هَارِبُونَ مِن بيُوتِهمُ المُفكَّكَةِ،
الأَبُ مَشغُولٌ، والأُمُّ مَشغُولةٌ،
أَو مُتخاصِمانِ مُتَصارِعانِ،
وَالابنُ أوِ البِنتُ لَا أَحدَ يَهتمُّ بهِ،
أَو تُسَاءُ مُعامَلتُهُ؛ فَيهرُبُ أوْ تَهرُبُ،
وهُناكَ قِسمٌ مُخصَّصٌ مِن وِزَارةِ العَدلِ الأمرِيكيَّةِ
لِظَاهِرَةِ الأولَادِ والبَناتِ الهَارِبِينَ
"Children or Ran Away Youth"
هؤُلاءِ الأَولادُ والبَناتُ -بِلَا مَأوى- يَتفشَّى فِيهِم
بِشكلٍ كَبيرٍ؛ المخَدِّراتُ، والأَمراضُ النَّفسيَّةُ،
والتَّعرُّضُ لِلإهَانةِ، والاستِغلالِ الجِنسيِّ،
حيْثُ يَبِيعُ بَعضُهم نَفسَهُ للمُمَارساتِ الجِنسيَّةِ
مُقابِلَ المَأوَى، والأَرقامُ فِي تَصاعُدٍ مُستَمِرٍّ
ماذا عن المرأة؟ والتي استُخدِمَت كأداةٍ للسَّاسة
وأصحابِ رؤوسِ الأموال في تحقيق هذا كلِّه.
هل حصَّلتْ لنفسها حقًّا، أو عدلًا كما
كان ينبغي أن تكون مطالباتُها؟
بل هل حقَّقت حُرِّيَّةً ومساواةً كما كانت تتمنَّى؟
تعالوا الآن نرى قصَّتها بحقائقَ وإحصائياتٍ
من كبار المواقعِ الغربيةِ،
وأظنكُّم -إخواني وأخواتي-
ستُصدمُون بما ستسمعون اليومَ.
لكن، قبل أن نُتابِع ،
بعضُ مَن يسمعُ هذا الكلامَ يتأهَّب ويستعدُّ ليقولَ:
طيِّب ما المسلمين برضو عندَهم ظُلم للمرأة،
أنتَ تنكرُ أنَّ مجتمعاتنا فيها قصصٌ
كثيرةٌ من الظُّلم للمرأة؟!
أقولُ لك: وما علاقةُ سؤالِك بموضوعِنا؟
ما الفائدةُ مِن هذه المقارنةِ؟
هل الهدفُ مِن كلمتي هذه هو إجراءُ
مقارَنةٍ إحصائيَّة بين مجتمعاتِنا ومجتمعاتِهم؟
أم هل الهدفُ تبرئةُ الرجالِ في
مجتمعاتنا من أيِّ ظلمٍ للمرأة؟
بل نحن نُدرِك تمامًا أن مجتمعاتنا
مليئةٌ بأشكالِ الظلم للمرأة ولغيرِها،
ويَتزايدُ فيها الشقاءُ للرجل وللمرأة،
وإنما نَطرُق هذا الموضوعَ؛ للمساهمة في رفعِ
هذا الظُّلمِ، وإيقاف البؤسِ والشَّقاء.
الدُّول الغربيَّة والمنظَّمات الدَّولِيَّة
والأُمميَّة تَعرِضُ خدماتِها
لمساعدةِ المرأة المسلمة على طريقتِهم الخاصَّة.
والأفكارُ النَّسَوِيَّة ألقت بظلالها
بقوة على مجتمعات المسلمين؛
لذلك فموضوع كلمة اليوم هو تحديدًا
عَرضُ قصَّة المرأة الغربيَّة؛
لنرى هل هؤلاء الذين يَعرِضون خدماتهم
حَلُّوا مشكلة المرأة لديهم بالفعل؟
هل حقَّقوا لها العدلَ؟
بل هل حقَّقوا لها الحريَّةَ والمساواةَ؟
هل هم يُريدون خيرًا للمرأة المسلمة بالفعل؟
هذا الطريق الذي يريدون وضع قَدَمِ
المرأةِ المسلمةِ والمجتمعات المسلمة عليه؛
ما نهاياتُه؟
لذلك -يا كرام ويا كريمات-
دعونا نعرض القصَّة دونَ تقطيعٍ،
دون ما أضطرّ كل شويَّة أقول لكم:
أودُّ التَّأكيد على أنَّ الظُّلم الحاصل
في بلادنا لا يُمثِّلُ الإسلامَ،
لا تظنُّوا أنِّي ضدَّ عَمَلِ المرأة بكافَّة أشكالِه.
أرجو ألَّا تُسيؤُوا فَهمي بكذا وكذا.
دعونا من حالة الدِّفاع الَّتي
يضعُنا عدوُّنا فيها دائمًا
ولْنَتَعاون كمسلمين ومسلماتٍ،
إخوةً وأخواتٍ، على تشخيص المشكلةِ
وتمييز الحلِّ الحقيقيِّ من الحُلولِ الزَّائفة
الَّتي لا تزيدُنا إلَّا بُؤسًا وشقاءً.
إذن، المرأةُ الغربيَّةُ
تَعالَوا نُرافقُها مَحطَّةً مَحطَّةً.
الفتاةُ المشرَّدةُ في الشَّارع أو في بيت أهلِها
لكنَّها مُستقلَّة ، وتُريد أنْ تصرفَ على نفسِها،
أو لم يَعُدْ معها ما يكفي لمتابعة
الدِّراسة في الجامعة. ما الحل؟!
هناك ظاهرةٌ في بلاد الحريَّة
نتورَّعُ عن ذكر اسمِها
تبيعُ فيها هذه الفتاةُ المحتاجَةُ للمال
عِرْضَها لرجلٍ يَكبُرُها سنًّا - في سنِّ والدِها -،
فيستأجِرُها جِنسيًّا ويصطحبُها معه
كجزءٍ من ديكوره، مُقابِلَ مبلغٍ من المال.
يعني تعمل (بالإنجليزية): عملًا جزئيًا في
البِغاء، وتبقى طالبةً في الجامعة.
هذه مقابلةٌ مع أحد المشترين لِعِرض ستةٍ مِن
الفتيات بمالِه، وانظروا قِيمةَ المرأةِ عندَه.
[تومي كان يعمل إداريًّا في
مجال تقنية المعلومات،
وقد تقاعدَ، ومعه ما يكفي لأن يَصرِف مبلغ
150 ألف دولار سنويًا على أولئك الفتيات،
هو يقول أنَّ ذلك أرخص من الزَّواج،
وأنَّه مبلغ ضئيلُ مقارنةً بما يحصل عليه هو]
(بالإنجليزية): [حينما تدخل إلى غرفتك
وبرفقتك امرأة جميلة
فإن ذلك يُعتبر إطراءً لك أنت كرجل.
إنَّه مثْلُ أن تَحضُر بسيارة فارهة،
أو شيءٍ من هذا القَبِيل.
إذن يقول هذا المستأجِر أنَّ الاستمتاعَ بعددٍ من
الفتيات بهذه الطَّريقة أرخصُ من الزَّواج،
وأنَّ الدُّخولَ على مكانٍ بفتاةٍ جميلة
هو مثل أن تظهر بسيارة جميلة.
هذه قيمةُ المرأة عنده.
أصبحَ هناك عدد من مواقع الـ
(بلإنجليزية) "المواقع اللإلكترونية"
لإتمام هذا النَّوع من الِخدمة.
وإحصائيَّات تفصيليَّة عن دَخْلِ الفتيات
من هذا التأجير للأَعْرَاضِ،
وعن أعمارِ وطبيعة أعمال
الذُّكور المشترين للأعراض،
وكيف أنَّ نسبةً كبيرةً من مُشتري الأعراضِ هؤلاء
هم من القيادييِّن في شركات
كُبرى ومن رجال الأعمال.
بالمناسبة، لعلَّكم أُصِبتم بالاشمئزازِ
وأنتم تسمَعون هذا الشَّخصَ
الَّذي يتكلَّم عن النِّساء كسلعةٍ جنسيَّة
جُزء من ديكوره، كشيء "Thing"
وليس كإنسانة "Human".
لكن ماذا إذا علِمتم أن التَّعامل مع المرأة
كشيءٍ، أو سلعةٍ، أصبحَ هو الأصل في الغرب؟
في بحثٍ منشورٍ سُئِل عددٌ من الأمريكان عن الصِّفة
التي يقدِّرونها أكثرَ شيءٍ في الرِّجالِ والنِّساءِ،
فجاءت الأمانةُ والأخلاقُ على
رأس القائمة بالنِّسبة للرِّجال،
بينما في حالةِ النِّساءِ
كانت الصِّفة الأهمّ
الَّتي يُقدِّرُها الشَّعبُ الأمريكي
هي (Physical Attractivness)
"الجاذبيَّةُ الجسميَّةُ".
إذن تقديرُ المرأة مَرهونٌ بجاذبيَّتها الجسميَّة
وهذا يقود إلى ظاهرة ٍمُهمَّة يسمُّونَها:
(Sexual objectification of women)
يعني "التَّسليع الجنسيّ للنِّساء".
التَّعامل مع المرأة على أنَّها شيء للاستعمال،
سِلعة جنسيَّة،
لا إنسانةٌ، تُقيَّمُ بإيمانها، وأخلاقها
وأمانتها، ولا حتى بذكائِها ومهاراتِها.
هذا بحثٌ في الموضوع تمَّت
الإحالةُ إليه مئات المرَّات،
وهناك عشرات الأبحاث العلميَّة
المنشورة عن هذا الموضوع،
عن: (بالإنجليزية) (التَّسليع الجنسيّ للمرأة)
وهذه الأبحاث بالمناسبة - إخواني -
لا تتحدَّثُ عن تسليع المرأة كظاهرةٍ خبيثة،
لا إنسانيَّة، يجب محاربتُها،
بل كظاهرةٍ تُدرَسُ
عِلميًّا لتحليل آثارها النَّفسيَّة بحياديَّة.
تذكر هذه الأبحاث أنَّ عامَّة النِّساء أصبَحن
يَرينَ أنفسَهنَّ كَسِلَعٍ جنسيَّةٍ للرِّجال،
وأنَّ الإعلام يُكرِّسُ هذه النَّظرةَ،
والمجتمعُ يُكرِّسُها،
وحتى (بالإنجليزية) ألعاب الفيديو تُكرِّسُها،
وأنّ أجسادَ النِّساءِ تُعرَضُ
للدِّعاية وكَديكور،
وأنَّ هذا يُؤدِّي إلى العِناية المفرِطَة
مِن بعض النِّساءِ بأشكالهنَّ،
وإمضاء أوقاتٍ طويلةٍ أمامَ المِرآة
ويُؤدِّي إلى أمراضٍ نفسيَّة لدى بعضهنَّ
بالإصابَة بالِخزي من أجسادهنَّ (Body shame)،
خِزيٌ لأنَّها تُعامَل كسِلعةٍ
جنسيَّة وهي كارهةٌ لذلك،
أو خِزيٌ لأنَّها ليست جذَّابةً في
مجتمعٍ يُقيِّمُها بحسب الجاذبيَّة.
وتذكر الأبحاث أنَّ بعضَ النِّساء
يتعرَّضنَ لأمراضٍ نفسيَّةٍ بسبب ذلك،
ويُقارِنَّ أنفسَهنَّ بالمرأة الدِّعائِيَّة (النَّمطيَّّة)
الـ " Typical"؛
فيّقمنَ بعمليَّات ٍتجميليَّة (Plastic surgery)
أو يستخدمنَ أدواتٍٍ تجميليَّة
لتغيير لون الشَّعرِ، أو الجِلْد، أو العَينين.
لكم أن تتصوَّروا الآن هذه الفتاة
الحُرَّةَ التي تُريدُ أن تُثبِتَ نفسَها،
والَّتي يراها المجتمعُ سِلعةً جنسيَّة،
ويُقيِّمُها بحسب جاذبيتها الجسميَّة.
لكم أن تتصوَّروا ما الَّذي ستتعرَّضُ له
في الشَّارِع،
في وسائل المواصلات،
في الجامعة،
في بيئة العمل،
بل وحتى إلكترونيًّا وهي في بيتها.
أصدرت وكالة الاتحاد الأوروبِّيِّ
للحقوق الأساسيَّة تقريرًا عامَ 2014
بعنوانٍ معبِّرٍ :violence against woman)
(every day and every where
"العنفُ ضدَّ المرأة: كلَّ يومٍ وفي كلِّ مكان".
ويتناولُ التَّقرير كذلك الانتهاكات الجنسيَّة
التي تتعرَّض لها الأنُثى في الطُّفولة،
تعالوا إلى وسائل المواصلات،
الأممُ المتحدة تَنشُر قبل سنتين خبرًا بعنوان:
"الغالبيَّة ُالعُظمى من النِّساء
يتعرَّضنَ لشكلٍ مِن أشكالِ التَّحرُّش
أو العنف الجنسيِّ في تنقُّلاتِهم اليوميَّة".
لاحظ! الغالبيَّةُ العُظمى،
ويبدأ الخبر بأنَّ هذه الإساءات
تفشَّت بشكل وبائيٍّ عالميًّا.
وفي تقريرٍ تمَّ إعداده من عِدَّة جهاتٍ في فرنسا
منها: (وِزارة الدَّولة لحقوق المرأة)
(State Secretary for Women’s Rights)
يقول التَّقرير: أنَّ 100% من النِّساء
اللَّواتي يستخدمنَ وسائلَ النَّقل العامِّ في فرنسا
تعرَّضنَ للتَّحرُّش ِأو الاعتداءِ الجنسيّ.
ووكالة الأنباء الفرنسيَّة تُناقِشُ
أنَّ هذه النِّسبةَ مبالغٌ فيها.
ولك أن تتصوَّر أنَّ الحديث عمَّا إذا
كانت النِّسبة 100% أو أقل.
ماذا عن الفتاة في الجامعة؟
أذكرُ حين دخلتُ جامعةَ هيوستن
الأمريكيَّة لإتمام الدُّكتوراه
كيف وُزِّعَ علينا كُتَيِّبٌ فيه إحصائيَّات.
منها: أنَّ واحدةً مِن كلِّ ثلاث
طالباتٍ تتعرَّضُ للتَّحرُّش،
وما على الطَّالبة أن تعملَه لتتجنَّبَ هذا،
وإن حصلَ فعلى أيِّ رقمٍ تتَّصلُ، وهكذا،
والأمرُ -إخواني- يزدادُ سُوءًا
والنِّسَبُ تتضاعفُ عالميًّا،
حتى في الأوساط العلميَّة التي
يُفترَضُ اجتماعيًّا أنَّها راقيةٌ،
فحسب دراسةٍ نُشرَت العامَ الماضي:
نصفُ طالبات الطّبِّ في أمريكا يتعرَّضنَ للتَّحرُّش،
وفي عامنا هذا 2019 أكثرُ من
نصف الطَّالبات في بريطانيا
يتعرَّضنَ لاستفزازاتٍ جنسيَّة
غيرِ مرغوبٍ بها لديهنَّ
حسب دراسة نَشَرَتْ عنها
"الجارديان البريطانية" "The Guardian"
وقالت أنَّها أكبرُ دراسةٍ في
المجال للطلَّاب والطَّالبات.
هذا التَّحرُّش لا يحترمُ رُتبةً أكاديميَّة
ولا هيبةَ معلِّمٍ،
فهناك تحرُّشٌ من الطَّلاب الجامعيين
بالدّكتورات اللَّواتي يدرّسنَهم،
وتحرُّشٌ من الدَّكاترة بالطَّالبات،
تصوَّر!
أنْ تدخلَ الطالبةُ على الدُّكتور
تُرِيدُ عِلْمًا؛ فيتحرَّش بها.
تخرَّجَت الفتيات الحُرَّات من هذه الأجواء
الجامعيَّة بعد أن تعرَّضنَ إلى التَّحرُّش،
أو على الأقلِّ نصفُهنَّ للتَّحرُّش،
وعليهنَّ الآن البحثُ عن عملٍ،
فعملُ المرأة هو مصدرُ أمانِها الوحيد،
فلا أحدَ مسؤولٌ عنها،
كما أنَّه ليس للأبّ، ولا للأخّ، ولا الزَّوج أنْ
يتدخَّلَ بها؛ فهم كذلك ليسوا مسؤولين عنها.
نحن كثيرًا ما ننسى هذه الحقيقة
في الحديث عن المرأة الغربيَّة،
نتكلَّم عن حرِّيَّتِها، لكن ننسى، أنَّ هذه الحرِّيَّة
مصحوبةٌ أيضًا بالتَّخلِّي عن المسؤوليَّة عنها،
وعن كِفاية حاجاتِها ورعايتها والإنفاق عليها،
لذا فلا بُدَّ للمرأة الحُرَّة أن تُثبِتَ نفسَها في
عملِها؛ لئلا تُطرَدَ منه، فهو مصدر أمانها.
طيِّب ماذا إذا طُلِبَ منها أشياءُ
لا تُناسِب طبيعتَها كأنثى؟
لن تستطيعَ أن تعترِضَ؛ لأنها أقرَّت بمفهومِ
المساواة المطلَقة مع الرِّجال في كلِّ شيء
وعليها أنْ تعملَ في أيِّ شيءٍ يأتي بالمال،
وقد تصِل لمرحلةِ المحافظةِ على عملِها
-مصدرِ أمانِها الوحيدِ-
باستخدامِ عِرضِها أيضًا.
وهذا مقالٌ نُشر في ال (بي بي سي)
البريطانيَّة عام 2002 بعنوان:
"واحدةٌ مِن كلِّ أربعِ نساء -يعني في بريطانيا-
تُمارِسُ الجنسَ في مكتبِ العملِ" (office sex).
كان هذا عامَ 2002 لكنَّ الأمرَ يزدادُ سُوءًا،
ففي آخر إحصائيَّات موقع
(سيفلاين) Safeline البريطانيّ
الَّذي يُعنى بمُساعدَة النِّساءِ المتعرِّضاتِ للتَّحرُّش
فإنَّ أكثرَ مِن نصفِ النِّساءِ في
بيئات العملِ يتعرَّضنَ للتَّحرُّش،
ونسبةٌ منهنَّ تتعرَّضُ له من مُديرِها،
أو مَن له سُلطةٌ وظيفيَّةٌ عليها.
وفي دراسةٍ ضخمةٍ جدًّا في أمريكا كانت
نسبةُ التّحرُّشِ بالنِّساءِ في مكانِ العملِ (58%)،
ونِسَبٌ عاليةٌ من تحرُّشِ
الأطباءِ بالطبيباتِ كذلك.
وكذلكَ في أجواءِ التمِّريضِ المعروفِ عنها
أنها مهنةٌ إنسانيَّة،
كما في هذه الدراسةِ الأمريكيَّةِ
التي تشيرُ إلى أنَّ أكثرَ من (70%) من الممرِّضات
يتعرَّضنَ للتَّحرُّشِ من المرضى وزملاءِ العملِ،
بل بلغَت المسألةُ أنْ يَّطلبَ صاحبُ العملِ -الذكرُ-
من المرأةِ الموظَّفةِ صراحةً
أن تتبذَّلَ في لِباسِِها لتُسوِّقَ بضاعتَه،
حتى احتجَّ مجموعةٌ مِّن نَّادِلاتِ المطاعمِ
يطالبْنَ بتدخُّلِ السُّلُطات الأمريكيَّةِ
لتحريرهنَّ من سُلطةِ أصحابِ المطاعمِ
الّذين يُطالبُونَهنَّ بالتبذُّل في اللِّباس،
وكان الشعارُ المركزيُّ في المظاهرةِ:
"أنا لستُ ضمنَ قائمة ِالطعامِ"
(يعني يُفترضُ أنَّ الزَّبونَ جاء ليتناولَ الطعامَ،
لا ليشتريَني أنا).
هذا كلُّه -إخواني!- ونحن لم نتكلَّمْ عن النِّساء
اللواتي طبيعةُ عملهنَّ في الفاحشة،
فحسبَ مجلةِ (إيكونوميست The Economist)
فإنه يقدَّرُ أنَّه في ألمانيا (400,000) بغيٍّ
يخدِمْنَ مليونَ رجلٍ يَّوميًّا.
طيِّب المرأةُ العاملةُ طُردَتْ من عملِها
لسببٍ مِّن الأسباب،
أو فَرَّت بأُنوثتِها من هذه الأجواءِ
المسعورةِ جنسيًّا،
-مش مشكلة سيرعاها زوجُها، أخوها، أبوها،
القائمون عليها، المسؤولون عنها.
-مسؤوليَّة مين؟!
إنت نسيتَ أنَّها اعتمدتْ على نفسِها؟!
وأثبتتْ نِدِّيَّتَها واستقلاليَّتَها،
ورفضَتْ تدخُّلَ هؤلاءِ جميعًا فيها،
بل وهم أصلًا تخلَّوا عنها.
-طيب والحل؟!
-هناكَ ضمانٌ اجتماعيٌّ.
-طيِّبٌ وإذا الضمان الاجتماعي مكفاش؟!
أو تأخَّرَ في إعطاء الراتب؟!
-يأتيكَ الجوابُ من مَّقالٍ
نُّشِرَ في (BBC) البريطانيَّةِ قبلَ عامٍ بعنوان:
"نظامُ الضَّمانِ الاجتماعيِّ
في بريطانيا اضْطرَّني للدَّعارة"
ويبدأُ المقالُ بقوله:
"يُجبَرُ بعضُ النِّساءِ في بريطانيا
على العملِ في مجالِ الدَّعارةِ
بسببِ غيابِ كفاءةِ نظامِ الضَّمانِ الاجتماعيِّ".
تحدَّثتْ (BBC) إلى خمسِ مؤسساتٍ خيريَّةٍ
في إنجلترا وعَلِمَتْ أنَّ عددًا مُّتزايدًا مِّن النِّساء
اللَّواتي يعتمدْنَ على نِظامِ الضَّمانِ الاجتماعيِّ
يُضطرَرْنَ لهذا"
وعندما تعملُ المرأةُ في مجالِ إهدارِ كرامتِها
فإنَّها تُشغِّلُ قِطاعًا آخراً مِّن القِطاعاتِ
التي يملِكُ حِيتانُ الرأسماليَّةِ حِصصًا مِّنها،
قِطاعَ الكازينوهات والنَّوادي الليليَّةِ.
والملفتُ للنَّظَرِ أنَّ النِّسبةَ العظمى من النِّساءِ
اللواتي يتعرَّضنَ للتَّحرُّشِ والاغتصابِ
في وسائل النَّقلِ، في الجَّامعةِ، في بيئةِ العملِ
لا يشتكينَ للسُّلُطات!
قد تظنُّ أنَّه هذا يحصلُ لأنَّها تستمتعُ بذلك،
It is okay بالنِّسبةِ لها، أن تتعرَّضَ للتَّحرُّشِ
أو الاغتصابِ وتعتبرُ ذلكَ إطراءً على أنوثتِها!
ليس صحيحًا،
بلِ النِّسبةُ العظمى منهنَّ يعانِينَ بعدَ هذا
التَّحرُّشِ أو الاغتصابِ من الإهانةِ
(الشعور بالإهانة)، وهجماتِ الرعبِ
الـ(Panic Attacks)،
والاكتئابِ، والشّعورِ بالخزيِ، واحتقار الذّاتِ،
والرَّغْبةِ في الانتقامِ، بلْ وأمراضٍ عضويَّةٍ،
وقد تتركُ دراستَها أو عملَها بسببِهِ،
حسْبَ مكتبِ ضحايا الَّجرائمِ الأمريكي.
طيب لماذا لا يشتكِينَ إذن؟!
لأسبابٍ كثيرةٍ؛ منها:
الخوفُ من تأثيرِ الشَّكوى على وظيفتِها،
ومنها الإحساسُ بالخجلِ والعارِ ممَّا حصلَ معها،
ومنها عدمُ امتلاكِ الأدلَّةِ الكافيَّةِ.
المعتدي يعتدي عليها في زاويةٍ مُّظلمةٍ
أو بعيدًا عن العيونِ
فلا دليلَ ولا إثباتَ، ويُفلِتُ من العقوبة.
وبعضُهنَّ يخضعنَ للمعتدي؛
لأنهنَّ يخفنَ من تحوُّلِ المسألةِ من تحرُّشٍ عابرٍ
إلى عُنفٍ وَّإيذاءٍ جسديٍّ؛
إذا رفضْنَ الخضوعَ لسُعارِه الجنسيّ.
وتبقى المرأةُ تتجرّعُ الآثارَ المدمرةَ
على نفسِها،
“Devastating Toll”
كما يعبِّرُ قسمُ ضحايا الجرائمِ الأمريكيّ.
قد تقولُ: الحقُّ عليها هي التي تلبسُ
وتتصرَّفُ بطريقةٍ تُغري الرجالَ بها.
هذا ممّا يعتبرُه قسمُ ضحايا العنفِ الحكوميِّ
إحدى الخرافاتِ (Myths) عن اغتصابِ المرأة،
فالكلُّ مُعرَّضٌ، كلُّ النِّساءِ مُعرَّضاتٌ.
هناكَ من تُساهمُ في إحداثِ حالةِ السُّعارِ الجنسيِّ،
وهناكَ من النِّساءِ من تدفعُ الثمن.
هذه المرأةُ المُدمَّرةُ المحتاجَةُ
إلى رعايةٍ نَّفسيَّةٍ، تذهبُ لتتعالجَ؛
فتتعرَّضُ للتَّحرُّشِ على يدِ الطبيب،
كما بدأ النِّساءُ يُظهرنَ في موجةِ (Me Too)؛
الشعارُ الذي أطلقه النِّساءُ ليُشجعنَ بعضهنَّ
على رفعِ الأصواتِ،
بكشفِ ما يتعرَّضنَ له مِنِ اعتداءاتٍ جنسيَّةٍ.
بل وتنتشرُ ظاهرةُ التَّحرُّشِ والاستغلالِ الجنسيِّ
للمريضاتِ على يدِ الأطبّاءِ النفسيِّينَ
والمعالجينَ النفسيِّينَ،
الذين يُفترَضُ أن يُّنقذوها من مُّعاناتِها.
-طيِّبٌ لماذا لا تشتكي المرأةُ
لأعضاءِ البرلمانات
الذين يُشاركونَ في سَنِّ القوانينِ،
وإصدارِ العقوباتِ؟!
-البرلمانات!
حسبَ دراسةٍ نَّشرتْ عنها (CNN) العامَ الماضيَ
فإنَّ التَّحرُّشَ بالنِّساء منتشرٌ
أيضًا في البرلمانات الأوروبيَّة.
أين تذهبُ المرأةُ بعدَ هذا كلِّهِ؟
إلى أين تلتجئُ؟ بمن تحتمي؟
في بحثٍ مَّنشورٍ وُّجِدَ أنَّ الغالبيَّةَ العظمى
مِن النِّساءِ في أمريكا،
تُعبِّرُ عن أنَّها تُعاني من ضغطٍ نَّفسيٍّ
في المحافظةِ على الجّاذبيَّةِ؛ لتَكسبَ التقديرَ.
فالتقديرُ مرهونٌ بالجاذبيَّةِ الجسميَّةِ
(رقم واحد)، كما يذكرُ البحثُ نفسُه.
فهي إذن مُّعادلةٌ صعبةٌ،
حتى تُحسِّي بالتقديرِ والتعاملِ معكِ باهتمامٍ
لّابُدَّ أن تكوني جذّابةً،
وعندما تُصبحينَ أنتِ وغيرُكِ من النِّساءِ جذَّاباتٍ،
يُّصاب المجتمعُ بالانفلاتِ الجنسيِّ، ويعتدي عليكِ
أحدُهم، وتفقدينَ تقديرَكِ واحترامَكِ أنتِ لنفسكِ.
المهمُّ جدًّا -إخواني وأخواتي- أنْ تعلموا
أنَّ هذا التعاملَ مع المرأةِ حينَ تخرجُ
لدراستِها، لعَملِها، لعلاجِها،
فإذا بذكر ٍيَّمدُّ يدَهُ إليها ليعبثَ بها،
ويهينُها كأنَّها لعبةٌ لِّانفلاتِه الجنسيّ.
أنَّ هذا ليس ناتجًا عن نَّزواتٍ جنسيَّةٍ عابرةٍ،
بل نظرةُ الذُّكورِ لها مُشوَّهةٌ أصلًا
واحتقاريَّةٌ ومن الصِّغَرِ.
ودعْكَ من دعاوى المساواةِ،
والاحترامِ المتبادلِ، وهذا الكلامِ الدِّعائيِّ
الذي لا نصيبَ له من الواقعِ،
ففي إحصائيَّةٍ نَّشرَها
مكتبُ ضحايا الَّجرائمِ الأميركيِّ،
تمَّ سؤالُ المراهقينَ إن كانت ممارسةُ الجنسِ
مع فتاةٍ بالإجبارِ مَقبولةً؟
فأجابَ (36%) منهم أن: نعم، إذا كان هائجًا
بحيث لا يستطيعُ أن يَّكبحَ جماحَ نفسِهِ.
وأجاب (39%) منهم أن: نعم، مُبَّررٌ
إذا كانَ قد أنفقَ عليها الكثيرَ من المالِ.
(يعني يرى أنَّه إذا صرفَ عليها مالًا؛
كهدايا أو سندويشات؛
فمن حقِّه أن يَّعبثَ بها جنسيًّا،
وأن يُّرغمَها على الجنسِ
بتعبيرهم: "Forced sex was acceptable").
-لكن لَّحظة!
أنت تعرضُ جانبَ الاعتداءِ الجنسيِّ على المرأةِ،
هناكَ في المقابلِ نساءٌ وَّفتياتٌ رَّاضياتٌ
بالعلاقاتِ الغراميَّةِ،
صحيحٌ أنَّ هذا غيرُ شرعيٍّ وَّحرامٌ، لَّكنَّهنَّ
سعيداتٌ بهذه العلاقاتِ؛ لأنَّها بالتراضي.
-أها سعيدات!
هكذا أفهموكَ بالأفلامِ الأجنبيَّةِ
التّي كلُّها خيالٌ
تمامًا كما هي الخيالاتُ عن سكانِ الفضاءِ.
تعالوا نبتعدُ قليلًا عن (هوليوود)،
وندخلُ على المواقعِ الرسميَّةِ
الحكوميَّةِ الأمريكيَّةِ، والأوروبيَّةِ،
لنرى -بعيدًا عن التحرُّش والاغتصاب-
كيفَ تُعامَلُ المرأةُ من قِبَل ما يسمّونَهُ:
"Intimate partner" يعني الشريكُ الحميمُ،
والذي قد يكونُ زوجًا أو عشيقًا.
ادخلْ -مثلًا- على موقعِ
"وزارةِ العدلِ الأمريكيَّةِ"
وتصفَّحِ الإحصائياتِ المختصَّةِ بالعُنفِ ضدَّ النساءِ
"Violence Against Women"
واقرأْ عن ظاهرةِ
"Pattered Woman Syndrome"
ما معنى هذا المصطلح؟
(Pattered) يعني: "يضربُ بقوَّةٍ وَّاستمرارٍ،
يسحقُ، يقصفُ بالقنابلِ"
فـ(Pattered woman syndrome)
هي ظاهرةُ المرأةِ المضروبةِ بهذا الشكلِ:
مثلَ هذه المرأةِ التي برَّرتْ قتْلَ
الـ(Boy friend)
لأنَّها تعرَّضَتْ للـ:
(Pattered woman syndrome)
ومثلَ عددٍ كبيرٍ مِّن النِّساءِ،
وبعضُهنَّ ينشرْنَ صورهنَّ.
مرَّةً أخرى؛ هل هذه الحالاتُ
من العنفِ البشعِ حالاتٌ شاذَّةٌ؟
حسبَ المواقعِ الرَّسميَّةِ الأمريكيَّةِ
مثلَ موقعِ "التحالف القومي ضد العنف المنزلي"
فإنَّ واحدةً مِّن كلِّ أربعِ نساءٍ يَّتعرضْنَ
للعنفِ الشَّديدِ من قِبَلِ الشريكِ الحميم،
وهذه النِّسَبُ لا تشملُ ما تتعرَّضُ له المرأةُ
على يدِ غُرباءٍ عنها (Strangers)،
ولا تشملُ العنفَ والضربَ
غيرَ الشديدِ الذي تتعرَّضُ له،
إلى درجةِ أنَّ ربعَ إلى ثلثِ زياراتِ النِّساءِ
لغرفةِ الطَّوارئِ في أمريكا ناتجةٌ عن ضربهنَّ،
حسبَ مكتبِ ضحايا العنفِ الحكوميّ.
وعندما تَحكمُ العضلاتُ فلا شكَّ
أنَّ الرجالَ سيتفوَّقونَ؛
لذا ففي دراسةٍ في أمريكا على حالاتِ العنفِ
بينَ الشُّركاءِ أزواجًا أو عاشقينَ،
والتي أدَّتْ إلى دخولِ غرفةِ الطوارئ،
كان (93%) من الحالاتِ من النساءِ
مقابلَ (7%) رجال.
بل وهذا العنفُ كثيرًا مّا يصلُ إلى حدِّ القتل!
فقبلَ أيّامٍ خرجتْ مسيراتٌ
في فرنسا للتَّنديدِ بالعنفِ الأسريِّ،
بعدَ مقتل (116) امرأةٍ -على الأقلِّ-
في عامِ (2019)،
ونشرتْ وكالةُ الأنباءِ الفرنسيَّةِ أنَّ امرأةً
فرنسيَّةً تموتُ كلَّ ثلاثةِ أيّامٍ على يدِ زوجِها،
أو رفيقِها، أو شريكِ حياتِها.
ومن أيّامٍ أيضًا نشرتْ وكالةُ الأنباءِ الفرنسيَّةِ
خبرًا عن مِّسيراتٍ تعترضُ على إهانةِ المرأةِ
بعنوانِ: "العنفُ ضدَّ النساء:
اغتصابُ امرأةٍ كلَّ 7 دقائقٍ في فرنسا"
وقد تستغربُ إذا علمتَ أنَّ أكثرَ من نِّصفِ ضحايا
الضَّربِ المبرِّحِ يحتَجنَ لمساعدةٍ طبيَّةٍ
بشكلٍ مُّتكرِّرٍ، أكثرَ من ستِّ مرَّاتٍ
حسبَ المواقعِ الحكوميَّةِ.
يعني تُضربُ وتُهانُ مِرارًا وَّتَكرارًا
على يدِ زوجِها أو رفيقِها.
-طيِّبٌ لماذا لا تهربُ هذه المرأةُ؟!
-تهربُ إلى أين؟
-إلى بيتِ أبيها أو أخيها.
-نسيتَ؟! هي لا تعرفُ أباها أصلًا،
أو أنَّها تعرفُه لكنَّه ليسَ مسؤولًا عنها
فهي حرَّةٌ، مُّستقلَّةٌ،
مُّتساويةٌ مَّعَ الرَّجلِ،
لا تحتاجُ أحدًا، أثبتتْ نفسَها.
مِمَّا تُقدِّمُه الدُّولُ الغَربيَّةُ
لهذِهِ المرأةِ هوَ ظاهرةٌ أُخرَى اسمُهَا:
(بالإنجليزيّة) مأوَى المرأةِ
المضروبةِ ضربًا مبرِّحًا،
مكانٌ تَأوِي فيهِ مُؤقَّتًا ريثَمَا تَتعافَى
مِنَ الضّربِ وتبحثُ عَنْ طريقةٍ لكسبِ العيشِ
هذِهِ المرأةُ المضروبةُ بشِدَّةٍ من رفيقِهَا
تَودُّ أَن تَتخلَّصَ مِن أيِّ شيءٍ يُذكِّرُها بِهِ
ومِمَّا يُذكِّرُها بِه هذِهِ النُّطفةُ
الَّتِي أُلقيَتْ بالحرامِ في رَحِمِها
تَأتي هُنا التَّقنينَاتُ الَّتِي تُسهِّلُ الإجهاضَ،
والإعلامُ الَّذي يُزيِّنُه، والقوانينُ التي تُشَرْعِنُه
في أمِرِيكا وحدَها، هناكَ حوالَيْ
مليونِ حالةِ إجهاضٍ سَنوِيًّا
وحَوالَيْ ثُلُثَيْها بَعدَ الأسبوعِ السّادسِ؛
يَعني: بعدَ نفخِ الرُّوحِ؛ يَعني: قتلُ نفسٍ
وحسبَ مركزِ التَّحكُّمِ في الأمراضِ الأمريكيِّ
"Center of Disease Control"
فإنَّ الغالبيّةَ العُظمَى مِنَ الإناثِ الُمجهِضاتِ
غيرُ متزوِّجاتٍ؛ يعني: شهوةٌ هابطةٌ تنتهي بقتلٍ
هَلْ تتصوَّرونَ -إِخوانِي- ما مَعنى
الإجهاضِ بجنينٍ ذي روحٍ، بنفسٍ إنسانيَّةٍ؟
لَنْ أضعَ لكُم صُوَرًا هُنا لأنَّها بَشِعةٌ جِدًّا،
لكنْ بِإمكانِكَ كتابةُ
بعضِ المُصطلحاتِ الَّتِي سَأذكُرُها،
والبحثُ عن صُوَرٍ حقيقيَّةٍ إنْ كانَ قلبُكَ يَتحمَّلُ
مِنْ أشهرِ الطُّرقِ ما يُعرَفُ بـِ:
(بالإنجليزيّة) بِتَوسيعِ وتَفريغِ الرَّحِمِ
"Dilation and evacuation abortion"
يَعنِي: يَستعملُ الطّبيبُ عُدَّةً خَاصَّةً:
مِقصَّاتٍ ومَلاقطَ وشَفَّاطاتٍ،
فَيقُصُّ الطَّبيبُ الجنينَ -وهوَ في رحِمِ أُمِّهِ-
قِطعةً قِطعةً، ويُخرجُهُ قِطعةً قِطعةً؛
اليدَيْنِ، الرِّجلَيْنِ، الرّأسَ، البطنَ...
هذَا الإجراءُ يَتمُّ يوميًّا
بِأعدادٍ ضخمةٍ عبرَ العالمِ
وهناكَ أشكالٌ أُخرَى مِنَ الإجهاضِ بَشِعةٌ أيضًا
وإذَا وَلدَتِ المرأةُ ولَمْ تَرغَبْ
في الاحتفاظِ بمولودِهَا،
فَهَاهِيَ ظاهرةُ الصَّناديقِ الدَّافئةِ
تَنتشرُ في أُوروبَّا وأَمِرِيكَا،
حيثُ يُوفَّرُ في الشّوارعِ صناديقُ
تَضعُ فيهِ المرأةُ المولودَ
بَدلًا مِنْ أَنْ تَرميَهُ في الزِّبالةِ
كَما يَفعلُ بَعضُ النِّساءِ الحُرَّاتِ المُستقِلَّاتِ
بَلْ وَوصَلْنَا إلى مرحلةِ تبريرِ
قتلِ الأولادِ حَديثِي الولادةِ،
إذا كانَت الأمُّ لا ترغبُ في بقائِهِمْ،
كَما بَيَّنَا بالتَّوثيقِ في كلمةِ:
"عندمَا يلبسُ أبو جهلٍ (بالإنجليزية)
مِعطفَ المُختبَرِ "Labcoat"
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)﴾
[التكوير:8-9]
لَمْ يَتوقَّفِ الوأدُ، بَلْ ها هوَ يتمُّ على يدِ أطبَّاءَ
يلبسونَ اللَّابكوتَاتِ البيضاءَ وبشكلٍ مقنَّنٍ،
وهاهِيَ الجنينُ الأُنثَى تُحرَمُ مِنْ حقِّ الحياةِ؛
لتكتمل قِصَّةُ الإهانةِ
وانتهاكِ الحقوقِ محطَّةً محطَّةً
(مؤثِّراتٌ صوتيَّةٌ)
هذا هوَ الجانبُ المجهولُ لكثيرٍ مِنَّا
عنِ المرأةِ الغربيَّةِ الحُرَّةِ،
التي تحرَّرَتْ مِن مسئوليَّةِ أَبيهَا وأَخيهَا وزَوجِها
عَلَيْها، والَّذينَ تخلَّوْا أَصلًا عَن هذِهِ المسؤوليَّةِ،
فَأصبحَ الكثيرُ مِنَ النِّساءِ والفَتياتِ
(بالإنجليزية) سِلعةً جنسيَّةً "Sexual Object"،
أُلعوبةً بِيَدِ الثَّريِّ الَّذِي يَستأجِرُها
لِيُعطِيَها قِسْطَ الجامعةِ،
وبِيَدِ تُجَّارِ الرَّقيقِ الأبيضِ
وأصحابِ المجلَّاتِ الهابطةِ،
والمُتحرِّشِينَ بِها في وسائلِ المواصلاتِ،
وفي الجامعةِ، وفي مكاتبِ العملِ،
وفي عياداتِ العلاجِ...
وأصبحَتْ "مَلْطَشَةً" لعشيقِهَا وللقريبِ والغريبِ
أتعرفونَ -إِخوانِي وأَخواتِي-...
وأنا أُحضِّرُ المادَّةَ لهذِه الكلمةِ
وأجمعُ خيوطَها الكثيرةِ،
غَلبَ عَليَّ شعورٌ بالإشفاقِ على المرأةِ الغربيَّةِ
وأَدركْتُ -أكثرَ فأكثرَ- ماذَا
خَسِرَ العالمُ بانحطاطِ المسلمينَ
هذَا ونحنُ لَمْ نَتكلَّمْ عَنِ المرأةِ الشرقيَّةِ
في المجتمعاتِ غيرِ المُسلمةِ،
كالمرأةِ الصينيَّةِ واليابانيَّةِ...،
والَّتي لا تقِلُّ قِصَّتُهَا سوءًا عَنْ أختِها الغربيَّةِ
ولَمْ نتكلَّمْ عَنْ عدَمِ حصولِ المرأةِ
على أجورٍ مُساويةٍ للرَّجلِ،
ولا ترقِيَتِهَا في الوظائفِ مثلَ الرّجلِ
وهوَ موضوعٌ آخرٌ طويلٌ...
قَدْ يقولُ قائِلٌ:
"أنتَ تعرِضُ الجانبَ المظلمَ مِن وضعِ
المرأةِ الغربيَّةِ، اِعرِضِ الجانبَ المُشرقَ!"
الجانبُ المُشرقُ؟!
أيُّ إشراقٍ للمرأةِ في هذَا الوضعِ البائسِ
الّذي تَتعالى فيهِ أصواتُ النّساءِ
مؤخَّرًا مطالباتٍ بحمايَتِهِنَّ،
بَعدمَا أصبحَ الوضعُ لا يُتحمَّلُ،
ولا يُمكِنُ تَخبِئَتُهُ، ولا السُّكوتُ عَنْهُ؟
أيُّ جانبٍ مُشرقٍ؟
الاكتشافاتُ العلميَّةُ الَّتي اكتشفَهَا
بعضُ النّساءِ؟ الشّهاداتُ العليَا؟
ما الفائدةُ إذا كانَتْ هذِه
المُكتشِفةُ أوِ الدُّكتورَةُ
لَمْ تنجَحْ في تربيةِ جيلٍ يُوقِفُ حالةَ
الاحتقارِ للمرأةِ والسُّعارِ الجنسيِّ في المجتمعِ؟
ما الفائدةُ مِن أُمٍّ مشغولةٍ بأبحاثِهَا،
وابنُهَا يَتعرَّضُ لِبناتِ جِنسِهَا بالتحرُّشِ
والاغتصابِ أوِ الضَّربِ والإهانةِ؟
ماذا نَستفيدُ إذا وَصلْنَا إلى المِرِّيخِ،
وَسَفُلَتِ الأخلاقُ إلى الحضيضِ الأدنَى؟
(صدى) إلى الحضيضِ الأدنَى
ثمَّ هَلْ نماذجُ النَّجاحِ المادِّيِّ لدَى النِّساءِ
كانَتْ مشروطةً بالنِّدِّيَّةِ والاستقلاليَّةِ عنِ الرَّجلِ؟
هَلْ النَّزعةُ النَّسويَّةُ هيَ
الَّتِي حقَّقَتْ هذِهِ الإِنجازاتِ؟
أَمَا كانَ يُمكنُ تَحقيقُها، بَلْ وَأكثرَ مِنهَا،
بالتَّكامُلِ، والتَّعاوُنِ، ومعرفَةِ
كُلٍّ لحقوقِهِ وواجباتِهِ،
وتَنشئةِ جيلٍ سويٍّ نفسيًّا في أحضانِ أُسْرةٍ مستقرَّةٍ؟
في مقالِ (الجَاردِيانِ) -والَّذي ذَكرناهُ
في البدايةِ- تقولُ (نَانْسِي فريزَر) كلمةً
تلُخِّصُ الكثيرَ مِنَ الصَّيحاتِ الَّتي صَدرَتْ
مِنْ بعضِ النَّسويَّاتِ الغربيَّاتِ مُؤخَّرًا؛
تقولُ: "كواحدةٍ مِنَ النَّسويَّاتِ،
كُنْتُ أَفترضُ دائمًا"
"أَنّنِي -بنضالِي لتحريرِ المرأةِ- كنتُ أقومُ
ببناءِ عالمٍ أفضلٍ، أكثرَ مساواةً وعدلًا وحرّيّةً"
"لكنْ في الآونةِ الأخيرةِ،"
"بدأتُ أشعرُ بالقلقِ مِنْ كَونِ
المُثُلِ العُليَا الّتي تُمثِّلُهَا النّسويّاتُ"
"أصبحَتْ تَخدِمُ غَاياتٍ مختلفةً تمامًا..."
"أخشَى -على وجهِ التَّحديدِ- أنَّ نقدَنَا
للجنسانيَّةِ (التمييزِ الجنسيِّ)"
"أصبحَ مُسوِّغًا لأشكالٍ جديدةٍ
مِن عدمِ المساواةِ والاستغلالِ"
هذِهِ هيَ النّتيجةُ لتحريرِ المرأةِ
الَّذِي انطلقَ بِبوصلةٍ مُنحرفةٍ تمامًا
فتَلقَّفَها تُجَّارُ المآسِي، فاستخدَمُوهَا لأغراضِهِم،
ولا هيَ حصّلَتْ لِنفسِها بعدَ ذلكَ حقًّا،
ولا عدلًا، ولا حرِّيَّةً، ولا مساواةً...
اِقرأْ واقرَئِي بعدَ هذَا كلِّهِ قولَ ربِّكَ عَزَّ وجَلَّ:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ ﴾
[النساء:34]
اِقرأْ قولَهُ تعالَى:
﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾
[التوبة:71]
اِقرأْ وأنتَ ترَى (بالإنجليزيّة) "متلازمةَ
المرأةِ المضروبةِ ضربًا مُبَرِّحًا"،
اِقرأْ قولَ ربِّكَ: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ ﴾
[النساء:19]
واقرأ: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ ﴾
[البقرة:228]
واقرأْ قولَ نبيِّكَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:
«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»
(صحَّحهُ الألبانيُّ)
وأنتَ ترَى (بالإنجليزيّة) التَّسليعَ الجنسيَّ
"Sexual Objectification" للمرأةِ الغربيَّةِ،
اِقرأْ قولَه تعالَى:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ...﴾
[التحريم:11]
هيَ ليسَتْ شيئًا ولا سِلْعَةً ولا إنسانًا عادِيًّا،
بَلْ مثالٌ يُحتذَى لِلَّذينَ آمنُوا!
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ﴾
[التحريم:11]
اِمرأةٌ مؤمنةٌ، ثارَتْ على فرعونَ
الَّذي استعبدَ النَّاسَ،
هيَ قدوةٌ للنِّساءِ أنْ يَثورُوا على فراعنةِ اليومِ
الَّذينَ يُريدونَ استعبادَ البشريَّةِ أيضًا
"امرأةَ فرعونَ"... وبعدَهَا، في الآيةِ
الَّتي بعدَها: "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ"
إذَنْ، نساءٌ أصبَحْنَ مثالًا يُحتذَى لإيمانِهِنَّ،
لا لنَتاجِهِنَّ المادِّيِّ، ولا لجاذبِيَّتهِنَّ الشَّكلِيَّةِ
وأنتَ ترَى الَّذينَ يتَّخذونَ المرأةَ سِلْعَةً جنسيَّةً،
اِقرأْ غضبَ ربِّكَ عزَّ وجلَّ لعِرضِ المؤمناتِ،
غضَبَهُ على مَنْ يَمسُّونَ سُمعةَ
عِرضِهَا، فيقولُ ربِّي سبحانَهُ:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ
لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[النور:23]
اِقرأْ واقرئِي:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ
ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الأحزاب:59]
اِقرأْ قولَ نبيِّكَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:
«فَاظْفَرْ بِذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ»
(مُتَّفقٌ عليهِ)
"ذاتِ الدِّينِ"؛ لأنَّها ليسَتْ سلعةً جنسيَّةً،
ولا تُقيَّم بجاذبيَّتِهَا الجسميَّةِ،
بَلْ أهمُّ ما فيها دينُها وأخلاقُها
وأنتَ ترَى الإجهاضَ ورميَ البناتِ
في الصَّناديقِ الدَّافئةِ أو تشرُّدَهُنَّ في الشَّوارعِ،
اِقرأْ قولَ نبيِّكَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:
«مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ يُؤْوِيهِنَّ
وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ البَتَّةَ
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ كَانَتَا
اثْنَتَيْنِ؟
قَالَ وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ» (حسَّنَهُ الألبانيُّ)
وأنتَ ترَى السُّعارَ المُنفلتَ، اقرأْ
قولَ حبيبِكَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:
«إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»
(صحَّحهُ الألبانِيُّ)
واقرأْ -بعدَ هذَا كلِّهِ- قولَ
اللهِ تعالَى في سورةِ النِّساءِ:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ
مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)﴾
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)﴾
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ
وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا(28)﴾ [النساء: 26-28]
اِقرأْ وانظُرْ إلى حاجتِنَا
إلى دينِ ربِّنَا لِينعُمَ الرّجلُ والمرأةُ،
بَلْ وإلى حاجةِ البشريَّةِ بعدَ ذلكَ،
لنُنْقِذَهَا مِمَّا هيَ فيهِ منْ ضياعٍ،
وانظرْ إلى الَّذينَ يريدونَ -بدلًا مِن ذلكَ-
أنْ نَجترَّ وتَجترَّ مُجتمعاتُنا بُؤسَ المرأةِ الغربيَّةِ
وَهُمْ موضوعُ حلقتِنَا القادمةِ بإذنِ اللهِ
والسَّلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ