فك تثبيت
→ جميع الحلقات حلقة 3 من 19

ندى تشتكي لعائشة رضي الله عنها

السَّلامُ عليكُم نَدى، أتمَّتْ دراستَها في المدرسةِ الأمريكيَّةِ، ثمَّ تخرَّجتْ من كلِّيَّةِ الطِّبِّ في جامعةٍ محلِّيَّةٍ، وتخصَّصتْ في الطِّبِّ النَّفسيِّ تقدَّمَ لها شادي -والَّذي يكبرُها بِسنَتينِ- بعدَ أَنْ أَنْهَى التَّخصُّصَ في الطِّبِّ النَّفسيِّ أيضًا في مستشفى بأُستُراليا قبلَتْ بهِ ندى بنتُ السّادسةِ والعشرينَ، تزوَّجا، عاشا شهورًا سعيدةً إلى حدٍّ ما، ثمَّ بدأَتِ المشاكِلُ وتفاقمَتْ، لمْ يطُلْ ربيعُهما ودخلَتْ حياتُهما في فصلِ خريفٍ طويلٍ جاءَتْ ندى من عملِها مبكِّرةً في يومٍ منَ الأيَّامِ، شادي لم يعدْ بعدُ، فدخلَتْ غرفةَ المكتبِ، استخرجَتْ ورقةً وقلمًا وبدأَتْ تكتبُ: ما هيَ مشاكِلي معَ شادي؟ شادي جافٌّ، لمْ يعدْ يعبِّرُ لي عنْ حبِّهِ، بلْ بدأْتُ أشكُّ أنَّهُ يحِبُّني، بلْ ومرضْتُ مرَّةً فلمْ يُظهرْ لي لطفًا، أوْ عنايةً خاصَّةً عندما أكونُ في أيَّامِ عُذْري كأُنثى أكونُ متوتِّرةً بعضَ الشَّيءِ، ومعَ ذلكَ لا يُراعيني، معَ أَنَّهُ -كَطَبيبٍ نَفسِيٍّ- يفهمُ ما أمرُّ بِه، يستسخِفُ اهتماماتي الأُنْثويَّةِ، ويُشعرُني بِعَدَمِ الاحتِرامِ... لا يهتمُّ بمُتَعلِّقاتي؛ انْكسرَتْ أُسْوارَةٌ بِألفَيْ دينارٍ كانتْ أمّي أهدَتْني إيّاها، طلبْتُ منْهُ أنْ يُصلحَها ولا زالتْ أمامَهُ على الكُمُدينةِ مِن شهورٍ، وكلَّ ما ذكَّرتُهُ بها قالَ: اليومَ، وغدًا! أنانيٌّ، يفضِّلُ نفسَهُ عليَّ، أحيانًا نعودُ كلٌّ منّا -أنا وهوَ- منْ عملِنا متأَخِّرَينِ، ولا طعامَ في البيتِ، يدْعوهُ أحدُ أصحابِهِ فيخرجُ ولا يسألُ عنّي الوقتُ الَّذي يُمضيهِ شادي معي ليسَ (بالإنجليزيَّةِ) وقتًا طيِّبًا، بلْ يكونُ شارِدَ الذِّهنِ، نكونُ قريبَينِ جسديًّا، وبعيدَينِ روحيًّا، ينقلُ مَشَاكِلَهُ في العملِ إلى داخلِ البيتِ، ولا أحسُّ معَه بالأمانِ في المقابلِ، لا يُشاركُني فرحاتِهِ! إذا أطلْتُ الحديثَ مَعه في مَوضوعٍ يُقاطعُني ويطلبُ منّي أنْ أختصرَ، ويتبرَّمُ مِنْ كَثرةِ أسئلَتي بدأَ يَملُّني، والمؤلمُ جدًّا أنَّ هذا في مقابلِ اهتمامهِ بزميلاتِهِ في العملِ، وروحِه المرحةِ معهنَّ تثورُ عصبيَّتُهُ عليَّ سريعًا إذا تأخَّرْتُ عليهِ دقيقَتينِ، وهوَ ينتظِرُني في السَّيّارَةِ، مثلًا! وفي المقابلِ، تأخَّرَتْ زميلتُه ربُعَ ساعةٍ عنِّي أنا وإيَّاهُ مرَّةً، ولمّا اعتذرتْ كانَ جوابُهُ: أبدًا، أبدًا مُشْ مُشكِلِة أمسكْتُ موبايلهُ مرَّةً وأرسلْتُ لسكرتيرتِهِ رسالةً أَطلبُ فيها باسمِهِ أنْ تَكُفَّ عنْ رسائلِ: (صباحُ الخيرِ)، يسْعِد مَسَاك... غَيرةً عليهِ عندما اكتشفَ ذلكَ، غضبَ منِّي، وقاطعَني لأيّامٍ، وعملَ باسورد عَلى موبايله حتّى لا أستطيعَ فتحَهُ أُحسُّ أنَّ شَخصيَّتي انطفسَتْ طُمِسَتْ معَهُ، أشعرُ بضَعفٍ، وقلَّةِ تقديرٍ لنفسي أمامَ الآخَرينَ إذا كنْتُ معَه يرُدُّ على غَيرتي بإظهارِ سوءِ الظَّنِّ فيَّ أنّي أتعمَّدُ الحديثَ معَ الزُّملاءِ، وأنّي أميلُ عاطِفيًّا تجاهَ أحدِهِم عندَما تكونُ الشَّغَالةُ في إجازةٍ، فإنَّهُ لا يساعدُ في البيتِ، معَ أنَّهُ يكتبُ بوستات عنْ حقوقِ المرأةِ، و"مَظْلوميَّتِها" يدخلُ الحمّامَ يأخذ الدُش لا ينظِّفُ وراءَهُ، يتركُ متعلِّقاتِهِ، ويَتوقَّعُ منّي -أنا- أنْ أقومَ بهذا كلِّهِ! لِماذا؟! ما دامَ يؤمنُ بمُساواةِ المرأةِ والرَّجلِ! أَصبحَ يدخِِّنُ مؤخَّرًا، وأتأذَّى منْ رائحةِ دخانِهِ أشياءٌ بسيطةٌ أَصبحَتْ تستفزُّني لماذا لايتأنَّقُ لي كما يتأنَّقُ للنَّاسِ؟! أصبحْتُ أفضِّلُ غيابَهُ عنِّي! منْ أسوأِ ما في شادي أنَّهُ يظهرُ أمامَ النَّاسِ بمظهرِ الخَيريَّةِ والحنانِ، لكنَّ هذهِ الخيريَّةَ تَتَلاشى معي، ويُبرِّرُ لي بأنَّهُ: "مضغوطٌ، ومشاكِلُ الحياةِ كثيرةٌ، وبأنَّهُ لا بدَّ لهُ منَ التَّعاملِ اللَّطيفِ معَ النَّاسِ بِطبيعةِ عملهِ كَطَبيبٍ نَفسيٍّ هناكَ جوانب منْ حياتِهِ الخاصَّةِ أستحي أنْ أتكلَّمَ عنْها لأنَّها تسيءُ لهُ جدًّا! لاهتزازِ صورةِ شادي لدَيَّ؛ أصبحْتُ أنفِرُ من علاقتِنا الغريزيَّةِ كزَوجَينِ وأشعرُ أنّي أفعلُ شيئًا مَعيبًا! يستَكبِرُ أنْ يُظهرَ أمامي ضعفَهُ، بلْ -بدلًا مِنْ ذَلكَ- يتَفَشَّشُ فيَّ إذا تعرَّضَ لما يُظهرُه ضعيفًا لم أعدْ أهتمُّ باهتِماماتهِ، أصبحْتُ أتعمَّدُ مخالفتَهُ في كلِّ شيءٍ، ولا أريدُ أنْ أشبهَهُ في شيءٍ! نفسِيَّتي معهُ تَعبَانةٌ، معَ أنَّني طبيبةٌ نفسيَّةٌ! طلبْتُ الانفصالَ عنهُ لكنَّهُ لمَّحَ أنَّهُ لن يسامحَني بأيٍّ منَ الأشياءِ الَّتي اشتراها لي ولمْ يكتبْها باسمي كنتُ قدْ صارحْتُ بعضَ صديقاتي لعلِّي أجدُ عندَهنَّ حَلًّا لكنّي اكتشفْتُ أنَّه -وإنِ اختلفَتِ التَّفاصيلُ- إلّا أَنَّهنَّ جميعًا يعانِينَ أيضًا، وإنْ كانَتْ حالاتُنا تتفاوتُ في مدى التَّوتُّرِ لكنّي كنتُ منْ قديمٍ قدْ سمعْتُ بفتاةٍ اسمُها عائشةُ وسمعْتُ أنَّ لها قصَّةَ زواجٍ معَ رسولِ اللهِ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قصَّةً مختلفةً عنْ كلِّ ما عهدْتُه في بيئتي! تذكَّرْتُ عائشةَ الآنَ، فانتقلْتُ عبرَ صفحاتِ السّيرَةِ، وجئْتُها مستشيرةً، لكنّي سمعْتُ عنْ مستوى الأخلاقِ الَّتي تمتَّعَتْ -هي وزوجُها- بها فلمْ أطلعْها على بعضِ التَّفاصيلِ الَّتي أستحي منْ ذكرِها سألتُها أسئلةً بعددِ مَشاكِلي الثَّلاثةِ والعشرينَ معَ شادي، حتّى أتمكَّنَ منَ المقارنةِ هنا -إخواني- يبدأُ الحوارُ المفترضُ بينَ ندى وعائشةَ حوارٌ بسَّطْنا فيهِ بعضَ ما قالتْهُ أمُّنا عائشةُ في الأحاديثِ، وأضفْنا فيهِ ما يساعدُ في رسمِ الصّورةِ، معَ مراعاةِ أنْ تبقى ألفاظُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وأفعالُه بحَرفِيَّتِها دونَ أيِّ تصرُّفٍ علمًا بأنَّ مصادرَها الأحاديثُ الصَّحيحةُ الَّتي سنذكرُها لكُم في التَّعليقاتِ، ولم نلجأْ فيها لأيِّ حديثٍ ضعيفٍ، فلا ينبغي الاعتراضُ بعدَ ذلكَ بأنَّنا نَنسبُ إلى السّيرةِ ما ليسَ منْها! طَيبْ بدأَ الحوارُ بدأَتْ ندى بسؤالِ عائشةَ: - حضرتُكِ عائشةُ زوجةُ محمَّدٍ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-؟ - نعمْ - تسمحينَ لي بأسئلةٍ؟ - نعمْ قالتْ ندى في نفسِها: شادي جافٌّ، لمْ يعُدْ يعبِّرُ لي عنْ حبِّهِ، بلْ بدأْتُ أشُكُّ أنَّهُ يحبُّني! فسألَتْ: هلْ كانَ رسولُ اللهِ يعبِّرُ عنْ حبِّهِ لكِ؟ تبسَّمَتْ عائشةُ وحنَّتْ: - كانَ يقبِّلني قبُلاتٍ عابرةٍ وهوَ صائِمٌ، ولمّا سألوهُ: منْ أحبُّ النّاسِ إليكَ؟ قالَ: عائشةُ في مجتمعٍ لم يألَفْ منْ قبلُ التَّصريحَ بمحبَّةِ الزَّوجةِ - مرضْتُ مرَّةً فلمْ يُظهِر لي شادي لطفًا أوْ عنايةً خاصَّةً، - فسألَتْ: هلْ كان يشعرُكِ النَّبيُّ بالاهتِمامِ إذا مرضْتِ؟ -كانَ يتلطَّفُ بي لطفًا خاصًا، ويضعُ يدَهُ موضِعَ الألمِ فيدعُو لي - عندَما أكونُ في أيَّامِ عُذري كأنثى، أكونُ متوتِّرةً بعضَ الشَّيءِ، ومعَ ذلكَ لا يراعيني شادي معَ أنَّهُ كطبيبٍ نفسيٍّ يفهمُ ما أمرُّ بهِ، فسألتْ: طَيِّبٌ هلْ كانَ رسولُ اللهِ يراعيكِ في فترةِ عذرِكِ؟ "كان معي في هذهِ الفتراتِ ألطفَ ما يكونُ؛ أشربُ وأنا حائضٌ، ثمَّ أُناولُ الإناءَ للنَّبيِّ، فيتعمَّدُ أنْ يضعَ فمَهُ على المكانِ الَّذي شربْتُ منهُ، وآكلُ اللَّحمَ، ثمَّ أناولُهُ النَّبيَّ فيتعمَّدُ أنْ يضعَ فمهُ على مكانِ فمي تطييبًا لخاطري، وإذهابًا لحُزني، وجاءَني العذرُ وأنا أحُجُّ، فبكيْتُ خَشيةً منْ فسادِ حَجّي فقالَ ليَ النَّبيُّ: هذا أمرٌ كتبَهُ اللهُ على بناتِ آدمَ، ثُمَّ ذكرَ لي ما عليَّ فعلُهُ" قالَتْ ندى في نفسِها: شادي يستسخفُ اهتماماتي الأنثويَّةِ، ويُشعرُني بعدمِ الاحترامِ فسألَتْ: طَيِّبْ، هل كانَ رسولُ اللهِ يراعي اهتِماماتِكِ؟ تبسَّمَتْ عائشةُ، وقالَتْ: "ذاتَ مَرَّةٍ كانَ هناكَ أحباشٌ يلعبونَ في المسجدِ بالحرابِ، فسألَني رسولُ اللهِ: أتحبّينَ أنْ تنظري إليهم؟ فقلتُ له: نعمْ، فقامَ نحوَ البابِ، وقمْتُ وراءَهُ، ووضعْتُ ذَقني على كتفِهِ وألزقْتُ خدّي بخدِّهِ، وسَترَني بردائِهِ بعدَ فترةٍ سألَني: وحسبُكِ؟ -يعني بكفي- فقلْتُ لهُ: يا رسولَ اللهِ لا تَعجَلْ فبَقيَ واقفًا من أَجْلي وبعدَ فترةٍ قالَ: حَسبُكِِ؟ فقلْتُ: لا تَعجَلْ يا رسولَ اللهِ وبَقيَ قائمًا حتّى انْصرفْتُ أنا؛ لذلكَ قلْتُ أعلِّمُ النّاسَ أجمَعينَ أنْ يهتمّوا بحاجاتِ الصَّغيراتِ، فاقدُروا قَدرَ الجاريةِ الحديثةِ السِّنِ الحريصةِ على اللَّهو؛ ليقتَبِسوا منْ هذا الُخلُقِ العظيمِ لقدْ تزوَّجَني رسولُ اللهِ صغيرةً، فكنْتُ أَلعبُ بِلُعَبٍ على شكلِ بناتٍ في بيتِهِ، ويلعبُ معي بعضُ البناتِ منْ جيلي، وكُنَّ يهَبْنَ منَ النَّبيِّ إذا رأينَهُ، فيختَفينَ لكنَّ رسولَ اللهِ يُدخلُهنَّ عليَّ ليُشعرَهنَّ أنْ خذوا راحتكُنَّ ومرَّةً، رأى لُعبي، فقالَ: ما هذا يا عائشةُ؟ فقلْتُ: بناتي ورأى بينَهنَّ فرسًا له جناحانِ، فقالَ: ما هذا الَّذي أرى وسْطَهنَّ؟ فقلْتُ: فرسٌ، قال: وما هذا الَّذي عليهِ؟ قلْتُ: جناحانِ قالَ: فرسٌ له جناحانِ؟ قلْتُ: أَما سمعْتَ أنَّ لسليمانَ خيلًا لها أجنحةٌ؟ فضحكَ النَّبيُّ حتّى رأيتُ نواجِذَهُ؛ يعني كُنْت عَايشَة حَياتِكِ مَعَهُ أيَامَ الصِّبَا؟ تمامًا! كنتُ أتعلَّمُ منْهُ أثناءَ ذلكَ كلَّ شيءٍ يفعلُهُ؛ أَلعبُ، أمرحُ، أتعلَّّمُ، وأتعبَّدُ... بنفسٍ مطمئنَّةٍ، مستقرَّةٍ، سويَّةٍ واستمرَّ اهتمامُهُ بي، ومراعاتُهُ لحاجاتي، وأنا شابَّةٌ قالَتْ ندى في نفسِها: شادي لا يهتمُّ بِمُتَعلِّقَاتي، انكسرَتْ أُسوارةٌ بألفَي دينارٍ كانَتْ أمّي أهدَتْني إيّاها، طلبْتُ منْهُ أنْ يُصلحَها ولا زَالَتْ أمامَه على الكَمدينة منْ شهورٍ، وكلَّ ما ذكَّرتُهُ بها قالَ: اليومَ، وغدًا... اليومَ وغدًا فسألَتْ: هلْ كانَ النَّبيُّ يهتمُّ بمتعلّقاتِكِ؟ ابتسمَتْ عائشةُ، وقالَتْ: خرجْتُ معه مرَّةً في سفرٍ، فانقطعَ عِقدٌ لي، فأقام النَّبيُّ في المكانِ ريثما نجدُهُ، وأقامَ أصحابُه معَهُ، وليسَ معهمُ ماءٌ، ولا حتَّى ليتَوضَّؤوا بهِ! جاءَ أبي -أبو بَكرٍ-غاضبًا لأنّي تسبَّبتُ في تأخيرِ الجميعِ فضغطَ على خاصرَتي ضغطًا مؤلمًا، ورسولُ اللهِ نائمٌ على فخذي فلا يمنعُني منَ التَّحرُّكِ إلّا خوفي أنْ يصحوَ النَّبيُّ، وأفسدُ عليهِ راحتَهُ على فكرةٍ، انقطعَ معي عقدٌ مرَّةً أخْرى وكانَ بَحثي عنهُ، وتأخُّري عنِ الجيشِ -لأجلِ ذلكِ- سببًا في حادثةِ الإفكِ، وافتراءِ المنافقينَ عليَّ، ولم يُعاتبْني رسولُ اللهِ على تكرارِ سقوطِ عِقدي قالت ندى في نفسِها شادي أنانيّ يُفضِّل نفسَه علَيّ أحيانًا نعود كلٌّ مِّنَّا أنا وهو من عملنا متأخرَيْن ولا طعام في البيت يدعوه أحد أصحابه فيخرُج ولا يسأل عنّي، فسألتْ: هل كان رسول الله يُفضِّل نفسه عليكِ أحيانًا في الطعام أو الشراب؟ بدا على عائشة علامات الاستغراب والاستنكار -أبدًا؛ كان لنا جارٌ فارسيٌّ طعامه طيِّب، فصنع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعامًا، ثم جاء يدعوه، فقال رسول الله: وهذه عني؟ (يعني معزومة معي؟ مدعوة معي؟) فقال: لا، فقال رسول الله: لا، (يعني لا أستطيع تلبية الدعوة ما لم تكن عائشة معزومة معي) فعاد جاره يدعوه، فقال رسول الله: وهذه؟ قال: لا، فقال رسول الله: لا، ثم عاد في مرَّةٍ أخرى يدعوه، فقال رسول الله: وهذه؟ قال: نعم، فقمتُ مع رسول الله إلى منزل جارنا هذا. -طيِّب، لماذا رفض أن يذهب وحده؟ -عرف أنّي أحب هذا الطعام وقد كان الطعام عندنا قليلًا، فأراد أن يُّشاركني حالي فإمّا أن نَّأكل معًا أو نجوع معًا. هزّ الموقف ندى وعنى لها الكثير. -طيِّب، لماذا كان الطعام عندكم قليلًا؟ -كان المالُ والهدايا والطعامُ يأتي النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فيعطي الفقراء وأهل الصُفَّة، ويصبر وأصبر أنا معه وكيف لا أصبر وأنا أراه يرفض أن يّأكل بدوني؟ -آسفة على السؤال: شابّةٌ جميلةٌ ذكيةٌ مثلكِ، هل أُعطيتِ يومًا من الأيام الفرصة لتعيشي حياةً أكثر تنعيمًا ولو بعيدًا عن رسول الله؟ يعني هل فكرتِ في فِرَاقه؟ -فِرَاقه! ضحكت عائشة ثم قالت سأخبركِ بشيء: كنتُ أنا وأزواج النبيِّ نطلب منه متاعًا من الدنيا وألححْنا عليه في الطّلب كثيرًا، وكنّا نغار عليه كلٌّ منّا تريد أن تستأثر به ما استطاعتْ، وحصل أن نكيد بعضنا لأجل ذلك؛ فغضب منّا النّبيُّ وكفَّ عن الحديث معنا شهرًا ثم أنزل الله آيةً يُخيِّرنا فيها بين البقاء مع النَّبيّ على خشونة العَيش أو الطلاق مع الإحسان وإعطائنا شيئًا مّن مّتاع الدنيا. فبدأ النَّبيّ بي وقال: يا عائشة إنّي أريد أن أعرض عليكِ أمرًا، أُحبُّ أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبوَيكِ فقلتُ: وما هو يا رسول الله؟ فتلى عليّ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}. وانتهى النَّبيُّ وهو ينتظر ألّا أجيبه حتى أستشير أبَوَيّ، فقلتُ له: أفيكَ يا رسول الله أستشير أبوي؟ أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، ففرح رسول الله بذلك. أفيك يا رسول الله أستشير أبوي! ما أحلاها من كلمة رنَّت في كيان ندى وهي ترى هذا الحب الذي لا رجعةَ عنه من فتاةٍ ترى نفسها مع زوجها روحًا حلّت في جسدَين فلا يمكن أن يّنفصلا. تذكَّرتْ ندى كيف أنَّها طلبتْ الانفصال من شادي لكنَّه لمَّح أنَّه لن يُّسامحها بأيٍٍّ مِّن الأشياء التي اشتراها لها ولم يكتبها باسمها، فهي تبقى معه تعلّقًا بهذه الأشياء، ليس اهتمامًا به، بينما عائشة أُعطِيت الفرصة لتفارق النَّبيّ وتستمتع بالدنيا وزينتها، لكنها اختارتْه بلا تردد. قالت ندى في نفسها: الوقت الذي يُمضِيه شادي معي ليس “Quality time”، ليس وقتًا نوعيًا بل يكون شارد الذهن فسألت: رسول الله كانت مهمّاته عظيمة ومشاغله كثيرة هل كنتِ تُحسّينَ مع ذلك أنه متفرِّغٌ لكِ عاطفيًا وهو معكِ؟ -كان يعطيني حقِّي كاملًا وَّهو معي حاضرًا ببدنه وذهنه، يستغلُّ كل فرصةٍ للتَّفاعل معي والتَّقرُّب منّي، يقوم بلفتات لطيفة تعني لي الكثير، لذلكَ ترَيْنَ أحاديثَ كثيرةً أرويها عنه فإنّي لم أكن على هامش حياته بل في صميمها. كان النَّبيّ يقرأ القرآن في حجري وأنا حائض -سيقرأهُ؟! -سيقرأه على كل حال، بدل أن يقرأه بعيدًا عنِّي يقرأه في حجْري. تصوَّرتْ ندى هذه الصورة الطاهرة الراقية تصوَّرتْ رسولَ الله يقرأ بصوت عذب، رأسُهُ في حجْر عائشة تمسح بيدها على شعره وتستمع له في قِمّة المحبَّة والانسجام. قالت عائشة: كنّا نمضي أوقاتًا مرحة، حتى في الاغتسال نغتسلُ من إناءٍ وَّاحدٍ نَّتسابق على الماء مُتَمازحَيْن أقول له: دعْ لي دعْ لي ويقول هو: دعِي لي دعِي لي بمودّةٍ وَّأُنسٍ وَّخفَّة روحٍ وَّملاطفة. تبسَّمَتْ عائشة ثم قالت: سافرتُ معه مَرّةً وكنتُ صغيرةً خفيفةَ الوزن، فقال لأصحابه: تقدَّموا فتقدّموا، ثم قال: تعالي أُسابقكِ فسابقتُه فسبقتُه، ثمَّ كبرتُ وزاد وزني ونسيتُ سباقنا الأوَّل وخرجتُ معه في سفر، فقال لأصحابه: تقدّموا فتقدّموا، ثم قال: تعالي أسابقكِ، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذا الحال؟ فقال: لتفعلِنَّ فسابقتُه فسبقني فجعل يضحك، وقال: هذه بتلك السبقة. قالت ندى في نفسها: شادي ينقل مشاكله في العمل إلى داخل البيت، فسأَلتْ: ألم تكن أعباء الحياة ومكائد الكفار والمنافقين ضدَّ النَّبيِّ تؤثِّرُ على حياتكم واستقراركم؟ -بل كان كأنَّه يخلع الهموم على عتبات البيت حين يدخل عليّ، فلا أرى منه سوى الودّ والطمأنينة وهدوء النفس وحُسْن العِشْرة. -يعني كنتِ تُحسِّين معه بالأمان مع كلِّ هذه الظروف! -طبعًا وأيُّ أمانٍ أكثرُ من هذا؟ قالت ندى في نفسها: في المقابل شادي لا يشاركني فرحاته، فسألتْ: هل كان النَّبيّ يشارككِ ما يسرُّه؟ -طبعًا، مثلًا: دخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرةً مسرورًا تَبْرُق أساريرُ وجهه، فقال: ألمْ ترَيْ أنّ مُجَزَّزًا نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال: إنَّ هذه الأقدامَ بعضها من بعض. يعني كان مستغربًا مّسرورًا من أنَّ رجلًا ممن يَقتفون الأثر عرف وجود علاقةٍ بين زيدٍ وّابنه أسامة من قدميهما مع أنَّه لم يَرَ وجهيهما؛ لأنَّهما كانا مغطِّيين وجههما، ومع أنّ رِجلَي أسامة كانتا سوداوين تمامًا لأمّه، ورجلَي زيدٍٍ كانتا بيضاوَيْن. قالت ندى في نفسها: إذا أطلتُ الحديث مع شادي في موضوع فإنه يقاطعني ويطلب مني أن أختصر، ويتبرَّم من كثرة أسئلتي، فسألتْ: طيِّبٌ، هل كان النَّبيّ يستمع لكِ باهتمام؟ -لم يقاطعْني يومًا جلستُ معه أحدِّثه عمّا قالته أحد عشر امرأةٍ في أزواجهنَّ في حديثٍ طويل، وكانت آخرهنَّ زوجةُ أبي زرع الذي كان مكرِمًا لّها ورسول الله يستمع لا يقاطعُني، حتى إذا انتهيتُ قال لي مُتحبّبًا كنتُ لكِ كأبي زرع لأمِّ زرع (يعني في الإكرام). كنت لا أسمع منه شيئًا لا أعرفه إلا راجعتُه فيه حتى أعرفه، مثلًا قال مرَّةً: من حوسِب عُذِّب، فقلتُ له: أوليس يقول الله تعالى: {فَسَوفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسيرًا [84: 8]}؟ فقال: إنّما ذلك العَرْضُ، ولكن مَّن نُّوقش الحساب يهلك. وكان مسرورًا بحبّي للتعلُّم. سألتُه عشرات أو مئات الأسئلة الموجودة في الأحاديث المحفوظة، فكان يُجيب باهتمام لا يُبدي أيَّ انزعاجٍ من كثرة أسئلتي ولا يُقلِّل من شأن أيِّ سؤال. قالت ندى في نفسها: شادي بدأ يملُّني وتثور عصبيَّته عليّ سريعًا، والمؤلم جدًا أنّ هذا في مقابل اهتمامه بزميلاتِه في العمل وروحه المرحة معهن، فسألتْ: هل كانت عصبيّةُ النَّبيّ تثور عليكِ إذا أخطأتِ؟ -بل يعَلِّمني برفق. ذكرتُ زوجتَه صفيَّةَ مرّةً بانتقاص، فقال لي: لقد قلتِ كلمة لّو مُزجَتْ بماء البحر لمزجتْهُ (يعني لَعكّرتْه) لِيقويَّ الوازع عندي حتّى أخاف الله، ولم يُعنِّفْني وقُصارى الأمر إذا أخطأتُ أن تتغيّر ملامح وجهه فَرَبّى عندي إرهاف حسٍّ، بحيثُ أرصدُ ملامحه وأعدّل سلوكي على أساسها. -ما كان يصرخ؟ -أبدًا. تبسَّمتْ عائشة وقالت: ذات مرة قال لي: إني لَأعلم إذا كنتِ عنّي راضية وإذا كنتِ عليّ غضبى! فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أمّا إذا كنتِ عني راضية فإنَّكِ تقولين: لا وربِّ محمد، وإذا كنتِ غضبى قلتِ: لا وربِّ إبراهيم. قلتُ: أجل والله يا رسول الله ما أهجرُ إلا اسمك (يعني ما أترك إلا ذِكر اسمك وقتها وإلا فمحبتك ثابتةٌ في قلبي لا تتغيَّر بحال). -طيِّب وما الذي كان يغضبكِ منه؟ -غَيرتي عليه. -ألهذه الدرجة تحبِّينه! تغارين عليه وتريدين أن تستأثري به؟ كيف لا أُحبِّه لهذه الدرجة مع أخلاقه هذه. مرَّةً كان نصيبي منه أن يبيت عندي، جاء فتمدَّدَ بجانبي فلمَّا ظنَّ أنّي نمتُ قام بهدوء، ولبس نعلَيْه بهدوءٍ وّخرج، فلبست سريعًا ولحقتُه لأرى إنْ كان سيذهب إلى زوجةٍ غيري، فإذا هو يذهب إلى مقبرة البقيع التي دُفِن فيها عددٌ مّن أصحابه، فلما أراد أن يّعود ركضتُ حتى دخلتُ أمامه حتى لا يعرفَ أنّي خرجتُ أراقبه، فلما دخل رأى تحرُّك أنفاسي فسألني؛ تهرَّبتُ من الجواب، ثم أخبرتُه، فأخبرني أنَّ جبريلَ أتى يخبره أنَّ الله يأمره بالاستغفار لأهل البقيع، فخاف أنْ يّوقِظني فأَستوحِش، فخرج بهدوء، ثم سألتُه: ماذا أقول إذا زُرْت أهل المقابر، فعلَّمني. أرادتْ ندى أنْ تسألَ عن تعامُلِ النَّبِيِّ مع غَيْرَةِ عائشةَ، استحتْ أنْ تذكُرَ وضْعَ شادي مع زميلاتِهِ، والَّذِي لا يُقارَنُ بالعَلاقةِ الحلالِ بينَ النَّبِيِّ وزوجاتِهِ، فقالتْ: كيفَ كانَ يتصرَّفُ معَ غَيرَتِكِ من زوجاتِهِ الأُخرياتِ؟ تبسَّمتْ عائشةُ وقالتْ: دعا رسولُ الله أصحابَه يومًا إلى بيتِي، فأتَتْ أُمُّ سلَمَةَ زوجةُ النَّبيِّ بصحنٍ كبيرٍ فيهِ طعامٌ لِتُكْرِمَ بهِ النَّبيَّ وضيوفَهُ فَغِرْتُ؛ فَكَسَرْتُ الصَّحنَ بحجَرٍ في يدِي فتحَتْ ندَى فَمَها وبَحلَقَتْ: ماذا فَعَلَ رسولُ اللهِ؟ قالتْ عائشةُ: جمَعَ بينَ فِلْقَتَيْ الصَّحْنِ -وعليهمَا الطَّعَامُ- وقالَ لأصحابِهِ: "كُلُوا، غَارتْ أُمُّكُمْ. كُلُوا، غارَتْ أُمُّكُمْ" يَقْصِدُني أنَا ثُمَّ أخذَ رسولُ اللهِ صحنًا من عندِي، وبعثَ بهِ إلَى أُمِّ سلمَةَ - وانتهَى الموضوعُ عندَ هذَا الحَدِّ؟! - نعمْ - لم يضرِبْكِ؟! ضحكَتْ عائشةُ: يضربُنِي؟! لم يضربْ النَّبِيُّ بيدِهِ امرأَةً، ولا خادِمًا، ولا شيئًا، إلَّا حِينَ يُجاهِدُ في سبيلِ اللهِ قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: أُحِسُّ أنَّ شخصيَّتِي طُمِسَتْ معَ شادِي؛ أشعرُ بضعفٍ وقلَّةِ تقديرٍ لِنفسِي أمامَ الآخرينَ إذَا كنتُ معهُ فسألتْ: هل كنتِ تتصرَّفينَ أمامَ النَّبيِّ بقوَّة شخصيَّتك، وروحِكِ المَرِحَةِ؟ تبسَّمتْ عائشةُ: حضَّرتُ طعامًا مرَّةً وعندِي سودَةُ -زوجةُ النَّبِيِّ- جالسَةً في بَيْتِي فقلتُ لهَا:"كُلِي!" ورسولُ اللهِ بينَنَا فقالتْ: "لا أشتهِي ولا آكُلُ" فقلتُ: "لَتَأْكُلِنَّّ أو لَأُلَطِّخَنَّ وجهَكِ" -يعنِي بالطَّعامِ- فلمْ تأكُلْ، فلطَّخْتُ وجهَهَا بالطَّعامِ فضحِكَ رسولُ اللهِ، فَأَخَذَتْ سودةُ من الطَّعامِ فلطَّخَتْ وجْهِي، ورسولُ اللهِ يضحَكُ قالتْ ندَى في نفسِهَا: شادِي يرُدُّ علَى غَيرَتِي بإظهارِ سوءِ الظَّنِّ فيَّ، أنِّي أتعمَّدُ الحديثَ معَ الزُّملاءِ، وأنِّي أميلُ عاطفيًّا تجاهَ أحدِهِمْ، فسألتْ: هلْ كانَ النَّبيُّ يُحسِنُ الظَّنَّ بِكِ؟ - نعَمْ، عندمَا افْتَرَى عليَّ المنافقُونَ دافعَ عنِّي، وقال: "واللهِ ما علمتُ على أهلِي إلَّا خيرًا" -يَعْنِينِي- لكنَّه بَقِيَ شهرًا لا يُوحَى إليهِ شيءٌ مِنَ القُرآنِ فِي شأنِي، ومع ذلكَ، يستحِي أنْ يُواجهَنِي بسؤالٍ يجرحُ شعورِي عمَّا يقولُهُ البعضُ، ثُمَّ لمَّا أرادَ أنْ يَسألنِي، قالَ: "أمَّا بعدُ يا عائشةُ، إنَّهُ بلغنِي عنكِ كذَا وكذَا..." "فإنْ كنتِ بريئةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ،" "وإنْ كنتِ ألْمَمْتِ بذنبٍ فاستغفرِي اللهَ، وتُوبِي إليهِ، "فإنَّ العبدَ إذا اعترفَ ثُمَّ تَابَ، تابَ اللهُ عليهِ" ثُمَّ أظهرَ اللهُ براءَتِي قالتْ ندَى في نفسِهَا: عندمَا تكونُ الشَّغَّالةُ في إجازَةٍ، فإنَّ شادِي لا يُساعدُ في البيتِ، مع أنَّهُ يكتُبُ بوستَاتٍ عن حقوقِ المرأةِ ومَظْلُومِيَّتِها، فسألتْ: طبعًا ما أظنُّ أنَّ النَّبِيَّ كانَ يساعدُكِ في أمورِ البيت، فهو رسولُ اللهِ... - بلْ كانَ يساعدُنِي، فإذَا حضرَتِ الصَّلاةُ خرجَ إلَى الصَّلَاةِ تَفَاجَأَتْ ندى وتصَوَّرتْ منظرَ النَّبيِّ وهوَ يُساعِدُ زوجتَه في شؤونِ البيتِ بتواضُعٍ ومودَّةٍ قالتْ ندَى في نفسِها: أصبحَ شادي يُدخِّنُ مؤخَّرًا وأتأَذَّى منْ رَائحةِ دُخَانِهِ، أشياءُ بسيطةٌ أصبحتْ تَستفزُّنِي؛ لماذا لا يتأنَّقُ لِي كمَا يتأنَّقُ للنَّاسِ؟ فسألتْ: هل كان النَّبيُّ يتأنَّقُ لكِ ويعتنِي برائحتِهِ كمَا يفعلُ معَ النَّاسِ؟ -كانَ إذا دخلَ بيتَه بدأَ بالسِّواكِ لأشُمَّ من فمِهِ رائحتَهُ الطَّيِّبةَ تفاجأَتْ ندَى منْ هذَا المشهدِ رجلٌ يَدخُلُ بيتَهُ، فيستعدُّ كما يستعدُّ الرِّجالُ اليوم لمقابَلَةِ عملٍ أو لِلِقاءِ شخصٍ مُهِمٍّ قالتْ ندَى في نفسِهَا: أصبحتُ أُفضِّلُ غيابَ شادِي عنِّي، فسألتْ: واضحٌ أنَّكِ كنتِ متعلِّقةً بالنَّبيِّ جدًّا، هل وصلتِ لمرحلةِ أنَّكِ لا تُطيقِينَ بُعْدَهُ عنكِ؟ - لمَّا كانتْ ليلةٌ مِنَ اللَّيالِي قالَ: "عائشةُ، ذَرِينِي أتعبَّدُ اللَّيلَةَ لِربِّي"، فقلتُ له: "واللهِ إنِّي أُحبُّ قربَكَ، وأُحبُّ ما يسرُّكَ"، فقامَ فتطهَّرَ ثُمَّ قامَ يصلِّي قالتْ ندَى في نفسِهَا: شادِي يَظْهَرُ أمامَ النَّاسِ بمظهرِ الخيريَّةِ والحنانِ، لكنَّ هذِه الخيريَّةَ تتلاشَى معِي، ويُبرِّرُ لِي بأنَّه مضغوطٌ ومشاكلُ الحياةِ كثيرةٌ فسألتْ: هلْ كانَ النَّبِيُّ يعاملُكِ كمَا يعامِلُ النَّاسَ؟ - بلْ أفضَلَ! فإنَّهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- هو القائلُ: «خَيْرُكُمْ خيرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» فجعلَ مِعيارَ الخَيريَّةِ التَّعامُلَ معَ الأزواجِ قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: هناكَ جوانبُ منْ حياةِ شادِي الخاصَّةِ أستحِي أنْ أتكلَّمَ عنْهَا لأنَّهَا تُسيءُ لهُ جِدًّا، فسألتْ: سامِحِينِي علَى السُّؤَالِ، هلْ كانَ هُناكَ جانبٌ منْ حياةِ النَّبيِّ لا تُحبِّينَ أنْ يَطَّلِعَ عليهِ أحدٌ؟ - بلْ كانَتْ حياتُهُ كلُّهَا صفحَةً مَكشوفَةً، وهَا أنَا أعْرِضُهَا للنَّاسِ بكُلِّ تفاصيلِهَا، حتَّى ما يلزَمُ منْ تعلِيمِ النَّاسِ في العِشْرَةِ الزَّوجيَّةِ أتَكلَّمُ عنْهُ ماذا أُخْفِي منْ حياتِهِ وقدْ كانَ خُلُقُهُ القرآنَ؟! كلُّ ما في القرآنِ منْ أخلاقٍ وآدابٍ رأيْتُهَا في محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، ظاهِرُهُ كباطِنِهِ كانَ لَبِقًا مَعِي كَمَا كانَ معَ النَّاسِ حتَّى أنِّي ما رأيتُهُ يضْحَكُ بشكلٍ مُفرِطٍ، إنَّما كانَ يتبَسَّمُ قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: لاهتزازِ صورَةِ شادِي لديَّ، أصبحتُ أنْفِرُ من عَلاقتِنَا الغريزِيَّةِ كزوجيْنِ، وأشعُرُ أَنِّي أفعلُ شيئًا مَعِيبًا، فسألتْ: اُعذُرينِي علَى السُّؤَالِ، قلتِ أنَّكِ لا تتحرَّجِينَ منَ الحديثِ عمَّا يَلزمُ منْ تعليمِ النَّاسِ فِي العِشْرَةِ الزَّوجيَّةِ، يعنِي... ما كُنْتِ تُحسِّينَ بأيَّةِ غضاضَةٍ منْ حياتِكُمَا الخاصَّةِ؟ - لا طبعًا؛ العَلاقةُ الغريزيَّةُ بين الزَّوجَيْنِ قُربَى إلَى اللهِ في الإسلام يأخذُ الزَّوجانِ عليْهَا أجرًا، وهذَا شيْءٌ علَّمَنِي إيَّاهُ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- تابعَتْ عائشةُ: وفِي الوقتِ ذاتِهِ، أتدرِينَ بماذا وصفَنِي اللهُ أنَا والمؤمنَاتُ مثلِي في سورَةِ النُّورِ، عندَمَا افترَى عليَّ المنافقونَ الإفْكَ؟ وصفَنَا اللهُ بأنَّنَا "غافلَاتٌ"، أتدرِينَ ماذَا تعنِي "غافِلَاتٌ"؟ لا يخطُرُ ببالِنَا السُّوءُ والعَلاقَاتُ المحرَّمَةُ لبراءتِنَا وطُهْرِ معدَنِنَا بلْ كنتُ حينَ أدخُلُ بيتِيَ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رسُولُ اللهِ وأبِي (أبُو بكرٍ)، أضعُ ثوبِي، فأقولُ: إنَّمَا هوَ زوجِي وأبِي، فلمَّا دُفِن عمرُ معهُمَا، فَواللَّهِ ما دخلتُهُ إلا وأنا مشدودةٌ عليَّ ثيابي؛ حياءًّ من عُمَر. أدركتْ ندَى أنَّهَا أمامَ شخصيَّةٍ مُتوازِنَةٍ رُبِّيَتْ تربيةً عجيبةً، وأدركتْ -معَ ذلكَ- أنَّ مفهومَ الجنسِ في الإِسلَامِ مختلِفٌ تمَامًا عن مَفهومِهِ في ظلِّ المادِّيَّةِ المُعَاصِرَةِ تابعتْ عائشةُ: رسولُ اللهِ الَّذِي كانَ يتكلَّمُ عنِ العَلاقةِ بينَ الأزوَاجِ بأدبٍ لِتعليمِ النَّاسِ، ولا يستَحِي من الحلالِ، هوَ نفسُهُ الَّذِي كانَ يستحِي منَ النِّساءِ أن يَدخُلَ فِي تفاصيلَ؛ سألَتْهُ امرأةٌ يَومًا أمامِي عنْ غُسلِهَا منَ المحيضِ، فأخبرَهَا كيفَ تغتسِلُ، ثُمَّ قالَ: "خُذِي فِرْصَةً منْ مِسْكٍ -يعنِي قطعةً مِنْ صوفٍ أو قطْنٍ- فتطهَّرِي بهَا"، فقالتْ: "كيفَ أتطهَّرُ؟" قال: "تطهَّرِي بهَا." قالتْ: "كيفَ؟" فقالَ: "سبحانَ اللهِ! تطهَّرِي!" فاستحَى رسولُ اللهِ أنْ يقولَ لهَا: ضعيهَا على مخرَجِ الدَّمِ فاجتذبتُ المرأةَ إليَّ فقلتُ لهَا: تتبَّعي بهَا أثَرَ الدَّمِ قالتْ ندَى في نفسِهَا: شادِي يستكبِرُ أنْ يُظهِرَ أمامِي ضَعفَهُ، بل بدلًا من ذلكَ يتفشَّشُ فِيَّ إذَا تعرَّضَ لما يُظهِرُه ضعيفًا، فسألتْ: هلْ كانَ رسولُ اللهِ يتجنَّبُ إظهارَ ضَعفِهِ أمامَكِ؟ - بلْ عندمَا مَرِضَ مَرَضَ موتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- استأذنَ نساءَهُ أنْ يُمرَّضَ في بيتِي... هُنَا تهدَّجَ صوتُ عائشةَ، جمعتْ أنفاسَهَا بصعوبةٍ، ثُمَّ تابعَتْ: تُوفِّيَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في بيتِي علَى صدرِي، بينَ سَحْرِي ونَحْري، كانَ أخِي عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبِي بكرٍ قد دخلَ علينَا قبلَهَا ومعهُ سِواكٌ، فنظرَ إليهِ رسولُ اللهِ، فأحسَسْتُ أنَّهُ يودُّ استخدامَهُ، فأخذتُ السِّواكَ فمضغتُهُ وأعدَدْتُهُ لهُ، ثُمَّ أعطيتُهُ للنَّبيِّ، فاستنَّ بهِ كأحسنِ ما رأيتُهُ مُستَنًّا قطُّ، ثُمَّ حاولَ أنْ يرفعَ السِّواكَ إليَّ، فسقطتْ يدُهُ فأخذتُ أدعو لهُ بدُعاءٍ كان يدعُو بهِ لهُ جبريلُ، وكانَ هوَ يدعُو بهِ إذَا مرِضَ، فلمْ يدْعُ بهِ فِي مرضِهِ ذاكَ، فرفعَ بصرَهُ إلَى السَّماءِ وقالَ: "الرَّفيقَ الأعْلَى." وفاضَتْ نَفْسُهُ فالحمدُ للهِ الَّذِي جَمَعَ بينَ ريقِي وريقِهِ في آخِرِ يومٍ مِنَ الدُّنيَا - هلْ أَوصَيْتِ أنْ تُدْفَنِي بجانِبِهِ؟ - تمنَّيْتُ ذلكَ، لكنِّي آثَرْتُ عُمَرَ؛ لـمَّا طُعِن عُمَرُ جاؤُونِي وأنَا أبْكِي، وقِيلَ لِي: يستأذِنُ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ أنْ يُدْفَنَ معَ صاحبَيْهِ يعنِي زوجِيَ وأبِيَ (أَبِي بَكْرٍ)، زوجِيَ -رسولَ اللهِ- وأبِيَ، فقُلْتُ: واللهِ كنتُ أردتُهُ لنفسِي، ولأُوثِـرَنَّهُ اليومَ علَى نفسِي قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: لم أعُدْ أهتمُّ باهتماماتِ شادِي، أصبحتُ أتعمَّدُ مخالفتَهُ فِي كُلِّ شيءٍ، ولا أريدُ أنْ أُشبِهَهُ فِي شيءٍ، فسألَتْ: تفتقِدِينَ زوجَكِ رسولَ اللهِ؟ - هُوَ حيٌّ في كِيَانِي، وأُبقي ذكرَاهُ حيَّةً لديَّ بالحديثِ عنهُ، عنْ كلماتِهِ، حركاتِهِ، سَكَناتِهِ، قَسَماتِ وجهِهِ... تشرَّبتُ علمَهُ وحكمتَهُ، وأُحسُّ بأنفاسِهِ الطَّاهرَةِ بينَ ضُلوعِي حين أبُثُّ علمَهُ، وتفاصيلَ حياتِهِ، وأصبحتُ بفضلِ الزَّواجِ بهِ أُمًّا لِلمؤمنِينَ أجمعِينَ، وإنْ لم أُنجبْ منْ رَحِمِي، فمِلياراتُ المُسلمينَ -إِلى يومِ القيامةِ- يحبُّونَنِي ويترضَّوْنَ عَنِّي، ويسيرونَ بالنُّورِ الَّذِي ورَّثتُهُ لهُمْ فأنَا الآنَ همِّيَ الأكبرُ أنْ ألتقِيَ بحبيبِي منْ جديدٍ في الجنَّةِ؛ أفعلُ مثلمَا كانَ يفعلُ: كانَ أكرَمَ النَّاسِ، وأنَا على خُطاهُ وعلَى خُطَى أبِي أسيرُ، بعدَ أنْ كنتُ أُطالِبُ النبيَّ يومًا بمزيدٍ من النَّفَقَةِ، أصبحتُ الآنَ أُنفِقُ وأكادُ لا أُبقِي لنفسِي شيئًا قالَ رسولُ اللهِ: «وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ»، فأنَا الآنَ إذَا عملتُ عملًا لزِمتُهُ وداومْتُ علَيْهِ قالتْ ندَى فِي نفسِهَا: نفسيَّتِي معَ شادي تعبانَةٌ، معَ أنَّنِي طبيبةٌ نفسيَّةٌ استحَتْ ندَى أنْ تسأَلَ عائشَةَ عنْ نفسيَّتِهَا لتُقارِنَ بحالـِهَا؛ فكانَ سيبدُو سؤالًا مُضحِكًا وهِيَ ترَى هذِهِ الشَّخصيَّةَ الفذَّةَ، الَّتي قَالَ فيها ابنُ أخيها عُروَةُ بنُ الزُّبيرِ: "لقد صَِحبتُ عائشةَ" "فما رأيتُ أحدًا قطُّ كانَ أعلمَ بآيةٍ أُنزلَتْ، ولا بفريضةٍ، ولا بسُنَّةٍ،" "ولا بشِعرٍ ولا أروَى لَهُ -يعنِي للشِّعرِ-، ولا بيومٍ من أيَّامِ العربِ،" "ولا بنسَبٍ، ولا بكذَا ولا بكذَا...، ولَا بقضاءٍ، ولا طبٍّ منهَا!" فقلتُ لهَا: يا خالةُ، الطِّبُّ من أينَ عُلِّمْتِهِ؟ فقالتْ: كنتُ أمرضُ، فَيُنْعَتُ ليَ الشَّيء -يعني يُوصفُ على سبيلِ العلاجِ-، ويمرضُ المريضُ فَيُنعَتُ لهُ، وأسمعُ النَّاسَ يَنعتُ بعضُهُمْ لبعضٍ، فأحفَظُهُ انتهتْ المقابَلَةُ كانتْ السَّاعةُ الواحدَةَ ليْلًا حينَ انتبَهتْ ندَى أنَّهَا صرفَتْ ساعاتٍ مُتَتَاليَةً تقلِّبُ صفحاتِ السِّيرةِ دونَ أنْ تشعُرَ أغلقتِ الكتابَ وهيَ مَصدُومةٌ مذهولةٌ مَا هذَا النَّبيُّ الذي جعلَ حُـجرَةً صغيرةً عامرةً بآلافِ المواقفِ والذِّكرياتِ الجميلةِ بهذا الشكلِ ما هذَا النَّبيُّ الَّذِي صنَعَ من فتاةٍ هذِهِ الشخصيَّةَ القويَّةَ المحبَّبَةَ المتوازنَةَ الواثِقَةَ المُنسجِمَةَ! أغلقتْ ندَى الكتابَ، وقامتْ منْ غرفةِ المكتَبِ مرورًا بِرَدهاتِ بيتِهَا الواسِعِ، شعرتْ بالبردِ معَ أنَّهَا كانتْ مُلتحِفَةً بمعطفِهَا الفاخِرِ، فالتَّدفئةُ مُعطَّلَةٌ بالبيتِ من فترةٍ لأنَّ شادي لم يُحضِرِ السُّولار بعدَ نفادِهِ -لم يحضِرِ الوَقودَ بعدَ نفادِهِ- طمَعًا في أنْ تدفعَ ندَى منْ مَالـِهَا، وهيَ بدورِهَا كانتْ تتجاهَلُ رغبتَهُ لأنَّهَا تُحِسُّ أنَّ هذَا طمَعٌ منهُ مرَّتْ ندَى بالمطبخِ. ألقَتْ نظْرةً على الطَّاولةِ: آثارُ وجبةٍ أكلَهَا شادِي ولم يُحضِرْ لها وجبةً وصلَتْ غُرفَةَ نومِهَا، الإسوارَةُ لازالتْ على الكومَدِينَا تنتظِرُ شادِي ليُصلِحَهَا كانَ نائِمًا يشْخُرُ وبيدِهِ موبايْلُهُ تمدَّدَتْ ندَى علَى السَّريرِ، وتمنَّتْ لو أنَّ المقابلةَ لمْ تنتهِ، وأنَّهَا عاشَتْ كمَا عاشَتْ عائشةُ هذهِ قِصَّةُ ندَى، قصَّةٌ تُمثِّلُ كثيرًا منْ نِساءِ اليومِ ألقيتُهَا أمامَ مجموعةٍ مِنَ الإخوَةِ والأخواتِ، فقالت إحداهنَّ: "أنا أعملُ منْ فترةٍ طويلةٍ في الإرشادِ الأُسريِّ،" "وأستطيعُ أنْ أقولَ لكَ أنَّ المشاكلَ الثلاثةَ والعشرِينَ الَّتِي ذكرتَهَا" "تُلخِّصُ ما أراهُ منْ مشاكلِ الأزواجِ اليومَ" العجيبُ -إخوانِي وأخواتِي- أنَّ الجاهليَّةَ الماديَّةَ المعاصرَةَ، والَّتِي سَلَبَتْ المرأةَ راحتَهَا وسعادتَهَا، وأهدرَتْ كرامتَهَا، تجعلُ منْ زواجِ النَّبيِّ بعائشةَ شُبْهةً! لِصِغَرِ سِنِّهَا عندَ الزَّواجِ وإنَّ المرءَ لَيَعجَبُ من تَطاوُلِ النَّجاسَةِ على الطُّهرِ وذمِّ الفشلِ للنَّجاحِ العجيبُ أنْ نقبلَ -نحنُ المسلمينَ- بتسميةِ أنجحِ وأجملِ زِيجةٍ "شُبهةً"، نضعُهَا فِي خانةِ الشُّبُهَاتِ ثُمَّ نُدافِعُ وكانَ ينبغِي لنَا أنْ نَسأَلَ من البدايةِ: أينَ الإشكالُ تحديدًا حتَّى نرُدَّ عليهِ؟ وبأيِّ حقٍّ -يا مَنْ تعترضُونَ- تفترضُونَ أنَّنَا نُسَلِّمُ لكمْ بمعاييرِكُمْ؟ العجيبُ أنْ نَسمَحَ للعدُوِّ -الَّذِي يهزمُنَا عسكرِيًّا بكُلِّ أُسلوبٍ قَذِرٍ- أنْ نسمحَ لهُ بأنْ يهزمَنَا نفسِيًّا ويَحتلَّ عقولَنَا وأرواحَنَا، فإذَا بنَا نُحاكِمُ دينَنَا وتاريخَـنَا وسُنَّةَ نبيِّنَا بمعاييرِ أعدائِنَا! عندمَا تَقْبلُ بتصنيفِ شيءٍ مَا منْ دينِكَ على أنَّهُ "شبهةٌ"، فقد خسرت نصفَ المعركة، وعندما تُحاولُ أنْ تُدافعَ عنهُ بمعايِيرِ عدوِّكَ، فقدْ خسرتَ النِّصفَ الآخَرَ عائشةُ تزوَّجَهَا النَّبيُّ صغيرةً وعمِلَ علَى مَا لديْهَا منْ مُقَوِّماتٍ، فصاغَ منهَا أجملَ نفسيَّةٍ أُنثويَّةٍ أكثرَ نفسيَّةٍ توازُنًا، وطُمأنينَةً، وقوَّةً، ووثوقًا أكثرَ نفسيَّةٍ إيمانًا، ورضًا، وهُدًى شحنَهَا بالعلْمِ وسوِيَّةِ النَّفسِ علَى صِغَرٍ، ثمَّ مدَّ اللهُ فِي عُمُرِهَا بعدَهُ، فبقيَتْ منارًا يبثُّ العِلْمَ للعالمِينَ إِلَى يومِ الدِّينِ لمْ يكُنْ مِنْ هدفِنَا فِي هذهِ القِصَّةِ مُناقشَةُ تزويجِ الصَّغيراتِ فِي أيَّامنَا وظُرُوفِنَا، ولا أنْ نُحيطَ بموضوعِ زواجِ النَّبيِّ بعائشةَ صغيرةً، ونطرحَ كلَّ مَا رُدَّ بهِ على مَنْ يَستشكلونَ هذَا الزَّواجِ، وإنَّمَا أردنَا تسليطَ الضوءِ علَى جانبِ الصِّياغةِ النفسيَّةِ الَّتِي صِيغَتْهَا عائشةُ في بيتِ النُّبوَّةِ، والمعاملةِ الَّتِي تلَقَّتْهَا، لنرَى حقيقةَ الجاهليَّةِ الحديثة وأبواقِها الَّذينَ اغتالُوا المرأةَ ونفسيَّتَهَا، ثُمَّ راحُوا يتطاوَلُونَ علَى أنقَى وأجملِ نموذجٍ في قصَّةِ محمدٍ وعائشةَ زواجُ النَّّبيِّ منْ عائشةَ مصدرُ فخْرٍ واعتزازٍ نُباهِي بهِ الأُمَمَ التَّائهةَ، نُعلِّمُ بهِ البشريَّةَ منْ جهلٍ ونهدِيهَا منْ ضلَالٍ، ونمحُو بهِ آثارَ الجاهليَّةِ المعاصرَةِ في الأُسَرِ والمجتمعَاتِ نسألُ اللهَ أنْ يَجعلَ حياتَنا في أُسَرِنا كحياةِ رسولِ اللهِ معَ عائشةَ والسَّلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ
التالي ←
المرأة والمهمة المنسية
حلقة #4 · 9 دفيفة