رحلة_اليقين ٢٥: هولندا و البندورة فيتامين النجاح - خلط الحقائق بخرافة نظرية التطور
(مؤثِّرات صوتيَّة)
صديق معاويةَ: معاوية.
معاوية: نعم.
صديقه: إيش بتعرف عن هولندا؟
معاوية: سيدي هولندا عنده فريق كرة قدم...
صديقه: لأ لأ هولندا كبلد مش كفريق؟
معاوية: بالصَّراحة معلوماتي مش بزيادة.
صديقه: تعرف إنّو هولندا مساحتها
41543 كيلو متر مربَّع بس!
وعدد سكَّانها 17 مليون بس!
ومع ذلك هي ثاني أكبر بلدٍ بتصدير الموادِّ
الزِّراعيَّة والغذائيَّة في العالم كلّه!
معاوية: معقولٌ؟!
صديقه: آه معقول، وبسنة 2011
منظَّمة التَّعاون والتَّنمية صنَّفوها
البلد الأكثر سعادة،
ومن مستوى من ناحية مستوى دخل الفرد
فهي كانت البلد العاشر
من ناحية مستوى دخل الفرد...
معاوية: الصَّراحة بحييك عهل معلومات.
صديقه: الله يسعدك حبيبي،
أنا عشت في هولندا 5 سنين،
في الـ5 سنين هاي تعلَّمت لغتهم،
وقرأت كتبهم، قرأت عن أسرار نجاحهم،
قرأت 12 كتاب يعني عن نجاحهم وسر
الإبداع اللي هم فيه فعلًا حضارة رائعة.
معاوية: أنت مبهر الصَّراحة.
صديقه: حبيبي، بس الفكرة،
أنا لمَّا قرأت هذا الكلام طلعت بنظريَّة.
معاوية: أها.
صديقه: نظريَّتي بتقول إنّو سر
نجاح هولندا هي البندورة.
معاوية: البندورة؟!
صديقه: آه البندورة مهو...
معاوية: ليش البندورة يعني؟!
صديقه: هولندا بتشكِّل ربع صادرات
العالم في البندورة،
وفي البندورة في فيتامين النَّجاح كله.
معاوية: أها، سيدي أنا بحييك
عهاي المعلومات،
بس أنا كنت يعني مصدِّق معلوماتك، ولكن
استنتاجك بآخر اشي مش منطقي.
صديقه: كيف استنتاجي مش منطقي؟!
استنَّى شوي،
هلأ أنا لمَّا سألتك عن هولندا، أنت
ما بتعرف عن هولندا أشي،
يعني أنا بما أني بعرف أكثر منك عن هولندا
فاستنتاجي هو اللي أصح.
وهذا ما يمارِسه مروِّجو خرافة التَّطوُّر بمهارة،
الخلطُ بين المشاهدات والفرضيَّة... بين الحقائق والخرافة،
ساعاتٌ من الشَّرح المستفيض عن تفاصيل
الأحياء والاكتشافات والأبحاث
ثُمَّ ذِكْرُ الخرافة في الثَّنايا ليَسهُلَ بلعُها،
ليبدو وكأنَّ الحقائق المذكورة وخرافةَ
التَّطوُّر جزءان لا يتجزءان،
-(بالإنجليزي) حزمة، لا بدَّ من أخذهما سويَّةً،
فتقولُ هذا الشَّخصُ كَلامُه علمي، ويتكلَّم
بتجاربٍ وبملاحظاتٍ دقيقة،
بينما حقيقةُ الأمر أنه حشر كذبةً أو سوء
تفسير، وظَّف به كلَّ هذه المشاهدات
في الاتِّجاه الخاطئ تمامًا
بغضِّ النَّظر هل هو مقتنِع
بهذه الكذبة أم غير مقتنِع،
ممكن تُناقِش أَحدَهم فيقول لك:
ماذا تعرفُ عن طائر البرقش؟
ماذا تعرفُ عن سمك الجابي؟
عن السَّحالي الإيطاليَّة؟
عن مقاومة البكتيريا للمضادَّات؟
وعن البكتيريا الهاضمة للسَّيْترات؟
تَسألُه ما لها هذه الأمثلة؟
فيقول لك: هذه كلُّها حَصَل لها
تطوُّر صغرويٌّ "micro evolution"
نراه أمام أعيننا طفرات عشوائيَّة
في المادَّة الوراثيَّة
أنتجت بالصُّدفة صفاتٍ نافعة للبرقش،
سمك الجابي، السَّحالي، البكتيريا،
فأصبحت أكثر قدرةً على التَّكيُّف في بيئةٍ ما،
فـحَصَل لها انتخابٌ طبيعيٌ
وهذا كلُّه في زمن محدود،
وبالتالي فمع مئااات ملايين السنين
يمكن أن تكون البكتيريا
قد تطوَّرت إلى كل أنواع الكائنات الحيَّة
بالطَّفرات العشوائيَّة أيضًا،
يعني إذا أثبتنا حدوث التَّطوُّر الصُّغروي
"micro evolution" في بضع سنين
فيمكننا تصوُّر أن يحدث التَّطوُّر الكبرويُّ
"macro evolution"
والذي يَنْتُج عنه أنواعٌ مختلفةٌ من الكائنات
في مئات ملايين السنين.
ويستفيض صاحبنا في شَرْحِ التَّغيُّرات
التي حَصَلت في تراكيب هذه الكائنات
ثُمَّ يقول لك: لا تعرفُ عن هذه الأشياء
وجاي تُنَاقش في التَّطوُّر يا جاهل!
حتى تُحِسَّ أنَّك تتضاااءل أمام هذا العالِم
الذي يعرف أكثر منك بكثير،
وأنَّه بنى قناعاته على علم.
وعند التَّفحُّص العلمي تُفَاجَأ أنَّه -وببساطة-
يكذبُ أو مكذوبٌ عليه،
فكلُّ ما حشده من أمثلةٍ ليُوهِمَك أنَّها أمثلة على
طفراتٍ عشوائيَّة وافقت البيئة بالصُّدفة
إنَّما هو في الحقيقة وحسب الأبحاث العلميّة
أمثلةٌ على التَّكيُّفِ بآلياتٍ دقيقة التَّصميم
لا مكان فيها للعشوائيَّة أبدًا؛
بحيث تجد في هذه الكائنات وفي مادَّتها
الوراثيَّة وطريقة قراءتها
القدرةَ على تغيير خصائصها
لتتأقلم مع التَّغيُّرات البيئيَّة
بطريقةٍ دالةٍ على أنَّها وبيئتَها من تصميم
عليمٍ قديرٍ حكيمٍ قيومٍ على خَلْقِه
كما رأينا بوضوحٍ -إخواني- في حلقة
البكتيريا الهاضمة للسَّيْترات،
وكما سنشرح أكثر لاحقًا -بإذن الله-
عن الأمثلة الأخرى التي يذكرونها،
بينما متَّبع الخرافة يدَّعي
أنَّها طفراتٌ عشوائيَّة،
يعني بَهَرَكَ بكثرة الأمثلة، وكذبَ
في محلِّ الشَّاهد تحديدًا،
وحقيقة الأمر أنَّ كلَّ ما ذكره
من أمثلة حجةٌ لك لا عليك.
خطأٌ كبيرٌ يقع فيه حتَّى بعضُ المعارضين
للخرافة أنَّهم يقولون:
نحن لا نُنْكر التَّطوُّر الصُّغروي،
لكنَّنا نُنْكر التَّطوُّر الكبروي الذي يحوِّل
كائنًا إلى نوعٍ آخر من الكائنات،
فالبكتيريا تطوَّرت لكنَّها بقيت بكتيريا،
وعصافير داروين "Darwin"
تطوَّرت لكنَّها بقيت عصافير،
لا إخواني، لا، التَّطوُّر هو تغيراتٌ عشوائيَّة
وانتخابٌ طبيعيٌّ ترقيعيٌّ أعمىً،
هكذا يُعرِّفونه وهذه هي دلالة
المصطلَح عند أصحابه،
فعندما توافقهم على ما يسمُّونه
بالتَّطور الصُّغرويِّ
فأنت تقرُّ بأنَّ العشوائيَّة تُكْسِبُ
الكائنات خصائصَ نافعة،
وهو أمر باطلٌ عقلًا وعِلْمًا،
وكلُّ الأمثلة التي يوردونها هي على تكيُّفاتٍ
بديعةٍ دقيقةٍ لا مكان فيها للعشوائيَّة أبدًا،
فليست ماكرو ولا مايكرو ولا نانو
ولا فيمتو (بالإنجليزي) تطوُّر.
لا يقال هنا "لا مشاحَّةَ في الاصطلاح،
مش مهم التَّسميات"
بل كهنة الخرافة يراهنون كثيرًا
على التَّلاعب بالتَّسميات،
يريدون أن يبدو متحرِّري الفكر،
واسعي الخيال العلمي،
عميقي النَّظرة حين يقولون: التَّطوُّر
الصُّغرويُّ يحصل في سنين،
فلماذا لا يحصل الكُبرويِّ
في مئات ملايين السنين؟!
لتبدوَ أنت يا من ينكر قولهم
سطحيًا ضيَّق الأفق،
بينما تسمية التَّكيُّفاتِ بالتَّطوُّر الصُّغرويِّ
هي في الواقع قلبٌ للحقائق؛
فالتَّكيُّفات حقٌ والتَّطوُّر الصُّغروي وهمٌ وكذبٌ،
التَّكيُّفات تعني الحكمة والقَصْد
والتَّصميم المقدَّر
والتَّطوُّر يعني العشوائيَّة والصُّدفيَّة،
فتسمية التَّكيُّفاتِ بالتَّطوُّر الصُّغرويِّ هو
كتَسْمِية العِلْمِ بالَجهْلْ والحكمةِ بالعبثيَّة،
هذا ما نَقْصِدُه بخلط الحقائقِ بالخرافة،
خلطُ المشاهداتِ بالنَّظريَّة
والتَّنبُّه له مهمٌّ جدًّا إخواني،
مثلما خلط صاحبنا معلوماته
الصَّحيحة عن هولندا
بنظريَّتِه عن فيتامين النَّجاح في البندورة،
الخلط بين الحقِّ والباطل طريقةٌ قديمةٌ
أنكرها الله -تعالى- على أهل الكتاب.
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 71].
وهكذا هؤلاء يخلطون الحقائق بباطلِ الخرافة
ويكتمون الحقائق التي تهدم خرافتهم،
بالإضافة إلى ذلك يتم خلط المشاهدات الكونية
الدَّالَّةِ على الله يتمُّ خلطها بالشَّهوات،
بحيث لا تكاد ترى فيلمًا وثائقيًّا
إلا ويُحشَر فيه مشاهد
تستدعي الغرائزَ وتَحْرِف العقل،
وكأنَّه من وحي الشَّيطان إلى أوليائِه
حتَّى لا يتسرَّب الإيمان إلى القلوب
عند مشاهدة بدائع الخلق،
ولا يتحرَّك اللِّسان بقول:
﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 191]
بل تطغى الشَّهوة وتَسْتَحكِم الغفلة
باستحضارِ هذه المشاهد.
إذن أوَّلُ أسلوبٍ تكلَّمنا عنه -إخواني-
هو الخلط بين الحقيقة والخرافة،
تستمع لكلام علمي ممتع تُحِسُّ أنَّه أضاف
لحصيلتك المعرفيَّة الكثير بالفعل،
فتنبهر ثُمَّ بلمسة سحرية يُوَظَّفُ
هذا الكلام لترويج الخرافة.
عوِّد نفسك -أخي- أن تَفْرِز
بين المعلومة والاستنتاج،
هذا الذي تُحَدِّثُني عنه يا من تخاطبني، هل هو
معلومةٌ واقعية أم استنتاجٌ من عندك؟
إذا معلومة أعطني الدَّليل عليها،
وإن كان استنتاجًا فعَلَيَّ أن
أتحقَّق من صحَّة استنتاجك؛
لأن صحَّة المعلومة لا تعني
بالضَّرورة صحَّة الاستنتاج.
كن ناقدًا عميقًا وفرِّق بين الحقيقة والخرافة،
والسَّلام عليكم.
(مؤثرات صوتية)