فك تثبيت
→ جميع الحلقات حلقة 50 من 69

رحلة اليقين ٤٦: لماذا يلحد بعض أتباع عدنان إبراهيم؟ خطير ومهم

السَّلام عليكم كنَّا في الحلقةِ الماضية قد شرحنا لماذا تتعارضُ نظرية التَّطوُّر مع الإسلام، وذكرنا اتجاهاتٍ عديدةٍ لمدَّعي إمكانيَّة التَّوفيق بينها وبين الإسلام. أحدُهم هو الدُّكتور عدنان إبراهيم والَّذي بدأَ عام (2014) بنشر سلسلةٍ عن نظريَّة التَّطوُر، يروِّجُ فيها للنَّظريَّة بكُّلِّ أركانها من أنَّ الكائنات جاءت بالتغيُّراتِ العشوائيَّة والانتخابِ الأعمى، ودون قصد مما نتج عنه أخطاء في التَّصميم، وأعضاء بلا فائدة. كيف استطاع أن يُقنِع مسلمين بهذا الكلام؟ وكيف يؤدِّيهم هذا شيئًا فشيئًا إلى الكفر أو الشَّك والاضطراب؟ هذا ما سنعرفه اليوم، فتابعونا... بدأ الدُّكتور عدنان إبراهيم سلسلته تحت عنوان أنَّه يريد لمتابعيه أن يَفهموا نظريَةَ التَطوُّر حتى لا يردُّوها بجهل، وحتى لا يتخلَّفوا عن رَكْب العلم الغربيِّ ويكونوا أضحوكةً للآخرين. وعلى أساسه قال أنَّ الجزء الأوَّل من سلسلته سيكون استعراضًا للمؤيِّدات والأدلَّة على النَّظريَّة، ثم في الجزء الثَّاني النُّقود والمعارضات. "نحن نريد أنْ ننفي الجهالةَ عن أنفسنا على الأقلِّ إذا تحدَّثنا في هذا الموضوع، وافَقنا أم خالَفنا". ويُشْعِرك بأنَّ ما سيتمُّ عرضُه من أدلَّة على هذه النَّظريَّة يمكن التَّوفيق بينه وبين الإسلام، فتعالَ استمعْ، ولا تخفْ! "لن نستبق، نحرق الأحداث ونقول الآن أيش رأينا احنا في التَّطوُّر نفسه ممكن تكون النظرية صحيحةً حتَّى دينيًا وما فيها أيّ مشكلةٍ، ولا تشكِّل أيَّ إرهاقٍ لنا بإذن الله، لكن هذا في وقته -كما قلت-. تأتي أنت وتفتحُ قلبك وتبدأ تستمعُ متعطشًا للتَّوفيق بين العلم والإيمان، فتَرى الرَّجل يؤكِّدُ لك أنَّ مخلوقات الله جاءتْ بالصُّدف والعشوائيَّة وفيها أخطاء تصميمٍ غبيةٌ، وأنَّ القائلين بهذا كلِّهِ هم علماء عظماء. -كيف؟! أستغفر الله! فيقول لك: اصبرْ! سنوفِّقُ بين هذا والإسلام في السِّلسلة الثَّانية لكن حتَّى ذلك الحين؛ أطمئنُك بأنَّ لله دورًا ما في ظهور الكائنات. "أسلوبُ الله في الخَلْق هو: التَّطوير؛ إذن هو ليْس -إيه- تطوُّرًا "Evolution"؛ إنَّما إيه؟ تطوير "Evolization". -ممكن نسمِّيه هكذا- وليس ارتقاءً إنما هو ترقية. من الَّذي يطوِّر؟ الله، من الذي يُرقِّي؟ الله". خرافةُ أنَّ الكائنات جاءت بالصُّدف ساقطةٌ تافهةٌ في حسِّ كلِّ عاقل، لكن عندما يُقال: اللهُ له دورٌ في العمليَّة. فإنَّ ذلك يمَنح الخرافة بعضَ المصداقيَّة، ويُنقِذُها من السُّقوط في نفوس النَّاس. فالنَّاظر إليها من بعيد يقول: هناك معقوليَّةٌ -ما- في الموضوع؛ فَترى من يقول: قد يكون اللهُ خلقَ الخليَّةَ الأولى، وترَكَ التَّطوُّر ينتجُ منها الكائنات قد يكون الله يوجِّهُ التَّطوُّرَ توجيهًا عامًا. وجودُ كلمة (الله) في هذا كلِّه يَكسِرُ حدَّةَ الاستنكار والاستغباء للخرافة؛ فما دامَت العمليَةُ تتمُّ ضمنَ أقدارِ الله بشكلٍ عامٍّ، فما المشكلة؟ إذن يَرى صاحبُنا أنَّ: "أسلوبُ الله في الخَلْق هو التَّطوير". تعالَوا نرَ بماذا يصِف هذا الأسلوب: "نظريَّة التَّطوُّرحين تقرأها وتتعمَّق فيها وتقرأ أدبيَّاتِها فيها جاذبيةٌ "attractive"، نظريَّةٌ جاذبةٌ، فيها سحرٌ وجمالٌ حقيقةً، سحرتني مذ كنتُ غلامًا صغيرًا أيها الإخوة، وقرأتُ (أصلَ الأنواع) سحرني،تعرفون لماذا؟ تتحدَّث عن مداومة، عن استمراريَّة، عن انتقاء، صح، غبيْ كدا لكنْ نتائجُه ذكيَّة، مع أنه غبيٌّ هذا الانتقاء! صح، غبي كدا لكنْ نتائجُه ذكيةٌ، مع أنه غبيّ هذا الانتقاء!". والسَّؤالُ: لو قيل لك أنت تستخدم أسلوبًا غبيًّا في عملِك وصناعتِك، تَقْبلُها لِنفسِكَ؟ طيِّب، في المحصِّلة؛ هل كان ظهورُ الكائنات مقصودًا يا دكتور عدنان؟ تعالَوا نرَ... "هل هو تطويرٌ؟ تطويٌرهو إيش؟ تطوُّر موجَّه. في الحقيقة نحن هذا في الأخير الذي نؤمن به -عشان ترتاحوا يعني- وهذا الَّذي سيفسِّر لنا أشياء يعجز التَّطوُّر عن تفسيرها. وهيك ننتهي إلى أنَّه فعلًا التَّطوير هذا هو أسلوب الله في الخَلْق، هو أراد أن يخلقَ الكائنات بهذه الطَّريقة". إذن الله أراد أنْ يخلُق الكائنات بهذه الطَّريقة؛ يعني هناك إرادةٌ ربَّانيَّة. في المقابل، تعالَوا نر كلامَه عن أسلوب الله في هذا الخلق -حسْب قوله- ألا وهو الانتخاب أو الانتقاء الطَّبيعيُّ: "الانتخاب طبعًا أعمى، أكيد هو إيه؟! هو سمكريٌّ "tinkerer" يعني، (بالإنجليزية) المفكر الأعمى "blind tinkerer" "thinkaling" يعني إيه؟ السَّمكريُّ، المرقِّع، وقلت لكم في حلقة سابقة، من أكبر التَّشبيهات التي يعتمدها التَّطوُّريُّون لتوضيح عمل الانتخاب الطَّبيعيِّ أنَّه سمكريٌّ. الانتخاب الطَّبيعيُّ ليس مصمِّمًا يا إخواني، ليس مصمِّمًا؛ ما فيه تصميٌم بالانتخاب الطَّبيعيِّ، ولذلك فعلًا يكون الانتخاب أعمى أكيدٌ أعمى مش قوى عاقلة وذات، وتعرفوا عندها مبدأ وقانون تشتغل عليه وخطة وبرنامج عمل؛ لا، لا، ما ذلك الِّلي بتكلِّم عليه لا، أبدًا." إذا كنَّا والكائنات قد جئنا من خلال هذا السَّمكريِّ المرقِّع الأعمى الَّذي لا يعرف ما يفعل فلا تستغربْ حينئذٍ أنْ تسمع صاحبَنا يقول: "ولذلك، ولذلك، توجد عيوبٌ في الخليقة، يعني هتلاقي حتَّى في تركيب الإنسان فيه عيوب، في تركيب الحيوانات فيه عيوب، ستقولون: أستغفر الله! فيه، فيه عيوب، ويعني إلى الآن، مش ثابت إلَّا أنَّها عيوب "imperfections" عيوبٌ، أشياء غير تامَّةٍ، غير صحيحةٍ، في غير موضعِها. ومع ذلك يقول لك عدنان إبراهيم ليوهمَك أنَّ الخرافة لا تتعارضُ مع الإيمان: "ما المشكلةُ إذا كان الله يريد أن يَخْلُقَ الأنواع، وأن يَنْسُل بعضَها من بعضٍ بطريقة الانتخاب الطَّبيعيِّ؟! ما فيه أيَّة مشكلة!" ما المشكلة؟! اسألوا صاحبَ السُّؤال إذا قيلَ لك إنَّك تستخدم في عملكَ أسلوبًا غبيًّا أعمى بلا تصميم ولا خُطَّة ولا برنامج عمل ويؤدِّي إلى عيوب، وأشياء غير تامَّة، وفي غيرِ موضعها، هل ترضاها لنفسِك؟ {وَيْجعَلُونَ لله مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى}. [لنحل:62] اِنْظُر، مَا أَقبَحَ الجملةَ الصَّريحة! الَّتي يؤدِّي إليها الكلام، بأنْ يُقال: اللهُ خلَق بعشوائيَّة على العَماية بلا غاية! تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا. المفاجأة -إخواني- هي أنَّ هذه الطَّريقة الَّتي يسْلُكُها عدنان إبراهيم من ذكر دورٍ ما مجهولٍ لله في ظهور الكائنات؛ لتمشية خرافة العشوائيَّة والصُّدفيَّة؛ هذه الطَّريقة ما هي إلَّا اسْتنساخٌ لما فعله داروين من قبل. استخدام عباراتٍ متعارضةٍ متضاربةٍ هي أيضًا تكرارٌ لأسلوب داروين. وصدق رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ قال: «لَتتَّبعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قبْلَكم» (صحيح البخاري). كيف أوهَمَ (داروين) النَّاسَ أنَّ خرافته لا تتعارض مع الإقرار بوجود خالق؟ استقسيتُ المواضع الَّتي ذَكَر فيها (داروين) الخالق في كتابه (أصل الأنواع)، وكان واضحًا وجودُ حالةٍ من التَّناقُض في وصف أفعال هذا الخالق. هل كان هذا مكرًا من (داروين) يمارس فيه الإرباكَ المتعمَّد والمدَّ والجزر ليهيِّئ النَّاس رويدًا رويدًا لِتقبُّلِ خرافته؟ أم أنَّه كان يُعاني -هو شخصيًّا- تخبُّطًا وحيرةً وصراعًا نفسيًّا؟ لا يعْنينا. إنما يعنينا: إظهارُ أنَّ أسخفَ وأغبى فكرةٍ في التَّاريخ تسرَّبتْ في البداية إلى النُّفوس تحت غطاء: الخالق له دورٌ ما إلى أنْ تقبَّلتها النُّفوس ففسدَ مَنْطِقُها وعقْلُها؛ وسارتْ نحو الكفرِ شيئًا فشيئًا. في قسم الاستنتاجِ من كتابه (أصل الأنواع) -الطَّبعة الأولى- كتب دارون: "أستنتجُ من التَّشابهات أنَّه لَرُبَّما كلُّ الكائنات العضويَّة الَّتي عاشتْ على هذه الأرض قد انحدَرت من شكلٍ بدائيٍّ واحد نُفِخَتْ فيهِ الحياة". نُفِخَتْ فيه الحياة؟! - من نفخها يا داروين؟ - الخالق. - طيِّب، متصرِّح بهذا الكلام. - ماشي، سأضيفها لكم في الملحق. يقول النَّاشر: "الإضافاتُ والتَّغييراتُ التَّالية، والَّتي جُهِّزت من قبل المؤلِّف لهذه الطَّبعة، تمَّ استلامُها متأخِّرةً كثيرًا عنْ أنْ يمكنَ وضعُها في أماكنِها المناسبة". إحدى هذه الإضافات: تعديلٌ على الجملة المذكورة مِن "نُفِخَت فيه الحياة" إلى "نُفِخَتْ فيه الحياةُ من قِبَلِ الخالق" (by the creator). وحافظ (داروين) على هذه العبارة: "من قِبَلِ الخالق" في الطَّبعات اللَّاحقة من كتابه. -متشكِّرين يا فندم، ماذا فعل الخالق بعد ذلك؟ -لا، خلاص، انتهى دورُه عند هذا الحدِّ. -كيف؟! يعني الخالق يا دارون لمْ يخلُقْ الكائنات عن قَصْدٍ وإرادةٍ؟! -أبدًا. -طيِّب، لعلَّك تقْصِدُ إِذن أنَّ الخالق وضعَ -على الأقلِّ- خطَّةً عامَّةً لِتكَوُّنِ الكائنات، يعني تركَ صُدَف تُحْدِثُ التَّغييراتِ؛ والانتخابُ الطَّبيعيُّ ينتقي، مع علم الخالق بما سيقودُ إليهِ هذا كلُّه في النِّهايةِ، أَلَيْسَ كذلك؟ حسْب (داروين) أبدًا، لم تكن هناك أيَّةُ خطَّةٍ لِلخَلْقِ "plan of creation" ولا حتَّى مقاصد عامةٌ أو غاياتٌ نهائيَّةٌ للخلق "general proposition" -يعني ما حدش قَصَدَ أنْ تَنتُجَ الكائناتُ على هذا النَّحو؛ صدف × صدف. يقول لك: نعم. لكن لحظة! ها هو (داروين) يقول في الطَّبعة الأولى من كتابه عام (1859): "علينا أنْ نفترضَ أنَّ هناك قوَّةً تراقب باهتمامٍ -دائمًا- كلَّ تغيُّرٍ صُدَفيٍّ صغيرٍ". مَن هذه القوَّة؟! لا شكَّ أنَّه يقصد الخالق. مرَّ عامان، تشرَّبت فيهما العقولُ سخافةَ تكوُّنِ الكائناتِ بالصُّدَف ما دام هذا كلُّه يتمُّ وِفْق مراقبة الخالق بعنايةٍ واهتمامٍ. فإذا بداروين يُغيِّر العبارةَ بعدها بعامين في طبعة (1961) إلى: "علينا أنْ نفترضَ أنَّ هناك قوَّة بين قوسين (الانتخاب الطبيعيُّ) تراقب باهتمامٍ -دائمًا- كلَّ تغيُّرٍ صُدَفِيٍّ صغيرٍ". وفي طبعة (1969) صرَّح بوضوح: "علينا أنْ نفترض أنَّ هناك قوةً ممثَّلةً بالانتخاب الطَّبيعيِّ أو البقاءِ للأصلحِ تراقبُ باهتمامٍ -دائمًا- كلَّ تغيُّرٍ صُدَفيٍّ صغيرٍ". إذن ليس للخالق أيَّةُ علاقةٍ بالخلْق حسْب داروين - لكن لحظة! (داروين) لم يُنكِر أنَّ الخالقَ خلَق الطَّبيعةَ، فَيُمكِن قصدُه أنَّ الطَّبيعةَ وَكيلةٌ عن الله في خلقٍ حكيمٍ مقصودٍ؟ أبدًا! بل ذكرَ (داروين) أنَّ كثيرًا من علماء الطَّبيعة يعتبرون الطَّبيعةَ مظهرًا لخطَّة الخالق. واعتبر أن هذا الظَّنَّ لا يُضيفُ شيئًا إلى معلوماتنا. وإليكم مثالًا على إصرار (داروين) بأيِّ ثمن على أنَّه لم يُخْلَق أيُّ شيءٍ عن قصدٍ. ألفريد والاس "Alfred Wallace" كان من أوائل من قالوا بالانتخاب الطَّبيعيِّ، وكان (داروين) يعتبر أنَّه و(ولاس) يعملان معًا على إنتاج النَّظريَّة. كتب (والاس) في مقالٍ له عن خواصّ وتراكيب في الإنسان، يُستبعدُ أن تكونَ ظهرَتْ بالانتخاب الطَّبيعيِّ، مع تركيزِه على الدِّماغ وأنَّه يبدو أنَّ هناك قوةً وجهَّت الَّتطوُّر باتجاهاتٍ محدَّدةٍ لغاياتٍ معيَّنةٍ. واستخدم عبارة (بالإنجليزية) ذكاء عُلوي "Higher Intelligence" قاد التَّطوُّر لغاياتٍ أنبل. لمَّا صدر هذا المقال غَضِبَ داروين وكتب بعصبيَّةٍ بجانب هذا الرَّأي لوالاس: "No" (بالإنجليزية) لا، بخطٍ كبير مع علاماتِ تعجُّبٍ! وأرسل لوالاس يقول له: "أخشى أنَّك تقتلُ طفلي وطفلك بشكلٍ كامل!" يعني نظريَّة التَّطوُّر. كأنَّه يقول لوالاس: توجيه مين؟! غايات مين؟! ذكاء مين؟! افهمْ يا والاس، هذا ما أريدُ نفيَه تمامًا. كلُّ نظريَّتي هدفُها تحجيمُ دورِ الخالقِ ونفي الخالقيَّة. أنتَ بإشارتِك إلى تدخُّلِ الخالق تهدمُ النظريَّةَ من أساسِها وتُلغي ما صنعتُها مِن أجْلِه. طيِّب يا (داروين)، أنت رفضتَ كلام (والاس)، هل عندك تفسيٌر بديل للدِّماغ الذي ركَّزَ عليه والاس؟ لا طبعًا، بل (داريون) نفسُه أعربَ عنْ أنَّ سؤالَ الدِّماغ وموثوقيَّة العقل يُحيِّرُه، حيث قال: "ينتابُني دائمًا شكٌّ فظيعٌ حول ما إذا كانت قناعاتُ عقلِ الإنسان -والَّذي بدورِه تطوَّر من عقولِ كائناتٍ أدْنى- تتمتَّع بأيَّةِ قيمة أو تستحقُّ أدْنَى ثقة". يعني: (داروين) نفسُه أدرك أنَّ خرافته تقودُ إلى الطَّعن في مصداقيَّة العقل، وتُدْخِلُنا -بالتَّالي- في حلقاتٍ مُفْرَغةٍ من الاسْتدلالِ الدائريِّ، حيثُ يتوجُّبُ علينا أنْ نصدِّقَ عقلًا ما هو إلَّا عمليَّاتُ دماغٍ جاء بالصُّدفِ، لمجرَّدِ أنَّ عقلَنا هذا أخْبرنا أنْ نُصدِّقه. وهي معْضلةٌ تْجعلُ كلَّ ما كَتبَهُ (داروين) عديمَ القيمةِ تمامًا؛ لأنَّه أوهامُ عقلٍ لا مصداقيَّةَ له. ومع ذلك يُصِرُّ (داروين) على أنَّ الدِّماغ لم يأتِ عن قصد. يعني في المحصِّلة يا (داروين) دورُ الخالق انحصر في الخليَّة الأولى؟ حتَّى هذه عاد (داروين) فشكَّك فيها حيث نصَّ في مراسلاتِه على أنَّ الكائنَّ الأوَّلَ قدْ يكونُ نشَأَ تلقائيًّا في برِْكَةٍ دَافِئة فأصبح عنده لا نافخَ للحياة، ولا حياة منفوخة ولا شيء؛ مادة × مادة. كأنَّ داروين كان يريد أنْ يرخيَ القبضة الإلهيَّة في تصوُّره عن الكون شيئًا فشيئًا، -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا- فتلاعب داروين بالألفاظ، وسار في خطواتٍ بتدرُّج، وخلال هذا كلِّه يحتفظ (داروين) ببعض العبارات الَّتي تُشعر المؤمنين بوجود خالق أنَّه في صفِّهم، وأنَّه منهم، وأنَّه يعترف بدورٍ -ما- للخالق. قارن هذا كلَّه بعبارات تلميذه (عدنان إبراهيم) الَّذي يعتبر التَّغيُّرات العشوائيَّة والانتخابَ الأعمى أسلوبَ الخالق، ثمَّ يصفُ هذا الأسلوبَ بالغباء! ثم يقول لك: الله أراد أنْ يخلُق الكائنات. ثمَّ ينفي أيَّ قصْدٍ للخَلق ويؤكِّد أنَّها ما هي إلَّا السَّمكرةُ العمياء. طيِّب، المسألة واضحةٌ إذن، أنَّ (داروين) يعادي الإيمانَ بالخالق وأنه لا عالِم موضوعيّ ولا حاجة لا، لا تُسئ الظَّن، بل هو ما يقولُ هذا كلَّه إلَّا تعظيمًا للخالق، وتنزيهًا للخالق عن النَّقص والعيب. كيف؟! تعالَوا نرَ التِّلميذَ أولًا، ثمَّ نرى الأستاذ... "فالآن الخلقويُّ أو التكوينيُّ لا يستطيع أن يفسِّر لنا لماذا هذه الطُّيور لها أجنحة ولا تطير؟ هل الله -تبارك وتعالى- هل الله -عزَّ وجلَّ- يخلُق شيئًا عبثًا؟ يخلُق شيئًا بلا "function" ، بلا وظيفة، بلا أهميَّة، بلا هدف؟ معاذ الله! إذن عليك أنْ تُقِرَّ بأنَّ الله -تبارك وتعالى- الخالق لمْ يخلُق هذه الطُّيور. طبعًا نكتةُ أجنحة بلا فائدة ردَدْنا عليها بالتَّفصيل في حلقة (الكوكتيل)، بما يجعل من ردَّدها من قبلُ كالببَّغاء يدسُّ رأسه في التُّراب -إن كان منصفًا-. وردَدْنا على الكثير غيرها مما ادَّعاه عدنان إبراهيم فانظر ما فعله صاحبُنا: ساق لك أمثلةً على أخطاء في الخلق -حسب زعمه- كأنَّها أشياء مسلَّمٌ بها. ثُمَّ أَشْعرَكَ أنَّه لا سبيلَ لكَ لِتنزيهِ الله عن الخطأ إلا بنفي الخالقيَّة، ونِسبة هذه الأخطاء إلى العشوائيَّة والصُّدفيَّة وكذلك ظهَر أستاذه داروين من قبل بمظهر المنزِّه للخالق المعظِّم له عن مشابهة المخلوقين، فيقول: "من الصَّعب تجنبُ مقارنة العين بالتِّلسكوب، نحن نعلمُ أنَّ هذه الأداة -التِّلسكوب- وصلتْ الكمالَ من خلال الجهود الطَّويلة المستمرَّة من أعلى مستويات الذَّكاء البشريِّ، ونحن -بطبيعتنا- نستنتج أنَّ العين تشكَّلتْ بطريقةٍ مشابهةٍ إلى حدٍ ما، لكن ألا يمكن أن يكون هذا الاستنتاج وقحًا؟ "Presumptuous" هل لدينا أيُّ حقٍ لافتراض أنَّ الخالق يعمل بقدراتٍ ذهنيَّة مشابهةٍ للإنسان؟ كيف تفترض هذا في الخالق؟! اِخس عليك! الخالقُ أعظمُ مِن أنْ يخلُقَ بهذه الطَّريقة؛ إن كان الإنسان يصنع التلسكوب عن قصدٍ وإرادةٍ، فإن الخالقَ يخلق بالعشوائيَّة والانتخاب الأعمى عبر ملايين السِّنين. وخلقُه مليءٌ بالأخطاء؛ أخطاءٌ في التَّصميم وأعضاءٌ بلا فائدةٍ، ولم يقصد أن يخلُق شيئًا، ولا علاقةَ له بالخَلْقِ أصلًا! هكذا يجب أن تعتقد حتَّى لا تكون وقحًا "Presumptuous" تجاه الخالق -حسب داروين-. تحت ذريعة تنزيه الله عن الخطأ يأخذ عدنان إبراهيم راحتَه في الاستهزاء بخلق الله ويستشهد لك بأقوال حثالات العلم الزَّائف الَّذين يَعيْبون خلق الله مدَّعيًا أنَّه بذلك كلِّه لا يَعيب خَلْقَ الله، بل على العكس هو يعيب خلق العشوائيَّة والعماية والصُّدفيَّة، الَّتي هي أسلوب الله في الخلق وافهمْها إنت بأه. أتذكرون إخواني حديثنا عن العين وروعة تصميمها، وكيف أنَّ دكاترةً من أتباع الخرافة أنفسِهم كذَّبوا في أبحاثهم دعوى وجود أخطاءٍ في التَّصميم؛ تصميم العين، وسخروا هم أنفسُهم من القولِ بأنَّ الخلايا الحسَّاسة للضَّوء كان ينبغي أن تكونَ للأمامِ لو كانت مصمَّمة. صاحبُنا لا يعنيه هذا كلُّه. بل يعنيه قولُ أصحابه الَّذين يعيبون خلقَ الله: "العينُ البشريَّة الَّتي يَظُنُّ كثيرٌ من غيرِ المُتَخصِّصين أنَّها آيةٌ في إبداع التَّصميم مُعجِبةٌ، مثيرةٌ، مدهِشةٌ! يظنُّون هذا! لكنَّ العلماءَ المتخصِّصين يرَوْن غيرَ هذا تمامًا". يعني يا مسكين، أنت تظنُّ أنَّ العين رائعةٌ لأنَّك غير متخصص، تعالَ اسمعْ ما يقوله المتخصِّصون! "بعيدًا عن موضوع التَّطوُّر و غير التَّطوُّر، هذا العلمُ نفسُه، وهذا مدرك من القرن التاسع عشر، فالعالم الألمانيُّ الفيزيائيُّ الكبير هِرْمان فُونْ هِلْمهُولْتز Hermann Ludwig" "Ferdinand von Helmholtz معروفٌ هذا هلمهولتز معروفٌ كفيزيائيٍّ. لكن -للأسف- عوام النَّاس يجهلون أنَّه كان عالمًا في الأحياء، وعالمًا في علم النَّفس، إسهاماته في العلمين أعظم وأهمُّ من إسهاماته في علم الفيزياء. يعني عالمٌ موسوعيٌّ هذا، موسوعيُّ العلم في الفيزياء أكثر منه في علم الأحياء، وفي علم أو أكثر من ذلك -عفوًا- أكثر من ذلك في علم الأحياء و في علم النَّفس". وطبعًا هذا أسلوب عدنان إبراهيم دائمًا عندما يريد أن يذكر لك قولًا غبيًا لأحد كهنة العلم الزَّائف، فلا بد أن ينفُخ ويضخِّم فيه حتَّى تستسلم أنت، وتتواضع بين يدي هذا العملاق، حتَّى لو قال لك شيئًا ترى أنت بعينيك أنَّه كلامٌ غبيٌّ. ماذا قال هذا العالم الموسوعيُّ الكبير؟ "له عبارة مشهورة طبعًا يتَّكئُ عليها ويُشيدُ بها التَّطوُّريُّون تَفيد قضيَّتهم -يعني- في التَّسخيف من فكرة التَّصميم وإبداع العين وعظمة الصَّنعة في العين- يقول هلمهولتز: "لو ذهبتُ إلى بصريَّاتي -أوبتيكال يعني- أوبتكال"optical" لو ذهبتُ إلى بصرياتي، وأعطاني جهازًا صنعه بمثل كفاءة العين، كالعين لقرَّعتُه على إهماله وعدم إتقانه الصَّنعة، وردَدْتُ إليه بضاعتَه أقول له خذها، تخيَّب أنت وإيَّاها، ما هذا؟! هذا جهازٌ هذا؟! أنا أصنع عدسة، أصنع كاميرا أحسن من هذا. طبعًا التَّطوُّريُّون والملاحدة، لا أقول يبالغون بل بكلِّ بساطة يتجرَّأون فيقولون: هذا ليس تصميمًا فاسدًا، هذا تصميمٌ في منتهى الغباء -يقولون- إذا تقُلْ لي تصميم...؟ هذا غبيٌّ، تصميمٌ غبيٌّ هذا!". إذن فكلامهم هذا ليس مبالغةً، ولا كذبًا -طبعًا- ولا دجلًا، لا، لا، هو فقط جرأةٌ، هم تجرَّأوا على قول الحقِّ حسب عدنان إبراهيم. دوكنز "Richard Dawkins" الَّذي وضَّحنا نماذجَ كثيرة من كذبه وتزويره للعلم في سبيل محاربة الإيمان بوجود الخالق، وإقناع الناس بأن الإله عبارةٌ عن وهمٍ. يقول عنه عدنان إبراهيم: "عالم -سبحان الله- تختلف معه، تتفق معه، الرجل عالمٌ، وعنده نفسيَّة عالمٍ؛ ومشاعر عالمٍ، يقدِّس العلم، مبتهجٌ بالعلم، يفرح بالعلم،شيءٌ مش طبيعيّ". ما دام (دوكينز) عالمًا؛ إذن فصدِّقْه حين يقول عن عصب الزَّرافة الحُنجُريِّ: "ليش هذا العصب التفَّ ها اللَّفة الطَّويلة هذه اللي -فيما يظهر- لفَّةٌ غبيَّةٌ حمقاءٌ -يعني- لا حاجة إليها، لماذا فعل هذا؟" إيَّاك أن تنفعل أو تشكَّ في نيَّة الرجل، ها هو يقول في السِّياق نفسه: "طويلٌ وفعلًا راجع -لا إله إلا الله- وراجع للحُنجُرة" فهي عنده لفَّةٌ غبيَّةٌ حمقاء لكن لا إله إلا الله، سبحان الله. ويقول عن العمود الفقريِّ: "قلَّك إيه؟ روبن وليامز"Robin Williams" لأنُّه هذا مش تصميم، هذا مسارٌ تطوُّريٌّ، سمكرةٌ غبيَّةٌ هذا لحدِّ الآن، مش جيِّدة -يعني-" وكذلك بينَّا لك أيضًا في حلقة (صحِّ النُّوم) بالنِّسبة لقوله عن العظام الخلفيَّة في الحوت: "طبعًا هذه لا تفيد بإجماع علماء الأحياء على الإطلاق". بينَّا أنَّ علماء الأحياء وضَّحوا بالتَّفصيل ضرورةَ هذه العظام للتَّكاثر، قبل أكثر من (130) عامًا، يعني هي لا تفيد الحيتان إلَّا في بقاء جنسها ومنع انقراضها. "عشان هيك في العلم مينفعش تروح تجيب كتاب من (100) سنة، وتقول لي أنا أنتقد التطور! العلم لا بدَّ فيه من تحديث مستمرّ، إذا اعتمدت اعتمادًا كليًّا على كتابٍ مؤلفٍ قبل حتَّى (5) سنواتٍ و(4) سنواتٍ ممكن تقع في فضائحَ علميَّة تتكلَّم في العلم بدَّك تتابع باستمرار، العلم ما في عنده نوم ، مافيش واحد ينام و يجوم إيه يتابع في العلم، ما ينفعش!" ومع ذلك... يبحث عدنان إبراهيم عن أيِّ قولٍ لأغبياء العلم الزَّائف، يصفون فيه الخلق بالغباوة، ويذكر أقوالهم على أنَّها علمٌ، مع أنَّ هذه الدَّعاوى تكون مكذَّبةً بأبحاثٍ علميَّةٍ مفصَّلةٍ لأناسٍ من أتباع التَّطوُّر أنفسهم، كما بينَّا مرارًا وتكرارًا. ولا ينسى طبعًا أن يفتتح حلقاته هذه بقوله: "بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم. اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا. أحبَّتي في الله، إخواني وأخواتي السَّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته" إذن اطْمئن، كلُّ هذه التَّغبية والاستهزاء بخلق الله هي درسٌ إيمانيٌّ ويمكن التَّوفيق بينها وبين الإيمان بالله لكن لا تستبق الأحداث في السَّلسلة الثَّانية إن شاء الله تعالى؛ تعالى عن ماذا بالضَّبط؟! إن كان الله لا يتعالى عندك عن النَّقص يا عدنان إبراهيم. وضَّحنا سابقًا أنَّ العاقل يستدلُّ بخلق الله على حكمته -سبحانه- حتَّى إن لم يدرك الحكمة من جزئيَّةٍ معيَّنة، فيَكفيه الأدلَّة والشَّواهد الَّتي لا تُحصَى على حكمة الله. عند عدنان إبراهيم: لا! الَّذي يفكِّر بهذه الطَّريقة خلقويٌّ كلامه لا يفسِّر شيئًا الذي يفهم هو التَّطوُّريُّ، الَّذي يبحث عن أيِّ شيءٍ يجهل وظيفته ليعيب به خَلقَ الله: "هنا الخلقويُّ تَعضُل به المسألة صعبٌ أن يقدِّم تفسيرًا، اسكت بأه ... سيقول لك: لله الحكمة ف كل شيء يا أخي. طبعًا عنده إيه؟ نموذج تفسيريّ عام يقول كلَّ شيء ولا يفسِّر شيئًا آه! طبعًا لأنك مش فاهم ليش يعني! التَّطوُّريُّ فاهم ليش! طبعًا قصةٌ طويلةٌ عاد بتحبوا تقروها بالتَّفصيل، فيه كتب كثيرة فصَّلت فيها، منها كتاب دوكنز (أعظم استعراض على الأرض)" كتاب (أعظم استعراض) للملحد دوكنز الذي رأينا أنَّه أعظم استعباطٍ؛ يحشد فيه الأكاذيب ليقنع النَّاس أنْ لا خالق، ينصحكم فضيلة عدنان إبراهيم بالرُّجوع إليه، بينما يقول في رجال الدين الَّذين يخطئون بالفعل في دعوى أنَّ النَّظريَّة انقرضت. لكن انظر كيف الحديثُ عنهم في مقابل دوكنز: "لا تسمحوا لأنفسكم أن تسمعوا للكذَّابين، رجال الدِّين الَّذين يهرفون بما لا يعرفون وباسم العلم أحيانًا". يُشعرك عدنان إبراهيم أنَّ الملاحدة لديهم أدلَّةٌ قويَّة يصعُب الرَّدُّ عليها، مثل تجربة لنسكي "Richard Eimer Lenski" مرَّةً أخرى، لابدَّ من إبهارك بالسَّادة العمالقة حتَّى تبلعَ ما يقولون... "تجربة لنسكي هذه أوف! أكثر من (70)، (80) صفحة، لغة علميَّة فنِّيَّةٌ معقَّدةٌ جدًا، بالإنجليزية(جداول ورسومٌ بيانيةٌ) وأرقامٌ ومعادلاتٌ رياضيَّةٌ شيءْ شغلْ شغلْ! متقن جدًا". أيوه، ما قصَّة هذه الدِّراسة؟ "ربَّما، هذا شيءٌ آخرٌ محتملٌ لسه، لا نعرف! ربَّما، تأتي طفراتٌ تمكِّن البكتيريا من استغلال غير الجلوكوز كمان. يعني لو مثلًا وقعت طفرة، أو أكثر من طفرة مركَّبة، وهذا شيء معقد جدًا هذا بالذَّات الَّذي ينكره التَّكوينيُّون". طبعًا التَّكوينيُّون هم المؤمنون بالخالق، الَّذين يقولون إنَّ الكائنات الحيَّة معقَّدةٌ، تراكيبها متكاملةٌ متقنةٌ ولا يمكن أن تأتي بالصُّدفة. "هذا بالذَّات الَّذي ينكره التَّكوينيُّون؛ يقول لك: هذا الكلام ما يحصلش بالطَّفرة، ما يحصلش بالصُّدفة يستحيل، لابدَّ من مصمِّم يقوم عليه؛ الله -تبارك وتعالى- لأنَّ نسبة حدوثه -بيبدو يحسبوهالك عاد- تطلع (1/10) أس (150) أو (160) أو (300) وهذه يستحيل يساوي العدم". طبعًا للتَّوضيح نحن نرى أنَّ نسبة حصوله (0%) لا أكثر، وقد وضَّحنا هذا سابقًا. "طب، فإن حصل هذا في الطَّبيعة، إن حصل في الواقع ماذا تفعلون؟ وللأسف هذا ما يثبته التَّطوُّريُّون، هذا يحصل". إذن -للأسف- هذا ما يثبته التَّطوُّريُّون أنَّه يحصل، للأسف لأنَّنا في ورطة، نحن التَّكوينيِّين الذين كنا نظنُّ أنَّه لا بدَّ من خالق لحدوث هذا، والآن التَّطوُّريُّون يُثبتون -بالعلم- أنَّ الصُّدف كافيةٌ في حصول هذا، ولا حاجة للخالق. "بالتجربة هذه سوف يحصل، يحصل! تخيَّلْ! بحيث تتراكم طفرتان أو ثلاث طفراتٍ، كلُّ واحدةٍ بحيالها لا تنفع شيئًا، لكن إنْ جاءت طفرة، تبعتها بعدين -بمحض الصُّدفة- (randomly) عشوائيًا طفرة أخرى رَكِبَتْ عليها، ثمَّ جاءت طفرة ثالثة، والنَّتيجة في الأخير: يتطوَّر هذا الكائن بطريقةٍ مثيرةٍ جدًا بحيث يمتاز الآن بأفضليَّة جديدة؛ تجعله أكفأ بخصوص النَّاحية الفلانيَّة. هل هذا يحصل؟! للأسف هذا يحصل. في هذه التَّجربة سوف ترون كيف حصل هذا، لذلك هذه التَّجربة من أقوى الأدلَّة بيد الملاحدة، وبيد التَّطوُّريِّين الملاحدة بالذَّات يعني الَّذين يقولون: الصُّدفة تأتي بتنظيمٍ معقَّد، وتأتي بأشياءٍ لا يتخيَّل المؤمنون أو المؤلِّهة أو الخلقويُّون أنَّها تحصل، تحصل. تحصل، ورأيناها ونحن -إيه- وثَّقناها، آه أنَّها تحصل". إذن يا جماعة الملاحدة لديهم أدلَّةٌ قويَّةٌ جدًا على أنَّ الصُّدفة تخلُق ولا حاجةَ لخالقٍ: "سوف نرى أشياءً خطيرةً، أشياءً خطيرةً جدًا، سوف نرى هل هناك إمكانيَّة للرَّدِّ على هذا الشَّيء! كيف الرَّدُّ يعني؟ أنت لا تستطيع أن تردَّ التَّجربة التَّجربة هذه محكَّمة علميًّا مفيش كلام". إذن فنحن الآن في ورطةٍ خطيرةٍ جدًا تهدِّد إيماننا؛ الملاحدة معهم دليلٌ لا غبارَ عليه، هم أهلُ العلم، وسوف نرى إن كان يمكنُنا معاشر المؤمنين بإله أن نردَّ عليهم بشيءٍ يحفظُ ماءَ وجهِ إيماننا... "تأويل التَّجربة! قدْ التَّجربة تكون صحيحةً 100% لكن قد يكون الخطأ في ماذا؟ في تأويل ما حدث، في تفسير ما حدث. يبقى هنا هوامش علينا الاجتهاد، هوامش... سوف نرى هذا لكن كما أقول دائمًا في السِّلسلة الثَّانية، في السِّلسلة الثَّانية" إذن الملاحدة عندهم أدلَّةٌ مش قوية وبس بل وساحقة. "وطبعًا كما قلت لكم يفتخر جدًا دوكنز به و يعتبره دليلًا إيه؟ يعني ساحقًا ماحقًا لكنَّه دليل قابل للكلام والنِّقاش كما سنرى في السِّلسلة الثَّانية بإذن الله -تبارك وتعالى-". طبعًا السِّلسلة الثَّانية -إخواني- لم تأتِ حتى الآن. نشر عدنان إبراهيم تشكيكاتِه وخرافاتِ العلم الزَّائف عبر أكثر من (30) حلقةً، بدءًا من عام (2014) على أساسِ أنَّنا سنفهمُ حجَّة َالقوم، ثمَّ نردُّ عليها، ونحاول التَّوفيق بين الإسلام والتَّطوُّر، ومرَّت (5) سنين ولم يأتِ موعد الرَّدِّ بعد. تجربة لنسكي هذه التي يتكلَّم عنها عدنان إبراهيم تناولناها -بالتَّفصيل- في حلقةٍ مستقلَّة حيث بيَّنَّا ما حصل في البكتيريا من ورقة لنسكي نفسِه في مجلة نيتشر"Nature" وأثبتنا لكم -إخواني- من بحثهم أنَّ ما حصل لا مكانَ فيه للصُّدفةِ أبدًا بل عمليَّةٌ منظَّمةٌ، محكمةٌ، بديعةٌ. وأنَّ لينسكي وفريقَه تعمَّدوا التَّلاعب بالألفاظ واستخدام عبارة إكسبتيشن"exaptation" لنفي القصديَّة عن العمليَّة فعرضوا النَّتائج بطريقةٍ علميَّة لكن حرَّفوا التَّفسير وبسَّطنا لكم نتيجة التَّجربة في رسوماتٍ تجعل غيرَ المختصِّ يفهم ما حصل. وبيَّنا لكلِّ عاقلٍ أنَّ هذه التَّجربة دليلٌ عظيمٌ على صُنع الله الَّذي أتقن كلَّ شيءٍ، وعلى الإحكام في كلِّ زاويةٍ من زوايا الكون من أصغر كائنٍ لأكبر كائنٍ، وأنَّ هذه التَّجربة هي ككلِّ شيءٍ في الكون ورطةٌ محرجةٌ للملحدين لا لنا معاشر المؤمنين بالخالق. كما يصوِّر عدنان إبراهيم. المؤلم -إخواني- أنِّي وقبل البدء بسلسلة الحلقات عن الخرافة، كنت أتحدَّث مع طبيبٍ يخبرني أنَّه معجبٌ بعدنان إبراهيم وطروحاته، أردتُ أن أبيِّن له نموذجًا من التَّزوير بالحديث عن هذه التَّجربة، وشرح بحث لينسكي في مجلة نيتشر "Nature". قلت له: شايف البروموتر؟ سكت الطبيب. قلت له: البروموتر! تعرفه؟ قال لي: لا بصراحة. طبعًا إخواني، البروموتر ووظيفته يُذكر في أساسيَّات علوم الأحياء والكيمياء الحيويَّة في السَّنوات الأولى في الجامعات لطلَّاب الطِّبِّ والصَّيدلة والأحياء وغيرهم من أبجديَّات العلوم. صاحبنا هذا طبيبٌ في أرقى مستشفىً لدينا هنا، ومع ذلك يجهل البروموتر! وينطلي عليه كلام عدنان إبراهيم، ثم يقول النَّاس: الأطباء في المستشفيات الرَّاقية يؤمنون بالتَّطوُّر! كم هو مؤلمٌ أنْ ترى أناسًا جهلةً -تمامًا- بهذه العلوم يُعلِّقون بعد كلِّ حلقةٍ من حلقاتنا محتجِّين على خوض أمثالي من الشِّيوخ الخلقويِّين -كما لقِّنوا- في هذه العلوم. مع أنَّ هؤلاء المعلِّقين لا يعلمون شيئًا ولا يفهمون شيئًا في هذه المواضيع، إلَّا أنَّ عقولهم حُشيَتْ بخرافات العلم الزَّائف وأصبح لديهم حصانةٌ ضدَّ الفهم وضدَّ التَّعلم لأنَّهم جهلة، ولا يعلمون أنَّهم جهلةٌ. إذن بثَّ عدنان إبراهيم شبهاته عبر أكثر من ثلاثين حلقة وهو يبرِّر لك هذا بقوله: "وأرجو أيضًا بين مزدوجين يعني أن يفهم الإخوة والأخوات الأعزَّاء أنَّني إلى الآن كما قلتُ لكم أتقمَّص دور ماذا؟ دور مؤيِّد التَّطوُّر، المؤمن بالتَّطوُّر، أنا أريد أن أتقمَّص هذا الدَّور تمامًا كأنَّني تطوُّريٌّ صميم وأنْ أعلن وأعرض أيضًا بكلِّ النَّزاهةٍ وبكلِّ الحيدة العلميَّة أدلَّة وبراهين ودلائل التَّطوُّريِّين. فلذلك لا يستعجلنا بعض النَّاس، ويبدأ يتكلَّم: إذا أنت تطوُّريٌّ كيف تقول في كتاب الله كذا؟ ماذا تقول في آدم؟ والكلام الفارغ هذا؛ هذا أسلوبٌ غير علميّ". تقمَّص دور التطوُّريِّين على حدِّ تعبيره، وبثَّ كلَّ أكاذيبهم على أنَّها علمٌ، وسخَّف مَن يعارضهم، وألقى بذور الشَّكِّ في قلوب متابعيه، ثمَّ تركهم. طيِّب، يأتي شهر رمضان على الشَّاب الَّذي اقتنع بما يقوله عدنان إبراهيم ولأوَّل مرَّةٍ بعد قناعته يَشْرعُ المخدوع في ختمةٍ جديدةٍ للقرآن جاء إلى قول الله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل:17] وقوله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] فيقول المخدوع في نفسه: بماذا تُباهي يا ربُّ؟! إنَّها العشوائيَّة والانتخاب الأعمى عبر مليارات السنين؛ فما مظهر العظمة في هذا الخلق؟! العشوائيَّة تخلُق؟! "هل هذا يحصل؟! للأسف، هذا يحصل. "تحصل ورأيناها، ونحن -إيه-وثقناها أنها تحصل". جاء المخدوع إلى قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج:73] فقال في نفسه: صحيح، لكن أعطِ الموضوع ملايين السِّنين وسيتكون الذبابُ بالطَّفرات العشوائيَّة دون حاجةٍ إلى خالق. "-هل هذا يحصل؟! -للأسف هذا يحصل." "قالوا مثل ما في ملايين السِّنين تحدث تغيُّرات بسيطة جدًا تتراكم حتى تصبح بعد ملايين السِّنين تغيُّرات دراماتيكيَّة واسعة كبيرة". جاء المخدوع إلى قول الله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذريات:20-21] فقال في نفسه: آياتٌ على ماذا؟ كلُّ ما في الأرض نتيجةُ تراكم الصُّدف، أمَّا نفسي ففيها سوءُ تصميم وأعضاء بلا فائدة! "أستغفر الله فيه! فيه عيوبٌ، ويعني إلى الآن مش ثابت إلَّا أنَّها عيوبٌ "Imperfections" عيوب أشياء غير تامة غير صحيحة في غير موضعها". الله تعالى في آياته المسطورة -القرآن- يشير إلى آياته المنظورة -الكون والحياة- للدلالة على عظمته وقدرته. لكنَّ صاحبنا اقتنع بأنَّ الآيات المنظورة فيها عيوب مش ثابت إلَّا أنَّها عيوب "Imperfections" عيوب أشياءٌ غير تامة غير صحيحة في غير موضعها. وأنَّ هذا علمٌ والقائلين به علماءٌ الواحد فيهم "هذا عالم كبير دراساته جميلة جدًا قوية وفيها أصالة، طبعا لدينا عالم كبير مشهور جدًا". فبدل ما تكون الآيات الَّتي تتحدَّث عن إتقان الخلق داعيةً للإيمان، أصبحت عند المخدوع آياتٍ فيها شكٌّ من ناحيةٍ علميَّةٍ؛ لأنَّها تقول عن الخلق متقن، وهو غير متقن. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28 ] بهذه النفسيَّة أصبح المخدوع يقرأُ آياتٍ كثيرةً، مثل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة:7] {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2] {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُون} [الحجر:19] {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقينَ} [المؤمنون:14] فأصبح المخدوع يتساءل في نفسه: كيف أحسنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَه، وأتقنَ كلَّ شيء؟ ماذا عن الأمثلة العلميَّة الكثيرة على سوء التَّصميم؟ كيف كلُّ شيءٍ موزون وهناك أعضاء بلا فائدة؟ أيُّ تأويلٍ هذا الَّذي يُمْكنُني أن أؤوِّل به هذه الآيات كلَّها؛ لِتَتوافق مع الحقائق العلميَّة. كان يمكن لصاحبنا المخدوع أنْ يفعل العكس ويقول: إذن فنظريَّة التَّطوُّر باطلةٌ، لكنَّه كُرِّس في عقله عبَر الشُّهور الماضية أنَّها حقيقةٌ لا مناصَ منها، عليها أدلَّة، ولابدَّ من إخضاع النَّصِّ الدِّينيِ لها، وليس العكس. ووافق ذلك أيضًا هزيمةً نفسيَّةً وحضاريَّةً لديه، وتحرُّجًا من هويَّته الإسلاميَّة وما يمتُّ إليها بصلة. ثمَّ انتقل صاحبنا لسؤال: لماذا أدعو الملحدَ إلى الإيمان بالله؟ إلى ماذا أدعوه أن ينظر ويتدبَّر ليصل إلى الله؟ إلى المخلوقات؟! يمكن للملحد ببساطةٍ أن يجيبني: العشوائيَّة والصُّدفيَّة فعلت هذا كلَّه. بدأ صاحبنا يفكِّر في ترك الإسلام! لكن لحظةً! تذكَّر أنَّه لازال هناك دورٌ ما لله فالمادَّة لا بدَّ لها من خالق. العناصرُ الأساسيَّة التي عمِلتْ عليها العشوائيَّة والانتخاب الأعمى لا بدَّ لها من خالق. ونظريَّة التَّطوُّر لا تفسِّر إيجاد هذه المادَّة من عدم. لمْ يطُل تردُّد صاحبِنا حتَّى اكتشف أنَّ هناك علماء حلُّوا له أيضًا لغز إيجاد الكون والمادَّة من عَدَم دون حاجةٍ إلى إله، مثل: هوكينغ "Stephen Hawking" وهوكينج هذا أيضًا: "هوكينغ عالم فذّ، عالم استثنائيّ وأين نحن من أرسطو؟! و أين نحن من هوكينج؟! إحنا ولا حاجة! ما نحن بالقياس إليهم إلَّا كبقلٍ في أصول نخلٍ طوالٍ". لكنَّ هوكينج هذا ملحد، ويقول إنَّ الكون أَوْجَدَ نفسَه بنفسِه. ما بيطلع لي أسخِّف هوكينغ وأشكاله، وأقول إنَّهم مكابرون، كهنة علمٍ زائفٍ؟ عفوًا! من أنت؟ إيه الهبل هذا اللي إنتوا فيه؟!! تفتح إيه وتحرق إيه يا أهبل! روح ابحث عن رزقك! أنت جيعان !أنت عريان! أنت تعبان! إنت مش عارف تحكم حالك! جاي بتهدد لي في العالم، أيش قدِّمت للعالم إنت؟! قدّمت له هذا: السَّلخ، والذَّبح، والنَّفخ، وهم بيقدِّموا لنا الميكروفون هذا أتكلم في، واليوتيوب اللي هحطّ عليه -إيه- الخطبة هذه، والكاميرا هدي اللي بتسجِّل، والأنوار هذه هي والتَّهوية اللي احنا فيها، كلّ شيء كلّ شيء إحنا فيه همّ قدَّموه" على طريقة عدنان إبراهيم في تكريس الهزيمة النفسيَّة لدى المسلمين، وإشعارهم بالدونيَّة أمام السَّيِّد الغربيِّ الذَّكيِّ المتعلِّم. وبالمناسبة فالعلماء المسلمون المعاصرون لا وجود لهم في سلسلة عدنان إبراهيم: "انقرضوا العقول الضَّخمة للإسلامييِّن راحت منقرضة للأسف المسلمون المنقرضون" منقرضون! إذا أردتم التعرُّف على بعض (المنقرضين) الذين لازالوا أحياء بيننا -إخواني- فننصحُكم بالاطِّلاع على هذه الصَّفحة لإخواننا (الباحثون المسلمون) بعنوان: (الإسلام والعلم حديثًا)، وكذلك هذه الصَّفحة بعنوان: (علماء المستقبل المسلمون). وهذا الكتاب بعنوان: (إنجازات مسلمين في العصرالحديث). شاهدوا، وستفتخرون بإخوانكم، وتتألَّمون على عدم معرفة المسلمين بهم وبإنجازاتهم. طبعًا عدنان إبراهيم لم يقُل في مديحه لهوكينج أنَّه مصيبٌ في إنكاره لله لكنَّه عظَّمه في نفس صاحبنا المخدوع، وجعل وجود الله قضيَّةً ميتافيزيقيَّة فلسفيَّة لا يسهُل الاهتداءُ إليها، وهوكنغ لعلَّه معذور؛ اجتهدَ فأخطأ، وكذلك داروين: "رجل المصداقيَّة، رجل صافٍ، رجل بسيط صريح، مستقيم شيء عجيب، مش متلاعب الرَّجل هذا، قلت لك شخصيَّة معجِبَة! هذا الرَّجل لو صحَّ لديه بطريقةٍ تقنعه أنَّ الله موجود وخالق ومصمِّم لَصدَعَ بهذا، ولتنازل مباشرةً عن نظريَّته لكن كلُّ ما صحَّ لديه جعلَه يقف حائرًا يقول لا أدري! لست أدري!" فأدلَّة وجود الله قد لا تكون مقنعةً للإنسان الصَّريح المستقيم الصَّادق؛ بينما الملحدون عندهم أدلَّةٌ قويَّةٌ حسب عدنان إبراهيم. نتيجةً لهذا كلِّه كانت القواعد المنطقيَّة عند صاحبنا المتابع لعدنان إبراهيم قد تهدَّمت تمامًا ونفسه قد انهزمَتْ، وعقلُه قد مُسِخ بما فيه الكفاية ليتقبَّل هذه النَّظريَّة أيضًا؛ نظريَّة أنَّ الكون لا يحتاج إلى خالق بل أوجد نفسَه بنفسِه. وبالتالي فلم يعُدْ لدى صاحبِنا أيُّ سببٍ ليتمسَّك بفكرةِ وجودِ خالقٍ، أو على الأقلِّ أصبحَ الإسلام احتمالًا ووجودُ الله احتمالًا، ووجهاتُ النَّظر الأخرى تستحقُّ الاحترام. وطبعًا ننبِّه الَّذين لم يتابعوا الحلقات الماضيَّة إلى أنَّنا رددنا ردًا علميًّا مفصَّلًا على الكثير ممَّا ينقله عدنان إبراهيم عن كهنة العلم الزَّائف على أنَّه علم. هذه قصَّةُ العديد من الشَّباب الَّذين تركوا كهنة العلم الزَّائف وعرَّابيهم من العرب يضلِّلونهم بالمغالطات المنطقيَّة والألاعيب النَّفسيَّة والعلم الزَّائف. بدأ الأمرُ بتغيير المسميَّات وادِّعاء أنَّ خرافة داروين علمٌ، ومن ثمَّ تطعيم شجرة الإيمان بالخالق بشجرة داروين، تحت عنوان: {إِنْ أَرَدْناَ إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النِّساء:62] لا نريدُ أن يتركَ شبابُنا الإسلام إذا أحسُّوا بأنَّ هناك تعارُضًا بين العلم والإيمان. طيِّب، والحلُّ عندكم؟ الإلحادُ في أسماءِ اللهِ وصفاته؛ يعني ميلٌ بها عن أصلها. إلحادٌ في أنَّ الله هو الخالق البارئ المصوِّر، وإلحادٌ في قيُّوميَّة الله في قيُّوميَّة الله على خلقه، وإحاطتِه بخلقِه، وإتقانِه لخلقِه. قال الله تعالى: {وَللهِ الْأَسمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ} [الأعراف:180] . أيْ: يميلون بها عمَّا جُعِلَتْ له. {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِه سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180] وهكذا، قاد الإلحادُ في أسماء الله وصفاته تدريجيًّا إلى الإلحاد في وجودِ الله. والمسلمُ الَّذي يقرأُ كتابَ الله -تعالى- بفهمٍ وتعظيمٍ، متحرِّرًا من الهزيمة النَّفسيَّة يعلم أنَّ كلَّ صفحةٍ من صفحات القرآن تنفي هذه الصورةَ المشوَّهة الَّتي توهمُ بأنَّ للهِ دورًا ما مجهولًا، على طريقة عدنان إبراهيم وأستاذه داروين. فالقرآن حافلٌ بالآياتِ الدَّالة على قيُّوميَّة الله المستمرَّةِ على خلقِه وتصريفِ أقدارِهم وربوبيتِه لهم. وعلى أنَّهم مُفتقِرون في كلِّ حالاتِهم لخالقٍ عليمٍ قيُّومٍ حكيمٍ: {أََوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَن}. [الملك:19] {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا} [فاطر:41] وهذه القيُّوميَّةُ من الله، مع الافتقارِ من المخلوقات هي مقتضى العقلِ كذلك، كما بيَّنَّا في حلقة: (العظمة في كل مكان). بينما التَّشكيكُ في الخالقيَّة مقدِّمةٌ للتَّشكيك في الحاكمية ولأحقيَّة اللهِ -تعالى- المطلقة في التَّشريع لعباده. {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] فالتَّشكيك في أنَّ الخلقَ خَلْقُ الله مقدمةٌ للتَّشكيكِ في أنَّه لا أمر ولا نهيَ إلَّا لهُ -سبحانه-، وهو ما يفعلُه عدنان إبراهيم، الَّذي يروِّجُ للدِّيمقراطيَّة الغربيَّة على أنَّها أفضل من الخلافة الرَّاشدة، ويروِّج للعلمانيَّة ويمارس الطَّريقةَ ذاتَها بإشعارك أنَّه في هذا كلِّه يقرُّ بوجود دورٍ ما لله. فنقول لمن تأثَّرَ بتشكيكاتِ عدنان إبراهيم: أنتَ تأذَّيتَ طويلًا من الَّذين يتكلَّمون بغير علمٍ. وهذا حقُّكَ، لكنَّك -يا مسكين- جئتَ تطلُب الشِّفاءَ عند من دخل إليك من مدخل استيائك هذا، فدسَّ لك السُّمَّ في الدَّسمِ، وأجْهزَ عليك بالكُليَّة، فكنت كالمستجير من الرَّمضاء بالنَّار. هل الدكتور عدنان إبراهيم في هذا كلِّه يعي ما يفعل؟ ويفعله عن تخطيطٍ مسبق؟ أم أنَّ الشَّيطان يستغلُّ أمراضَ القلوب عند البعض، فيصبحون أداةً في يده، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104] لا يعنينا الجوابُ كثيرًا حقيقةً، ولا تختلف النَّتيجةُ، وإن كان طعنُه في ثوابت الأُمَّةِ الشَّرعيَّة وفي الصَّحابة من خلال كثيرٍ من التَّزوير كما بيَّنَ إخوانُنا في قناةِ: (مكافح الشُّبهات) يُصعِّب محاولةَ تلمُّسِ أيِّ عذرٍ له حقيقةً، ومع ذلك فالَّذي يعنينا هو أن َّنبيِّن مداخل الشَّيطان إلى نفوس النَّاس، لنقولَ لهم: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:186]. لنرى بعدها كيف يحصِّننا القرآن من هذه الخطوات، ويحمينا من هذه المغالطات، ونرى معًا أنَّه بحقٍّ كما وصفه الله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}. [النحل:89] هذا ما سنراه بإذن الله بعد أن نستعرض معًا النَّماذج الأخرى من دعاوى التَّوفيق بين الإسلام وخرافات العلم الزَّائف، فتابعونا، والسَّلام عليكم ورحمة الله.
التالي ←
رحلة اليقين ٤٧: الرد على الدحيح - د. إياد قنيبي
حلقة #51 · 22 دفيفة