رحلة اليقين ٤٧: الرد على الدحيح - د. إياد قنيبي
السَّلام عليكم.
أنا لست من متابعي برنامج (الدَّحِّيح).
لكن لَفَت نظري حلقةٌ كَثُرَ الكلام عليها.
تابعتُها، ففهمتُ طريقة (الدَّحِّيح).
لذلك ردِّي هنا ليس على هذه الحلقة بالذات،
بل على طريقته بشكلٍ عام.ِ
الحلقة هي بعنوان: (يا محاسن الصُّدَفْ)
يبدأ (الدَّحِّيح) في هذه الحلقة بمقدِّمة
أنَّ هناك أحداثًا يبدو
احتمالهُا ضعيفًا جدًا جدًا،
لكن إذا غيّرت الافتراضات،
يصبح احتمالُها أقوى
بل، وقد يصبح احتمالُ حصولها شبهَ حتميّ.
قال لك: مثلًا: العُمْلة النَّقديَّة،
إذا افترضت أنَّ الوجهين لها مختلفان،
ورميتها في الهواء،
فستكون احتمالية ظهور أحد الوجهين (50%).
بيْنما إذا افترضت أنَّ الوجهين نفسُ الشيء،
فلمَّا ترمي العُملة، راح تكون نسبة ظهور
الصُّورة المعيَّنة على العُملة (100%).
طيّب، وبالتالي يا (دَّحِّيح)؟
قال لك: وبالتالي،
تعال على الكوْن الذي نعيش فيه...
الثوابت الفيزيائية فيه مضبوطة لأبعد حدّ،
لو اختلف حاجة منها، سينهار الكوْن،
ومش حيكون فيه كواكب ولا حياة ولا حاجة.
وهذا الشيء بيخلينا نظنّ
أنَّ هذا الكون مصنوع من أجلنا.
قال لك: لا، مش شرط يكون مصنوع من أجلنا،
وإنَّما تغيير بسيط في الاحتمالات،
حيفسر هذا الضبط الدقيق
لثوابت الكوْن الفيزيائية.
ما هو هذا التغيير البسيط؟
قال لك: أن نفترض
أنَّ هناك عددًا لانهائيًّا من الأكوان
-يعني (بالإنجليزية) أكوان متعددة،
ملتيڤيرس "Multiverse"-
كلُّ واحد منها له ثوابت فيزيائية مختلفة،
فبالصُّدْفة طلع هذا الكون بتعنا،
وفيه ثوابتُ فيزيائيةٌ مناسبةٌ لحياتنا،
والنَّتيجة: محدش قصد يضبط
هذا الكون اللي إحنا عايشين فيه،
وإنما الكون بتعنا جاء بالصُّدْفة.
تغيير بسيط في الافتراضات -أكوان لانهائية-
أدَّى إلى تغيُّرٍ كبير في النَّتيجة:
الكون جاء بالصُّدْفة.
قبلما أعطي وصفًا عامًّا لهذا الكلام،
تعالوا نناقشْه علميًا...
لو قلت لك:
-شايف هذه الغرْفة؟
ما احتمالية أن يطلع الرقم (5)
(10) مرات في نفس الوقت؟
-يطلع فين؟
-على العجلات الدَوَّارة.
-أي عجلات؟
-لا... ما هو عجلات اليانصيب!
-مفيش عجلات يانصيب في الغرفة؟!
-لا، ما هو افترض أنَّ هناك عجلات يانصيب.
-افتراض مين؟! طيّب، ومين بيحرّك العجلات؟
-لا، ما هو افترض أنَّ
هناك (10) أولاد بيحركوها.
-لا معلش، خلّينا نرجع لسؤالك
بلا افتراضاتٍ إضافية.
احتمالية أن يطلع الرقم (5): (10) مرات
في غرفة فارغة بهذا الشكل هو (0%) بالضبط.
(الدَّحِّيح) بدايةً لعب لُعْبة افتراض
العجلات والأولاد في غرفة فارغة.
يعني لمَّا تقول لي: ما احتمالية أن يوجد كون
بثوابت فيزيائية مضبوطة تناسب عيشنا فيه؟
أقول لك: لا، خلينا نقف عند:
ما احتمالية أن يوجد كون أصلًا،
قبل ما نتكلم على كلمة:
"ثوابت"، وكلمة: "مضبوطة".
بدون خالق مافيش كون أصلًا،
مافيش عجلات ومافيش غرفة،
بل، مافيش مادة يتكون منها الكون أصلًا،
فكلام فارغ نتكلم عن الاحتمالات من غير
ما يكون فيه مادة تجري عليها الاحتمالات.
حتقوللي: يا أخي، (الدَّحِّيح)
ما أنكرش وجود الخالق!
هو بيتكلم عن علوم رياضية واحتمالات.
لا معلش، خلّينا نرتب أفكارنا شوية.
مش ممكن نتجاوز مسألة المادة اللي بتدَّعي
أنَّه تشكَّلت منها الأكوان اللانهائية بتعتك
فأمامك واحدٌ من اثنين:
إما أن تُضطَر إلى الاعتراف بوجود إله
علشان تَحُل مشكلة وجود المادة فقط،
وعندها ستقول أن هذا الإله يخلق المادة فقط
ويتركها تتفاعل وتتركب
بطريقة عشوائية غير مقصودة،
فبالصُّدْفة، طلع واحدٌ منها مناسبٌ لحياتنا.
وهذا افتراض مضحك متناقض!
تَصَوُّرُ إله خلَّاقٍ بلا حدّ
يخلق مادة، تَظْهر حكمته، وقدرته، وعلمه،
في ذرَّاتها الدَّقيقة وترتيبِ جُسَيْماتها،
لكن أصبح يتصرف بعدها بعبثية،
ويَخْلق بكثرة دون غاية.
ذرَّةٌ واحدة من ذرات المادة هذه
ستردُّ على هذا التصوِّر السخيف.
أو أن تقول: لا، مفيش إله.
إذن، من أين جاءت المادة؟
-أوجدت نفسها بنفسها.
-يا تُرى هذا علم ولا هبل؟
-لا، كلام علمي، وحنسمّيه
"نظرية النشوء التلقائي للمادة"
أول حاجة -يا شباب- خذوا بالكم
مش أي حاجة فيها كلمة (نظرية)
معناها: محترمة ولها وزن.
أنا بيّنت بالتفصيل في حلقة:
(نظرية البان كيك)،
وحلقة: (كل الطرق تؤدي إلى الخرافة)
أنَّ كلمة: (نظرية) هذه تُوضَع قبل سخافات مضحكة
لإعطائها: هَيْبة، مع أنها مجرد: خيْبة!
ثانيًا: فاكرين لويس باستور "Louis Pasteur"،
ومن قبله: فرانسيسكو ريدي
"Francesco Redi" في القرن (17)
اللّذين أثبتا بطلان نظرية
"النشوء التلقائي للكائنات الحية
من الجمادات"؟
يعني الناس المتخلفين في أوروبا كانوا يظنّون
أنَّ الذُّباب ينشأ تلقائيًا من القمامة،
وأنَّ الفئران تنشأ تلقائيًا من اللحم المتعفن.
لويس وقبله رِدِي بيَّنَا
بُطْلان هذه النظرية المتخَّلفة.
وأنَّ الكائنات الحية -كالذُّباب- تنشأ
في الواقع من كائنات مجهرية كبيوض الذُّباب.
الّذي يقول هذه الأيام:
المادة تنشأ من لا شيء،
المادة تخلق نفسها بنفسها...
هو أشدُّ تخلفًا من المتخَلِّفين الأوروبيين
في القرون الوسطى؛
لأنه يقول لك: لا، مش الكائنات الحية
تنشأ تلقائيا من الجمادات بس،
بل الجمادات تَنشأ تلقائيًّا من لاشيء.
يعني في مثال الغرفة والعجلات،
كأن صاحبنا لمَّا سألناه:
طيّب، وفين العجلات والأولاد؟
قال لك: لا، افترض أنهم ينشأون تلقائيًا،
وسنسمي هذا الافتراض
نظرية "العجلات الذاتية"
ونظرية "الأولاد الذاتيين".
فهل هذا علم ولا هبل؟
طيّب، خلينا نسأل أنفسنا: ما الذي اضطَّرهم
إلى هذا الهبل، وأَدخلهم في هذه النظريّات؟
ما الذي جعل وجودَ المادة مشكلة؟
والضبطَ الدقيق في ثوابت الكون مشكلة؟
وبدءَ الحياة على الأرض مشكلة؟
ووجودَ الكائنات الحية المُتْقَنَة مشكلة؟
الّذي جعل هذا كلَّه مشكلةً،
هو أنهم أنكروا التفسير الوحيد الصحيح،
العقلي، الفطري، المنطقي، العلمي:
أنَّ هذا كلَّه لا بد له من خالق.
لمّا تستثني هذا التفسير الوحيد
سينهار كل شيءٍ،
ويصبح الوجود كلُّه مشكلة،
وتصبح بحاجة إلى الهذيان بالجنون
والاستعباط لحل هذه المشاكل.
فيُسمى هذا الهبل: نظريات.
كما بيَّنَّا بالتفصيل في أكثر من (25) حلقة
عن نظرية "التطور الصُّدَفي"،
كيف أنَّ كهنة العلم الزائف،
حددوا النَّتيجة التي يريدون الوصول إليها
مُسبقًا: أنه مفيش خالق للكائنات الحية،
وراحوا في كل وادٍ يهيمون بعدها،
ويُعارضون العقل والعلم
في سبيل إثبات أنه لا يوجد خالق.
فـ"النشوء الذاتي للمادة"،
و"الأكوان اللانهائية"،
و"النشوء الذاتي للخليَّة الحيَّة"
و"التطور الصُدَفي"،
هذه كلُّها هذياناتٌ إلحادية يُراد منها ترقيع
الفراغات التي يتركها إنكار وجود خالق.
ما يفعله (الدَّحِّيح) وأشكالُه هو أنهم يأتون
لواحدة واحدة من هذه الهذيانات المضحكة،
ويتكلمون عنها في حلقات متباعدة،
ويحاولون إقناعك بها.
كأنه يقول لك: سيبنا الآن من نشأة المادة،
ومن التطور، خلينا في حتة الضبط الدقيق،
ويحاول إقناعَك بها على حدة:
إنَّ مفيش فيها أي دليلٍ على وجود خالق.
إذا اقتنعت، حيجيك في حلقة أخرى يُقنعك
أنَّ إتقان الكائنات الحية مفيش فيه أي دليل.
وفي النهاية، حتنهار من نفسك كل أدلة وجود
الخالق بخرافات واستعباط يسمونه نظريات.
إذن، فهذه أول نقطة -أنه قبلما يُدْخِلك
(الدَّحِّيح) في موضوع الاحتمالات،
اسألْه: المادة اللي عمّال بتعمل
الاحتمالات عليها جاءت من أين؟
لاحظ كيف تجاوز (الدَّحِّيح) هذا السؤال الأهم،
وأدخلك في متاهة الاحتمالات
بكلام مضلِّل كما سنرى.
رقم (2): الأكوان اللانهائية
اللي تتكلم عنها يا (دَّحِّيح)
-غير كوننا اللي إحنا عايشين فيه-
هذه الأكوان مضبوطة ولا غير مضبوطة؟
يعني متناسقة وتسير حسب ضَوَابط
فيزيائية محددة؟ ولا لا؟
برضو، لا بد أن يكون الجواب واحد من اثنين:
إما أنها غير مضبوطة، -يعني أكوان عشوائية
مفيش كواكب ولا مجرات-؛
لأن المادة مش عارفة ترتب نفسها
أو يمكن في كواكب لكن
خبطه ببعضيها ومتدمرة.
خلينا نناقشْ هذا السيناريو:
إذا كنت قاعد على مكتبك،
وبيترمي على المكتب من فوق كوم حديد
وأسلاك كل ثانية، وأنت بتزيحها عن مكتبك،
وفجأة، نزل على المكتب جهاز (آيفون)
منزلٌ عليه (بالإنجليزية) التطبيقات كلها،
ومشحونٌ وجاهزٌ للاستخدام.
هل حيكون استنتاجك:
أنَّ هذا الجهاز ترَكَّب وانشحن ونَزَلتْ عليه
(بالإنجليزية) التطبيقات بالصدفة؟
يا جماعة، اللي لا يُصدِّق هذا الهبل
كيف يُصدِّق أنَّ هذا الكون
-الكونَ الأعْقدَ من هذا الجهاز بما لا يُقارن-
يأتي بالصُّدْفة؟!
وحنرجع برضو في هذه الحالة
إلى النقطة الأولى:
أنه -بغض النظر- ما دام بينزل عليك مادة،
-ولو مخربطة- لا بُدَّ لهذه المادة من صانع،
فما بالك (بالإنجليزية) بالجوال المتقن!
هذا الاحتمال الأول يا (دَّحِّيح):
أنَّ الأكوان اللي بتتكلم عنها غير مضبوطة.
الاحتمال الثاني: أنها مضبوطة ومُتناسقة
لكن بثوابت فيزيائية مختلفة عن كوننا،
بما لم يسمح بوجود الحياة
في هذه الأكوان الأخرى.
طيب، لو شفت سيارة تَصلُح لركوب الإنسان،
ومليارات المليارات من المَرْكبَاتِ الأخرى
المتناسقة، اللي أجزاؤها متكاملة،
لكن، لا تَصْلُح لركوب الإنسان،
حيكون الاستنتاج: أنَّ هذه السيارة،
والَمركْبَات كلَّها جاءت بالصُّدْفة؟!
أم أنَّ وراءَها صانعًا عليمًا؟
إذا كان هناك أكوانٌ لانهائية متناسقة،
فهذا معناه: عددٌ لانهائيٌّ من الأدلة
على وجود إلهٍ متقِن، حكيم، قدير، عليم.
تعالوا الآن للنقطة الثَّالثة...
(الدَّحِّيح) بيكرر كلمة (ثوابت فيزيائية).
هو أصلًا فيه شيء اسمه (ثوابت فيزيائية)
بدون وجود خالق؟!
يعني حتى لو تجاوزنا
أن العدم لا يخلق المادة.
هل العدم -اللاشيء- حيخلي المادة
كمان تمشي بانتظام من غير لخبطة؟
مِنْ أَهْبَلِ نُُكَت الملحدين:
أنَّهم يجعلون النظام الدَّال على وجود
إله منظِّم بديلًا عن وجود الله.
يعني تصور لو أنَّكَ كنتَ كل يوم
بتحط على مكتبك دينار...
أول يوم دينار، وثاني يوم دينار، وهكذا...
وبعد (10) أيام، جاء شخص وقال:
-الأموال دي لم يضعها أحد...
-ليه؟!
قال لك: أنا عرفت هذه الأموال
كيف جاءت: كل يوم دينار،
وبالتالي، فالّذي أوْجدها هو
قانون: "كل يوم دينار".
الرجل ده، عالم ولا نصَّاب؟
القوانين -يا إخواننا- ما هي إلا محاولات
لوصف بعض الظواهر التي تحدث بانتظام،
وما هياش فاعل.
الضوء مش هو اللي بيختار أنه يسير
بسرعة (300,000) كيلو متر في الثانية،
ولا قانون سرعة الضوء
هو اللي بيخلي الضوء يسير بهذه السرعة.
كلمة (قانون): هي وصف مهياش فاعل، مريد،
مختار، يعلم ما يفعل، ويفعله بانتظام.
لمّا الضوء يسير بسرعة ثابتة،
فلا بدَّ عقلًا من فاعل
هو الذي جعله يسير بهذه السرعة، وبانتظام.
أنا لمّا أضرِب على لوحة المفاتيح بسرعة
(100) كلمة في الدقيقة، فأكتب قصيدة.
تصور لمّا يجي أحد يطَّلع على القصيدة،
فيقول: هذه القصيدة ما كتبهاش حد.
إذن، كيف جاءت؟
يقول لك: كتبها قانون
"(100) كلمة في الدقيقة".
هذا الاستعباط والهبل
هو الذي مارسه الفيزيائي الجاحد لله:
ستيفن هوكينغ " Stephen Hawking"
صاحب خرافة: ملتيڤيرس
التي يروِّج لها (الدَّحِّيح)
هوكينغ قال لك في كتابه: (التصميم العظيم):
"لأن هناك قانون الجاذبية، فإن الكون يمكنه
بل وسوف يَخْلُق نفسه من لاشيء."
مجرد وجود القانون -يا إخواننا- يعني
أنَّ هناك من جعله قانونًا،
نظَّم الأشياء بهذا الشكل،
فهو دليلٌ على موجِد، وليس بديلًا عن موجِد.
قانون: يعني مفيش حاجة
ماشية عبثيًّا في هذا الكون.
إذن لاحظ، غيرَ مسألة أنَّ (الدَّحِّيح)
يتجاوز من أين جاءت المادة،
هو بيوهمك وكأنَّ الكون اللي إحنا فيه
ممكن يتواجد في لحظة عابرة،
زبطت فيها الثوابت
الفيزيائية الكونية وخلاص.
استمر هذا الثبات تلقائيًّا
بفضل قانون الجاذبية،
وقانون سرعة الضوء، إلى آخره...
وكأنَّ القانون حد فاعل وله قدرات.
النقطة الرابعة: (الدَّحِّيح)
بيمارس التسطيح المضحك
لمّا يقيس الكون بتعقيده الشديد
على مثال ارتفاع البورصة
أو انخفاضها أو الربح والخسارة.
إنتوا عارفين يا إخواني:
ما معنى انضباط الكون؟
تعالوا نأخذ أبسط حاجة فيه...
أكثر من (90) عنصرًا طبيعيًا مُكتَشفًا في الأرض،
ورُتِّبت "النيوترونات" في كل منها
و"البروتونات" في أَنْوِيَة محددةِ الحجم بدقة
تَجذِب "إلكترونات"
في مدارات بالأبعاد اللازمة.
هذه العناصر تفاعلت بقوانين كيميائية ثابتة؛
لتعطيَ مُرَكَّبات لازمة للحياة،
ومرةً أخرى، هذه القوانين
لا بدَّ لها من فاعل، منظِمٍ، متقِنٍ.
جاذبية أرضية بالمقدار اللازم، بحيث لا نسبح
في الهواء، ولا تلتصق أقدامنا بالأرض.
أرض تدور بسرعة دقيقة؛
علشان ليل ونهار يتعاقبان للنوم والعمل.
بُعْدٌ دقيق عن الشمس فلا تُحرقُنا ولا نتجمَّد.
درجة تبخر الماء، كثافة الهواء، نِسَبُ
العناصر في الهواء، كله بما يُناسب حياتَنا
آلاف المليارات من الكواكب والنجوم تسير
بسرعةٍ مناسبة في مدارات محدَّدَة، بدقة شديدة.
فحتى لو تجاوزنا موضوع:
(من أين جاءت المادة؟)
وحتى لو تجاوزنا موضوع:
(من وَضع الثوابت؟ ومن ثبَّتها؟)،
حضرتك محتاج تحسب لي
على مستوى ذرَّة واحدة كالهيدروجين،
ما احتمال أن يكون حجم نواة الهيدروجين
ما هو عليه؟ مش أصغر ولا أكبر؟
ما احتمال أن يكون الإلكترون
بهذا البُعد عن النواة؟
مش أصغر بواحد أو اثنين أنجستروم أو جزء من
أنجستروم، ولا أكثر بجزء أو جزئين أو مليون
إلى ما لا حصر له من الاحتمالات
المتاحة في مدارات ثلاثية الأبعاد؟
ايشمعنا هذه الأبعاد والعلاقات المتناسبة،
واللي هيأت الهيدروجين للتفاعلات، ولمكانه
المناسب في تركيب المواد للكائنات الحيَّة؟
روح للكاربون، للنتروجين، ولباقي العناصر...
هذا، ونحن نتكلم عن أبسط
الوحدات المكوِّنة للمادة.
يعني ذرة واحدة مفيش أي احتمالية معتبرة
لتَرَتُّبِ جسيماتها بهذا الشكل عشوائيًّا.
وجاي (الدَّحِّيح) يقيس لك مش الذرة الواحدة،
بل الكونَ كلَّه -بما فيه- على الافتراضات
الثنائية: خسران وكسبان، ووجهيْ العملة.
وجاء يقنعك أنَّ هناك رقْمًا يمكن افتراضه...
(1) على (10) أُسّ كذا...
وما دام فيه رقم، ففيه احتمال.
عبط دا ولا علم يا شباب؟.
النقطة الخامسة:
هل افتراض ملتيڤيرس هو علم
تجريبي ساينس "Science"؟
هل الأكوان اللانهائية
الصُّدَفية التلقائية هذه
هي ساينس مرصود محسوس
مُشاهد أو آثاره مُشاهدة؟
ممكن تجيبونا يا جماعة الـ"ملتيڤيرس"؟
ممكن تجيبوننا؟ الأكوان دي مؤلفة من إيه؟
ما نوع ذراتها؟ ما عدد عناصرها؟
ما القوانين التي تَصِف نظامها؟
طيّب، الذَّرات تحتاج ثوابتَ فيزيائية دقيقة جدًا
تربط نيوتروناتها ببروتوناتها وإلكترونتها،
وتلاعب بسيط بالعلاقة بين هذه
الجسيمات، يعطينا انفجارًا نوويًّا.
هل هذه الضوابط هي نفسُها
محفوظة في الأكوان الأخرى؟
وازاي تكون هي نفسُها؟
طيّب، إذا مش محفوظة،
ما هي الثوابت البديلة في هذه الأكوان؟
هذه الأكوان لماذا لا تصطدم ببعضها؟
وازاي ما دمرتش الكون بتعنا
ما دام هي لانهائية؟
مش الأكوان بتتمدد؟ وإذا كانت تتمدد
لماذا لا تصطدم ببعضها وبكوننا؟
ولّا حتقولوا: إنّ هناك فراغًا ضخمًا جدًا جدًا.
طيّب،
من أين جاء هذا الفراغ؟
يعني هذا المكان؟
هل الـ"ملتيڤيرس" بتاعتكم
تجيب عن أيٍّ من هذه الأسئلة؟
. إذن هل هي علم تجريبي، ساينس
مرصود، محسوس، مشاهد، أو آثاره مشاهدة؟
ولا هو رد أهبل من واحد
مزنوق [محصور] على سؤال:
فمن أَوجد الكَون -إن لم يكن الخالق-؟
المزنوق [المحصور] بيقول لك: ملتيڤيرس وخلاص.
وكأننا نتكلم عن شوية فقاعات صابونية.
خذوا بالكم يا إخواننا، نحن لا ننكر إمكانية
أن يكون هناك أكوان أخرى كثيرة،
يمكن آه ويمكن لا.
إنما اللي بننكره: هو افتراض وجودِها صدفةً؛
لتفسير ظاهرة (الضبط الدقيق).
سيعترض معترض ويقول:
طيّب، أنتو برضو تَدَّعُون وجود إله،
مع أنَّه غير مرصود بالعلم التجريبي؟
فأقول لك: إحنا محاصرناش تعريف العلم
بالعلم التجريبي كما تفعلون.
بل العلم يَنْتُج عن العقل، والفطرة،
والخبر الصادق، والحس، والتجريب،
وهذه كلها تُنْتِج الساينس وتُنْتِج كذلك
اليقينَ بوجود غيبيَّات غير محسوسة
كما بيَّنَّا -بالتفصيل- في حلقة: (المخطوف).
فعقلًا لا بدَّ لسلسلة الأسباب
أن تنتهيَ إلى سبب أول،
وأن يكون هذا السبب الأول
مش معتمد على حاجة في وجوده،
ولا بتنطبق عليه قوانينُ المادة،
فلا نستطيع أن نشتَرِطَ رصدَه بالعلم التجريبي
وإلا دخلنا في التسلسل إلى ما لا بداية؛
وهذا مستحيل عقلًا
كما بيَّنَّا في حلقة: (لماذا لا بدَّ من خالق؟)
و الساينس يرصد آثار هذا الخالق،
ويدلُّ على علمهِ، وقدرتهِ، وحكمته.
وإذا أنْكرتَ رصْد الآثار،
فإنك تُنكر الساينس نفسه.
فالمسألة مش أن التصديق بخالق واحد
أسهل من التصديق بأكوان لانهائية.
المسألة مش مسألة سهولة.
المسألة: عقل مقابل اللاعقل،
علم مقابل الهبل.
النقطة السادسة:
(الدَّحِّيح) يقول كلامًا هُلاميًا [خياليًّا]
عن نقطة غير محددة
مثل كلامه عن النورمل ديستربيوشن
"Normal Distribution"
في مقابل كوشي ديستربيوشن
"Cauchy distribution".
يقول لك (الدَّحِّيح):
اللي كان بيحصل لي مرة كل (3.5) مليون مرة
بافتراض النورمل ديستريبيوشن،
حيحصل لي مرة في (16)
بافتراض الكوشي ديستربيوشن.
مين دا اللي كان بيحصل؟
عن أي نقطة تتكلم يا (دَّحِّيح)؟
طبعا أنا كأستاذ مشارك
(Associate Professor)
أتعامل باستمرار بالإحصائيات
والمنحنيات الكيرفات "Curves"،
وأنشر عنها في أوراقي العلمية:
أَعْلَم أنَّ كلام (الدَّحِّيح) هو قصّ ولزق في الهواء
واستخدامُ مصطلحات للإبهار فقط لا غير.
محلّ الشاهد أنَّ الدَّحِّيح بيقولك -في النهاية-:
طبعا أنت مش فاهم حاجة، المهم إن ...
ويروح يعطيك قاعدة عامة.
وعلشان يُعْطِي مصداقية لكلامه،
يروح يتكلم بالأجنبي.
إنه يعني إنسان مثقف وبيقرأ العلم من أُصولِه،
ويَذْكر لك أسماء علماء أجانب، فخلاص،
إِن كان قالها ريتشارد ولا جون فقد صَدَق.
أنت مش فاهم حاجة لكن
الخواجة [الأجنبي المحترم] قال،
فأجِّر عقلك لهذا الخواجة؛
لأنك عزيزي المتابع العربي بهيمة [لا تفهم]،
والخواجات [الأجانب] هم اللي بيفهموا.
الإنسان المهزوم نفسيًا اللي مستعر من دينه
وأمته، يصبح أي كلمة أجنبية لها بريق عنده.
خذوا بالكم يا شباب،
مش الهبل بتاع الملتيفيرس،
ولا كلِّ النظريات الإلحادية
اللي كان كل همها إنكارَ وجود الخالق،
مش هي دي اللي طلع فيها الإنسان للفضاء،
ولا عَمِل بها عملياتٍ نافعة لصحة الإنسان.
هذه النظريات الإلحادية عديمةُ القيمة تمامًا
كما بيَّنَّا مثلًا في حلقة:
(هل حقًّا نظرية التطوُّر مفيدة للبشر؟)
النقطة السابعة: علشان يقنعك (الدَّحِّيح)
بأنَّ الكون جاء بالصُّدْفة جبلك دليل آخر...
الكون كان ممكن يبقى أي حاجة
بس عشان احنا موجودين فيه،
دا بيحط قيود للثوابت الكونية، مش العكس.
عارف الكلام دا يعني إيه؟
أنت تريد السفر
من (القاهرة) إلى (إسطنبول) مثلًا
علشان كدا الطيارة ستَتَولَّد أجزاؤها من عدم
وتَتَركَّب، ثمَّ تَحْملك وتطير ولن تقع على الأرض،
ولن تفلت من الغلاف الجويِّ إلى الفضاء،
ثمَّ ستحُط على المدرَجِ المناسب في مطار
(إسطنبول) بهدوء دون أن ترتطم وتتحطم.
وكل هذا سيحصل بالصُّدْفة؛ لأنك تريد
الذَّهاب إلى (إسطنبول) مش العكس...
مش أنه لا بدَّ من وجود الطائرة، وحصول كل هذا
عن قصد؛ حتى تتمكن من الذهاب إلى (إسطنبول).
الكون كان ممكن يبقى أي حاجة
بس عشان إحنا موجودين فيه،
دا بيحط قيود للثوابت الكونية مش العكس.
تعالوا -يا إخواننا- الآن نُلَملمِ الموضوع
(الدَّحِّيح) يقول لك: إذا افترضت
أنَّ الوجهين للعملة نفسُ الشيء.
فلما ترمي العملة حتكون
نِسْبَة الظهور للصورة المعينة (100%).
تغيير بسيط في الافتراضات،
يؤدّي إلى تغيير كبير في الاحتمالات،
وبالتالي، يمكن أن يكون كوننا جاء بالصُّدْفة؛
بتغيير بسيط في الافتراضات
بتغيير بسيط في الافتراضات.
ممكن اللي يبان (بالإنجليزية) عمليًا مستحيل،
يطلع حاجة متوقع حدوثها جدًا.
تعالوا نشوف التغيير البسيط
في الافتراضات...
1- المادة أوجدت نفسها بنفسها من العدم.
2- العدم صنع من هذه المادة
بروتونات ونيوترونات وإلكترونات
وجُسيمات أصغر من ذلك.
3- العدم نظَّم علاقة هذه
الُجسيمات الذَّرية ببعضها.
4- العدم أوجد العدد اللازم
من أنواع الذَّرات،
وأجرى بينها تفاعلات، بقوانين ثابتة؛
ليَنْتُج منها المُركبَّات اللازمة.
5- العدم أخرج الكواكب والنجوم
والمجرَّات، من هذه الذَّرات والُمركبَّات.
6- العدم جعل كُلًّا منها يدور في فلكه الخاص.
7- العدم أوجد الثوابت الفيزيائية
اللازمة في الكون، وعلى الأرض.
8- العدم ثبَّت هذه الثوابت الفيزيائية،
ومَنَعَ تغيُّرَها.
9- هذه الافتراضات الثمانية إللي حكيناها...
سنفترض مثلها أو غيرَها لعدد لانهائي
من الأكوان، التي لا نعلمُ عنها شيئًا.
10- وسنفترض أنَّ العدم منع اصطدام كوننا
بهذه الأكوان على الرغم من تمدد كوننا،
وسيره وسط هذا العدد اللانهائي من الأكوان.
11- وسنفترض أنَّ العدم أوجد المكان
الذي يحصل فيه هذا كلُّه.
12- وسنفترض فرضيات أخرى كثيرة؛
ليُنْتِجَ العدم الحياة وتنوعَها.
شايفين...
تغيير بسيط في الافتراضات
علشان يؤدِّي إلى نتيجة: أنَّ الكون
المضبوط ضبطًا دقيقًا جاء بالصُّدْفة.
شايفين -ياشباب- المشكلة
لمّا تتابعوا أُناسًا غير أُمناء
إزاي يبدأوا معاكم بالتَّسلية والعبط
إلى أن ينتهوا بالتشكيك في دينكم؟!
وعلى كلٍّ، الحمد لله أنَّ كثيرًا من الشباب
علَّق على كلام (الدَّحِّيح) بالرَّفْض والاستنكار.
حَبَّيت في هذه الحلقة أُبَيَّن...
كيف يتعارض كلامه مع العقل والعلم؛
حتى نكون -يا إخواننا- عارفين أنَّه لا يمكن
للعلم الحقيقي أن يأتيَ بشيء يُصادم ديننا،
والحمد لله.
بَعْد هذا كله يا شباب...
تذكَّروا قول الله -تعالى-:
﴿ إِنَّ اللَّـهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ
وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ۚ
إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر:41].
تذكَّروا قول الله -تعالى-:
﴿صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ
إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النّمل:88].
واعلموا ما معنى قول الله -تعالى-:
﴿اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:255].
القيُّوم على خلقه،
فلا يَسْتَغني عنه شيءٌ طرفةَ عين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله.