تردَّدْتُ في كتابة هذه الكلمات لأنها ينبغي أن تكون (تحصيل حاصل)، لكن الواحد يستمتع أحيانا بذكر نعمة الله عليه أن الأمور البدهية والمسلمات الدينية هي عنده كذلك، خاصة وهو يرى بعض "المساكين" ممن انحرفت فطرته وفَهْمُه فحُرم من هذه الـمـُسلَّمات. في الأردن هناك أناس أصولهم من شرقي نهر الأردن، وآخرون أصولهم من غربي النهر. هذا الفرق يعني شيئا لمن ابتُلوا بمرض "سايكس بيكو"! بينما لا يعني شيئا لي أبداً...أبداً. ما أعرفه هو أن مروءتي وكرامتي تأبى عليَّ أن يضع المحتل الأجنبي خطاً فاصلا بيني وبين إخوتي فأنصاعَ له وأسمح لهذا الخط أن يؤثر على نظرتي لإخواني ومحبتي لهم وتعاملي معهم! ما أعرفه هو أن (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ليست شعارا نردده بألسنتنا بينما قلوبنا خالية منه! بل ميزان حساس دقيق يحكم مشاعري وتصوراتي فتنطلق منه تصرفاتي بتلقائية ودون تكلُّف. ما أعرفه هو أن أخي الشرق-أردني هو كأخي الغرب-أردني، لا فرق أبداً...بل إني أجد في نفسي أحيانا مُتعة زائدة واغتباطاً بعلاقتي الأخوية مع أخي الشرق-أردني لأني أتَنَسَّم فيها معنى قول الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة)، وأستلِذُّ فيها بأخوة الإيمان التي حُرمها بعض المحرومين! بل ليس الشرق-أردني فحسب، بل والسوري والمصري والعراقي والشيشاني والشركسي واليمني والخليجي وغيرهم ممن يعيشون في هذا البلد أو بقوا فيه فترة...لي من كلٍّ من هذه الأصول أصدقاء ومعارف، يجمعنا حب الله ورسوله، وتعظيم الله تعالى، وطموحُنا الكبير في أن يعود للأمة عزها ومجدها ووحدتها، وأثق في صدق محبتهم لي كما هي محبتي لهم. بل وخارج حدود هذا البلد، لأن الإيمان لا يعترف بالحدود، وإنما (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). مَرَّتْ علي شدائد وقف معي فيها إخوة وأخوات شرق-أردنيون من الشمال إلى الجنوب وقفةً شجاعة نبيلة، لأنهم مؤمنون بما من أجله ابتُليت، وهَمُّنا واحد...وهم إخواني بما في الكلمة من معنى، وإن لم تلدهم أمي، ولا أنسى لهم مواقفهم التي لها حلاوة في حَسِّي كُلما تذكرتها..أسأل الله أن يجزيهم عني خيرا وأن يجمعني بهم في جنته. فليضع من شاء خطوطا على الخارطة، وليضع من شاء أسلاكاً شائكة على الأرض... هذه الخطوط والأسلاك لا مكان لها في قلبي ولا قلوب إخواني، ولن نسمح لها أن تعني لنا شيئا أبداً...أبداً! د. إياد قنيبي