المقالات

مر أسبوعان على نشر حلقة (هل الدحيح ينشر العلم أم الإلحاد والشبهات) ولم يأت أي أحد برد علمي على ما ذكرته.. ثم أخيرا، وكما هو متوقع، طلع علينا من يدعي أنه يرد ردا علمياً: إحدى المختصات في العلاقات الدولية والمترجمة في مجلة علمية حسب قولها. كتبت مناقشة لما جاء في مقالها لكن وجدت أن التعليقات غير متاحة لغير من هم على قائمة الأصدقاء كما يبدو. لذلك فمن أحب من متابعيها أن يضع هذا التعليق فليضعه مشكوراً: استعرضت مقالك الطويل سريعا وسأرد على فقرات منه ليظهر من يدلس فعلاً أو لا يفهم ما يقال!:

٢٦‏/١١‏/٢٠١٤

طالب يغشش زميله في الاختبار، ويعطيه تقرير المختبر (report) لينقل منه، والعذر: "حرام، خليه ينجح...أهله بحاجته" موظف يُطلب للشهادة على زميله الذي يسرق من أموال الشركة الخاصة، فيمتنع عن الشهادة بما يعلم، والعذر: "حرام، بلاش قطع أرزاق، أصحاب الشركة فلوسهم كثيرة مش رايحين يتضرروا من هذه السرقة" صاحب مصلحة يَطلب منه طالبٌ شهادةً بأنه تدرب لديه الفترة المطلوبة من الجامعة، مع أنه لم يتدرب، فيعطيه، والعذر: "حرام، مهو كل الطلاب بيعملوها، هذه الشهادة مش حتاكل حق أحد". إلى هؤلاء جميعا: كأنكم لم تقرأوا قول الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (135) ) تعالوا نقف مع عبارات الآية: (كونوا قوامين بالقسط): (قوامين) صيغة مبالغة من قائمين، أي قوموا بالعدل في كل حادثة وفي كل مقام. فلا يعفيكم أن تقوموا به في أكثر الأوقات وتميلوا عنه أحيانا! (شهداء لله): أي اشهدوا بالحق لأجل الله تعالى. (ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين): أي حتى لو أدت الشهادة الحقَّة للإضرار بكم، بل وبوالديكم وأقربائكم! فهذا لا ينافي البر المأمور به في حقهم. فالله الذي أمركم بالبر يأمركم هنا بشهادة الحق. (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما): أي لا تجعلوا غنى الغني وفقر الفقير يؤثران في شهادتكم، بأن تقولوا مثلا: (هذا غني فإن شهدت له بغير الحق فلا يُظن به أن يأكل حق الفقير، فهو ليس في حاجة إليه)، أو: (هذا فقير محتاج فلا يضر الغني أن أشهد له من ماله بالقليل). (فالله أولى بهما): فالله أرحم بهما وأعلم، وهو تعالى الذي يراعي بتشريعه ما فيه صلاح حاليهما دون تضييع حق أي منهما. ومن يقل منكم: (حرام، لا أريد أن أضره) فيشهد بغير الحق فكأنه يستدرك على الله ويرى نفسه أولى وأرحم من الله بعباده! (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) فهذا الذي تظنونه رحمة هو هوىً مذموم! فلا تسموه بغير اسمه. (وإن تلووا أو تعرضوا): بأن تصروا على هذا الهوى بعدما بين الله لكم. (فإن الله كان بما تعملون خبيرا): وفي ذلك تهديد لمن يصر على أن يغلب هواه على حكم الله تعالى أرحم الراحمين. فيا من تبرر الغش أو شهادة الباطل أو كتم شهادة الحق بأنه "حرام، خليني أنفعه" أو "حرام، بلاش أضره"...الحرام فيما تفعله، فتنبه! في التعليقات توضيحات مهمة.

٢٦‏/٦‏/٢٠١٩

أيها الكرام هذه كلمة بمناسبة وصول عدد المتابعين للصفحة الرسمية على الفيسبوك إلى مليوني متابع. وكذلك وصول متابعي قناة اليوتيوب إلى نصف مليون متابع. بداية أحمد الله تعالى الذي وفق وأعان ونشر هذه الكلمات. أحببنا الله وكلامه ودينه ونبيه، فدعونا إليه، فواجهتنا عراقيل، فقلبها الله لصالح هذه الدعوة..(ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها). فيا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. ثانياً: أرحب بكم جميعا يا من تتابعون العبد الفقير، واعلموا أني أراكم بحق عائلتي الكبيرة التي أتشرف بها، أنتم إخواني وأخواتي وعزوتي..(إنما المؤمنون إخوة)...وأنتم أوليائي (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض). ثالثاً: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) كما علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم. فإني أشكر إخواني الذين ساعدوني دون أن يحبوا أن تظهر أسماؤهم لأنهم أخفياء مخلصون فيما أحسبهم. وإني والله أرى لطف الله إذ هيَّأ لي هؤلاء الإخوة الذين يساعدونني علمياً وتقنياً ولا أستغني عن مشورتهم ودعمهم المتواصل. لذلك يا كرام، لا تظنوا أن هذا الجهد هو جهد (إياد)، فوالله لولا أن رزقني الله بهؤلاء الإخوة لما رأيتم المحاضرات والمقالات بهذا المستوى. والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه...(وتعاونوا على البر والتقوى). وليس هذا من التواضع في شيء، بل حتى يحفظ الله بركة العلم الذي ننشره ويزيدنا من فضله. فمن انتفع بشيء مما ننشره وأراد أن يدعو للعبد الفقير فليقل: إياد ومن معه. وأشكر أهلي والدي وإخواني الذين دعموني باستمرار، وزوجتي الكريمة التي تحملت انشغالاتي الكثيرة، وكل أخ وأخت وقف معي في ظروف صعبة مررت بها. بل وأنتم يا كرام لكم فضل علي واللهِ، بدعمكم المعنوي المتواصل وبنشركم لهذه المواد وبدعائكم لي بظهر الغيب، فإني واللهِ أرى بركة وحفظاً وأحسب أن دعواتكم لها في ذلك نصيب كبير. رابعاً: من المهم جداً أن نتذكر يا كرام أن الأرقام ليست هي المقياس لفضل الشخص. مليونا مشترك لا تعني أن قيمة فلان مليونا نقطة، وأن الذي عنده ألف مشترك قيمته ألف نقطة ! من الخطر يا كرام أن نقيم أنفسنا من خلال منصات لست في أيدينا نحن كمسلمين. ممكن واحد عنده متابعون يتكلم بكلمة حق مخالفة لمعايير مالكي منصات الفيس واليوتيوب وغيرها، وتكون معاييرهم باطلة فلا يعجبهم الحق الذي قاله فيشطبون حسابه. شوف المصيبة إذا كانت نظرتنا لبعضنا نحن المسلمين مرهونة بأعداد ليست بأيدينا، وكأننا نقيم أنفسنا بنظارات غيرنا ! مشكلة مركبة: أولاً: أن تصبح الأعداد هي المقياس، وثانياً: أن تكون المعايير التي تهدد بنقص هذه الأعداد معايير باطلة أصلاً. ترى يا إخواني الشهرة بلاء...بلاء! لأنك تسير بين الناس فيشار إليك بالبنان أن هذا عنده كذا ألف، أو كذا مليون متابع. ويعاملونك بإعجاب على هذا الأساس. فإذا لم يراقب العبد نفسه ويجعل رضا الله بوصلته الوحيدة فإن المسألة تتحول إلى عبودية لهذه الأعداد، ويصبح المتصدر عبداً للمتابعين يقول ما يرضي متابعيه لئلا ينفروا عنه، يقول مايزيد عدد المتابعين، ويتجنب كثيرا من الحق خوفاً من إغلاق حسابه. نعم، قد يحسن أحياناً أن تقول كل ما تعلم من حق حفاظا على منبر دعوي، لكن المصيبة عندما يصبح العدد هو الموجه وهو البوصلة. الشهرة وكثرة المتابعين لا تعني أني أفضل من غيري ممن أتباعهم أقل. وإنما هي مسؤولية. ونبينا صلى الله عليه وسلم قال: (إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة)..قالها في المال لأنه مسؤولية، وكذلك الشهرة وكثرة المتابعين مسؤولية، من لم يقم بحقها فإنه يكون الأقل يوم القيامة، الأقل نصيبا من رحمة الله والأقل فرصة في النجاة. ليس شرطاً تكون الكثرة دالة على محبة الله للعبد المؤدي إلى وضع القبول له في الأرض، وإنما تكون كذلك إذا اقترنت بالعمل الصالح واتباع السنة وحسن النية. والحي لا تؤمن عليه الفتنة. فنسأل الله أن يختم لنا ولكم بخير. فيا كرام، والله إني لأرى أن في أصحاب الحسابات المغمورة أو ممن ليس لهم اهتمام بمواقع التواصل من هم خير من العبد الفقير المتكلم. ولا نريد أن نقيم بعضنا البعض بأرقام ليست في أيدينا أصلاً كما أؤكد وأعيد. من الخطير أن تتحول الأعمال الصالحة في نظرنا إلى "مرقمنة": ينشر أحدنا منشوراً ثم أنظر في عدد التفاعلات، مشاركة، إعجاب، تعليق...وتصعد المعنويات وتهبط مع هذه الأعداد، ووالله إنها حينئذ لعبودية وذل للناس بدل رب الناس الذي أظهر المحاسن وستر العيب. كم من حديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم يدل على أن هناك أعمالاً عظيمة لا يلقي لها العبد بالاً، وتمر دون مشاركة ولا إعجاب ولا تعليق، ومع ذلك يُحِلُّ الله على فاعلها رضوانه إلى يوم يلقاه ويرفعه بها درجات ما كان يتصورها. يمكن في الوقت الذي تكتب فيه منشورا ويصبح ترند، حديث الآلاف والملايين، يمكن واحد جالس عند رجلي أمه يغمسهما في الماء أو يسليها أو يذهب ليقضي حاجاتها، وما أخذ على هذا الفعل ولا مشاركة ولا إعجاب ولا تعليق، ومع ذلك يكون عمله عند الله أعظم بكثير من صاحب المنشور ولَّا الفيديو الترند. لذلك يا كرام، قيمتنا ليست بهذه الأرقام، وعزة العبودية والإخلاص لله تحميك من ذل العبودية للجماهير ومنصات التواصل. خامساً: أرجو أن تعذروني على عدم القدرة على الرد على كل التعليقات فوالله الانشغالات كثيرة. وكما تلاحظون فقد تأخرت في السلاسل التي بدأنا بها. وعلى سيرة السلاسل فأبشركم.... ومرة أخرى أقول: حياكم الله، وجزاكم عني خيراً، وجزى إخواني الذين يعينونني عني خيراً، وأسأل الله أن يجمعنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، والسلام عليكم ورحمة الله.

إخوتي الكرام وردني التساؤل التالي: (انتشرت منشورات يُدعى فيها إلى مشاركة القوى الثورية غير الإسلامية (ليبرالية أو يسارية أو ألتراس) في الفعاليات ضد العسكر، وفى نفس الوقت هجوم شديد معتاد على الإخوان، ومن ضمن أسباب الهجوم عدم نقاء الراية. أليس هذا تناقضا؟ مشاركة أصحاب الرايات غير الإسلامية في وقت هجوم على المسلمين أنفسهم لعدم نقاء الراية؟). فأود أن أقول: أولا: المشاركة في أية فعالية تعتمد على أمور منها مطلب هذه الفعالية ورايتها. فإن كان المطلب إنهاء حكم مجرم أو الاعتراض على قانون يكرسه أو رفع ظلم وقع منه على الناس (كالسجن) فهو مطلب مشروع يُعان عليه البر والفاجر والمسلم والكافر ومنتسبو الأحزاب "الإسلامية" وغير "الإسلامية". ثانيا: مشاركة أحزاب مبنية على أساس مناقض للإسلام كاليسارية والليبرالية لا يكون مقبولا في كل حال، حتى لو كان مطلبها مشروعا. فإن كان أفراد هذه الأحزاب يشاركون بصفتهم الفردية كأشخاص فلا إشكال, لكن إن كانوا يرفعون راياتٍ أو شعارات يظهرون فيها يساريتهم أو ليبراليتهم، فإنهم لا يُعانون على ذلك بل يجب الانحياز عنهم ومفارقتهم، فحتى لو كان مطلبهم مشروعا فإنهم في أثنائه متلبسون بصفتهم المصادمة للإسلام. ففي مشاركتهم في هذه الحالة تقوية لشوكة باطلهم، ورفعهم لشعاراتهم وراياتهم في هذه الحالة تهيئة للمحاصصة في أي نظام جديد يقوم على أنقاض النظام الذي يثورون عليه. والمسلم يربأ بنفسه عن أن يستبدل باطلا بباطل. ثالثا: بخصوص الهجوم على الإخوان فأنصح إخوتي الذين يهمهم رأيي أن يُغلبوا في هذه المرحلة تألُّف الإخوان ومراعاة الكسر والأذى الذي نالهم منه أكبر نصيب. فمن تابعني يعرف أني لا أبرر أخطاءهم ولا أخطاء غيرهم، وسميت أفعال قادتهم بمسمياتها وقت كانوا في الحكم. أما الآن فينبغي ألا يشغلنا العمل على تنقية المنهج وبيان الخلل عن الشدة على العدو المشترك وبيان تآمره على الإسلام وأهله وتوعية المضلَّلين من الناس ألا يفجروا ويظلموا الإخوان. وبالإمكان إعلان براءتنا أمام الناس من الأخطاء التي مورست لكن دون تجريح في هذا الوقت العصيب. هذا كله مع التأكيد على ما ذكرتُه في كلمة (يا أهل مصر تعالوا نضمد الجراح) من أن الفعاليات والتظاهرات والمسيرات وحدها لن تؤدي إلى المطلوب، إن لم يصاحبها تصحيح المسار ودعوة الناس وإبراز قيادات تكتسب الثقة، لأن سقوط العسكر لن يكون وحده كافيا لصعود أصحاب الهم الإسلامي. ختاما أذكر مقتطفات من رسالة للشيخ أبي محمد المقدسي فك الله أسره، أخرجها من سجنه، يذكر فيها أحبته بما يناسب المرحلة من التعامل مع الإخوان. قال الشيخ –متع الله الأمة بحريته-: "وأتذكر قول النبي صل الله عليه وسلم في غنائم حنين لما أعطاها لقريش فقال صلى الله عليه وسلم معتذراً للأنصار معللاً فعله ذاك بأن (قريشاً حديثو عهد بجاهليه ومصيبة، وإني أردت أن أجْبُرَهم وأتألفهم) رواه الترمذي. فتأمل مراعاته للمصيبة، والمقصود بها نكبتهم بفتح مكة وانتصار المسلمين عليهم.. فتأمل هذا الخلق العظيم، مع أن نكبة قريش ومصيبتهم كانت على يد أعدل الخلق، فكيف حين تكون النكبة لمسلمين على أيدي أعداء الدين؟ أليس جبر خواطر المسلمين ومراعاة مصيبتهم في مثل هذه الحالة أولى وأجدر." وقال عن الإخوان أيضا: "في وقت نكبتهم وابتلائهم وتسلط نظام الكفر وجيش الطاغوت في مصر عليهم؛ قتلاً ومطاردةً وسجناً وتعذيباً، وتعرضاً لنسائهم وبناتهم وأخواتهم اللاتي هن أخواتنا وأعراضنا، يسوؤنا ما يسوؤهن، ويؤلمنا ما يؤلمهن". وقال: "علَّمَنا الله تعالى في مقابل ما طلبه منا من براءة كاملة من الشرك وأهله كما في قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرَآء منكم ومما تعبدون من دون الله}؛ فإنه سبحانه قال في شأن المؤمنين: ((واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون)). فتأمل الفرق بين البراءة الكاملة من المشركين، والبراءة الجزئية من المؤمنين والمتمثلة بالبراءة من معاصيهم فقط، دون البراءة منهم أنفسهم". وقال مبينا أنهم لا يعامَلون معاملة واحدة: "فلتعلم الدنيا كلها أننا لا نكفّر الإخوان المسلمين، بل هم عندنا مسلمون وإن خالفونا في كثير من المسائل بعضها في المنهج والأصول، فهم وأتباعهم وأنصارهم ومُؤيدوهم بالألوف على مراتب شتى، فيهم العالم والجاهل، وفيهم المطيع والعاصي، وفيهم المتعلم والعامي، ومنهم من تلطخ ببعض نواقض الإسلام من حكم بغير ما أنزل الله، أو مشاركه في التشريع، أو أقسم على احترام الدساتير الكفرية، أو أثنى على القوانين الوضعية وقُضاتها ومحاكمها، ومنهم من لم يقارف شيئاً من ذلك، وكلٌّ يعامَل بما يستحقه، ولا يجوز أن يتجاوز فيهم حدود الله بأن يعامَلوا جميعهم بمعاملة من نراه قد قارف بعض النواقض؛ فيؤذى الخليُّ منها بجريرة المتلطخ بها، فليس هذا من العدل في شيء" وقال عن التيار الجهادي: "هكذا يجب أن تكون صبغة تيارنا، وهكذا ينبغي أن يكون نهج أبنائه وأخلاق قادته ومشايخه ومرجعياته، فهم أحق الناس بالعدل في الناس إذ يظلمهم الناس، وهم أولى الناس بإنصاف الناس إذ يبهتهم الناس، لأن من تجرع الظلم ينبغي أن يكون من أشد الناس بغضاً له وفراراً من التخلق به". وقال: "فلا يجوز وضع الجماعات الإسلامية - الإخوان المسلمين أو غيرهم - جميعاً في كفة واحدة وحكم واحد، وتحميل من لم يقارف ناقضاً مسؤولية من قارفه، ولا حتى من قارفه متأوِّلاً غير ممتنع بشوكة ولا محارب للدين، بمن قارفه عامداً وممتنعاً بشوكة ومحارباً للدين وأهله". وقال: "فلنتقِ الله ولنقل قولاً سديداً، ولنتقِ الله في المسلمين المنكوبين الذين يتسلط عليهم ويتآمر الطواغيت والمرتدون وأنصارهم، ولا نُسْلمُهم لهم، ولا نخذلهم أو نظلمهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسْلمُه) رواه البخاري ومسلم".انتهى من كلام الشيخ فك الله أسره ونفع المسلمين به في هذا الزمن العصيب. أسأل الله أن يهدي الإخوان إلى ما يحب وأن يستعملهم في طاعته وأن يفرج كربهم ويجمع على الحق كلمتنا وكلمتهم ويهلك عدونا وعدوهم. ملاحظة: مقالي هذا ليس ردا على مقال لأي أخ أو جماعة بعينها، وأرجو ألا يورد أحد في التعليق اسم أحد على أن المقالة رد عليه، فلا أريد أن أنسب إلى أحد ما لعله لم يقصده. إنما المقال توضيح لمنهج عام. والسلام عليكم ورحمة الله.

يسأل بعض الأحبة هذا السؤال. والجواب: أصلاً القرآن هو العلم! وهكذا سماه الله تعالى إذ قال لنبينا صلى الله عليه وسلم: (ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق) وفي غيرها من الآيات. فما جاء النبي من العلم هو القرآن. فلا يقال: القرآن أم العلم. بل القرآن هو رأس العلوم ومفتاحها وإنما هي شارحة له ومفصلة. لكن يبقى السؤال: أعلم أن الحالة المثالية هي التمكن من حفظ القرآن مع طلب الحد الأدنى من العلوم التي يحتاجها المسلم ليرفع الجهل عن نفسه ويمارس الدعوة على بصيرة، لكن مع ظروف الدراسة أو العمل ومسؤوليات الحياة، فالوقت الذي يمكن أن أخصصه محدود، فهل أُمَكن فيه حفظي للقرآن، أم أُقَدِّم على ذلك دراسة التفسير والحديث والفقه أو غيرها من العلوم الشرعية؟ والموازنة التي أنصح به إخواني وأخواتي في هذه الحالة هي: احفظ القرآن حفظاً أولياً بحيث لا تخفى عليك مواضع الآيات، وإن كنت قد لا تتمكن من التفريق بين خواتيمها (والله عليم حكيم)، (إن الله كان عليما حكيما) ولا تَذَكُّر ترتيبها، وأثناء ذلك وبعده أعط الأولوية لما يلي:

٢٠‏/٨‏/٢٠١٤

((وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا))...آية على كل واحد فينا أن يجعلها نصب عينيه، خاصة من يتصدر للدعوة في هذا الزمن...فربما كان الأمر في الماضي أسهل، عندما كنت تكتب مقالا أو تسجل محاضرة ثم لا تدري من قرأها وما عددهم وهل تأثروا بها وبماذا دعوا لك في الغيب. أما الآن، عندما أصبح هناك عداد لهذا كله، فعداد لمتابعيك على صفحتك، وعداد للــ(لايك)، وآخر للــ(شير)، وعداد للمشاهدات على اليوتيوب، ومجموعة من التعليقات والثناءات والإطراءات...قد ننسى مع ذلك الاعتناء بعدد الحسنات! ونجد أنفسنا لا شعوريا منساقين وراء أرقام الفيسبوك والتويتر واليوتيوب، غافلين عن تحصيل أسباب قبول العمل. في بدايات أسري مرت بي لحظات حزينة...فتذكرت فيها حديث الثلاثة الذين سُد عليهم الغار بصخرة فدعوا الله بصالح أعمالهم وقال كل منهم قريبا من عبارة: (اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة). قلبت كتاب حياتي بحثا عن عمل خالص لم تشبه شائبة أتوسل به إلى ربي، فعلمت حينئذ معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة))، وتمنيت لو أني اعتنيت بنقاء أعمالي أكثر، وتذكرت قول الله تعالى: ((ثم ارجع البصر كَرَّتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير))، ووجدتني أزفر بالأبيات التالية: فلما أوصدوا الأبواب دوني وكاد اليأس يسحق كل بشرِ أنختُ بباكم يا ربِّ رحلي وأرجو عندكم جبرا لكسري وقد فتشتُ في عملي لعلِّي ذخرتُ لمثل ضيقي أي ذخر بفعل خــــــالص ترضاه ربي فيشفعَ عندكم في كشف ضُر فلم أبصر سوى صحَراء جدب ولم أُقبل عليك سوى بوزري! ولكني أحــــــــــــبك يا إلهي وصغتُ بودكم نثري وشعري ولم أمدد إليك يدا إلهي فعادت من عطاياكم بصفر ظننت بعفوكم يا ربِّ خيرا فإني لم ألـــــــــــــُذ إلا ببَرِّ ألا فارحم ضعيفك يا إلهي وأسعــــده بيسر بعد عسر وأرجعني إلى أبويْ مشيبٍ لتنظر كيف إحساني وبري أجبني إن علمت بصدق قولي فلا يخفاك إعلاني وسري واستجاب ربي الحليم بكرم منه على الرغم من لؤمي. فله الحمد وله الفضل وله الثناء الحسن. فلنتواصَ إخواني وأخواتي بالإخلاص...الإخلاص الإخلاص! فلا ينجيك في كرب الدنيا والآخرة إلا الإخلاص، ولا يُشعرك بالطمأنينة والأنس في علاقتك بربك سبحانه إلا الإخلاص، ولا يبقى معك في قبرك من أعمالك الصالحة إلا ما كان منها خالصا لله تعالى، ولا يثقل ميزان حسناتك يوم لقاء الله إلا هي. أما الـ(شير) والــ(لايك) والــتعليقات والمشاهدات....فدون إخلاص يجعلها ربك هباء منثورا. فقل لمن لم يخلص: لا تتعب!

من الخاسر الأكبر من التجييش الإعلامي غير المنضبط في اقتتال الشام؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،

في معركة الخندق، تكلم المنافقون بكلام فيه كفر. قال الله تعالى: ((وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)). و كان هؤلاء خطرا على المجتمع الإسلامي يخذلون الناس عن الصمود مع النبي عند الخندق: ((وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا)) وكانوا يكذبون على النبي للفرار من المواجهة: ((ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا)) هؤلاء كانوا مشاريع ردة علنية: ((ولو دُخلت عليهم من أقطارها ثم سؤلوا الفتنة لآتوها ما تلبثوا بها إلا يسيرا)) أي لو دخل عليهم الكفار من كل حدب وطلبوا منهم أن يكفروا لكفروا لأدنى خوف لا يمنعهم من ذلك إيمان ولا مروءة. هؤلاء هم المنافقون. ومع ذلك هل انشغل النبي بهم وحاول إثبات قولهم (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) إثباتا شرعيا يستوجب حد الردة إن لم يتوبوا؟ هل واجههم وترك العدو الأخطر المحدق بالمدينة؟ هل اختبرهم في عقيدتهم؟ لا، بل تصدى للخطر الأكبر، وحمى ديار المسلمين وأعراضهم، وظهر ذلك الدور العظيم للنبي أمام الناس فالتفوا حوله ورضوا بقيادته بينما تساقط هؤلاء المنافقون من العيون وماتت ظاهرتهم موتا بطيئا دون حاجة إلى مواجهة عسكرية. تصوروا معي إخوتي لو أن المشركين على الطرف الآخر من الخندق رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يواجه المنافقين ويقاتلهم (لئلا يستفحل شرهم) و(ليتخلص من أذاهم على المجتمع) و(لينقي الصف المسلم منهم) و(لأنهم مشروع ردة)... هل كان شيء أحب إلى المشركين حينئذ من أن يمدوا المنافقين بالسلاح ليقوموا بالمهمة نيابة عنهم؟ وهل كان الصف الإسلامي سيبقى متوحدا حول النبي صلى الله عليه وسلم أم أن البعض سيُفتن وينحاز لقرابته من المنافقين عصبية وحمية؟ رسول الله يعلمنا أن الشر يـُجتنب ولا يمتحن، وأن تشتيت الجهد عن واجب الوقت (دفع العدو الصائل) ليس من نقاء المنهج وتطبيق الشريعة في شيء. ولنتذكر أنه في هذه السورة ذاتها قال الله تعالى: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)). ملاحظة: لن أدخل هنا في مناقشة الحوادث وتضارب الروايات، وإنما المقصود رسم منهجية عامة. وليس هذا الكلام إقرارا أبدا لاتهام البعض لمن نحسبهم خيرا منهم بالسلولية! للمزيد: تابع كلمة (إن كانوا كابن سلول فكونوا لهم كالرسول):

١٩‏/١٢‏/٢٠١٨

اختلف البنات في صف من المرحلة الإعدادية في إحدى المدارس على موضوع التعامل بين الجنسين..هل يكفي فيه "القصد الطيب"؟ أم لا بد من ضوابط شرعية؟ #VALUE!

١٨‏/٣‏/٢٠١٥

استمعت للطميةٍ يقودها رافضي (شيعي) عراقي ويردد وراءه جموع مع رفع أيديهم. الصوت الجميل لقائد اللطمية وترديد الجمع وراءه يؤثر في النفوس... تأملت الكلمات، فإذا هي باطل وغلو في البشر وحقد على الصحابة...ومع ذلك تُردد الجموع بحماس مع جمال الصوت وإيقاع الكلمات. بهذا يخدع رؤوس الروافض أتباعهم: بالتلاعب بالعواطف (ومن أدواته الغناء) وبالغلو في أشخاص، وهما الوسيلتان الموجودتان لدى النصارى أيضا!: فهم يغلون في عيسى عليه السلام ويغنون غناء جماعيا في كنائسهم. وهما الوسيلتان لدى غلاة الصوفية أيضا...بل ولدى عموم أهل الباطل. وبالمناسبة، فكلامي هنا موجه للروافض أيضا وليس عنهم فقط...تفكروا وانظروا فما يفعله أئمتكم معكم: هل من شيء غير اللعب بالعواطف والغلو في آل البيت؟ هل يردون على أهل السنة بالحجة والدليل؟ هل يعلقون قلوبكم بالقرآن وتفسيره؟ هل يتكلمون عن تعظيم الله تعالى ومحبته عشر ما يربونكم على الغلو في آل البيت و"الأولياء"؟! من الغلو في هذه اللطمية: (كعبة فيها أتى، خير مولى وفتى، كيف لا تصبح ملكا لعلي)!! وكأنهم لا يتكلمون عن بشرٍ، بل عن رب له ملك الأماكن الشريفة! وفيها أيضا: (ملك العرب عتى، فمتى الصبح متى، تشرق الشمس على كف الولي)!! طبعا النزعة الفارسية المبغضة للعرب مبثوثة في اللطمية مع أن المرددين عرب!! لكن انظر هنا إلى إشراق الشمس على كف الولي ! على طريقة الوثنين الذين يصورون آلهة عملاقة تتحكم بأجزاء الكون! واللطمية مليئة بالحديث عن أن زينب أصبحت مزارا للجميع والوصول لفاطمة وما إلى ذلك. كل هذا تردده الجموع بلا عقل ولا تحقيق في منطقية المضمون..فالغناء يجمل الباطل! وأنا أسمعه تفكرت في حكمة الله تعالى إذ لم يجعل الغناء والشعر والقوافي مرتكزا من مرتكزات الإسلام في دعوته. يريد الله تعالى لمن يختار الإسلام أن ينجذب للإسلام نفسه، للحق الذي فيه، لا للأصوات والإيقاعات التي ترافقه. لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يُرَغب الناس في الإسلام من خلال الأناشيد ولا الأشعار. قد تأتي هذه كماليات يستمع المرء إليها أحيانا للترفيه، لكنها ليست لغة الخطاب الإسلامية الإقناعية الأساسية التي تُحشد بها الجماهير لنصرة الحق. الأناشيد قد يـَخفِق لها قلبك وتنزل لها دمعتك وتحس معها بحبك لله ولرسوله...قد تنتج إنسانا "رقيقا" "مرهفا" في نظر نفسه، لكنها لا تصنع إنسانا يدور مع الحق حيث دار! وإنما الذي يصنع هذا الإنسان هو القرآن. كما تفكرت في القرآن العظيم الذي يمنع الغلو في البشر ولا يمنح حصانة ولا حتى للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه بل يحذره من العذاب إن عصى ربه عز وجل. ملاحظة: التعليق بسب للروافض لا يفيد بشيء. أتمنى أن يقرأ بعضهم هذا المقال فيتفكر ولا يصده الشتم والانتصار للنفس، فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.

جمعية إفسادية تحت ستار البيئة (جمعية أصدقاء الأرض الشرق الأوسط) وبتغطية رسمية خطية من وزارة "التربية"!! و"التعليم"!! في الأردن!! تنظم رحلات مدرسية لأبنائنا في الأغوار إلى الكيان الصهيوني! حيث تدخلهم برك سباحة مختلطة مع شباب يهود وفتيات يهوديات يقومون أمامهم بالتقبيل والاحتضان والتصرفات المشينة!! كما تأخذهم إلى نوادٍ ليلية!! عاد الطلاب وهم يحملون على هواتفهم صورا لا أخلاقية. الذي أثار الموضوع هو مدير مدرسة المخيبة التحتا الثانوية للذكور الأستاذ محمد محمود فلاحات جزاه الله خيرا. من اطلاعي على صور عن مخاطبات المدير واستماع اللقاء معه على إذاعة حسنى تبين التالي:

لو سألتني: ما أفضل وسيلة للتأثير على أبنائنا في هذا الزمن الذي كثرت فيه المؤثرات السلبية، لقلت لك: إشعارهم بالاهتمام. أن تُشعر ابنك وابنتك بأنك مهتم به، تريد له الأفضل في دينه وصحته ونفسيته، وتضحي في سبيل ذلك.. لسنا بحجم المغريات التي تتنازع أولادنا وتسلب أبصارهم، لكن إشعارنا الصادق لهم باهتمامنا بهم يجعلهم يأوون إلى أحضاننا من خطاطيف هذه المغريات. لستَ أباً ناجحاً إن كنت لا تملك هذا الاهتمام بابنتك، ثم عندما تراها تقارب البلوغ تطلب منها أن تلبس الحجاب لئلا تكون مصدر سيئاتٍ لك فحسب! ستقول لك في نفسها: (هذه مشكلتك أنت، لا تتوقع مني أن أغير نمط حياتي لأجلك)! لن تنجح كثيرا في محاولة إقناعها بأنك تريد ذلك لأجل مصلحتها هي...ستقول في نفسها: (ومن متى تهتم بي؟). نعم قد تكون توفر لأبنائك أفضل الطعام واللباس والمسكن والعلاج، بل والكماليات والآيفون والتابلت...إلخ، وتصرف الآلاف على تعليمهم..لكنك لست مستعدا للسماع لاهتماماتهم وطموحاتهم بذهن حاضر، ولا تسعى في ملاحظة مشاكلهم النفسية والاجتماعية وحلها، ولا إلى تنمية مهاراتهم وجعلهم ينظرون لأنفسهم بإيجابية، بل تنشغل عنهم بضرتهم (الموبايل) وهم يكلمونك، أو بمحاولة تحقيق ذاتك الضائعة ولو بإنجازات وهمية على مواقع التواصل (بورصة المشاركات والإعجابات والتعليقات)! بل وحتى أثناء تدريسِك أختي لابنك فقد تقولين: (ادرس، ماذا سيقول عنا فلان وفلانة إذا رسبت)! إذن تؤكدين لابنك أنه جزء من ديكور شخصيتِك أنت، لا أنك تهتمين به لذاته هو! إذا لم تعط لابنتك الاهتمام فستجده عند شاب عابث، وإن لم تعط الاهتمام لابنك فسيبحث عنه عند رفقاء ضائعين مثله! قد يشكو ابنك من أمر حصل بالمدرسة فتذهب للمدرسة بنفسك مع أنك تستطيع حل المشكلة بمكالمة، لكنك تتعمد إظهار الاهتمام بمشاعره...وقد تطلب ابنتك غرضا لحفلتها فتذهب في وقت متأخر من الليل مع أنك متعب، لتُشعرها بالاهتمام...ليس هذا هدرا للوقت، بل افعلها لوجه الله تعالى. أُدرك أهمية هذا الأمر عندما يقول لي ابني الفاروق: بابا الأولاد يفعلون كذا وكذا، لماذا لا تسمح لي أن أفعل مثلهم؟ فأقول له: بابا من السهل علي أن أسمح لك بهذه الأشياء وأريح رأسي وأتفرغ لأعمالي، لكني أعلم أنها ليست مناسبة لشخصيتك وعقلك ودينك، وأنت مهم عندي، وأريد لك الأفضل، ولذلك أتحمل كثرة إلحاحك لأجلك، فيسكت، مع أنه ولد عنيد. وأدرك أهمية هذا الأمر عندما تطلب ابنتي سارة أمرا فأُلبيه لها مع أنه قد يبدو فيه هدر لوقتي، فإذا بها تقترب مني وتطبع قبلة على خدي، تعبيرا عن الامتنان... أيها الكرام، أظهروا الاهتمام لأبنائكم.

١٣‏/٤‏/٢٠٢١

هذا ثاني رمضان بلا صلاة عشاء في المسجد ولا تراويح ولا جمعة...

للإسلام معركةٌ كليةٌ: معركة المحافظة على ثوابته، وعلوه وتمايزه عن الأديان والمبادئ الباطلة. ومعركة وضوحه ونقائه أمام الناس ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. وللمسلمين معارك جزئية، ينشدون فيها الانتصار على عدوٍّ ما في زمن ما. المشكلة أن المسلمين كثيرا ما يستغرقون في اللحظة الراهنة، بأن يجعلوا هدفهم انتصار جماعةٍ "إسلامية" يرون فيها النجاة. وفي سبيل هذا الهدف يضيعون معركة الإسلام الكلية! هذه الظاهرة موجودة لدى مؤيدي الجماعات الموصوفة بالإسلامية بطيفها الكامل، من الجماعات "الجهادية" إلى "الديمقراطية". إذا ما وُجِّه نقدٌ شرعيٌّ لهذه الجماعات وتبرئةٌ للإسلام من بعض سلوكياتها، فإن مؤيديها يعتبرون هذا النقد إضعافا لهذه الجماعة أمام خصومها، وتغليباً للكافر عليها، وبالتالي فيجب الكف عن توجيه أي نقد، ويبذل المؤيدون كل جهد لإثبات أن هذه السلوكيات ليست انحرافا، بل هي من الإسلام وعليها أدلة! إن هؤلاء يقومون بجنايةٍ كبرى وهم لا يشعرون! إنهم يُضرون بمعركة الإسلام الكبرى التي ذكرناها في سبيل أن يكسب مسلمون معركة جزئية! ليست المشكلة فيمن يشككون في نسبة هذه الانحرافات إلى جماعاتهم التي يؤيدونها، بل في تبريرها بعد ثبوتها. ولا شك أن كثيرين يسيؤون في نقدهم، لكن المشكلة مع المتعصبين لفريقٍ هي أنهم يرفضون نقده من حيث المبدأ، ولو جاء من حريصٍ. أعود فأقول، هذه الظاهرة موجودة في مؤيدي كل جماعة، بدءاً بمن يفرطون في كل شيء في سبيل "التوافق" مع الكفار والمنافقين، وانتهاءً بمن يصفون أقواما من المسلمين بالكفار والمنافقين. يجب أن يستمر صوتُ تنزيهِ الإسلام عن كل انحراف، لينصره في معركته الكلية، وألا يمنع من ذلك دعوى توهين الجماعات في معاركها الجزئية. يجب أن يستمر صوتٌ يرسم الخط المستقيم من الكتاب والسنة ويذكر الناس به ويطالب الجماعات بالرجوع إليه، لا أن يـُميل الخط بما يعطي غطاء شرعيا للجماعات كي يؤيدها الناس وتنتصر في معاركها الجزئية! يجب أن يستمر صوتٌ يقول للناس: هذه أخطاءٌ منا معاشر المسلمين ومن جماعاتنا، فإذا تعثرنا فليس لنا أن نقول: (جربنا الإسلام والشريعة والجهاد فلم تنفعنا)! وليس لنا أن نقول: (لماذا يا رب؟) فالجواب حاضر: (قل هو من عند أنفسكم). وليس لنا أن بعدُ نقول: (اللهم نصرك الذي وعدت)، فما على هذا وعد الله بالنصر. فلا يسيئنَّ أحدٌ الظن بالله تعالى ووعْدِه. لا بد لهذا الصوت أن يبقى وإلا اندرست معالم الدين، وساء ظن الناس بربهم ونفَّرنا عن شريعة الله لينطبق علينا: ((وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم)). والذين يطالبون أمثال هذا الصوت بالسكوت عليهم أن يوجهوا جهدهم لتوافق المعارك الجزئية المعركة الكبرى، لا أن يضروا بالكبرى لصالح الجزئية. سيقولون: (لكننا إنما نتمنى انتصار هؤلاء لينتصر بهم الإسلام) فنقول لهم: بل الانحراف يحرم من النصر، ولن يوفقنا الله معاشر المسلمين إن تواطأنا على منكرٍ فعلا وسكوتا، ولن نكون أهلا أن ينصر الإسلام بنا. نعم، نرجو لكل مسلم مهما بلغ انحرافه أن ينتصر على الكافر، بل وعلينا مناصرته فيما لديه من حق... ونعم، قد يكون لدى كاتب هذه السطور عوج فيما يظنه خطا مستقيما... ونعم، ليست الجماعات سواء في بعدها وقربها عن الاستقامة... ونعم، على الناقد أن يبذل وسعه ألا يوظف الباطل نقده في توهين الجماعات المسلمة... لكن مبدأ: "لا نريد تشويشا (بنصرة المعركة الكلية) حتى تنتصر هذه الجماعة أو تلك في معركتها (الجزئية)" مبدأ يجب أن يبين بطلانه، والمبدأ الذي يعلو على الجميع: فَلْيبقَ الإسلام بنقائه، وَلْيبقَ ظن الناس بربهم تعالى حسنا، ثم المسلمون ينتصرون أو ينهزمون بقدر اقترابهم أو الابتعاد. والله تعالى أعلم.

١١‏/٩‏/٢٠١٩

تشرفت بزيارة الأخ الحبيب خليل الشاويش، والذي يعاني منذ سنوات من سرطان الساركوما. لا تخدعكم الصورة! فخليل يبلغ الأربعين من عمره فقط...أصغر مني..لكن أحد أدويته يذهب صبغة الشعر.. قرأت سابقاً مقالات لخليل، ورأيت فيها الرضا والتعايش الطيب مع أقدار الله، ودعوة الناس إلى ألا يألفوا نعم الله عليهم فينسوا قيمتها...تحت وسم #الحمد_لله #نعم_الله #لاتالفوا_النعم نعم، قرأت..لكن المقابلة المباشرة كانت درساً أبلغ...رأيت رجلاً بلغ منه السرطان مبلغاً شديداً، مما يحوجه إلى جرعات مضاعفة من مسكنات الآلام ويقلل قدرته على مغادرة المنزل..وهو مع ذلك منير الوجه، دائم البسمة، يتكلم عن مرضه بكل أريحية كأنه يستمتع ببلائه لما فيه من الأجر بإذن الله! تذاكرنا نعم الله فقال لي: (الناس بيقولوا لي أنت صابر ما شاء الله عليك..انت وانت..وأنا أقول لهم: مش أنا الغريب! انتو الغلط إذا ما بتصبروا! يعني إيش في خيار إلا أني أصبر؟! الحمد لله على نعمه الكثيرة). قام يغالب مرضه ليحضر لي ضيافة، واتفقنا أنا وهو أن يصور لي حلقة من الحلقات في الستوديو الذي يعمل به بإذن الله...صاحبُ همةٍ يصارع المرض ويبث الأمل ويُنهض العزائم ويذكر الناس دوماً بِنِعَم الله. ليس سهلا أن تكون في الثلاثين، شكرا أخي خليل...شكراً على الدروس التي تعلمتها منك في هذه الدقائق...شكراً على ابتسامتك التي علَّمَتْني ما لا أجده في بطون الكتب وخطاب الوُعاظ....شكراً على أنك ذكرتني بنعم الله علي.. وأسأل الله لك الشفاء وأن يخفف عنك ويأجُرك أنت وزوجتك أم يحيى وابنكما ويدخلكم الجنة من غير حساب ولا عذاب. تشرفت بزيارة الأخ الحبيب خليل الشاويش، والذي يعاني منذ سنوات من سرطان الساركوما. لا تخدعكم الصورة! فخليل يبلغ الأربعين من عمره فقط...أصغر مني..لكن أحد أدويته يذهب صبغة الشعر.. قرأت سابقاً مقالات لخليل، ورأيت فيها الرضا والتعايش الطيب مع أقدار الله، ودعوة الناس إلى ألا يألفوا نعم الله عليهم فينسوا قيمتها...تحت وسم #الحمد_لله #نعم_الله #لاتالفوا_النعم نعم، قرأت..لكن المقابلة المباشرة كانت درساً أبلغ...رأيت رجلاً بلغ منه السرطان مبلغاً شديداً، مما يحوجه إلى جرعات مضاعفة من مسكنات الآلام ويقلل قدرته على مغادرة المنزل..وهو مع ذلك منير الوجه، دائم البسمة، يتكلم عن مرضه بكل أريحية كأنه يستمتع ببلائه لما فيه من الأجر بإذن الله! تذاكرنا نعم الله فقال لي: (الناس بيقولوا لي أنت صابر ما شاء الله عليك..انت وانت..وأنا أقول لهم: مش أنا الغريب! انتو الغلط إذا ما بتصبروا! يعني إيش في خيار إلا أني أصبر؟! الحمد لله على نعمه الكثيرة). قام يغالب مرضه ليحضر لي ضيافة، واتفقنا أنا وهو أن يصور لي حلقة من الحلقات في الستوديو الذي يعمل به بإذن الله...صاحبُ همةٍ يصارع المرض ويبث الأمل ويُنهض العزائم ويذكر الناس دوماً بِنِعَم الله. ليس سهلا أن تكون في الثلاثين، شكرا أخي خليل...شكراً على الدروس التي تعلمتها منك في هذه الدقائق...شكراً على ابتسامتك التي علَّمَتْني ما لا أجده في بطون الكتب وخطاب الوُعاظ....شكراً على أنك ذكرتني بنعم الله علي.. وأسأل الله لك الشفاء وأن يخفف عنك ويأجُرك أنت وزوجتك أم يحيى وابنكما ويدخلكم الجنة من غير حساب ولا عذاب.

أخٌ طيب أعرفه من سنوات جاء من أيام يسألني عن حكم شرعي متعلق بعائلة أخته (أم محمد)، فلما اطلعت على القصة "تعربشته" بالتعبير المحلي، يعني قلت له: "لا ! تعال، لازم أفهم منك التفاصيل، فهي قصة مؤثرة". بطلة القصة هي أم محمد، خالةٌ في الستينات من عمرها، تعيش في جرش، مدينة صغيرة بشمال الأردن، رُزقَت قبل حوالي 25 عاماً ببنت، وكان عند البنت "نقص أكسجين" أدى إلى إعاقة مزمنة، بحيث تبقى البنت طريحة الفراش بلا حركة ولا كلام. وبقيت أم محمد وابنة أخرى لها (لم تتزوج) تخدمان هذه البنت طوال الخمسة والعشرين عاماً. لأم محمد أختٌ رزقت هي الأخرى بابنة قبل حوالي 27 عاماً، وحصل مع البنت شيء مشابه أدى إلى إعاقة مزمنة أيضاً،بحيث لا تتحرك ولا تتكلم. البنت الأخرى (وسأسميها: هند مراعاة للخصوصية)، قامت على خدمتها أمُّها (أم هند) طوال السنوات ال27 الماضية، ثم أصيبت أم هند بالسرطان. قبل أسابيع قليلة تسارعت الأحداث: توفيت ابنة أم محمد بعد 25 عاماً من ملازمة الفراش. ثم بعدها بقليل توفيت أم هند رحمهما الله تعالى. وبقيت هند محتاجةً لمن يرعاها. تُرى، من تطوع لخدمة هند؟ إنها الخالة الستينية أم محمد وابنتها الكريمة ! أم محمد التي اعتنت بابنتها 25 عاماً، ومن عنده ابن أو ابنة مريضة بهذا الشكل يعلم جيداً ماذا يعني هذا من جهد والتزام وتقيُّد، أم محمد التي كان يُتوقع أن تتنفس الصعداء و"تشوف حياتها" قليلاً، أصرَّت على أن تأخذ ابنة أختها عندها لترعاها كما رعَتْ ابنتها طوال ال25 عاماً الماضية، وحصل بالفعل. أخذت أم محمد ابنة أختها هنداً. والد هند أشفق على أم محمد وطلب أن يُرجع ابنته لبيته ويحضر لها خادمة، لكن أم محمد رفضت رفاضاً قاطعاً قائلة: (دخلت بيتي ما بتطلع من عندي) ! لهندٍ أختٌ متزوجة قالت لخالتها أم محمد : أنا آخذ أختي (هند) عندي في البيت، ورفضت أم محمد. قال لي صاحبنا راوي القصة: "أم محمد أحنّ خواتي" وهو يحدثني، أحسست بالإكبار والمودة لهذه العائلة الكريمة، وأحسست أني أريد أن أكون كفردٍ منهم فأخرجت من جيبي مبلغاً بسيطاً وقلت له: (أرجو ان تحضر لهندٍ هدية مني)، فقال: (أبوها حالف يمين لا أحد يصرف عليها فلس واحد)...قلت له: (يا رجل هذا ليس صرفاً، أحضر بها هدية بسيطة)، فقال: (أبوها يرفض ويتكفل بالدفع عن كل ما تحتاجه هند)! قلت له: (طيب خذ بوكيه ورد للخالة أم محمد)، فقال: (نحن إخوانها وبتنشف ريقنا قبل ما تأخذ منا أي شيء)..قلت له: (يا رجل ! بوكيه ورد) فقال. (والله لن ترضى) ! ماذا أقول يا أم محمد؟! ماذا أقول يا صاحبة القلب الطيب الكبير؟ ماذا أقول يا راضية يا صابرة يا محتسبة فيما أحسبك والله حسيبك؟! ماذا أقول في هذه العائلة الكريمة الأصيلة التي لا شك أن في أمتنا أمثالاً لها، خاصة في المناطق التي فيها طابع قروي طيب أصيل. فسلام عليك يا أم محمد، وسلام على كل الطيبين في جرش وفي أمة الإسلام. درسٌ في الرضا لكل مبتلى.

١١‏/١‏/٢٠١٧

هناك قيم تُسرق منا نحن المسلمين بهدوء دون أن نشعر...أهمها: تعظيم الله تعالى، والغضب لأجله، والغيرة على دينه. كنت أذكر في مواعظي للشباب قصة مؤثرة عن الشاعر الهندي أختر الشيراني، الذي كان في جلسات شرب الخمر مع رفقاء السوء يقول له أحدهم: (ماذا تقول في فلان؟)، فيؤلف شعرا بذيئا ماجنا يُضحكهم به...إلى أن قال له شيوعي عربي مرة: (ماذا تقول في محمد؟)، فارتعد جسم أختر وانتفض وتناول كأس الخمر و ضرب بها الشيوعي على رأسه و سبَّه وأمر بإخراجه...وقال كلاما لا أكاد أتمالك نفسي وأنا أذكره، ملؤه التعظيم والغضب لله ولرسوله. أخشى أننا سنصل إلى مرحلةٍ إذا ذكرنا هذه القصة أمام شباب المسلمين فسيقولون لنا: (لكن هذا تصرف خاطئ)... (طيب افرض أن الضربة بكأس الخمر قتلت الشيوعي، لا يجوز أن تقتل أحداً لمجرد أنه استهزأ بالنبي)... (أنا لست مع الشاب الشيوعي لكن أيضا ليس من حق أختر أن يستخدم العنف في الرد عليه)!! الغضب لله أصبح في مجتمعات المسلمين مُـجَرَّماً...تُـجَرِّمه القوانين، بل ويُجرمه كثير من "النخب" والرموز الدعوية، والهيئات الإسلامية! حتى صارت ثقافة (تجريم التعظيم) شائعة في "المسلمين"!! وساعد في نشر هذه "الثقافة" وجودُ ممارسات سيئة من بعض الجماعات "الإسلامية"، فَكَرَدَّةِ فِعْلٍ عليها هرب الناس من رمضاء الغلو إلى نار التهاون في حق الله وحق رسوله وحق دينه! وهذا التهاون لا يقل خطورة أبدا عن خطورة الغلو. إذا رأيتَ منكراً، إذا انتُهكت أمامك محارم الله، إذا استُهزئ بدينه، فإياك أن تغضب أو تغار على دين الله! فإن الغضب والغيرة لم يعودا مقبولين...إذ قد رُكِّب في كيانك ووضع على عاطفتك كوابح ( برِيكَّات) وسلاسل: ستستحضر صُوَر الغلو وتخاف أن تحسب على أهله... ستستحضر الإعلام الذي يُدين ويُنَدد ويشجب ويستنكر... ستستحضر صورة "دعاة" يسارعون إلى التبرؤ من أي ردة فعل على المنكرات ويخطِّئونها ويُحمقونها أكثر مما يتبرأون من الذين أتاحوا هذه المنكرات والاستخفاف بدين الله أن يعيث في بلاد المسلمين فسادا... ستستحضر صورة تعليقات الناس... لذا، فإن غيرتك على دين الله لن تشتعل أصلا حتى تنطفئ، ولن تولد أصلا حتى تموت! بل قد ترى الفساد أمامك في بيتك، في سلوك أبنائك ومظهر بناتك... وتمنعك هذه الكوابح النفسية كلها من أن تنكرها أو تغيرها!! يُراد أن يبقى سوق المنكر عامرا، وأن تتعود على رؤية بضاعة الكفر والمجون والاستهزاء محمية بقوة القانون، وأن تموت القلوب تحت شعار: مكافحة التطرف! بدلاً من أن يكون شعارنا (لا بد للغضب لحرمات الله من ضوابط)، ينبغي أن يكون: (لا بد لانتهاك حرمات الله أن يزول)، وإن كان الغضب والغيرة ينتج عنهما أخطاء، فانعدامهما أم الكوارث، وموت القلوب، وفساد الدنيا والآخرة.

٤‏/٣‏/٢٠٢٠

طبيعي جداً أن تمر العلاقات الزوجية بمحطات من التوتر وعدم التفاهم. ولا ينقص من قدركَ أن تستعين بإخوانك الثقات العقلاء ليساعدوك في اجتياز هذه المرحلة. كثيراً ما نبالغ في هاجس (لا أريد أن يأخذ فلان عني انطباعاً سلبياً...لا أريد أن تهتز صورة أُسرتنا...). نعم، الستر على العوائل ومشاكلها أمرٌ مطلوب، وهناك من الأزواج من يخدع نفسه بأنه يشكو إلى صديق ليساعده، بينما هو في الواقع "يفضفض" وينفس عن ضيقه لشخصٍ لا يُحسن أن يساعده، وحينئذٍ، فنعود ونقول: بل السَّتر هو الأصل. وسَتر كل من الزوجين على عيوب الآخر قيمة راقيةُ وعظيمة من قيم الوفاء. لكن عندما لا تعود قادراً ولا تعودين قادرةً على احتواء المشكلة والتعامل معها بعقلانية، وتخرج المسألة عن السيطرة وتدخلان في حلقة مفرغة، تفكيركما عاطفي والنفوس مشحونة، فهنا تُلِحُّ الحاجة إلى من ينظر إلى مشكلتكما من خارج المعمعة. وهنا، لا ينقص من قدرك أن تستعين بقريب أو صديق عاقل، ولا ينقص من رقيك، بل تستطيع أن تكون راقياً حتى في خلافك، فتَعرض من مشكلتك بالقدر اللازم مع الاعتراف بحسنات زوجتك (إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر). أما الذي يرفض الاستعانة بأي طرف مع أن موضوعه خارج عن السيطرة ويؤثِّر سلباً على استقرار الأسرة وحقوق الطرف الآخر والأولاد، ومع ذلك يرفض لئلا تُخدش صورته، فَلْيُفَتش في نفسه لعل الكِبر هو الذي منعَه وجعله يضيع حقوقاً شرعية من أجل "قدسية" صورته !

أيها الكرام قال لي بعض الإخوة هناك من يفرق بين الاستغفار لمن مات كافراً وفي المقابل الترحم عليه، على اعتبار أن الترحم يمكن أن يُقصد به تخفيف العقوبة. ويأتي هذا الكلام كله في سياق الحديث عن موت من حرف الدين وهدم أركانه واستحل محرماته وشكك في علم الله وصفاته، وعمن ألحدت وأصبحت ناشطة في نشر الإلحاد ومحاربة الإسلام.

في بيت الله الحرام بمكة وقف خطيب الجمعة الماضية (د. أسامة الخياط) يقول: (لقد وفق الله تعالى ولي أمر هذه البلاد المباركة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- إلى اتخاذ الموقف الإسلامي الحازم الرشيد السديد، بالاستجابة لنداء الرئيس الشرعي للجمهورية اليمنية؛ لإغاثة الشعب اليمني المسلم, وحماية الديار اليمنية من بغي وعدوان وطغيان البغاة الطغاة المعتدين على الشرعية المعترف بها محلياً وعربياً ودولياً). معركتكم لا تعنيني. فالحوثيون أرجاس مجرمون معتدون، تماما كما هي أمريكا راعية الحملة عليهم! كما لا يهمني الوقوف عند الازدواجية في التعامل مع "الشرعية" بين مرسي و"الرئيس اليمني"... لكن الذي يهمني هو أن أنقي الشريعة من تخليطات الخطيب الخطيرة جدا بإقراره مبدأ "الشرعية"، من على منبر بيت الله الحرام!! "الشرعية" تعني إضفاء الشرعية على نظام الحكم أو الحاكم لمجرد أن الشعب اختاره بغض النظر عما يحكم به! لكن هذا وحده لا يكفي حتى تكون شرعيته "معترفا بها محليا وعربيا ودوليا"!! فإذا اعترفت أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والهند وسائر عباد الصليب والبقر والحجر والملاحدة واليهود والسكناج والهندوس والبوذيين برئيس، فهو إذاً "الرئيس الشرعي"، الذي يجب تلبية ندائه ونصرته، وحماية عرشه وتطويع الشعب له، وباسم الدين!!! (فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون (136) ) (الأنعام). ولو قام في الناس حاكم مسلم يحكم بما أنزل الله ويرحم المسلمين ويجاهد عدوهم فهو "غير شرعي"، لا يلبى نداؤه ولا يُنصر، لأنه غير معترف به عربيا ولا دوليا، فكيف يعترفون به وهو يجاهدهم؟! قد كنت أتوقع أن أسمع مثل هذه "الخطبة" من على منبر الأمم المتحدة أو مجلس "الأمن" الدولي، لكن ليس من على منبر بيت الله الحرام!! لو يتحفنا الخطيب بخطبة أخرى يُفَصل فيها: ما حكم "شرعية" الحاكم إذا انتخبه شعبه "ديمقراطيا" فاكتسب "الشرعية الديمقراطية"! من هذه الجهة، لكن لم يُعترف به دوليا؟ وما حكم "شرعيته" إذا كان شعبه يمقته ويرفضه لكن النظام العالمي يضفي عليه "الشرعية"؟! ما حكمه في كل من الحالتين؟ السمع والطاعة؟ وحسب أي نص من نصوص الشرعية...عفوا: الشريعة؟! ننتظر جوابا من عضو هيئة كبار العلماء الحائز على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الشريعة!!!!!!!!!!!!!!!!!! ما دامت هذه هي "الشرعية" عندكم إذاً فلتقم انتخابات ديمقراطية في بلادكم ليكتسب حاكموها "الشرعية"، ولا تخاطبونا بــ ))يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم))؟ فكتاب الله يقول أيضا: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون)). كونوا منسجمين مع أنفسكم وقولوا: دين الديمقراطية يقول وجان جاك روسو يقول، والأمم المتحدة تقول ! وحسبنا الله ونعم الوكيل!

في مرحلة عمرية مبكرة، تنطق عيون أبنائنا بما لا تستطيع ألسنتهم التعبير عنه. ابنك، ابنتك، لن تحتاج دورة تدريبة لتعرف كيف تقرأ عينيه، فهو منك، وبين روحَيكما اتصال فطري. كل ما تحتاجه هو أن تهتم به وتتذكر أنه أمانة عندك، وستقرأ حينئذ في عينيه الكثير وتتفهمه، فإن تجاوبت مع رسائل عينيه ولم تتجاهلها فسترتاح ويرتاح:

الدكتور طارق السويدان وفقه الله وإيانا لما يحب نشر منشوراً آخر لتوضيح فهمه لأصناف الناس في الآخرة، ثم قال: (لا أعتقد أن الدكتور أياد حفظه الله تعالى أو غيره يختلف معي على الأمور أعلاه).

كم أستاء حين أسمع عن دكتور جامعي يتحدى طلابه أنهم لن يستطيعوا حل أسئلة اختباره ! أو يسخر من القدرات العقلية لطلابه ويُشعرهم بالغباء مقارنة به ! ويتكلم أمامهم عن الجامعات "المرموقة" التي تخرج منها و"النعيم" الذي كان يعيش فيه في البلاد الأجنبية كأنه يقول لطلابه: (وما أنا منكمُ بالعيش فيكم...إيش الي جابني إلى "بلادكم" هذه)! ومثلهم أناس في وظائف متنوعة غير التعليم الجامعي ممن يشعرون أنهم دُررٌ مدفونة وسط مجتمعات الفشل ! فليسمح لي هؤلاء المحطِّمون أن أقول لهم: أنتم بهذا معاول هدم وأنتم لا تشعرون ! تساهمون في منظومة التحطيم لمعنويات شبابنا وشاباتنا.. تساهمون في تكريس عقدة النقص والدُّونية في نفوسهم ! ألا يكفي شبابَنا ما يتعرضون له من تحطيم ممنهج لمعنوياتهم على يد أعدائهم وإعلامهم، وعلى يد المتحكمين ببلاد المسلمين؟! ومِن المستقبل المجهول الذي ينتظرهم مع استفحال الفقر والبطالة ونهب المفسدين لثروات بلادهم...لتأتوا أنتم فتساهموا في تحطيمهم؟! إن كنت –يا محترم !- قد أحسن الله إليك بأن تلقيت علماً نافعاً في أميريكا أو أوروبا أو غيرهما، فاشكر الله (وأحسن كما أحسن الله إليك)...واستخدم علمك هذا لتبني نفسيات شبابنا المحطمة وتعطيهم الأمل من جديد. - إن كنت ترى نفسك "ناجحاً" لا يليق بك المقام في "بلاد الفاشلين"! فاعلم أن أعظم نجاح تحققه هو أن ترفع همم الشباب وتُشعرهم بكرامتهم وتحيي في نفوسهم الأمل..

تستوقفني آيات في سورة الأنبياء: عندما كسر إبراهيم عليه السلام الأصنام جاءه قومه فقالوا: (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟) قال: (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) لاحظ الآن: (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون (64) ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون (65) ) لقد أدركوا للحظة أنهم هم الظالمون وأن إبراهيم على حق، بل وصرح بعضهم لبعض بذلك، ثم ما هي إلا لحظات -كما يظهر من السياق- عادوا بعدها لإبراهيم...هل ليسلموا؟ أبدا! إنما ليكابروا وليثبتوا عليه "التهمة" تمهيدا لحرقه! ما الذي حدث؟ لماذا انتكسوا بهذه السرعة ؟ تُرى، ما الكلام الذي قالوه بعد (إنكم أنتم الظالمون) بحيث اتفقوا على الإصرار على الكفر؟ أتصور كلاما كثيرا...كلام ألسنة وكلام عيون: يا جماعة، أتريدون أن يُقال: علية القوم أقنعهم فتىً صغير السن واعترفوا بأنهم كانوا طوال عشرات السنوات الماضية على ضلال؟ أين هيبتنا بعدها؟ أين توقير القوم لنا؟ يا جماعة، سدانة الأصنام وتفخيمها تجارتنا ومصدر عيشنا...إن اعترفنا لإبراهيم (حنعيش منين؟) يا فلان، لي عليك دَين، إن اعترفت لإبراهيم وفقدت ميزاتك ووضعيتك المعتمدة على الأصنام فمن أين تَسُد دَيني؟ فاتخذوا قرارا جماعيا بالإصرار على الكفر وتناسي الحق وإعلان أن إبراهيم عليه السلام هو الظالم لا هم! وضاع الحق في لجة الكبر والحرص على المصالح الدنيوية والخوف من التبعات. ولعل أول من قال (إنكم أنتم الظالمون) هو من قال بعدها: (حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين)! ليزايد على رفاقه ويبرهن على أنه لم يبقَ من آثار لحظة الصحوة شيء في قلبه! هؤلاء المتاعيس! عرفوا الحق، وكان بإمكانهم أن يصبحوا بعدها حواريي أبي الأنبياء وأن يخلدوا في النعيم المقيم. لكنهم اتخذوا قرار التعامي في لحظة! فأزاغ الله قلوبهم وهم الآن في شقاء البرزخ قبل الشقاء الأبدي. قال الله تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون). إذا عرفت الحق، فلم تسلم له، فأنت معرض لطمس البصيرة من الله تعالى بحيث تنفر عنه إلى الأبد! للأسف، هذا التعامي عن الحق ليس حكرا على الكفار، بل يحصل مع بعض المسلمين، بل وبعض الموصوفين بالــ"إسلاميين" في جزئيات من الدين، حيث يدخل الكبر والمزايدة وحب الشهرة، وخوف أن يقال: (اعترف أنه كان على خطأ لسنوات)، وخوف التبعات، وضعف التجرد والإخلاص... فتحصل الانتكاسة. اللهم نجِّنا.

ماتت العجوز المجرمة عن تسعين عاماً أمضتها في محاربة الإسلام. سمعناها بالصوت والصورة تقول أن كل الأديان، بما فيها الإسلام، فيها تناقضات وعنصرية واضطهاد للمرأة وخداع، وأنه يجب تغيير نصوص القرآن، وأنه لا جنة ولا نار على الحقيقة، وأن الحجاب ضد الأخلاق، وأن الحج عادة وثنية. وقالت في الله تعالى ما نترفع عن مجرد نقله.

من هدى شعراوي؟ هي المرأة التي تظاهرت مع مجموعة من النسوة المصريات ضد الاحتلال البريطاني (يُفترض!) وفجأة، وضمن طقوس "الثورة على الاحتلال"، ودون سابق إنذار، خلعن جميعاً الحجاب ووطئنه بالأقدام وأشعلن النار فيه! وبدأ بعدها مشوار التعري في سبيل التحرير! كما تعبر رسمة جوجل! فسمي مكان هذه الكوميديا الدرامية (ميدان التحرير). يذكرني هذا برجل "عقلاته على قده"عرفه أبي في صغره، كان إذا صفعه أحد من الخلف، صفع مَن أمامه على وجهه! هدى شعراوي أيقونة المرأة المثالية بالنسبة لجوجل ومِن ورائها النظام العالمي وأصحاب رأس المال، المرأة التي يضطهدها الاحتلال ويستبيح كرامتها ويسرق قوتها، فتكون ردة فعلها أن تحارب الإسلام الذي يحفظ كرامتها ويعَلِّمها رفض الاحتلال والعبودية للبشر، ثم يكون اسمها بعد ذلك غير دالٍّ على فعلها كما عامة "أيقونات" اليوم! هنيئاً لكم هدى شعراوي يا محبيها، وجمعكم الله في الآخرة كما عظمتموها في الدنيا.

كم من واحد منا يقول في نفسه: يوم التزمتُ، وجدَتْ روحي أفراحها، لامَسَتْ شعلةُ الوحي زيتَ الفطرة النقي، فكان النورُ الذي أضاء قلبي. أول دمعة مع تلاوة القرآن، أول رحلة عمرة، أول ليلة أقوم فيها لله...وجدتُ فيها نفسي التي لطالما بحثت عنها في أعماقي! فكانت هذه الأشياء تعني لي الكثير. لقد كانت خارطتي هي: "أنا"، وكانت "أنا" تشرب من معين الحياة كل يوم بعد ظمأ سنين الغفلة، فتحس بالرِيِّ، والأنس والأشواق... ثم...أدركَتْ "أنا" أنها جزء من الأمة الإسلامية، فتفتحت عيناها على مآسي الأمة! هنا، بلغت العاطفة وحياة القلب ذروتها! أصبحتُ أحس بكل إخواني وأخواتي على وجه الأرض، كلي حب وإشفاق على إخوتي الأسرى والمعذَّبين، وغيرة على حرمات أخواتي المغتصبات، وحنان على الأطفال المشردين. أصبحت خارطتي هي "الأمة"...طموحاتي: إنقاذ الأمة...لن يروي ظمأي غير ذلك! وعلى رغم الألم، كنتُ في تلك الأيام في ذروة حياة القلب ورقَّتِه وعلو همته واتِّقادِ أمله. لكن، رويداً رويدا...حصل التحول الخطير! لم أجد خارطة الطريق للهدف العظيم (إنقاذ الأمة)..أو ربما وجدتها لكن نفسي لم تكن مستعدة بعدُ للسير فيها. هنا...علِقْتُ في المنتصف! فلا أنا أنقذتُ الأمة، ولا أنا بقيت على حال الطمأنينة والسعادة التي ذقتها أول التزامي! ما كان يعني الكثير لي بالأمس ما عاد يعني لي شيئا! لأنه لا يؤدي إلى الهدف العظيم (إنقاذ الأمة) في نظري...طيب، ألا يصب في صالح نفسي وتزكيتها؟ بلى، لكن خارطتي لم تَعُدْ نفسي، بل خارطتي الآن هي "الأمة". أصبح شعاري: (so what?)! "إيش يعني؟"، "كل هذا لا يفيد"...لأن كل ما كان يبهجني بالأمس لا يؤدي إلى "إنقاذ الأمة". تكاد عيني تبكي مع القرآن أو مع قصة أسمعها، أكاد أفرح لأنني –أخيرا- سأبكي من جديد!...لكن يهجم علي صوت: "إيش يعني؟!" ولو بكيت...حررت فلسطين! فتنحبس دمعتي. في صلاتي، أريد أن أستجمع قوتي لأخشع...أخشع؟! ثم ماذا إذا خشعت؟ -أؤدي صلاتي على أكمل وجه! - يعني هل سيقبل الله منك وأنت قد قصرت في نصرة الأمة؟ تتهرب من واجبك الحقيقي وتريد أن تقنع نفسك أن المطلوب منك الخشوع في الصلاة! وبماذا سينفع خشوعُك إخوانَك الذين تحت القصف في غزة؟! - فأستسلم، وأشعر أني "مزور"، وتضيع محاولة الخشوع.

"صحيح أن الولاء والبراء لا ينبغي أن يكون على حزب أو جماعة، لكن جماعتي تمثل الإسلام بحق، فانتقادها انتقاد للإسلام" "صحيح أنه يجب التراحم بين المسلمين، لكن هذا المسلم أفكاره ضالة، فلا بد معه من الشدة والحط من قدره لئلا يغتر الناس بباطله" "صحيح أن الأصل إحسان الظن بالمسلمين، لكن هذا الكاتب يظهر سوء النية وخبث الطوية من كتاباته" "صحيح أنه يجب إجلال العلماء ومن له سابقة فضل وجهاد، لكن هذا العالم أخطأ خطأ فاحشا، فلا بد من التشنيع عليه في هذا الخطأ ليتعلم الناس أن يدوروا مع الحق لا مع الرجال".

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

إخواني نختم اليوم الحديث في سلسلة (لا يستوون) التي نستعرض فيها الفرق بين المؤمن والكافر على نور من القرآن الكريم، علما بأن هذه المقارنة تطول جدا، إذ أن هذا المعنى قد يكون أكثر المعاني ورودا في القرآن بعد قضية التوحيد لأنه ثمرة التوحيد الأولى. المؤمنون قال الله فيهم: ((ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين (47) )) (الحجر) انظر مقابل هذه الصورة الجميلة من صفاء القلوب والتواد والاجتماع والأنس ماذا قال في الكافرين: قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام فيما قاله لقومه الكفار: ((وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا)) (العنكبوت 25).

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نقارن مصائر المؤمنين ومصائر الكافرين والمنافقين حتى نحس بعظمة الفرق فلا يبهت الإيمان في حسنا، وحتى لا ينسينا الظلم الذي نراه في الدنيا قول الله عز وجل: ((ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا)) كم من مسلم صفع على وجهه من قبل أناس متسلطين مجرمين لا يخافون الله. كم من كافر مات ولم يمس وجهه بسوء. لكن يوم القيامة، يومَ الحقائق: المؤمن وجهه مكرم، وخير تكريم النظر إلى وجه الله تعالى: ((وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة (23) )) (القيامة). في المقابل الكافر يهان وجهه: ((يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر)). ويضرب على رأسه: ((ولهم مقامع من حديد (21) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها)) (الحج).

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام نستمر في سلسلة (لا يستوون) التي نستعرض فيها الفرق بين المؤمن والكافر لنحمد الله على نعمة الإسلام ولنوقد في قلوبنا شعلة حب الخير والهداية للبشرية.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام نحن في سلسلة ((لا يستوون)) التي نستعرض فيها الفرق بين المسلم والكافر حالا ومآلا وقيمة وجزاء ومصيرا على نور من القرآن الكريم. ما أهدافنا منها؟ أولا أن نعرف نعمة الله علينا بالإسلام ويعظم الإسلام في قلوبنا. ثانيا أن نحرص على عدم تضييع هذه النعمة بكلمة أو فعل ينقلنا من عز الإسلام وكرامته إلى ذل الكفر ومهانته. ثالثا: أن نحرص على هداية البشرية إلى الإسلام الذي عرفنا عظمته. استعرضنا في الحلقات الماضية ثمانية فروقات وصلنا بها إلى مرحلة الموت. عند الموت وبعده تتكشف الحقائق ويضمحل زيف الدنيا. المؤمن يقال له عند موته في تطمين وإيناس: ((يا أيتها النفس المطمئنة ( 27 ) ارجعي إلى ربك راضية مرضية ( 28 ) فادخلي في عبادي ( 29 ) وادخلي جنتي ( 30 ) )) (الفجر) المؤمن المقرب مصيره بعد موته: ((فروح وريحان وجنة نعيم)) بينما قال الله في الكافر: ((ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ( 50 ) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ( 51 ) )) (الأنفال). المؤمن تصعد روحه الطيبة فتفتح لها أبواب السماء ويرحب الملائكة بها كما في الحديث الصحيح. بينما الكافر قال الله فيه: ((إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء)) لا يُسمح لروحه بالصعود إلى السماء. ثم يقول الله تعالى: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى (كما في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد)...سجين المشتقة من السجن كما قال ابن كثير. فتطرح روح الكافر طرحا، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)) (الحج). المؤمن يكتب كتاب أعماله في عليين عند الله عز وجل، والكافر يكتب كتاب أعماله في سجين في الأرض السفلى. فالفرق بين المؤمن والكافر كالفرق بين المكانين. مع أن الكافر في الدنيا قد يضع المؤمن في أقبية تحت الأرض بينما يسكن هو فيلا فارهة مطلة عالية. الكافر في الدنيا قد يدوس برجله رأس المؤمن. لكن زيف الدنيا انقطع وبدأت الحقائق في رحلة ما بعد الموت. فالمؤمن في علو والكافر في سفول. فهل يستوون؟ لا يستوون.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا في سلسلة (لا يستوون) التي نعرف من خلالها قدرنا كمسلمين نؤمن بالله إيمانا يميزنا عن المشركين. بين الله تعالى الفرق إذ قال: ((مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون (24) )) (هود). مع أن المؤمن قد يفقد حاسة البصر لكنه يبقى بصيرا: ((فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)). بينما الكافر أعمى وإن سلمت لديه حاسة البصر، لأنه لم ينتفع بها في التفكر في وحدانية الله والإيمان به. ((ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها)) (الأعراف 179). المؤمن حي والكافر ميت: ((وما يستوي الأحياء ولا الأموات)) (فاطر 22)، والحياة هنا حياة إيمان والموت موت كفر وإن عُمِّر صاحبه: الناس صنفان موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا في سلسلة ((لا يستوون)) التي نستعرض فيها الفرق بين المسلم والكافر على نور من القرآن الكريم. ولا بد من التذكير إخواني أن مقصودنا من إدراك هذا الفرق هو أن تعتز بديننا أولا، ثم ندرك حاجة البشرية إلى التطهر من أرجاس الشرك التي تمتهن إنسانيتها وتحط من قدرها عند ربها، فنسعى إلى هدايتها بما من الله به علينا من إسلام رحمةً بهذه البشرية التي أخرجنا الله لها: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس)) إدراك هذا الفرق بيننا وبين الكفار هو القوة الدافعة لدعوتهم ولإزالة العقبات العنيدة من طريق هذه الدعوة، بدلا من أن نخدر شعورنا بعبارات التسامح الديني وتقبل الآخر التي كثيرا ما نتخذها عذرا للتخاذل عن مهمة الدعوة، إذ قد اندس في شعور بعضنا أن الفرق بيننا وبينهم ليس بكبير، وأن (كله محصل بعضه) كما يقولون! بينما ينبغي أن نحس أن الكافرين مرضى وفي يدنا الدواء.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله إخوتي الكرام لا زلنا في سلسلة ((لا يستوون))، التي نريد من خلالها أن نعتز بإسلامنا ونتذكر أن المسلمين وغير المسلمين لا يستوون حالا ومآلا وقيمة وجزاء ومصيرا. قال الله تعالى: ((وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات))...الأحياء بالإيمان والأموات بالكفر والشرك. المؤمن اجتمع قلبه على الله. إذا سأل سأل الله وإذا استعان استعان بالله، لا يخاف إلا الله ولا يرجو إلا الله. إذا آذاه الخلق علم أين الخلل...أنه عصى الله فسلط الناس عليه، فلم يكن له هم إلا إرضاء الله سبحانه، ولا يفكر في استرضاء البشر بعد ذلك. بينما من لا إيمان عنده يرجو ويخاف المدير والأمير والحاكم والوزير والصغير والكبير. قلبه تشتت وتناثر وتقطع وتشرذم بين الخلق يرجوهم ويخافهم ونسي خالقهم سبحانه وتعالى. ضرب الله للفريقين مثلا، وذلك في سورة الزمر: ((ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون و رجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (29) )). المشرك، بل والمسلم الذي غاب من قلبه خشية الله وحبه، تراه كعبد مملوك لمجموعة من السادة، وهؤلاء السادة مختلفون فيما بينهم يتعمد كل واحد منهم أن يشاكس الآخر، والضحية لهم جميعا هذا العبد. فإذا رأى أحدهم العبد جره ليخدمه ويحرم الأسياد الآخرين من خدمته، وأتعبه لكيلا يبقى فيه نفس لخدمة الآخرين! حتى إذا ما تركه أخذه سيد آخر فعاقبه وجلده لأنه لم ينجز له ما طلب ولم يعذره بتسخير الآخر له!...تصور حال هذا العبد وتمزقه وتشتته. بينما مَثل المؤمن كخادم لسيد واحد يكلفه ما يستطيع دون مشاكسة لأحد، ويعذره إن أخطأ إذ هو يعرف طاقاته وقدراته ويطلع على ما قام به من مهام. فمهمة هذا الخادم واضحة، أن يسترضي سيده ويؤدي ما يأمره به ويستسمحه إن قصر.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام نحن في سلسلة ((لا يستوون)) التي نستعرض فيها الفرق بين المسلم والكافر حالا ومآلا وقيمة وجزاء ومصيرا على نور من القرآن الكريم. قال الله تعالى: ((أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار)) بداية ما الذي يميزك أخي المسلم؟ إنه التوحيد الذي تحمله بين جنبيك.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. -إخوتي الكرام تخيلوا ماذا سيحصل إذا ضعُف الفرق في عيون الناس بين الصحة والمرض والغنى والفقر والأمن والذعر.

لا زلنا نتكلم عن حكمة الله عز وجل في الابتلاء، وهنا نضيف عنصرًا جديدًا ألا وهو الحديث عن: حكمة الله عز وجل في اختيار مدة البلاء. كان يأتيني أحيانًا خاطر في بلائي فأقول في نفسي: (حتى هذا الحد استفدت كثيرًا من هذه التجربة لديني، لكني أخشى إن طال البلاء أن يصبح المفعول عكسيًّا)! ثم قلت لنفسي: وما شأنك أنت؟ أنت عبدٌ؛ دع أمرك لله عز وجل الحكيم الخبير العليم، هو أعلم بمدة البلاء، وشدته، وتوقيته، ونوعه، يختار ما يشاء سبحانه وتعالى، وهو الحكيم في اختياره. حتى نفهم هذا المعنى؛ تعال نتأمل قصة غزوة الأحزاب (الخندق): وقع البلاء في وقته، وارتفع في وقته.. كانت الأزمة قد استمرت حتى وقع التمايز التام بين المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمؤمنين، وانكشفت حقائق الرجال.. فمن حكمة الله ورحمته أن البلاء استمر إلى أن تحققت هذه الأمور، فيأخذَ المؤمنون حذرهم من المنافقين، ولا يتأثرون بعدها بأقوالهم وسمومهم التي ينفثونها بمكر. ومن حكمة الله ورحمته أيضًا أن البلاء لم يستمر ويشتد أكثر من ذلك فتزل قدمٌ بعد ثبوتها وينخلع بعض المؤمنين عن إيمانهم ويقينهم. {وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا ٢٢} [الأحزاب: 22].. فالمؤمنون لما رأوا الأحزاب ثبتوا وصبروا، و(إنما الصبر عند الصدمة الأولى).. فنجاهم الله عز وجل بإيمانهم وأنطقهم بكلام حَفِظَ عليهم دينهم.. وقولهم: {هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ}.. قال المفسرون أنهم يعنون به قول الله تعالى في سورة البقرة: {أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ ٢١٤} (قال ابن عاشور إن هذه الآية نزلت قبل وقعة الأحزاب بعام).

ذكرنا أن البلاء يعينك على أن تبني حبك لله على أسس سليمة، وقلنا أن من هذه الأسس تأملَ أسماء الله وصفاته. البلاء يعينك على فهم هذه الأسماء والصفات.

كم يتودد الله تعالى إلينا وهو الغني عنا! أليس من أسمائه (الودود)؟ انظر إلى قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا ٤١ وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا ٤٢ هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا ٤٣ تَحِيَّتُهُمۡ يَوۡمَ يَلۡقَوۡنَهُۥ سَلَٰمٞۚ وَأَعَدَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَرِيمٗا ٤٤} [الأحزاب: 41-44].

لاحظ أبو غسان فتورًا في مشاعر ولديه الشابين تجاهه.. فغسان ورامي أصبحا يأتيان كل صباح إلى غرفة أبيهما ويمدان يدهما قائلين : (المصروف يا أبي لو سمحت) بشكل روتيني رتيب.. يعطيهما المصروف فيشكرانه على عجل وينطلقان من البيت.

ذكرنا في المحطة السابقة أن (الحبشرطي) يشرِطُ محبته لله عز وجل باستمرار النعم الدنيوية. إذن؛ هو يؤسس هذا البيت -يعني )محبة الله)- يؤسسه على أسس.. هذه الأسس هي: المال، الصحة، الحرية، الاستقرار الأسري، المكانة الاجتماعية. لكن، لاحظ معي: هذه الأسس الدنيوية جميعها.. أليست قابلة للزوال؟ أليس هذا (الحبشرطي) مهددا في أي لحظة: بالفقر= زوال المال بالمرض= زوال الصحة بالحبس= زوال الحرية بالمشاكل = زوال الاستقرار ماذا سيحصل حينئـذٍ إذا ابتُلي بفقد أحد هذه الأسس؟

رُزقت شقيقتي ولدًا مصابًا بمتلازمة داون، فتعاملت هي وعائلتها معه تعاملًا مليئاً بالدروس والعبر.. ثم شاء الله أن يُتَوفى الطفل عن ثلاث سنين وثلاثة أشهر. وكنت بعيدًا عنهم مقيد الحرية. فكتبت لشقيقتي وعائلتها الرسالة التالية، والتي أسأل الله أن ينتفع بها كل من يُرزق ولدًا من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل وكل مبتلًى:

أيها الأحبة.. هناك مفهوم يجيب عن تساؤلات كثيرة تخطر ببالنا: S تصدر منا أحيانًا أفعال نستغرب نحن صدورها منا ولا نعرف كيف فعلناها! وقد تؤثر على حياتنا بشكل كبير ونندم عليها أشد الندم. ما سبب صدور هذه الأفعال وكيف نحمي أنفسنا منها؟

ما رأيك في الطائفة التالية: إنها طائفة من أبناء المسلمين اسمها (الطائفة الحبشرطية)..

إن بداية الحل لمشكلتك والخروج من أزمتك أن تعرف أنها ما أصابتك إلا بذنب منك : {وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ ٣٠} [الشورى: 30]، {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ} [النساء: 79] ، {أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ} [آل عمران: 165].. لذا فإن الله تعالى يحب منك حينئذ أن تبادر بتصويب أوضاعك وبالعودة إليه تعالى: {فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ ٤٢} [الأنعام: 42].

كتبت هذه الخاطرة عام 1431 هجري، 2010 م:

عندما نمر بظرف صعب، أو نتمنى أمرًا مستبعد الحصول، فإن هناك تفكيرا يجعل أملنا في تحقيق ما ندعو به ضعيفا، فندعو الله بفتور. هذا التفكير هو: (كثيرون غيري مروا بظرف مشابه، وأراهم خيرا مني، وقد دعوا الله فلم يَستجب لهم. فلا يتوقع أن يستجيب لي من باب أولى).

"ما لنا إلا الله"؛ عبارةٌ أصبحت في حسِّ كثير منا مرادفة لعبارة: "ما باليد حيلة"، عبارةُ: من لم يجد غُنيته عند البشر فاضُّطر أن يختار الله! أصبحت عبارة إشهار إفلاس! ذلك مع أنَّ الأصــــل أنَّ مـــن لم يكن لـــه إلا الله فــما فقد شيئًا، ولا احتاج إلى شيء؛ {أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ} [الزمر: 36]..! وأنَّ من كان معه كل شيء إلا الله فما معه إلا الباطل الذي لا يُسمِن ولا يغني من جوع.. ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ

أثناء ابتلاء مررتُ به، عز علي أن يطلع الله تعالى على قلوب أناس من أهل الباطل والشهوات فيرى بها استعدادًا للتضحية في سبيل الدنيا ونصرة الباطل، ويطلع على قلبي فيراني انشغلت بهمي وضننت بنفسي عن أن تؤذى في سبيل الله!

عندما يطول البلاء فإن النفس تتكدر على ما يتسبب فيه من "ضياع" الأوقات والأموال وإرهاق الأعصاب وتعكر المزاج وتأثر الصحة.. لكن المؤمن يتذكر أن لا شيء يضيع عند الله، بل كله محسوب.

المحبوس تسيطر على ذهنه مفردات: (الحبس) (الإفراج) (الحُكم) (القاضي) (التهمة) (الدفاع) (البينة) (البراءة) (التخفيف) (العقوبة) (المدة).

ستتعب إن قاومت هذه الحقيقة ومهما غالبتها ستبقى هي الحقيقة.. ليست الدنيا دار جزاء. فلو كانت دار جزاء لما قتل أنبياء كزكريا ويحيى عليهما السلام، ولما عذب عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى الموت كياسر وسمية، دون أن يروا قائمة تقوم للإسلام، ولما حصل لأهل الأخدود ما حصل.

أيها الكرام.. لا زلنا نتأمل: كيف نحب الله تعالى بلا شروط؟ كيف نتفنن، فلا نمنع البلاء أن يؤثر على حبنا لله فحسب، بل نحوله إلى سبب لزيادة حبنا لله؟ كيف نبني حبنا لله على أسس سليمة لا تــهــــتز ولا تتأثر بالمتغيرات؟

مرت أربعة وأربعون عامًا من عمري.. تقلبت خلالها في نعم الله عز وجل.. في حلمه وكرمه وستره ورحمته.. بما يعقد اللسان.. مــا مــن بــلاء عـانـيـتـه إلا ويـترفق بي الرحمن فيه، ولا يُـحَـملني ما لا طاقة لي به، بل يشعرني بقربه ومَعِيَّته ويجعل لي في ثنايا البلاء خيرا عظيما، في ديني ونعيم قلبي ودنياي..

والله يا إخواني لا أظن أن هناك شعورًا أجمل من هذا تعيش به في حياتك! الشعور بأن الله يريد بك خيرًا مهما قدر عليك وفعل بك.. فكله لمصلحتك.. وقد لا تستيقن من هذا الشعور إلا من خلال البلايا !

تمر سنوات من حياتنا تجتمع لنا فيها أسباب كثيرة للسعادة، لكننا إن سألنا أنفسنا: هل نحن سعداء؟ فقد يأتي الجواب من أعماقنا: لستُ متأكدًا!

أصيب الأب بمرض يضعف قدرته بالتدريج.. أخبر الطبيب العائلة أن المرض مزمن وأن العلاجات إنما هي لإبطاء تدهور الحالة فقط. رفض الأبناء هذه الحقيقة! ذهبوا إلى طبيب ثانٍ وثالث، أجروا تحاليل متقدمة، أوصوا ابن عمهم في كندا بإرسال دواء جديد، طرقوا باب العلاج الطبيعي، جربوا الأعشاب.. ولكن أباهم يتراجع شهرًا بعد شهر.

من طبع النفس البشرية أنها يضعف لديها الشعور بالنعم المستمرة فتصبح فاترة باهتة في الحس. و إذا فقد الإنسان القناعة فإنه لا يفكر إلا فيما ينقصه من نعم حتى يشعر أن هذا الذي ينقصه هو أهم مقومات الحياة البشرية، و أن حياته لا طعم لها بدون هذا الذي ينقصه، تعال نستعرض أمثلة من ذلك:

من أهم الحقائق التي تطمئنك وتصبرك وتزيد حبك لله: ليس لك عند الله في هذه الدنيا "حقوق"!

هناك عبارات جميلة يقولها البشر لبعضهم: (لقد غمرتني بإحسانك. لن أنسى لك جميلك ما حييت). (حبي لك وصل مرحلة اللارجعة! مهما فعلتَ في المستقبل سأظل أحبك، ولن أسمح لشيء أن يزعزع محبتي لك). (أحس بالحياء تجاه محبتك الصادقة لي واهتمامك بي! لا أستحق منك ذلك كله! لا أملك إلا أن أعدك بأن أكون وفيا لك ما حييت).

لا زلنا نتأمل: كيف نحب الله تعالى بلا شروط؟ كيف نتفنن، فلا نمنع البلاء أن يؤثر على حبنا لله فحسب، بل نحوله إلى سبب لزيادة حبنا لله؟ كيف نبني حبنا لله على أسس ســليمة لا تــهــتز ولا تتأثر بالمتغيرات؟

ماذا لو كانت المصائب والمسرات تصيب الناس بلا تقدير، بل تدور خبط عشواء، فقد تصيبك وتترك غيرك لا لحكمة ولا لسابق علم؟ ماذا لو أن الله وكل تقدير الأقدار إلى ملائكة لا نعلم عن رحمتهم ولا حكمتهم ولا عدلهم؟ ماذا لو كانت البلايا منفكة عن الجزاء، بحيث تُبتلى ويُنعم غيرك، ثم تستويان في الجزاء والمصير إن استوى عملكما، وضاع صبرك على بلائك سدىً؟

كنت أتساءل عن مصدر الطمأنينة في هذه الآية؟ ما الذي يـجـعلنا نطمئن حين نعلم أنه {لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]..؟ تعالوا نتأمل الآية كلمةً كلمةً، ونتصور حالات افتراضية غير صحيحة ونقارنها بالواقع لنعرف الجواب:

أم هيثم.. كانت تنسج البلوزة (الكنزة) الصوفية بيديها لابنها الذي قال لها في اتصاله الأخير: (أمي الحبيبة، لي عندك طلب: انسجي لي بلوزة صوف بيديك واطلبي من أبي أن يرسلها مع صديقي عماد، فطيارته يوم الخميس بعد القادم. أعرف أنك ستتعبين في نسجها، لكني أريد أن أتذكرك وأنا ألبسها.. سأحس أنك نسجت فيها حنانك بعطفك بحبك يا غالية.. سأحس وأنا ألبسها أنك تضمينني إلى صدرك.. باختصار يا حبيبتي: انسجيها.. علشاني).

ألا تحب أن تستأثر بصديق، بحيث تحس أنه لك، وأنك أعز الناس عليه فلن ينشغل بغيرك عنك؟ ألا تحس بقيمة هذا الصديق في المآزق؟ أظنك لاحظت أن مجرد بث همومك لهذا الصديق المتفهِّم لك والحريص عليك يشعرك بالراحة وتنفيس الهم.

تصور معي : أنه جاءتك هدايا، وأنت تعرف أنها هدايا عظيمة وقيمة، لكن بعض هذه الهدايا جاء في غلاف جميل وبراق، والبعض الآخر جاء في غلاف قبيح، هل يهمك كثيرًا شكل الأغلفة إذا علمت أن الهدايا التي في الداخل هدايا ثمينة وقيمة وعظيمة؟

طــالَ البـــــلاءُ فــــوجـــهُهُ متجـــهمُ ويقــولُ إني ضـــــائــــعٌ مستوحـــشٌ غرقان وحديَ في الهــــمومِ فليـس لي صحراءُ عُسريَ لست أُبــصـرُ حدَّهَا إمَّـــــا ســعيتُ لدوحـــةٍ أبصــرتُهــــا وأخـــاف أنْ تئِدَ الــرزايـــا مُـنْـــــيَـتي وخــــــبا الرجاءُ فيأسُـــهُ مستحـــكمُ قلقٌ شـــديدُ الغم صـــدريَ مظـــلــمُ جــــارٌ يُـجـــيرُ ولا صـديـــــقٌ يرحـــــمُ فأســــــــيرُ تلفحني الرمـــالُ وتلــطمُ فــــإذا ســـــرابٌ والظــــنــونُ توهــُّـمُ فأعيشَ عمــريَ والفــــــــؤادُ محطم

أحبتي الكرام.. تصوروا معي حوارا يدور بين صديقين: زياد ورائد..

نتحدث في هذه المحطة عن ستر الله على عباده.. صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنّ اللهَ حيِـيّ سِتِّير)).

لا زلنا نبني محبتنا لله على أسس لا تتأثر بالمتغيرات، أولها تأمل أسماء الله تعالى وصفاته، وقلنا أنك بهذا التأمل تحول البلاء إلى سبب لمحبة الله بدلًا من أن يزعزع البلاء هذه المحبة.

ما زلنا نتأمل أسماء ربنا وصفاته لنحبه حبًّا لا يتزعزع.. تعالوا اليوم نتأمل مغفرة الله، وعفو الله، وتوبة الله على عباده.

في المحطة السابقة تأملنا حكمة الله وتودده لعباده وإعانته لمن استعان به في البلاء. وفي هذه المحطة سنتأمل صفة جديدة من صفات ربنا الحبيب، عندما تتأملها وأنت في رحم المعاناة يزداد حبك لخالقك ومولاك. إنها: رحمة الله. تعالوا نتأمل جمال هذه الرحمة حتى نطمع فيها، ثم نعرف كيف نحصلها.

لا زلنا نبني حبنا لله على أسس سليمة، أولها تأمُّل أسماء الله وصفاته. قلنا أنك إن أتقنت التعامل مع البلاء فإنك ستفهم أسماء الله تعالى وصفاته أكثر وأكثر من خلال البلاء، وهذا سيفضي في المحصلة إلى تحويل البلاء إلى سبب لزيادة محبة الله تعالى. في المحطات الماضية تأملنا حكمة الله في البلاء ثم تودده لعباده بالبلاء. اليوم نتأمل صفة أخرى من صفات الله تعالى.. ما هي هذه الصفة؟ أحيانًا نعاني من مشكلة، لا نعلم كم تستمر وإلى أي مدىً ستتفاقم.. يشرق في نفوسنا الأمل بزوالها.. تلهج ألسنتنا بالدعاء.. لكن ما نلبث أن يعتريَنا الخوف ويتراءى لنا شبح اليأس عندما نفكر في أن بلاءنا سيطول ويشتد..

تصور أنك رأيت إنسانًا لا تعرفه، فتبسمت في وجهه، ثم نسيت الموقف. فإذا بهذا الشخص يهديك سيارة ويقول لك: لن أنسى بسمتك. لقد أحسست فيها بمحبتك الصادقة لي. ثم بقي يتصل بك يشكرك على ابتسامتك. وقعت في مأزق فساعدك وسعى معك بوقته وجهده وماله. مرضت فزارك وأطعمك بيده. استحييت منه وقلت له أنك لا تستحق منه هذا كله.. فقال لك: لا.. لن أنسى لك تبسمك في وجهي. وبقي يظهر لك المحبة الصادقة التي لا تشوبها المصالح الدنيوية.

ابنك.. تنصحه ألا يكثر من الحلويات وأن ينظف فمه منها كلما أكلها. لا يستجيب لنصحك.. يأكلها بكثرة، يصيب أسنانه التسوس، فيأتيك شاكيًا: (بابا أسناني توجعني). (إذن هيا إلى الطبيب).. (لا يا بابا أرجوك! سأتألم). (لا بد من ذلك يا بني، وإلا استفحل التسوس وعانيت ألمًا أشد). تذهبان، يجلس على كرسي الطبيب، يبدأ بإزالة التسوس.. يصيح ابنك من الخوف والألم: (بابا أرجوك خَلَص).. تنهره أنت: (اسكت يا بابا! دع الطبيب يعالجك). يعود الطبيب للعلاج، يسكت ابنك ثم يصيح: (بابا خلص بيكفي).. تنهره بحزم: (الطبيب أدرى، دعه يكمل عمله).. خلال ذلك، هل ينظر إليك طفلك بحقد؟! أبدًا طبعًا، فهو يعلم أنك تريد مصلحته. هو لا يريد أن يتألم، لكن يعلم أن معالجة الطبيب توفر عليه آلاما أشد فيما بعد. أنت كأب، تتألم وأنت ترى ابنك يتألم، حتى أنك قد تخرج من الغرفة لأنك لا تطيق سماع أنينه. ينتهي العلاج في الوقت المناسب. يقوم ابنك عن الكرسي، وتنصرفان.. في طريق العودة، ينظر ابنك لك بمحبة وإجلال: (أبي يريد مصلحتي في كل ما يفعله. ها قد ذهب الألم وأتمتع أنا الآن بأسنان صحية)..

كيف يمكنك -أنت- أن تَقلب المحنة إلى منحة؟ كيف تستمتعُ بنعمة البلاء؟ كيف يمكنك أن تعيش بسعادة مهما كانت الظروف؟ كيف يمكنك التعامل مع الأمور -أيًّا كانت- بإيجابية واستبشار؟ كيف تعلق قلبك بالله -عز وجل- فلا تخاف سواه ولا ترجو سواه؟ كيف تمتلك عزيمة لا تنكسر، وروحًا لا تُقهر؟ كيف تُطهّر قلبك من العتب على القدر؛ فيصير قلبك قلبًا سليمًا تحب أن تلقى الله عز وجل به؟ كيف تحب ربك -سبحانه وتعالى- حـــبًّا غـــير مـــشــروط لا يتأثر بالظروف؟

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي...أحيانا عندما نتكلم عن طاعة الله تعالى يقول قائل: (شوي شوي، ما في شيء بيجي مرة واحدة، هي كبسة زر؟). وفي الواقع أن الإيمان يجعل الإنسان يطيع الله عز وجل بالفعل كأنها كبسة زر! في الحلقتين الماضيتين رأينا أمثلة من ذلك: عمر كان في حالة غضب وهم ان يبطش بعيينة فسمع ((وأعرض عن الجاهلين)) فتوقف وسامح. الصحابة كانوا يشربون الخمر فسمعوا ((فهل أنتم منتهون)) فأراقوها على الفور. اليوم نحن على موعد مع مثال آخر، مسألة أصعب من الغضب وأصعب من السكر، إنسان يطعن في عرض ابنة الصحابي. ومع ذلك عندما جاء أمر الله بالعفو والصفح استجاب الصحابي كأنها كبسة زر...إنه الإيمان يصنع العجائب. كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قريب فقير اسمه مسطح، وكان أبو بكر يبره فينفق عليه من ماله. عندما افترى المنافقون على أمنا عائشة رضي الله عنها واتهموها في عفتها، ماذا كان يتوقع من مسطح؟ أن ينبري للدفاع عن ابنة قريبه الذي يحسن إليه من قبيل البر والوفاء. لكن العكس حصل! شارك مسطح في نقل الإشاعة. أنزل الله براءة الطاهرة المطهرة من فوق سبع سماوات وعوقب الذين نشروا الإشاعة، وحز في نفس أبي بكر ما فعله قريبه فقال: (والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال)...طبعا، ردة فعل متوقعة تماما. لكن الله عز وجل يريد لعباده خلقا أسمى، فأنزل تعالى: ((ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ( 22 ) )) (النور). ماذا كانت ردة فعل أبي بكر رضي الله عنه؟ قال: (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي). فعاد ينفق على مسطح وقال: (والله لا أنزعها منه أبدا) (البخاري)... يعني لا أوقف النفقة عليه أبدا. كأنها كبسة زر...تحول 180 درجة: من (والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا) إلى (والله لا أنزعها منه أبدا). قال ابن كثير تعليقا على هذا الموقف: فلهذا كان الصديق هو الصديق [رضي الله عنه وعن بنته]. هل قل احترام أبي بكر عند المسلمين بعدما استجاب لأمر الله بالعفو؟ لا والله، بل يترضى عنه ويحبه مئات الملايين من البشر إلى يوم القيامة.

إخوتي محبي القرآن. ذكرنا في الحلقة الماضية أننا مكلفون بطاعة الله في حالة الغضب، وذكرنا قصة عمر رضي الله عنه مع عيينة بن حصن. قوة الإيمان جعلت الصحابة يستجيبون لأمر الله تعالى وهم في حالة قد تكون أصعب من الغضب...في حالة السكر! يصف لنا أنس بن مالك رضي الله عنه مشهدا قبيل تحريم الخمر فيقول: (بينا أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبي دجانة حتى مالت رؤوسهم) يعني الخمرة عملت عملها وأثرت فيهم. قال: (إذ سمعنا مناديا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت). انظر الآن إلى الأمر الإلهي حين يخالط الإيمان حتى وهو مغمور بطبقات من أثر الخمر. قال أنس: (فأهرقنا الشراب)، تصور منظرهم وهم يقلبون الكؤوس على الفور ليتخلصوا مما فيها)، قال: وكسرنا القلال (جرات الخمر)…كسروها كسرا، وكأنه إعلان صارخ أننا سنكسر التعلق بالخمر إلى الأبد. قال: (وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا وأصبنا من طيب أم سليم ثم خرجنا إلى المسجد) فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون () إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)) (والأثر رواه البزار ورجاله ثقات). في أمريكا فُرض قرار منع الكحول عام 1920 فقامت ثورات وسجن خمسمائة ألف شخص لم ينصاعوا للقرار وقتل مئتا شخص من المعارضين للقرار أثناء قمع ثوراتهم، ثم اضطر الكونجرس لإلغاء القرار والسماح بالخمر مجددا عام 1933! أخي المدخن...أيهما أسهل؟ ترك الصحابة للخمر أم تركك الدخان؟ الجواب يعتمد على الإيمان. من ناحية علمية بحتة فالخمر والدخان من مواد الإدمان، وقطعهما يؤدي لما يُعرف بالـ(withdrawal syndrome). أي مجموعة الأعراض المزعجة الناتجة عن قطع المادة. ونحن ندرس الطلاب أن الـ(withdrawal syndrome) للكحول أعنف منه للنيكوتين. بل إن القطع المفاجئ للكحول قاتل أحيانا. ستقول لي: الخمر منعت بالتدريج. صحيح، لكن مع ذلك كانت أجسامهم لا زالت معتادة عليها ويغلب على الظن أن الصحابة عانوا عندما تركوا الخمر. لكن انظر يا أخي كيف عوضهم الله بخير منها في عقولهم وأرواحهم، فالحديث الذي ذكرناه فيه أسماء صحابة عظماء (أبو عبيدة ومعاذ بن جبل وأبو دجانة، كلهم ) تركوا الخمر على الفور لوجه الله، فاصطفاهم الله للعلم والجهاد والشهادة...ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. فيا من اعتدت عادة لا يحبها الله، تذكر نداء الله ((فهل أنتم منتهون))، واستجب كما استجاب الصحابة، لعل الله يصطفيك لنصرة دينه كما اصطفاهم. والسلام عليكم ورحمة الله.

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي أحيانا نقول كلاما أو نعمل عملا لا يرضي الله ونعذر أنفسنا أننا كنا في حالة غضب، وننسى أننا مأمورون بطاعة الله حتى في مشاعرنا...فنحن مأمورون بألا نغضب. نعم، فنحن نقرأ قوله تعالى: ((والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس))، وكلنا يعرف حديث ((لا تغضب)). وبما أنه ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها))، إذن في وسعنا أن نتجنب الغضب.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام أحيانا ونحن نقرأ القرآن نتساءل: (لماذا لا نتأثر كما تأثر الصحابة؟ لماذا لا نبكي كما كان الصحابة يبكون؟) أتعرفون الجواب؟ لأن الصحابة كانوا يستمعون القرآن بنفسية غير نفسيتنا ونية غير نيتنا. كانوا يستمعونه بنفسية الجندي الذي ينتظر الأوامر للتنفيذ الفوري، محبةً وخشيةً ورجاء. كانوا يفهمون جيدا وينفذون قولَه تعالى: ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)). فالاختيار بين طاعة الله ومعصيته ليس واردا عندهم. كانوا ينتظرون الآيات مشاعل تهديهم في الظلمات، كانت نفوسهم أرضا عطشى تنتظر كلام الله انتظار المطر لتتشربه فيثمر من بذور الإيمان فيها أبهى الثمر، كان جهدهم كله منصبا في (كيف ننفذ أمر الله كما يحب الله). نفسية طيبة كهذه ما إن يمسَّها الوحي حتى يتسارع القلب ويتهدج الصوت وتنهمر العينان.

إخواني وأخواتي ذكرنا أمس أن القرآن حبل الله أمرنا الله أن نستمسك به لننجو فقال: ((فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم)). بين الله عز وجل أيضا أن القرآن فيه الشرف والرفعة لمن آمن وعمل به...أين ذكر الله ذلك؟ بعد هذه الآية مباشرة فقال تعالى: ((وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)) (الزخرف الآية 44)...((لذكر لك ولقومك)) أي: شرف ورفعة وعزة وكرامة...فهذا جزاء المستمسك بحبل يمسكه الله من الطرف الآخر. هل هناك آية أخرى بالمعنى ذاته؟ أن القرآن رفعة وشرف لمن تمسك به؟ نعم. أين؟ في سورة الأنبياء الآية العاشرة: ((لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون (10))). قال ابن كثير أن هذه الآية تنبيه على شرف القرآن وتحريض على معرفة قدره. وقال ابن عباس: ذكركم أي: شرفكم...أي أن الذي يتمسك بالقرآن يكون له الشرف والرفعة وعلو المنزلة والذكر الحسن في الدنيا والآخرة. ((لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون (10))) أفلا تعقلون هذا الشرف العظيم فتدعون قراءة القرآن؟! أفلا تعقلون، فتدعون تدبر القرآن؟! أفلا تعقلون فتعرضون عن كلام رب العالمين وتنشغلون عنه بسماع اللهو وأغان تحض على معصية رب العالمين ((أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير))...هل يفعل ذلك عاقل؟! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال كما في صحيح مسلم: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين)). إذن فالتمسك بالقرآن رفعة منزلة وعلو قدر في الدنيا والآخرة.

أخي تصور أنك انزلقت رجلك عن حافة وتكاد أن تقع في وادٍ. فأُلقي إليك بحبل، فأمسكت به. ما الذي يهمك في هذا الحبل؟ أن يكون متينا وأن يكون الشخص الممسك به الذي سيسحبك قويا قادرا على انتشالك. القرآن هو حبل الله، هو صلة ما بيننا وبين الله، ينشلنا به من السقوط إلى الهاوية. أين في القرآن هذا المعنى؟ قال تعالى: ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا))...سنقف عند عبارة (حبلِ الله). قال ابن العربي في أحكام القرآن: الأظهر أنه كتاب الله. ويؤيد ذلك الحديث الذي رواه مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا وإني تارك فيكم ثقلين، أحدهما كتاب الله عز وجل، هو حبل الله)).

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام عند قراءة تصوير القرآن الكريم لشدة العذاب في نار جهنم قد يتساءل البعض: هل يستوجب تقصير أهل النار في التعرف على الله والتقرب منه كل هذا العذاب؟ ألا يعطَون فرصة أخرى؟ نذكر هنا إخواني بأن جريمة أهل النار لم تكن أنهم لم يبذلوا جهدا كافيا لتذكر الله، بل في أنهم بذلوا جهدا كبيرا في تناسي الله!

السلام عليكم ورحمة الله إخوتي الكرام، أحيانا نتساهل في المعاصي، خاصة الصغائر، من باب أننا نقوم في مقابلها بخير كثير يغمر هذه المعاصي، خاصة إذا كانت طاعاتنا عظيمة فيها نفع عام للمسلمين كالجهاد أو التوعية الفكرية ونشر العقيدة الصحيحة، فنحس بأن لنا عند الله تعالى رصيدا يمكن أن نسحب منه!

السلام عليكم ورحمة الله، إخوتي الكرام أحيانا ونحن نخدم دين الله عز وجل قد يصيبنا الإحساس بأننا نقوم بمهمة عظيمة لا يقوم بها غيرنا في حَيِّنا أو مكان عملنا أو بلدنا. لذا فإننا قد نحس بأننا لن نُضل بذنوبنا، ولن نُمنع من أداء دورنا ولن نموت قبل إتمام هذه المهمة لأن هذا كله سيحرم الآخرين من خيرنا. أي أننا نحس بأن الناس بحاجة إلينا، بل وأن الإسلام بحاجة إلينا كذلك. هذا الشعور إيجابي محمود بقدْر ما يدفعنا إلى تحمل المسؤولية بحيث لا نركن إلى الدنيا ونترك دورنا الدعوي النافع للبشرية...شعور مفيد بقدر ما نتذكر معه قول القائل: لقد ذُخرت لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام تكلمنا في الحلقة الماضية عن تأثير بعدنا عن اللغة العربية السليمة على فهمنا القرآن. وذكرنا مثالا لذلك الاستثناء المنقطع، وشرحنا على ضوء فهمه قوله تعالى: ((ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا)). نود اليوم أن نعطي مثالا آخر على الاستثناء المنقطع لننطلق بعده إلى قاعدة عامة في التعامل مع تفاسير القرآن الكريم.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام، نزل القرآن باللغة العربية، أفضل اللغات وأكملها. لكننا نحن المسلمين ابتعدنا عن الاستخدام والفهم الدقيق للغة، وهذا يجعلنا أحيانا نفهم من القرآن خلاف مراد الله تعالى منه. نذكر اليوم مثالا لذلك قوله تعالى: (( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا)) (البقرة 235). يعلم كثير من الناس أن المقصود بهذه الآية النساء اللواتي توفي أزواجهن ولا زلن في فترة العدة. فنهى الله عن خطبتهن صراحة، لكن أباح التعريض بكلام أمام المرأة أو وليها مثل أن يقول الراغب في زواجها: (وددت لو أن لي امرأة صالحة وأنتم بيت دين وخُلق). لكن ما قد يفهمه البعض من الآية هو جواز أن يتواعد هذا الراغب في الزواج بالمعتدة فيلتقيا سرا ليكلمها بكلام منضبط ((ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا))...فيفهم قارئ الآية أن اللقاء سرا ممنوع إلا إن كان سيقال فيه كلام من المعروف. والواقع إخواني وأخواتي أن هذا الفهم غير الدقيق ناتج عن بعدنا عن أسلوب في اللغة العربية يسمى الاستثناء المنقطع. في الاستثناء المنقطع قد لا يكون ما بعد حرف (إلا) مرتبطا بما قبله ولا جزءا منه، وإنما هو معنى جديد منفصل. فمثلا في هذه الآية: ((ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا))...أي: لا تأخذ أيها الراغب في الزواج من المعتدة وعدا في السر ألا تتزوج غيرك فهذا محرم. إذن معنى تواعدوهن: تأخذوا منهن وعدا. ثم قوله تعالى: ((إلا أن تقولوا قولا معروفا))...إلا استثناء منقطع فما بعده معنى جديد غير مرتبط بما قبله. إلا أن تقولوا قولا معروفا))، أي: إنما يباح لك أن تقول أمامها أو أمام وليها قولا معروفا فيه تلميح لنية الزواج منها. فكأن الآية تقول: لا تواعدوهن سرا لكن لكم أن تقولوا قولا معروفا. إذن ليس في الآية إباحة لأن يلتقي الرجل بالمرأة المعتدة سرا حتى وإن كان سيقول في هذا اللقاء كلاما معروفا. وإن من حكم الله عز وجل في مشروعية العدة أن تفي المرأة لزوجها المتوفى عنها وتحترم ذكراه والله أعلم. فلا يليق بها في ذلك أن تواعد رجلا سرا. بل إن مواعدة الرجال للنساء في السر لا يليق بغير المعتدة فضلا عن المعتدة، ولا يأمن فيه الطرفان أن يستدرجهما الشيطان لما يسخط الله عز وجل.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام، ذكرنا في حلقات سابقة أهمية مراعاة المسلم لألفاظه وعدم التعذر للألفاظ غير الشرعية بصلاح النية. هناك عبارة يستخدمها البعض لوصف شخص عديم الرحمة، لكن هذه العبارة غير مقبولة شرعا. هذه العبارة هي: (لا بيرحم ولا بيخلي من يرحم ولا بيخلي رحمة الله تنزل). هذه العبارة مصادمة لآيات بينات في كتاب الله تعالى، مثل قوله سبحانه: ((ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها (2) )) (فاطر)، وقوله تعالى: ((وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم (107) )) (يونس).

أخي تصور أنه جاءتك رسالة من رجل صادق ثري ذي نفوذ يقول لك فيها: (أنا مهتم بك، حريص على مصلحتك، أريد أن أقربك مني وأنعم عليك ببعض ما لدي)...كم ستكون فرحتك بهذه الرسالة؟ أظنك ستبروزها وتحفظ كلماتها كلمة كلمة وتحدث بها الآخرين وربما تنغمها بألحانك وتدندن بها. هذا الرجل الثري هو واحد من مليارات البشر يسكنون كوكب الارض، والأرض أحد كواكب المجموعة الشمسية، حجمها حوالي واحد على مليون من حجم الشمس، والشمس واحدة من مئات ملايين النجوم في مجرة درب التبانة، ومجرة درب التبانة واحدة من مليارات المجرات الملتقطة بالتلسكوبات كتلسكوبات Hale, Hubble, BTA-6. الضوء يقطع مسافة محيط الأرض في حوالي ثمن الثانية، وبعض المجرات تبعد عنا مليارات السنوات الضوئية، أي المسافة التي يقطعها الضوء في مليارات السنوات، مثل المجرة التي اكتشفتها ناسا في 26-1-2011 وقدرت أنها تبعد عنا 13.2 مليار سنة ضوئية.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام، ذكرنا في الحلقة الماضية أن مراعاة الألفاظ مطلوبة شرعا وأن الله تعالى قال: ((يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)) وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في أحاديث كثيرة بتجنب ألفاظ بغض النظر عن نية قائلها. اليوم سنستمر في الحديث عن موضوع مراعاة الألفاظ لأهميته...وسنركز على التسميات وأثرها. حرم الله عز وجل أمورا. هذه المحرمات ينبغي أن تبقى قبيحة ومنفرة في حسِّنا. لكن الشيطان زين للناس أن يسموا هذه المحرمات بغير اسمها. وهذه من الخطوات الأولى للاجتراء على المعصية. انظر مثلا إلى الخمر... سميت خمرا لأنها تُخمر العقل، يعني تغطي على العقل وتذهبه. ماذا يسميها البعض في أيامنا؟ "مشروبات روحية". وهي تسمية فيها نوع من المديح، وكأن الخمر تنعش الروح. هل تعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم أخبر بأن هذا التغيير في التسمية سيكون؟ في الحديث الذي رواه ابن ماجة وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام، مراعاة الألفاظ مطلوبة شرعا. كثيرا ما نسمع عبارات غير شرعية فننبه صاحبها فيكون الرد: (أنا قصدي سليم)، (المهم النية). نسمع مثلا: (رزق الهبل على المجانين)، (البقية في حياتك)، (شاءت الصدف)، (فلان شكله غلط)، (يلعن الساعة الي شفته فيها)...والعياذ بالله...ألفاظ غير مقبولة أبدا، ومع ذلك يتعذر لها أصحابها بسلامة النية. هناك آية ينهى الله فيها عباده عن قول كلمة مع أن قصدهم منها كان سليما. هل تتذكرها؟ قال الله تعالى في سورة البقرة الآية (104): ((يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)) كان بعض المسلمين إذا رأى النبي أدبر وأراد منه شيئا قال: يا رسول الله راعنا، يعني أرعني سمعك، يقولها بنية سليمة. لكن اليهود لعنهم الله كانوا يقولون هذه الكلمة لنبينا صلى الله عليه وسلم يقصدون بها التنقص منه، فقد ذكر المفسرون أنها كانت عندهم بمعنى اسمع لا سمعت، أو يقصدون منها الرعونة وهي الطيش. فكره الله لعباده أن يشتركوا مع هؤلاء السفهاء في لفظة يقصدون بها شرا، حتى وإن قصد بها المؤمنون خيرا، ووجههم الله إلى كلمة تؤدي الغرض: (انظرنا)، أي (انظر إلينا). إذن فمراعاة الألفاظ مطلوبة شرعا بغض النظر عن النية. ولهذا شواهد كثيرة في السنة. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقِست نفسي)) (متفق عليه). يعني إذا أراد المسلم أن يعبر عن تثاقله فعليه أن يتجنب قول: (خبثت نفسي)، ويقول بدلا منها: (لقِست نفسي)، يعني ضاقت أو تثاقلت وركنت إلى الكسل. وهذا المعنى يتأدى سواء قلنا خبثت أو لقست، لكن لفظ الخبث قبيح ويحتمل معاني زائدة على معنى التثاقل والكسل، فالخبث يطلق على المحَّرم والباطل والكذب والأفعال والصفات القبيحة، وهذه لا تليق بمسلم. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم ما شاء فلان) (صححه النووي والألباني). فكيف بعد ذلك يقال (رزق الهبل على المجانين)، بينما الله يقول: ((وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها))...سيقول: (أنا قصدي كذا وكذا)...نعم، لكن مراعاة الألفاظ مطلوبة. كيف يقال: (البقية في حياتك)، ورسول الله يقول: ((إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها)) (صححه الألباني).

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ونحن نرى معاناة المسلمين في البلدان المنكوبة قد نغفل عن حكمة عظيمة من حكم الله تعالى في تطويل البلاء، وهي أنه سبحانه لا يريد لعباده أن ينتصروا انتصارا سهلا يؤدي بهم إلى الاغترار بأنفسهم ونسيان نعمة الله عليهم، بل وربما التجبر والظلم في الأرض وهم في نشوة الانتصار. لذا، فإن الله تعالى يبتلي عباده بما يكسر نفوسهم ويشعرهم بضعفهم وانعدام حيلتهم قبل أن ينصرهم. هل تتذكر آية تدل على ذلك؟ قال الله تعالى: ((ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)) (123 آل عمران) لاحظ قوله تعالى: ((وأنتم أذلة)). ذكر ابن القيم في زاد المعاد من حكم الله عز وجل في تربية عباده (أنه إذا امتحنهم بالغلبة والكسرة والهزيمة ذلّوا وانكسروا وخضعوا فاسْتوْجبوا منه العز والنصر، -قال:- فإن خلعة النصر (يعني هدية النصر) إنما تكون مع ولاية الذل والإنكسار، قال تعالى: ((ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)). وقال –في المقابل-: ((ويوم حنين إذْ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً)). فهو سبحانه إذا أراد أن يُعز عبده ويجبره وينصره كَسَرَهُ أولاً، ويكون جبره له ونصره على مقدار ذله وانكساره). انتهى كلامه رحمه الله. إذن يوم حنين اغتر المسلمون بالكثرة وأخذتهم نشوة العدد والعدة، فلم تغن عنهم شيئا، فتعرضوا للخسارة في البداية إلى أن اجتمع حول النبي صلى الله عليه وسلم عدد قليل ذاقوا مراراة أن يكلهم الله إلى حولهم وقوتهم، فتبرأوا منها وعلموا أن لا معز لهم إلا الله، فنصرهم الله على قلتهم. ويوم بدر كانوا قليلي العدد قليلي العدة قد عانى المهاجرون الاضطهاد والتعذيب واضطروا لترك الديار والأهل واللجوء إلى المدينة...فكانوا بهذا الوصف أذلة، وإن كانوا في نفوسهم أعزة كما قال القرطبي. لكن ضعف حالهم كان يمنعهم من التعالي والكبر والزهو. فنصرهم الله بعد هذه الذلة. ((ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون)). إذن فتطويل البلاء على المسلمين له حكم هذه منها، أن يذلوا ويخضعوا لله، حتى إذا أعزهم ونصرهم وجبَرهم تذكروا ما كانوا عليه من ضعف، فلا يتجبرون ولا يطغون، بل ينسبون الفضل لله تعالى، ويتقون الله في الشعوب التي يتغلبون عليها بعد ذلك. نسأل الله أن يعز المسلمين ويجبرهم بعد كسرتهم وذلتهم. والسلام عليكم ورحمة الله.

السلام عليكم ورحمة الله. أخي الكريم، أختي الكريمة، هل تجد الالتزام بالصلاة صعبا أم سهلا؟ هل يشق عليك أن تصلي خمس مرات في اليوم في أوقات محددة؟ إن كنت تجد صعوبة فقد أخبر الله بذلك! أخبر أنها ثقيلة. أين؟ بعد قوله تعالى: ((واستعينوا بالصبر والصلاة)) قال: ((وإنها لكبيرة))...أي ثقيلة، شاقة...نعم. ليس سهلا أن تلتزم بالصلاة كل يوم وطوال عمرك، مع الإتيان بشروط الصلاة كالطهارة، ومع أنها قد تجعلك تترك أمرا تهواه أو تحصل به لذة أو مالا. تكون متلذذا بالنوم فتقوم للصلاة، تكون في تجارتك تحصل أرباحا فتقوم للصلاة، تكون منهكا من عملك تطلب الراحة فتقوم للصلاة...هذا أمر ثقيل وليس بالسهل.

السلام عليكم ورحمة الله، إخوتي الكرام، كل واحد فينا يحب الكرامة ويكره الذل. فالعيش إما عزة أو ذلة والذل لا يرضاه غير الجاهل لكن احذر!...قد تفعل ما يؤدي بك إلى هذا الذل...إنها المعصية. ما الدليل من كتاب الله تعالى على أن المعصية تؤدي إلى الذل؟ قال تعالى في وصف اليهود في الآية 112 من سورة آل عمران: ((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)) لاحظوا إخواني...ذكر الله لنا أسباب ذل اليهود لنحذر من الوقوع فيها. فالنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم)). يعني (ديروا بالكم...ستقعون في الأخطاء نفسها...وستؤدي إلى النتائج نفسها). إذن فالكلام عن اليهود يعنينا، حتى نعرف موطن الخلل فنصلحَه. في هذه الآية، ذكر الله عز وجل أربعة أسباب للذل، لهذا القدر المضروب على فئات من الناس:

السلام عليكم ورحمة الله، إخواني وأخواتي نرى في العالم الإسلامي اليوم مئات من المسلمين يقتلون يوميا كما في سوريا وغيرها. نرى شبابا يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله لكنهم أقل عددا وعدة من أعدائهم فيقتل كثير منهم...نرى ذلك فنحزن ونتألم، وينبغي لنا أن نتألم. لكننا قد ننسى معنى مهما، وهو أن اصطفاء الشهداء مقصود في ذاته. الله تعالى يريد أن يتخذ من عباده شهداء. قال تعالى: ((وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء)). لاحظ: يغير الله تعالى موازين القوى حتى يتغلب الكفار فيجاهدَهم المؤمنون فتسفك دماء في سبيله تعالى، فهذا أرقى أشكال العبودية. أن يقدم المسلم دمه في سبيل الله تعالى. إذن، فاصطفاء الشهداء مطلب في ذاته، وليس عرضا جانبيا أو ضررا جانبيا (collateral damage) للمقصود الأعظم. بل كما أن الله يحب أن تعلو كلمته ويُقهر أعداؤه فإنه كذلك يحب أن يتخذ شهداء.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام، عندما نرى صراعات بين طائفة من المؤمنين وطائفة من أعدائهم فإننا كثيرا ما نقول أن المؤمنين هزموا في هذه الجولة أو أن النصر تأخر عنهم. فهل تعريفنا للنصر والهزيمة تعريف سليم؟

السلام عليكم ورحمة الله. أعزائي، ذكرنا في الحلقة الماضية أن المسلم عليه أن يحرص على فهم الآيات التي قد يُفهم منها للوهلة الأولى ما لا يتناسب مع حسن الظن برسل الله عليهم الصلاة والسلام. وذكرنا قصة نبي الله لوط عليه السلام مع قومه كمثال على ذلك. سنذكر اليوم مثالا آخر. أنت يا أخي عندما كنت تقرأ قوله تعالى: ((حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين)) ماذا فهمت من هذه الآية؟ أخشى أن البعض يَفهم منها أن الرسل يئسوا من نصر الله وأساؤوا الظن بوعده سبحانه، وحاشا رسلَ الله أن يظنوا بربهم هذا الظن. بل هم قدوات العالمين في اليقين بصدق الله وأنه تعالى منجزٌ وعدَه. إذن ما معنى الآية؟ روى الطبري في تفسيره أن مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبير رحمه الله عن هذه الآية ففسرها سعيد كالتالي: (حتى إذا استيأس الرسل...أي: من قومهم أن يصدقوهم، وظنوا أنهم قد كذبوا، أي: ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا). حبكة الجواب في معرفة أن كلمة (كذبوا) تعود على أقوام الرسل وليس على الرسل أنفسِهم. فمن كفر من أقوامهم ظنوا أن رسلهم كذبوا عليهم بقولهم أن العذاب سيحل بالكافرين، لأن السنوات مرت ولم يحل بعد. عندما سمع مسلم بن يسار هذا التفسير من سعيد قام إليه فاعتنقه وقال: (فرج الله عنك كما فرجت عني).تصور فرحه بفهم آية كان سوء فهمها يحدث ضيقا في صدره. قال الضحاك (من المفسرين) تعليقا على هذا الشرح من سعيد بن جبير: (لو رحلت إلى اليمن في هذه كان قليلا). صحيح! فإن مثل هذا البيان الشافي لما في الصدر من الحرج تجاه آية مما أنزل الله...هذا البيان يستحق أن تُقطع له المسافات وتُصرف له الأوقات. هذه الأيام لا نحتاج قطع المسافات بل يمكن أن نحصل على تفسير آية في ثوان من خلال موقع موثوق على الإنترنت أو الاتصال بأحد أهل العلم. المهم ان يكون عندنا اهتمام بفهم كلام ربنا وسلامة صدورنا تجاه كتابه سبحانه.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام كثيرا ما لا يخفى علينا تفسير بعض الآيات فحسب، بل قد نفهمها فهما خاطئا يؤدي إلى ظن غير لائق بالله تعالى أو برسله عليهم الصلاة والسلام. والمسلم مؤاخذ على هذا الظن إذ كان أولى به أن يحرص على سلامة قلبه ومعتقده ويسأل عن معاني هذه الآيات. تكلمت مرة في أحد المساجد عن خطورة أن يجد المرء في صدره حرجا من شيء مما أنزل الله فجاءني بعد الكلمة رجل أظنه في الخمسينات من عمره فقال لي: بما أنك طرحت هذا الموضوع فأريد أن أقول لك شيئا: أنا أستغرب من حكاية الله تعالى عن لوط أنه قال لقومه الشواذ: ((هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين)). قلت له: أتفهم منها وكأن لوطا عليه السلام يقول لقومه: إن كنتم فاعلين ولا بد فمعصية الزنا أقل سوءا من الشذوذ؟ قال: بصراحة نعم.

السلام عليكم ورحمة الله، أخي...لا يكفي أن تطيع الله، بل لا بد أن تطيعه وأنت محب لهذه الطاعة. هذا معنى مهم يغيب عن أذهاننا. حتى تكون الطاعة مقبولة عند الله لا بد أن نقدمها ونحن محبون لها. لا يكفي أن تؤدي الزكاة، بل لا بد أن تؤديها وأنت سعيد بأنك قمت بهذه الطاعة. لا يكفي أن تلبسي الحجاب الصحيح والجلباب، بل لا بد أن تلبسيه وأنت محبة له. كثيرا ما نتصرف بطريقة تشي بأننا لا نحب الطاعة التي نقدمها، فتأتي هذه الطاعة معكرة.

إخواني وأخواتي...الإنسان العاقل يهتم بصحة روحه أكثر من اهتمامه بصحة جسده، لذا فهو يسأل نفسه دائما: هل قلبي سليم أم أن فيه مرضا؟ هناك فحص سهل يكشف لك النتيجة دون تكلفة ودون حاجة إلى مختبر...هذا الفحص هو: مدى تأثرك بالقرآن. ما الآية التي تدل على ذلك؟ بداية، قال الله تعالى في سورة الإسراء: ((وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا)) إذن، إذا رأيت أن القرآن يشفي نفسك ويُذهب همك ويصلح بالك وينعش روحك...إذا أحسست وأنت تتلوه أو تسمعه برحمة الله تكتنفك وتحوطك وتتغلغل في مسارب قلبك مهما كانت الظروف...فأبشر! أنت من المؤمنين، لأن القرآن شفاء ليس لكل الناس، بل للمؤمنين. وإذا كنت، لا قدر الله، لا يؤثر القرآن فيك ولا يشدك ولا تنتهي بعد سماعه عن أخطائك ولا تنشط بعده في الطاعة...فهذا لا يحصل إلا مع الظالمين والعياذ بالله، الذين ظلموا أنفسهم باتباع الهوى والتعريض للفتن فحرموها مما هو خير لهم...حرموها من نعيم القرآن.

السلام عليكم ورحمة الله. أخي تصور أنك رأيت إنسانا لا تعرفه، فتبسمت في وجهه، ثم نسيت الموقف. فإذا بهذا الشخص يهديك سيارة ويقول لك: لن أنسى بسمتك. لقد أحسست فيها بمحبتك الصادقة لي. ثم بقي يتصل بك يشكرك على ابتسامتك. وقعت في مأزق فساعدك وسعى معك بوقته وجهده وماله. مرضت فزارك وأطعمك بيده. استحييت منه وقلت له: (أنا لا أستحق منك هذا كله!). فقال لك: (لا! لن أنسى لك تبسمك في وجهي). وبقي يظهر لك المحبة الصادقة التي لا تشوبها المصالح الدنيوية. ماذا تسمي إنسانا كهذا؟ (ودود)...أليس كذلك؟ ألا تحس بالحياء الشديد من تودد مثل هذا الإنسان؟ خاصة إن لم تستطع سداد معروفه وجميله؟ ولله المثل الأعلى! الله سبحانه وتعالى، الودود، يرضى عن عبده ويحبه ويكرمه على أفعال بسيطة جدا لا يلقي لها العبد بالا...بشرط واحد: أن يكون هذا الفعل من العبد أو القول أو الشعور خالصا لوجه الله. قال شعيب عليه السلام لقومه: ((واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود (90) )) (هود)

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي قال الله تعالى: ((إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)) وهذا التشبيه وإن كان في وصف وضعية القتال إلا أن الله تعالى يحب للمجتمع المسلم ان يكون عليها في أحواله كلها: ((كأنهم بنيان مرصوص)). فقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ، يشدُّ بعضُه بعضًا)). وشبّك النبي بين أصابعِه كوسيلة توضيحية. هذا التشبيه فيه لفتة جميلة. فالبنيان لا يكون قويا إلا بشرطين: قوةِ اللبِنات (يعني الطوبات)، وقوة الملاط (يعني المادة التي تلصق اللبِنة باللبِنة). إذا اختل أي من الشرطين كان من السهل اختراق البناء أو هدمه. قد يكون المسلمون أقوياء في ذواتهم، لدى كل منهم إيمان وعلم، لكن الروابط بينهم ضعيفة...لا تزاور ولا تواصل ولا تكافل ولا تعاون. هذا المجتمع يشبه سورا لبِناته من حديد أو نحاس لكن المادة التي تلصق اللبنات ببعضها ضعيفة. سور كهذا يسهل هدمه على الرغم من قوة لبناته. وكذلك المجتمع ضعيف الروابط. في المقابل قد يكون المجتمع المسلم قوي الروابط، الناس بينهم تزاور وتواصل ومودة لكن هناك خواء فكري وضعف في العلم.هذا المجتمع يشبه سورا قوي الملاط (المادة الرابطة بين اللبنات)، لكن اللبنات نفسها ضعيفة، من كرتون فارغ من الداخل. وسور كهذا يسهل اختراقه. وما ينطبق على الصف في القتال وعلى المجتمع ينطبق على العائلة. قد يكون أفراد العائلة جيدين في دينهم لكن علاقاتهم جافة، وهذا لا ينتج أسرة قوية مترابطة. وينطبق كذلك على الشركة والجماعة والمؤسسة. إذا أراد المسلمون أن ينظر الله إليهم في ذلك كله بعين الرضا فعليهم أن يكونوا ((كأنهم بنيان مرصوص)). والسلام عليكم ورحمة الله.

السلام عليكم ورحمة الله. أخي، أختي، أحيانا يكون من الأفضل ألا تفكر! كلام غريب، أليس كذلك؟

السلام عليكم ورحمة الله، إخوتي الكرام في الحلقات الماضية قلنا أننا إن أردنا أن نتأثر بالقرآن كما تأثر الصحابة فلا بد أن نتخذ القرار بالاستجابة الحية السريعة لأمر الله عز وجل في كتابه الكريم، ثم رأينا نماذج عظيمة من سرعة استجابة الصحابة لآيات القرآن. هل يعني هذا أن الصحابة لم يخطئوا أبدا؟ لا بالطبع فـ((كل بني آدم خطاء)) لكن ((وخير الخطائين التوابون))...كانوا يتوبون من أخطائهم ولا يصرون عليها، فتمحى سيئاتها من سجلاتهم وتزول بقعها من قلوبهم. نحتاج أن نتذكر هذا ونحن نستمر في معصية من المعاصي فيتغير القلب بالتدريج ونحن لا نشعر. صحيح أن كثيرا من الصحابة فر يوم معركة أحد عندما تغلب المشركون وكثر القتل في المسلمين، وكان هذا الفرار معصية. لكن انظر إلى حرصهم على تدارك الخطأ ومحو السيئات.

السلام عليكم ورحمة الله. أخي تصور أنك خرجت في سفر وفي يدك خارطة لطريق المدينة التي تسافر إليها أو –كما في أيامنا- GPS. إذا كان هناك من تشتاق إليه في هذه المدينة وأنت على ثقة من الخارطة ماذا يحصل؟ تسير بسرعة، لا تبحث عن طرق بديلة، ذهنك مركز على الهدف، وهو الوصول إلى المدينة لتلقى الأحباب. في المقابل، ماذا يحصل إذا كنت شاكا في صحة الخريطة؟ لن تسير بسرعة، بل تمشي قليلا وتقف، قد تسأل المارين لتتأكد من صحة الطريق، ذهنك سيكون مشتتا ولن يعود مركزا على الهدف والأحباب الذين تريد أن تلقاهم، بل تبقى مترددا حائرا متسائلا عن صحة الطريق. ما علاقة هذا المثال بالقرآن؟ قال الله تعالى: ((واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين () الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون)) ((وإنها لكبيرة)) صعبة...الصبر في المصائب صعب والصبر على الطاعة باستمرار صعب والصبر عن فعل المعصية صعب والمحافظة على الصلاة صعبة...صعبة على المتردد الذي يتشكك في صحة دينه وأنه الطريق الموصل بالفعل إلى الجنة. كلما كف عن معصية سيبقى يأتيه الشيطان يقول له: (أنت تكف عنها رجاء الجنة؟ ماذا إن كانت هذه الجنة غير موجودة؟ إذن تطلع لا بلح الشام ولا عنب اليمن!). لكن هذه الصعوبة تتلاشى أمام الخاشعين الخاضعين لله...((الذين يظنون)) والظن في القرآن كثيرا ما يأتي بمعنى اليقين...((الذين يظنون)) أي يوقنون ((أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون)) فيحاسبهم على ما عملوا ويجزي بالجنة والنار. فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سهل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات. إذن أخي وأختي كلما تثاقلت عن فعل الطاعات اسأل نفسك: هل أنا مشتاق إلى الجنة؟ هل أنا موقن بوجودها؟ هل أشك أن طاعة الله هي الطريق الموصلة إلى الجنة؟ إذن لماذا أتكاسل؟ فاستجمع إيمانك وامض في طريق الله سريعا دون تردد ودون التفات إلى مناهج أخرى ولا طرق بديلة واجمع قلبك وروحك على اللقاء المنتظر. فإنه كما قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: ((من خاف أدلج)) –أي سار في الليل ليقطع المسافات بسرعة- ((و من أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)). والسلام عليكم ورحمة الله.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام العبادة طاعة مطلقة وخضوع تام، ليست طاعة انتقائية. أحيانا تسأل شابا: هل تصلي، فيقول: (بَقَطِّع)، يعني يطيع الله على المزاج. وهذه الطاعة المزاجية لا تسمى عبادة. عندما بايع النبي الأنصار كان مما قاله: ((تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل)). إذن في حالة النشاط تتفنن في النوافل والمندوبات، لكن في الكسل يبقى عليك أن تقوم بالحد الأدنى على الأقل. ليس الكسل عذرا للتفلت من طاعة الله عز وجل.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام بينت أمنا عائشة رضي الله عنها اللغز في الاستجابة الفورية التي نراها من الصحابة لأمر الله تعالى. فقالت، فيما روى البخارى: (إنما نزل أول ما نزل منه –أي القرآن- سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا)...يعني ما كنا لنجد الاستجابة الفورية التي رأيناها في أمثلة الحلقات السابقة. إذن فقد علق الله قلوب عباده بالجنة ورهبهم من النار...فلما استقر اليقين في نفوسهم سهُل عليهم جدا أن يتركوا عاداتهم بمجرد سماعهم آية من كتاب الله تعالى.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نعيش مع خير جيل ونرى كيف يحدِث الإيمان استجابة فورية لكلام الله تعالى. لما نزل قوله تعالى: ((من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة)) قال أبو الدحداح رضي الله عنه: يا رسول الله، إن الله يريد منا القرض؟ قال: ((نعم يا أبا الدحداح)). ما معنى الآية؟ معناها أن الله يريد أن ننفق في سبيله ليعيد لنا ما أنفقناه يوم القيامة كما يعاد القرض، لكن في حالة التعامل مع الكريم سبحانه فإنه يعيده أضعافا مضاعفة. كيف استجاب أبو الدحداح لهذا التحفيز الرباني؟ قال لرسول الله: (أرني يدك)...يعني يريد أن يعاهده على شيء فناوله النبي يده، فقال أبو الدحداح: (قد أقرضت ربي حائطي) يعني بستاني. وبستانه هذا كان فيه ستمائة نخلة. يعني بحسبة بسيطة لا يتوقع أن تقل مساحة البستان عن ثلاثة دونم! وأين؟ في المدينة المنورة، ولك أن تتصور كم تساوي هذه الأرض في ذلك الوقت. أعطى أبو الدحداح للنبي حرية التصرف فيها في وجوه القربات إلى الله، بمجرد أن سمع: ((من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا)) ثم ذهب إلى بستانه وزوجتُه وأولاده فيه فنادى: يا أم الدحداح قالت: لبيك قال: اخرجي فقد أقرضته ربي (الحديث صححه الألباني). زوجته وأولاده كان يكفيهم هذه الكلمة ليضحوا بالبستان وبالأوقات الجميلة فيه لأنهم يعرفون معناها (أقرضته ربي). تصور أنك من سكان عمان وعندك بستان في الغور فجاءك من يعرض عليك أن تتنازل عن هذه البستان الآن وفي المقابل يعطيك بعد سنة قصرا مع حديقة كبيرة في خلدا أو عبدون! بالنسبة لأبي الدحداح وعائلته، يقينهم بالآخرة يجعل صفقتهم أكثر إغراء من هذه الصفقة، فالدنيا الفانية عندهم أقل من السنة في حساباتنا، والبستان الذي تركوه لله لا يقارن بأرض الجنة التي قال فيها النبي فيما رواه البخاري: ((موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها))... ياه! السوط الذي يضرب به الخيل لو وضعته على الأرض سيحتل مساحة لا تتجاوز سنتمترات مربعة. هذه المساحة في الجنة خير من الدنيا وما فيها. يكفي أنها باقية والدنيا فانية. وكذلك أبو طلحة الأنصاري لما نزلت هذه الآية ((لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)) تبرع ببستان له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعله في فقراء قرابتك.

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي في الحلقات الماضية أخذنا أمثلة من الاستجابة الحية لأمر الله...كانت كلها من الرجال. اليوم نريد أن نحفز همة أخواتنا ببيان سرعة استجابة الصحابيات لأمر خالقهن وحبيبهن سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن)). كانت المرأة قبل ذلك تظهر شعرها ورقبتها وشيئا من صدرها، وهي ما تسمى بالجيب. ثم نزل الأمر من الله تعالى بتغطية ذلك كله بالخمار، والخمار لغة ما يغطي الرأس، يختلف عن النقاب الذي يغطي الوجه. إذن المطلوب من المسلمة بعد هذه الآية أن تغطي رأسها ورقبتها وصدرها، ولن نتعرض للخلاف في تغطية الوجه.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام في الحلقات الماضية رأينا استجابة فورية من الصحابة لأمر الله تعالى، أشبه ما تكون بكبسة زر. البعض يتصور أن هذا صعب، وأنه لا بد له من فترة زمنية حتى يعود نفسه على الالتزام بطاعة أو التخلص من معصية. وفي الواقع إخواني أن ما قد يحتاج فترة هو بناء الإيمان في القلوب. فإذا استقر الإيمان في القلب فالطاعة التي تظهر على الجوارح سريعة سرعة استجابة الجندي للأمر في ساحة المعركة. الطاعة التي نراها ثمرة لجذور عميقة في النفس. ما قد يأخذ وقتا هو نمو هذه الجذور. استجابة الصحابة بهذه السرعة لم تكن إلا لأن الإيمان عميق جدا في قلوبهم عمق الجذور في الأرض. فإذا أردت استجابة فورية من نفسك أو ممن تدعوهم إلى طاعة الله، فاعتَنِ بالجذور...اعتَنِ بترسيخ الإيمان.

إخواني، فهم كلام الله نعمة...لأن هذا الفهم يثمر في القلب محبة الله والشوق إليه والأنس به...فهم القرآن يثمر صلاح البال وانشراح الصدر والرضا بأقدار الله...فهم القرآن يثمر اليقين والعزة بالله والتعلق بالآخرة وانتظار الجزاء الأوفى. هذه كلها ثمرات عظيمة وأحوال إيمانية ناتجة عن فهم القرآن. لذا فإدراك معاني القرآن نعيم، وهذا النعيم لا يستحقه كل أحد...لا يستحقه البطالون الذين حتى لو فهموا القرآن وذاقوا الأحوال الإيمانية فسوف يقدمون متاع الدنيا الرخيص على نعيم القرآن... لذا فإن الله تعالى يغار على كلامه أن يفهمه مثل هؤلاء! نعم...الله يغار على كلامه أن يفهمه هؤلاء. فالفهم وتذوق المعاني نعيم لا يستحقونه. أين هذا المعنى في كتاب الله؟ أين معنى أن الله يغار على كلامه أن يفهمه من لا يستحق فهمه؟ هناك آيات كثيرة بهذا المعنى، منها قوله تعالى في سورة الإسراء، الآيتين 45 و46:

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام سنقف اليوم مع الوصية الثامنة من وصايا ربنا عز وجل في سورة الأنعام. وهي قوله تعالى: ((وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)) الإنسان عادة ما يضعف أمام آصرة القرابة. تصور أنه مطلوب منك أن تشهد في قضية ابنك أو أبوك أو أخوك أحد أطرافها، وشهادتك قد تدينه وتؤدي إلى عقابه. تصور أنك تقضي بين خصمين أحدهما قريبك. تصور ابنك أو أخاك يطلب منك الشفاعة له عند أحد ليعينه في وظيفة. لا بد لعاطفة القرابة أن تتدخل حينئذ. فتأتي الوصية الربانية لتذكرنا أن هذه الرحمة بالأقارب والمحبة لهم يجب ألا تدفعنا إلى تجاوز العدل والانحياز إلى جانبهم إن كانوا مخطئين، أو مدحهم وتزكيتهم بما ليس فيهم رجاء الخير لهم. حتى إن دفعنا إلى ذلك الرحمة بهم، فالله أرحم بهم منا.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام وقفنا في الحلقتين الماضيتين عند قوله تعالى ((ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط)) هنا إخواني نلاحظ أن الله عز وجل يحب لعباده أن يكونوا حريصين على حقوق الآخرين غير متهاونين فيها، متنبهين إلى النفس الأمارة بالسوء التي تغري الإنسان بالاستزادة من نعيم الدنيا على حساب غيره، لكن الله عز وجل في الوقت ذاته لا يريد لعباده أن يقعوا في الحرج والمشقة، وأن يصبح التحرز من ظلم الآخرين وسواسا يكدر صفو المسلم ويشعره بالخوف المبالغ فيه. لذا، وبعد هذه الأوامر بالإحسان في مال اليتيم ووفاء الكيل والميزان تأتي كلمات رقيقة لطيفة من ربنا عز وجل ترفع الحرج: ((لا نكلف نفسا إلا وسعها)). جاءت هذه جملة معترضة بين مجموعة الوصايا الربانية بطريقة ملفتة تشعر بضرورة هذا التذكير في هذا الموضع وإن قطع تسلسل الوصايا، حتى يحدث حالة من التوازن المطلوب في كيان الفرد ولا يغلب عليه الخوف المبالغ فيه. تابع معي تسلسل الآية: ((وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)).

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام سنقف اليوم مع الوصية السابعة من وصايا ربنا عز وجل في سورة الأنعام، وهي قوله تعالى: ((وأوفوا الكيل والميزان بالقسط)) الكيل للأحجام كأن يبيع التاجر مقدار ما يملأ يدين ممدودتين بثمن معين. والميزان للأوزان. والقسط العدل وترك البخس. إذن فربنا سبحانه يوصينا أن نعدل عند الوزن والكيل للناس، وأن نوفي لهم حقهم غير منقوص. ويدخل في ذلك بلا شك ألا تغشهم في البضاعة. فما الفائدة إن وفيت لهم الكيل ببضعة مغشوشة؟! تصور هناء العيش لو التزمت المجتمعات بهذه الوصية الربانية. ولنلاحظ هنا مسألتين: الأولى: أنه لا فصل في الإسلام بين العقائد والمعاملات، فكلها يجب أن تخضع لأمر الله تعالى. ليس لأحد أن يقول: سأعتقد بوجود الله تعالى وأعبده وأحبه، لكن سأتحلل في ممارساتي العملية من أوامر الله ونواهيه. كثيرون لا يقولونها بألسنتهم لكن بلسان حالهم. أنبياء الله عز وجل كانوا يأمرون الناس بالتوحيد ويأمرونهم مع ذلك بأداء الحقوق وترك البخس. انظر إلى قول شعيب عليه السلام لقومه: (أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين). ليس مقبولا من قومه أن يعبدوا الله وحده ثم يحيدوا بعد ذلك عن أمره ونهيه، فطاعة الله في التعاملات التجارية عبادة كذلك. وتصور أنه من المقبول تسيير المعاملات البشرية بأحكام غير أحكام الله، هذا التصور فساد في العقيدة كما أن ادعاء الشركاء لله فساد في العقيدة. إذن...((وأوفوا الكيل والميزان بالقسط)) المسألة الثانية إخواني وأخواتي: أن التوفية والقسط في الكيل والميزان الحسي يعوِّد صاحبه على العدل والدقة في تقييم الأفكار والأشخاص والمناهج كذلك، إذ لا يُتصور أن يتورع المسلم عن أن ينقص أخاه بضع غرامات من أرز أو طحين ثم هو بعد ذلك إذا قيم سلوك أخيه وشخصيته بخسه إيجابياته وقلل من شأنها وركز على سيئاته فقط! فهذا بخس أسوأ من بخس الرز والطحين. ولئن كنا مأمورين بأن نتورع عن نقص الناس غرامات من طعام أو شراب فمن باب أولى أن نتورع عن نقصهم حسنات لعلها في ميزان الله أثقل من الدنيا وما فيها.

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي وقفنا في الحلقات الماضية مع الوصايا الخمس الأولى من وصايا ربنا سبحانه وتعالى لنا المذكورة في الآية 151 من سورة الأنعام...((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (151) ))

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي وقفنا في الحلقات الماضية مع الوصايا الأربعة الأولى من وصايا ربنا عز وجل في سورة الأنعام، وذلك في قوله تعالى: ((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)) وتكلمنا في الحلقة الماضية عن أهمية حراسة الباطن. نحن اليوم على موعد مع الوصية الخامسة. قال الله تعالى: ((ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)) قتل النفس التي حرم الله. يشمل ذلك المسلم وغير المسلم المستأمنَ أو المعاهدَ غير المحارب.

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي نحن اليوم على موعد مع الوصية الرابعة من وصايا ربنا سبحانه وتعالى في سورة الأنعام. ما هي هذه الوصية؟ قال تعالى: ((ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)). الفواحش هي المعاصي، خاصة الكبائر. هنا لنا وقفتان. الأولى أن الله تعالى لم يقل ولا تفعلوا الفواحش. بل قال: ((ولا تقربوا الفواحش)). وفي ذلك نهي عن كل ما يقرب من فعل الكبائر أو يزيل الحواجز بينك وبينها. فالنظرة المحرمة هي اقتراب من الفواحش. وخلوة الذكر بالأنثى اقتراب من الفواحش، وتتبع الأغاني التي تحرك الغرائز اقتراب من الفواحش. فمن فعل أي شيء من هذا فقد خالف وصية الله تعالى ووقع في الإثم. الوقفة الثانية هي مع معنى الفواحش الباطنة في قوله تعالى ((ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)).كثير من المفسرين فسرها بأنها المعاصي الكبيرة التي تتم في السر. وهذا معنى صحيح. لكن هناك معنى لطيف مهم ذكره بعضهم. وهو أن الفواحش الباطنة تشمل أعمال القلوب. فالرياء فاحشة باطنة. أنت إن تصدقت وفي نيتك أن يمدحك الناس، إن شاركت مشاركة بمادة دعوية على النت مثلا ولم تشارك بها لوجه الله تعالى ولكن للذكر الحسن عند الناس، فقد وقعت في فاحشة باطنة.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا مع الوصايا العشر العظيمة في سورة الأنعام. وقفنا في الحلقة الماضية مع الوصيتين الأوليين في قوله تعالى: ((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)). ما الوصية الثالثة؟ قال ربنا عز وجل: ((ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم)). انظر كيف أن الله تعالى أرحم بالأبناء من آبائهم...((ولا تقتلوا أولادكم)). قتل النفس بغير حق عموما محرم. لكن قتل الولد عن فقر خشية أن المزاحمة على الرزق، هذا جرم أكبر، أسوأ من جرم من يقتل غضبا أو طمعا. ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال: ((أن تجعل لله ندا وهو خلقك)) - قلت ثم أي - ؟ قال ((أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك)) - قلت ثم أي ؟ قال: ((أن تزاني بحليلة جارك)). من أسباب كون هذا الذنب أعظم من باقي أشكال القتل -والله أعلم- أن الذي يقتل ولده خشية الفقر لديه خلل في الإيمان بأسماء الله وصفاته. لديه خلل في الإيمان بأن الله تعالى هو الرزاق. يتصور وكأن رزق الله إن ذهب إلى ولده فسينقص من رزقه! وكأن خزائن الله تُستنفد وحاشا لله. قتل الولد عن فقر دليل ضعفِ أو انعدام التوكل على الله تعالى. ليست هذه دعوة للتواكل وترك العمل مع الإنجاب، بل من ترك عياله ولم يسع على أرزاقهم أصابه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت))...إنما هذه الوصية إخواني تؤسس لمبدأ عام، وهو حرمة العدوان الناتج عن الخوف على الرزق وضعف التوكل على الله. فإن كان الدافع للمعصية هو ضعف التوكل والخوف على الرزق فإن ذلك يزيد قبح المعصية وإثمها.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن الله تعالى أوصانا بوصايا عشر في سورة الأنعام. وأن هذه الوصايا جواب عظيم لمن يسأل عن الإسلام من غير المسلمين. تعالوا نستعرض هذه الوصايا بإيجاز. قال الله تعالى: ((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا)). إذن فالوصية الأولى: ((ألا تشركوا به شيئا)). بدأ بحق الله سبحانه الذي ما خلقَنا إلا لنعبده. تصور معي مرة أخرى هذا الشخص غير المسلم الذي يريد أن يعرف عن الإسلام فيجد الوصايا العشر تبدأ بحق الله ثم تنتقل إلى حق الوالدين ثم الأولاد ثم حق المجتمع و اليتامى الضعفاء، ولا ذكر فيها لمحمد صلى الله عليه وسلم. هذا الشخص المستمع الذي ربما كان يظن أن المسلمين يعبدون محمدا كما يعبد النصارى المسيح عليهما السلام، وأنه محمدا هو الذي كتب القرآن ليمجد نفسه. فإذا بهذا المستمع يراها وصايا للعباد تُصلح علاقتهم بربهم ثم علاقتهم ببعضهم ليس محمد فيها إلا رسولا ناقلا عن ربه لم يزعم لنفسه رتبة غير هذه، ولا جعل شخصه موضوع القرآن الكريم. وقد بدأ الله تعالى بالنهي عن الشرك لأنه يحبط ما بعده من الأعمال الصالحة المذكورة في الوصايا. ألم تر إلى قول الله تعالى: ((وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)). إذن فالوصية الأولى: ((ألا تشركوا به شيئا)). الوصية الثانية: ((وبالوالدين إحسانا))...لاحظوا إخواني، لم يقل الله تعالى: ((وألا تعقوا الوالدين))، بل هنا أمر زائد على ترك العقوق، وهو أن نحسن إلى الوالدين، نتفنن في إرضائهما وإدخال السرور إلى قلبهما. لا يكفي أن نتجنب عقوقهما، بل لا بد من الإحسان إليهما. وكأن القرآن يسمو بالإنسان المخاطب إلى مستوى لا يُتصور فيه وقوع العقوق أصلا حتى يحتاج إلى النهي عنه، وكأن ترك الإساءة أمر مفروغ منه. بل ومطلوب منه أن يحسن إلى والديه إحسانا.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام في الحلقة الماضية استكملنا الوقفات مع الوصايا العشر في القرآن، وقلنا أنه بعد الوصية العاشرة ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه)) نهانا الله عز وجل عن شيء؟ ما هو هذا الشيء؟ قال تعالى: ((وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)) ((وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)) أي: الطرق المخالفة لهذا الطريق. أفرد الصراط المستقيم وذكر السبل بصيغة الجمع. فالحق واحد والباطل ضروب وألوان. ((وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)) أي: تضلَّكم وتحرفَكم عنه، فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم، فليس حينئذ إلا طرق توصل إلى الجحيم والعياذ بالله. في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خطَّ لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطًّا ثم قال : هذا سبيلُ اللهِ ثم خطَّ خطوطًا عن يمينِهِ وعن شمالِهِ ثم قال : هذه سُبُلٌ متفرِّقَةٌ على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليهِ ثم قرأ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوْا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } (صححه أحمد شاكر )

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام استعرضنا في الحلقات الماضية الوصايا تسعا من الوصايا العشر التي أوصانا بها ربنا عز وجل. نلاحظ هنا إخواني أن الله عز وجل ختم الوصايا الخمسة الأولى بقوله: ((ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون)) بينما ختم الوصايا الأربعة التي بعدها بقوله تعالى: ((ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون)). من العلماء من فسر ذلك تفسيرا لطيفا فقال أن الوصايا في الآية الأولى تناسب ذكر العقل. فقد قال تعالى فيها: (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)، والعقل يشهد أن الخالق لا شريك له، ويدعو العقل كذلك إلى بر الوالدين، وينهى العقل عن القتل وإتيان الفواحش. فناسب أن تختم هذه الوصايا بقوله تعالى: ((لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)). بينما الوصايا في الآية الثانية تحتاج التذكر: ((وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلا بالتي هي أحسن)) كأنه تعالى يقول: تذكر لو مِتَّ فصار ولدك يتيماً، وكذلك توفية الكيل والعدل في القول والوفاء بالعهد. تذكر أنك لا تحب أن يخان عهدك فلا تخن، وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك. فكان لائقا بهذه الأوامر أن يقول بعدها: ((ذلكم وصاكم به لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نسير مع الوصيا الربانية العشر في سورة الأنعام. سنقف اليوم مع الوصية التاسعة، وهي قوله تعالى: ((وبعهد الله أوفوا)) هذه وصية شاملة يندرج تحتها الكثير من المعاني:

السلام عليكم ورحمة الله. أخي، أختي، إذا سألك شخص غير مسلم السؤال التالي: إلى ماذا يدعو دينكم؟ تستطيع أن تجيبه بجواب شامل كامل موجز. كيف؟ اقرأ عليه نصين يمثلان الإسلام: أما من السنة، فاقرأ له الخطبة التي خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. وهي موجودة في صحيحي البخاري ومسلم. الصحافية البريطانية إيفون ريدلي التي أسلمت قبل سنوات قالت (كل ما تحتاج أن تعرفه عن الإسلام في دقيقتين: خطبةِ الوداع)...أحيانا الذين يدخلون في هذا الدين بعدما كانوا غير مسلمين يرون فيه جماليات لا نقدرها نحن من ولدنا مسلمين. إذن كان هذا من السنة. وأما من القرآن، وقد أخرنا الحديث عنه لأننا سنقف عنده وقفة طويلة، فاقرأ على السائل عن الإسلام ثلاث آيات عظيمات من سورة الأنعام، الآيات (151-153)، تأملها ونحن نقرأها الآن لترى كيف أنها جمعت تعاليم الإسلام في أجمل عبارة: قال الله تعالى: ((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (151) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون (152) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (153) )) (الأنعام).

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نتكلم عن صفات النفاق. سنذكر اليوم صفة خطيرة أخرى. هذه الصفة هي الشك في وعد الله بالنصر والتمكين لهذا الدين. وهذه بلية عظمى تشل إرادة المنافق عن نصرة الدين. فهو يرى أن قضية الدين خاسرة. فعلام يتعب من أجلها؟! قال الله تعالى: ((ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء)) فالمنافق لما كانت حساباته أرضية ورأى قوة الكفار وانتفاشهم ظن أن الإسلام هالك وأن الله تعالى لن ينصر دينه. وهذا ظن سوء يمقته الله. من في قلبه نفاق ينظر إلى الكفار فيرى لديهم قوة مادية ينخلع لها قلبه، ثم يلوي عنقه إلى المؤمنين فلا يجد لديهم إلا عدة ضئيلة هي غاية ما استطاعوه، لكنهم مع ذلك مهللون مكبرون مستبشرون موقنون بنصر الله. فلعله يقول في نفسه: هؤلاء المساكين يعتقدون أن دينهم ينصرهم على الدبابات والطائرات والصواريخ!. قال تعالى في غزوة بدر: ((إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم (49) )) الشك في وعد الله بالتمكين للدين يؤدي إلى صفات نفاقية أخرى كثيرة فالشاك في نصر الله تنهزم نفسيته وتخور عزيمته وتنشل إرادته... فتراه بعد ذلك ينكص عن الجهاد...فعلام يجاهد إن كان الإسلام هو الخاسر عنده وتراه يكذب على المؤمنين ليعرضوا عنه ويدعوه ينسل من المواجهة مع الكفار وتراه يسارع في طاعة الكفار على حساب دينه...فهم الأقوى في نظره أفعال سوء هي جميعا ثمار مشؤومة للشك في نصر الله. قال الله تعالى واصفا حال المنافقين أيام الخندق: ((وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)) فإلام قادهم هذا الاعتقاد الفاسد؟ فلنتابع قراءة الآيات:

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام نتابع اليوم الحديث عن صفات النفاق التي نسأل الله أن يطهر منها قلوبنا جميعا. صفة اليوم هي تغيير الولاء بحسب ميزان القوى. فمن في قلبه نفاق فحساباته أرضية طينية...ينظر أين تميل كفة موازين القوى...فإن طاشت كفة أوليائه تنكر لهم، وأعطاهم ظهره وحالف ضدهم وساعد عليهم كأن لم تكن بينه وبينهم مودة. فالمنافق لا يفهم معنى الوفاء لوليه والمروءة والشهامة والنبل والنخوة والنجدة...ومن استثار فيه هذه المعاني كان كمثل الذي ينعق بما لا يسمع. إنما هو دوما "مع الواقف" كما يقال. قال الله تعالى: ((ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ولئن قوتلتم لننصرنكم)) (الحشر-11) وعود ضخمة رنانة من المنافقين لأوليائهم بالمناصرة والمساندة. قال الله بعدها: ((والله يشهد إنهم لكاذبون (11) لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون (12) )) فبمجرد أن يذهب مجد الكافرين تظهر خسة المنافق ونذالته... ثم بين الله تعالى السبب فقال: ((لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله)) فالمنافق لمَّا والى الكافر ما استحضر أمر الله ونهيه...ولمَّا ترك هذه الموالاة ما تركها لله وإنما خوفا من المؤمنين. فهو لم يذكر الله على كل حال! ((ذلك بأنهم قوم لا يفقهون (13) )).

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن من صفات النفاق التسخطَ عند البلاء وتأملنا قوله تعالى ((ومن الناس من يعبد الله على حرف)). نذكر اليوم صفة أخرى ألا وهي: عدم الاستعداد للتضحية في سبيل الله. قال الله تعالى: ((ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله))...فدعوى الإيمان باللسان سهلة. لكنهم لما أوذوا في سبيل الإيمان الذي ادعوه تزلزلت قلوبهم الضعيفة لأنهم رأوا هذا الأذى الدنيوي مساويا في حسهم لعذاب الله الشديد في الآخرة أو أكثر، فاختاروا ترك الدين ليسلَموا من أذية الدنيا ولو أدى ذلك بهم إلى عذاب الله. قال الله تعالى في الآية التي بعدها: ((وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين (11) )) (العنكبوت). نعم...سيبتلي الله عباده بالمغربلات والمحكات ليظهر المؤمن من المنافق.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام تكلمنا في الحلقات الماضية عن حقائق خفية عن النفاق، حيث ذكرنا أن النفاق ظاهرة منتشرة بيننا بدرجات متفاوتة، وأن المرء قد يكون لديه نفاق وهو لا يشعر، وقد يجمع إيمانا ونفاقا، وأن الآيات التي تتكلم عن المنافقين لها تطبيقات كثيرة في واقعنا وينبغي لكل منا أن يرعي لها سمعه ولا يظن أنه غير مقصود بها. سنبدأ اليوم بالحديث عن بعض صفات النفاق التي ذكرها القرآن الكريم، وليحاكم كل منا نفسه إلى الآيات التي سنتلوها... الصفة الأولى التي سنذكرها هي: التسخط عند البلاء. قال الله تعالى: ((ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين)) روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير هذه الآية: كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله –أي: أنجبت- قال: (هذا دينٌ صالح)، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: (هذا دينُ سوء). إذن هؤلاء أناس يأتي أحدهم إلى رسول الله في المدينة فيسلِم، فيتوقع من إسلامه أن يفتح الله عليه خير الدنيا ويجنبه المصائب، ويقيس صحة الدين بتحقق المنافع الدنيوية. فإن اختبره الله وعرضه لابتلاء كره الإسلام وقال ما رأيت منذ أسلمت إلا شرا.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نحلل ظاهرة النفاق ونفهم حقائق قرآنية عنها غير معروفة لكثير من المسلمين. ذكرنا في الحلقة الماضية أن أحدنا قد يكون فيه نفاق وهو لا يعلم، نسأل الله العافية لنا وللمسلمين، وذكرنا أن الصحابة رضي الله عنهم خافوا على أنفسهم من النفاق. بل روى البخاري عن الحسن البصري أنه قال: (ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق). أي: ما خاف النفاق إلا مؤمن ولا أمن النفاق إلا منافق. نود اليوم أن نختم الحديث عن هذه الحقائق ببيان مسألة مهمة في التعامل مع القرآن عموما. قد تقرأ يا أخي آية تتحدث عن صفة مذمومة موجودة لديك، فتبدأ تحس بالقلق وتحس بعتاب الله لك، لكن الآية تتابع بالحديث عن صفات كفرية أو نفاقية محضة غير موجودة فيك، فتستريح وتتنفس الصعداء معتبرا أنك لست المخاطب بهذه الآية كلها لأن فيها ما لا ينطبق عليه. وههنا تنبيه. وهو أنه ليس شرطا أن ينطبق النص في المنافقين بكامل جزئياته على أحدنا حتى يشعر أنه يخاطبه. بل له من الوعيد ومن تحقق اسم النفاق فيه بقدر انطباق الآيات عليه، وله من الإيمان بقدر مخالفتها لحاله. تجد مثل هذا الفهم في تعامل الصحابة مثلا مع الآيات التي تصف الكفار. ففي الحديث الذي رواه الحاكم وقال فيه الذهبي في التلخيص (على شرط البخاري ومسلم) أن سعدا رضي الله عنه إستأذن على ابن عامر و تحته مرافق من حرير فأمر بها فرفعت فدخل عليه و عليه مطرف خز فقال له : استأذنت علي و تحتي مرافق من حرير فأمرت فرفعت فقال له : نعم الرجل أنت يا ابن عامر إن لم تكن ممن قال الله عز و جل : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا }. و الله لأن أضطجع على جمر الغضا أحب إلي من أن اضطجع عليها. فانظر كيف أن هذه الآية أُنزلت في الكفار ((ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون)) لكن ذلك لم يمنع سعدا رضي الله عنه من زجر ابن عامر بها لمشابهة في جزئية من الآية مع أن ابن عامر ليس من ((الذين كفروا)). وكذلك إيراد أهل السنة لقوله تعالى (( ما سلككم في سقر(42) قالوا لم نك من المصلين (43) )) في معرض ترهيب المنتسبين إلى الإسلام عن ترك الصلاة، مع أن تتمة الصفات المذكورة في مجموعة هذه الآيات ((وكنا نكذب بيوم الدين))، وهي صفة لا تنطبق على كثير من تاركي الصلاة. فلنحاسب أنفسنا إذن ولا نخدعها...كما في القول المنسوب إلى عمر رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). والسلام عليكم ورحمة الله.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقتين الماضيتين أن أحدنا قد يكون في قلبه إيمان ومحبة لله ورسوله فيظن أنه ليس مصابا بالنفاق في أية درجة من درجاته، بينما القرآن يدلنا على أن هذا القلب قد يكون فيه نفاق يزيد وينقص بحسب الأحوال. هذا يقودنا إخواني إلى حقيقة مهمة، وهي أن الإنسان قد يكون منافقا وهو لا يعلم: ا) قال الله تعالى في وصف المنافقين: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلارْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) (البقرة). قال ابن القيم في مدارج السالكين: (وأما النفاق: فالداء العضال الباطن الذى يكون الرجل ممتلئا منه وهو لا يشعر) (الجزء الأول ص347).

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن الواحد منا قد يأمن على نفسه من النفاق ويظن أن الآيات التي تتحدث عن المنافقين لا تخاطبه لأنه لم يلاحظ حقيقة أن النفاق على درجات، وأن المرء قد يجمع بين نفاق وإيمان. وذكرنا دليلا على ذلك قوله تعالى: ((هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان)) وتفسيرَ العلماء لها. نود اليوم أن نذكر موضعا آخر، ألا وهو قول الله تعالى في سورة البقرة واصفا المنافقين: ((مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ)) قال ابن كثير في تفسيرها مبينا أقسام المنافقين: (وهم قسمان: خُلَّص، وهم المضروب لهم المثل الناري، ومنافقون يترددون، تارة يظهر لهم لمع الإيمان وتارة يخبو، وهم أصحاب المثل المائي، وهم أخف حالا من الذين قبلهم) اهـ. ويقصد بالمثل الناري قوله تعالى ((مثلهم كمثل الذي استوقد نارا)) والمثل المائي ((أو كصيب من السماء)). ويقصد بقوله: تارة يظهر لهم لمع الإيمان قوله تعالى ((كلما أضاء لهم مشوا فيه))...كأنهم يلمع الإيمان في قلوبهم من فترة لأخرى فيسيرون في الطريق إلى الله لكن ما يلبث نور الإيمان أن يخبو فيقفون. تأمل نفسك...هل في قلبك تشكك في بعض شرائع الإسلام ونفور من بعض شعائره؟ ثم كلما أوقع أعداء الإسلام بالأمة ظلما جديدا أحسست بأنك مستهدف وزاد تمايز الحق عندك من الباطل فقوي إيمانك وانتعشت محبتك لله ورسوله وغرت على الدين...لكنك ما تلبث وما تلبثين بعدها أن تعود إلى ما كنت فيه من نقص قناعة ببعض أحكام الله تعالى أو نفور منها؟! إن كان كذلك فعلينا ألا نأمن على أنفسنا من هذه الآيات... كذلك يُفهم من هذه الآية أن الشخص الواحد قد يتقلب بين الإيمان والنفاق: فكما أن الإيمان يزيد وينقص، فكذلك النفاق يزيد وينقص. دليل آخر على هذا التقلب قوله تعالى: ((مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)) قال ابن كثير في تفسيرها: (ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك)اهـ. ضعيف الإيمان قد يميل إلى المؤمنين إذا رأى انتصارا لهم في جولة من جولات الصراع مع أعدائهم. لكن إذا رجحت كفة أعداء الإسلام مرة أخرى فإنه يعود إلى التشكك والتردد لأنه يقيس الأمور بظواهرها وينسى أن الدنيا دار عمل لا دار جزاء. إذن فليحاسب أحدنا نفسه: هل يعكر إيمانَه نفاق، وهل يتقلب في أحواله بين الإيمان والنفاق بحسب الظروف؟ وليعالج أمراض قلبه قبل فوات الأوان. والسلام عليكم ورحمة الله.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نتكلم عن ظاهرة النفاق حتى نحرص على تطهير أنفسنا منها لنلقى الله تعالى بقلب سليم. قد نظن أننا سليمون من هذا المرض تماما فنمر عن الآيات التي تحذر منه وكأنها موجهة لقوم آخرين لا علاقة لنا بهم، دون أن يخطر ببالنا أنها تخاطبنا. لذا دعونا نتنبه إلى حقائق قرآنية نفهم منها ظاهرة النفاق أكثر فأكثر قبل الحديث عن صفات النفاق نفسها. الحقيقة الأولى هي أن النفاق يتجزأ وليس على درجة واحدة. أنت قد ترى في قلبك خيرا وإيمانا فتطمئن إلى أنه ليس فيه نفاق. ولا تدري أن المرء قد يجمع بين نفاق وإيمان. ما الدليل على ذلك؟ أثناء مسير النبي صلى الله عليه وسلم إلى معركة أحد، رجع جزء من الجيش دون إذن رسول الله قائلين (لو نعلم قتالا لاتبعناكم). فقال الله تعالى واصفا هؤلاء: ((هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان)) (آل عمران 167). قال ابن كثير: (استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال، فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان) اهـ. فانظر كيف أن الله تعالى قد جعل الإيمان في هذه الآية في طرف والكفر في طرف آخر. وهؤلاء المذكورون كانوا في يوم أحد بين الطرفين لكنهم كانوا إلى الكفر أقرب.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام نختم اليوم الحديث عن صفات النفاق بالحلقة العاشرة، وإن كان الحديث في هذا الموضوع يطول جدا إذا أُريد إعطاءُه حقه. إنما أردنا بهذه الحلقات أن نحيي اليقظة في قلوبنا ونحن نقرأ الآيات المفصلة لصفات النفاق ليصارح كل منا نفسه ويحاسبها قبل حلول الأجل وطي كتاب العمل. فكثير من الناس يتصورون أن النفاق إنما يكون من شخص لا خير فيه البتة، وليس في قلبه ذرة إيمان، و يُبيت للإسلام عداوة وبغضاء يخشى اطلاع الناس عليهما. والواقع أن المنافقين الذين هذا حالهم قلة نسبيا إذا ما قورنوا بمن لديهم نفاق أقل حدة ووضوحا. هذا النفاق أكثر انتشارا فلا يسلم منه إلا القليل ويخفى عادة حتى على أصحابه في أكثر الأحيان، فلا يرون آيات النفاق تتحدث عنهم ولا يطلبون لقلوبهم تطهيرا.

١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام يخاف أحدنا من أن يكون لديه مرض عضوي خطير خفي يتفاقم فلا يكتشفه إلا بعد فوات الأوان وصعوبة العلاج. أليس الأجدر بنا أن نهتم بأمراض القلوب التي تتفاقم في خفاء ثم قد لا يمكننا اكتشافها إلا عند الموت؟ من هذه الأمراض الخطيرة...النفاق. يحسب البعض أن النفاق ظاهرة انقرضت في قديم الزمان. والحق أنها موجودة بقوة ومنتشرة بين كثير من أبناء المسلمين بدرجات متفاوتة، لكن المشكلة أنهم لا يشعرون بها في أنفسهم فلا يطلبون لها علاجا. لكثرة المنافقين في كل زمان فقد فصَّل الله تعالى صفاتهم في سور مدنية كثيرة. ألم تر أن الله تعالى بين مرض قلبهم ومخادعتهم للمؤمنين في سورة البقرة، ثم جزعهم وتخذيلهم في سورة آل عمران، ثم إعراضهم عن حكم الله ورسوله في سورة النساء، ثم موالاتهم الكفار في سورة المائدة، ثم شكهم في وعد الله بالتمكين للدين في سورة الأنفال، ثم نكوصهم عن الجهاد والطعن في المؤمنين في سورة التوبة، ثم قلة ثباتهم في سورة الحج، ثم انتقاءهم من الدين بأهوائهم في سورة النور، ثم قلة صبرهم في سورة العنكبوت، ثم إخلافهم عهد الله في سورة الأحزاب، ثم جبنهم في سورة محمد، ثم سوء ظنهم بالله في سورة الفتح، ثم اغترارهم بالأماني في سورة الحديد، ثم حلفهم كذبا في سورة المجادلة، ثم خذلانهم لمن ضعُف من أوليائهم في سورة الحشر، ثم تنفيرهم عن رسول الله وعن المؤمنين في سورة المنافقون، ثم استحقاقهم الغلظة في سورة التحريم...سبع عشرة سورة مليئة بالتحذير منهم وبالتفصيل في صفاتهم... أيُظن بعد هذا كله أن الآيات التي تصفهم لم يعد لها أهمية في عصرنا إلا التبرك بتلاوتها وتدوين هذه الظاهرة تاريخيا! لا يقينا...بل إن الله تعالى فصَّل لنا صفاتهم...حتى إذا ما حاولوا خداعنا كان ردنا عليهم: ((لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم)) كما في سورة التوبة (الآية 94). فصَّل في صفاتهم حتى نحذر من النفاق في ذوات أنفسنا ونحذر من المنافقين. ((وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين)). ولخطورة هذه الظاهرة وأصحابها قال الله تعالى: ((هم العدو فاحذرهم))...فحصر العداوة فيهم كأن لا عدو غيرهم لأنهم شر الأعداء ولأن هذا المرض شر الأمراض على القلوب. سنحاول في مجموعة من الحلقات تسليط الضوء على ظاهرة النفاق وبعض أعراضها وحقائق مفاجئة عنها حتى نفهمها أكثر كخطوة أولى لعلاجها بإذن الله. والهدف الأهم في ذلك هو أن نبحث عنها في ثنايا أنفسنا قبل تلمسها فيمن حولنا، لئلا نكون كمن يرى القشة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نتكلم عن أساليب الباطل عندما يعجز عن مواجهة الحق وحججه وبراهينه. استوقفتني آيات في سورة (ص) تحكي عن الكفار كثيرا من هذه الأساليب. قال الله تعالى: ((وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ( 4 ) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ( 5 ) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ( 6 ) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ( 7 ) أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب ( 8 ) ))

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن من أساليب الباطل الطعنَ في الحق الذي تحمله الدعوة من باب أن عامة أتباعها من المستضعفين ومن غير أصحاب المكانة الاجتماعية المرموقة. وذكرنا في ذلك ما قاله قوم نوح لنبيهم عليه الصلاة والسلام: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا).

إخوتي الكرام لا زلنا نتكلم عن أساليب الباطل عندما يعجز عن مواجهة الحق وحججه وبراهينه. قبل أن نستعرض أساليب أخرى أود أن ألفت انتباهك أخي وأختي إلى أن بعض المسلمين يقع في شيء شبيه بذلك للأسف! نعم...هو مسلم، لكن لديه حيود عن الحق في منهجه ومواقفه وطريقة تفكيره. فإذا حاولت تبصيره وتصويب منهجه ومواقفه فإنه يحس بأنه في مقام مناظرة وعليه أن يثبت صحة رأيه وينتصر لنفسه، ولو كان على باطل. فيفعل شيئا شبيها بما كان يفعله مكذبو دعوة النبي في مكة...لا يناقش ثبوت الأحاديث ودلالات الآيات التي تحتج بها نقاش الباحث عن الحق، بل يثير قضايا فرعية لا علاقة لها بصلب الموضوع حيودا عن المواجهة والإقرار بالحق. أقول لك هذا أخي حتى نتواصى أن لا نكون هذا الشخص.

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي سنقف اليوم مع الأسلوب السادس من أساليب الباطل في التهرب من الحق. هذا الأسلوب هو استنكار الحقائق لمجرد أنها خالفت مألوفا اعتاد عليه الناس، دون عرضها على ساحة التفكير والتحليل. وإلا لو عرضوها لعلموا أن العجب كل العجب في إنكارها. نستغرب حقيقة من تعجب المشركين فيما قصه القرآن علينا في سورة (ص) أنهم قالوا في نبينا صلى الله عليه وسلم: ((أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب (5) ))... أيعقل أن هذه الآلهة الكثيرة كلها باطلة وما من إله إلا إله واحد؟ شيء عجيب...

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام نحن اليوم مع الأسلوب الخامس من أساليب تهرب الباطل من الحق عندما يعجز عن المواجهة المباشرة. هذا الأسلوب هو الاحتجاج بالظواهر المادية الأرضية لإبطال حقائق الآخرة التي لا تخضع لقوانين الدنيا. مثلا: لما ذكر الله الزقوم في القرآن قال أبو جهل والمشركون معه: (يخبرنا محمد أن في النار شجرة نابتة، والنار تأكل الشجر، فكيف تنبت فيها؟)! هؤلاء طبقوا قاعدة مادية دنيوية على أحوال الآخرة، فخرجوا من ذلك بنتيجة أنه لا يمكن أن يكون في نار جهنم أشجار! ناسين أو متناسين أن الله عز وجل هو الذي أعطى النار خاصية الإحراق، فبإمكانه أن ينزع منها هذه الخاصية إن شاء، بل قد فعل ذلك في الدنيا إذ جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم عليه السلام. الله هو الذي أعطى السوائل خاصية التوتر السطحي (surface tension) لكنه عطلها إذ فرق البحر لموسى فكان كل فِرق كالطود العظيم. أوليس الذي فعل ذلك في الدنيا بقادر على أن يفعل مثله في الآخرة؟ أوليس خالق الخواص للأشياء بقادر على نزعها منها؟! فصدق الله العظيم إذ قال: ((أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ( 62 ) إنا جعلناها فتنة للظالمين ( 63 ) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم (64) )) (الصافات) ...نعم، يستطيع ربنا سبحانه أن ينبت الشجر في النار. لكن هؤلاء الكفار قالوا: (يخبرنا محمد أن في النار شجرة نابتة، والنار تأكل الشجر، فكيف تنبت فيها؟). بدلا من أن يتعظوا ويخافوا ويؤمنوا يأتون بهذا الاحتجاج السخيف. فأنزل الله: ((وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا (60) )) (الإسراء).

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا ندرس أساليب الباطل في التفلت من الحق وحججه وبراهينه. استعرضنا ثلاثة أساليب في الحلقات الماضية، واليوم نحن مع أسلوب جديد ألا وهو الاستهزاء. هكذا الإنسان التافه إذا ووجه بالحجج والأسلوب المقنع وخاف أن يَظهر ضعفه أمام الداعي إلى الحق وأمام الناس المستمعين الذين بهرتهم الحجة المقنعة فبدأوا يقرأون وجهه وينتظرون رده...فإذا عدم الحيلة وأسقط في يده لجأ إلى أسلوب الاستهزاء ليعلو ضجيج الضحك فيغطي على هزيمته أمام نور الحق. قال الله تعالى في سورة الزخرف: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) )). تصور! آيات بينات لم يجدوا سبيلا إلى إنكارها، فلاذوا بالضحك! ثم بعد آيات وصف الله المصير البائس لهؤلاء التافهين: ((فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ( 55 ) فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ( 56 ) )) وأنا أقرأ هذه الآيات أتصورهم وهم يضحكون في كبرٍ فإذا بأقدار الله تكنسهم فجأة إلى مزبلة التاريخ وتريح ظاهر الأرض من شرهم ونتنهم.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نتكلم عن أساليب الباطل في التهرب من الحق عندما يعجز عن المواجهة بالحجة والإقناع. ذكرنا في الحلقتين الماضيتين أسلوب (والغوا فيه) ثم أسلوب الافتراء على حملة الدعوة. الأسلوب الثالث هو مطالبة النبي بمعجزات غير القرآن. وهذا أيضا تهرب. وإلا فلماذا تطالبون بمعجزة غيره وأنتم لم تنجحوا في تحدي الله لكم إذ قال: ((وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين))؟ لو أنكم استجبتم لهذا التحدي وأتيتم بسورة من مثله لكان لكم حينئذ أن تطالبوا النبي بمعجزة جديدة. لكنه التهرب من المواجهة مع الحق. من أشكال مطالباتهم هذه ما قصه القرآن الكريم في سورة الإسراء: ((وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه)) (الإسراء). لاحظ التعنت والتعجيز في مثل هذه المطالبات، بل وسوء الأدب مع الله كقولهم (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) كذلك ما قصه القرآن من قولهم: ((لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها)) ما علاقة هذا كله بصحة الرسالة؟ وهل غياب هذه الأشياء يقدح في صحتها؟ هل تتوقف صحة القرآن على أن ينزل ملَك إلى النبي أو يلقى إليه كنز أو يفجر من الأرض ينبوعا أو يسقط السماء كسفا؟ طبعا لا. لكن هؤلاء لا يتعاملون بالدليل وإنما بالتشغيب والمماحكة.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام بدأنا في الحلقة الماضية بالحديث عن أساليب الباطل في التهرب من الحق عندما يعجز عن المواجهة بالحجة والإقناع. ذكرنا أسلوب (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون). نذكر اليوم أسلوبا آخر استخدمه أهل الباطل، وهو الطعن في شخص النبي صلى الله عليه وسلم. هل أتوا لذلك بدليل من سيرته وما يعرفون عنه قبل بعثته؟ لا طبعا. فما عرفوا عنه إلا الصدق والأمانة والخلق الحسن. إنما رموه بإطلاقات وافتراءات لا تستند إلى أي برهان. ولذلك كانوا يتخبطون فيها بشكل مزرٍ ذكره الله في قوله سبحانه: ((بلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5) )) (الأنبياء). لاحظ كيف يصور القرآن تخبطهم والحرج الذي وقعوا فيه، فلا يستقرون على رأي...قالوا في القرآن هذه أخلاط من أحلام رآها محمد فظنها واقعا وقصها علينا. ثم قالوا: لا بل افترى القرآن ونسبه إلى الله...ثم قالوا: لا بل محمد شاعر فالقرآن من شعره. ثم بعد هذا كله قالوا: لماذا لا يأتي بخارقة كالتي سمعناها عن الرسل من قبل؟ ((فليأتنا بآية كما أرسل الأولون)).

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في حلقة ماضية أن من أساليب المبطلين في الروغان من حجج أهل الحق تعييرَهم بأن أتباعهم من الضعفاء الفقراء أصحاب الحرف البسيطة. في المقابل تجد المبطلين يستدلون على صحة منهجهم بماذا؟ بما آتاهم الله من نعيم دنيوي! مع أن هذا النعيم لا علاقة له بصحة المنهج. قال الله تعالى: ((وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا) (مريم: 73) )). تتلى عليهم آيات بينات فيها حجج وبراهين...يسمعونها، وينتظر المؤمنون منهم الإجابة...فما هي ردة فعلهم؟ ((أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا))! يعني من أفضل دورا ومجالس نحن أم أنتم يا أتباع محمد؟ أينا لديه منازل أرفع و ملتقيات للرجال ذوات أبهة وزينة؟ نحن الذين لدينا منتدياتنا في العلن، أم أنتم يا من تستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور البسيطة تخافون أن يسطو أحد عليكم؟ إنه –كما قال سيد قطب رحمه الله- (إنه منطق الأرض، منطق المحجوبين عن الآفاق العليا في كل زمان ومكان. وإنها لحكمة الله أن تقف العقيدة مجردة من الزينة والطلاء, عاطلة من عوامل الإغراء، ليقبل عليها من يريدها لذاتها خالصة لله من دون الناس, ومن دون ما تواضعوا عليه من قيم ومغريات; وينصرف عنها من يبتغي المطامع والمنافع, ومن يشتهي الزينة والزخرف , ومن يطلب المال والمتاع).

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام سنقف اليوم مع الأسلوب الحادي عشر من أساليب مغالبة الباطل للحق عندما يعجز عن المواجهة المباشرة. هذا الأسلوب هو التشكيك في المصدر الذي يتلقى منه أهل الحق دعوتهم واتهامهم بأنهم معبأون من جهات خارجية تملي عليهم ما يقولون! ألم تر إلى قول الله تعالى في سورة الفرقان: ((وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا (4) وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5) )) (الفرقان).

السلام عليكم ورحمة الله. رأينا في الحلقات الماضية أن الباطل يعجز أمام الحق عن الرد على الدليل بالدليل والحجة والمنطق، فيلجأ إلى أساليب كلها تهرب وروغان وتغبيش وتضييع للقضية، لأنه أعجز من المواجهة المباشرة. سنتكلم اليوم عن الأسلوب العاشر، ألا وهو تشكيك أهل الباطل في نية الدعاة ومقصدهم من دعوتهم. قال الله تعالى في سورة المؤمنون: ((ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون (23) )) دعاهم إذن إلى عبادة الله وحده. ماذا كان رد الكبراء من قومه؟ ((فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم)) يعني يتهمون نية نوح عليه السلام، أنه يريد أن يعلو شأنه فيهم ويظهر أفضل منهم بدعوته هذه. حرفوا مسار النقاش عن الدعوة وصحتها إلى نية الداعي، وهذا تهرب. كذلك قال فرعون لقومه عندما أراه موسى الآيات البينات الدالة على نبوته...قال فرعون: ((إن هذا لساحر عليم (34) يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون (35) )) يهيج قومه ويقول لهم إنما يريد موسى أن يتغلب عليكم ويجليكم عن أوطانكم. وكذلك قال قوم فرعون لموسى عليه السلام: ((أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين)) يعني أتريدان يا موسى وهارون بدعوتكما أن يكون لكما الملك والسلطان؟

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام نحن اليوم مع الأسلوب التاسع من أساليب الباطل عندما يعجز عن مواجهة الحق بالحجة. وهو امتنان الباطل على أهل الحق بما أسدى إليهم من معروف. عندما جاء موسى عليه السلام إلى فرعون يدعوه إلى عبادة الله ووقف الظلم عن بني إسرائيل، بماذا رد عليه فرعون: ((قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين)) ألم أربِّك في قصري يا موسى؟ ألم تترعرع بيننا؟ ما علاقة هذا بالدعوة إلى عبادة الله؟ لكنه التهرب من مواجهة الحق. فرد عليه موسى عليه السلام: ((وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل (22) )) (الشعراء) أي: ما جاء بي إلى قصرك يا فرعون هو أنك استعبدت قومي بني إسرائيل وقتلت ذكور مواليدهم، مما دفع أمي إلى أن تلقيني في اليم مخافة أن يقع ظلمك علي كما وقع عليهم. فأين المنة في ذلك؟! ثم ماذا يساوي إحسانك إلي وتربيتي مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل، فجعلتهم عبيدا وخدما تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك؟ أفيفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأت إلى مجموعهم؟

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام سنقف اليوم مع الأسلوب الثامن من أساليب الباطل عندما يعجز عن مواجهة الحق بالحجة، وهو التقليل من شأن تصحيح العقيدة. والتفاخر على الدعاة بما يقوم به أهل الباطل من خدمات اجتماعية، خاصة ما يظهر منه تعظيم الدين. قال الله تعالى في سورة سبأ: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم) (سبأ 43). إذن كأنهم يقولون: ليس لمحمد مهمة إلا صدكم عما كان يعبد آباؤكم. وماذا عنكم أنتم؟ كانوا يتفاخرون بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام. قال الله تعالى: ((أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله)). إنجازاتهم على أرض الواقع كانت مصدر فخر لهم، غير ملتفتين إلى فساد العقيدة الذي يمحق بركة هذه الإنجازات. كان بإمكان نبينا صلى الله عليه وسلم أن يجادلهم بمنطقهم ويفتخر عليهم بصفاته التي كشفتها خديجة رضي الله عنها إذ قالت وقد عاد من حراء: (كلَّا، أَبْشِرْ، فواللهِ لا يُخْزِيكَ اللهُ أبدًا ، فواللهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرحِمَ ، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ ، وتَقْرِي الضَّيْفَ ، وتُعِينُ على نَوَائِبِ الحقِّ) (البخاري). كان بإمكانه عليه الصلاة والسلام أن يتفاخر على قريش بصفاته العظيمة هذه، لكن المخلصين لا يفعلون...ثم إنه عليه الصلاة والسلام يكرس في النفوس أن العقيدة أولا، فبها تقبل الأعمال. ولا يسمح لنفسه عليه الصلاة والسلام أن يخوض في جدل المفاخرة الذي جادلته قريش.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام، الباطل أعجز من أن يواجه الحق بالحجج. لذا ترى المبطلين يحيدون عن مناقشة الأدلة نقاشا علميا منطقيا، بل يلجأون إلى إعلاء الصوت والتهرب من الحجة والبرهان. تجد ذلك واضحا جدا فيما يحكيه القرآن الكريم عن الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة المكية. كان رسول الله يأتيهم بالحجج والبراهين الواضحة الموافقة للفطرة الملجمة لكل ذي عقل سليم. فيتهربون ويُثيرون قضايا لا علاقة لها بفحوى الرسالة الإلهية. تعالوا نستعرض أساليب الكفار في مواجهة حجج النبي الساطعة وبراهينه القاطعة: الأسلوب الأول: ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) )) (فصلت) أحس الكفار بجاذبية القرآن لقلوبهم ولقلوب من حولهم من الأتباع المقلدين لهم. فهربوا من النور كما تهرب الخفافيش، وكما يهرب الذباب من الروائح العطرية، لأن نفوسهم لا تطيق التطهر والسمو. وأوصى بعضهم بعضا بذلك! ((وقال الذين كفروا)) أي لبعضهم بعضا ولأتباعهم...((لا تسمعوا لهذا القرآن))، ولو كانوا أصحاب حجة غالبة لسمعوه وتأملوه مليا مرة تلو الأخرى ليفندوه. لكن حتى لو تشاغلوا عن سماعه تبقى للقرآن جاذبيته التي تأسر النفوس. ما الحل إذن؟ ((والغوا فيه)) عليكم بالهرج والصياح والثرثرة بكلام لغو...هم أنفسهم سموه لغوا! المهم ألا نسمع ولا يسمع نساؤنا وأولادنا وعبيدنا هذا القرآن. ((لعلكم تغلبون))..وبئست الغلبة هذه! غلبة برفع الصوت باللغو ليطغى على صوت الحق! أسلوب لا يليق بعاقل ذي مروءة، لكنه الكبر يهلك أهله. في زماننا هذا، ترى الإعلام المعادي للإسلام الحريص على بقاء البشرية في تيهها يغرق الشعوب في البرامج غير النافعة التي تشتت الذهن وتستثير الشهوات وتحدث حالة من الخبل المستمر. ما الهدف؟ ((والغوا فيه لعلكم تغلبون)). ولو كان أعداء الإسلام يملكون حجة وإقناعا لأشبعوا فضائياتهم بالنقاش العلمي المتسلسل لتفنيد الإسلام. لكن أنى لهم والله قد أحكم دينه كما أحكم سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت. فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير.

ما أمَرَ اللهُ تعالى بأمرٍ إلا حاول الشيطان أن يبعد ابن آدم عنه إما بالإفراط وإما بالتفريط. من هذه الأمور: الغيرة، كغيرة الزوج على زوجته والزورجة على زوجها. الأكثر انتشارا في أيامنا هو التفريط، بحيث لا يغار الرجال على زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم أن يخرجن على غير الصورة التي ارتضاها الله، وينشئن علاقات مع الرجال خارج الإطار الشرعي، وكذلك قلة غيرة المرأة على زوجها. وفي المقابل، هناك غيرة مَرَضية قد تكون نتاجاً ليس لوساوس الشيطان فحسب، بل ولتغيرات موصوفة علميا في النشاط العصبي الدماغي. هذه الغيرة تؤدي إلى ظلم الزوج لزوجته واتهامها في عفتها وشرفها. والمصيبة أن كثيرا من هؤلاء الأزواج يمتنع عن علاج نفسه لأنه يرى من "العيب" أن يراجع الأخصاء النفسيين، فتكون المسكينة ضحيته الضعيفة التي تدفع ثمن كبريائه في الامتناع عن العلاج، وقد يؤدي ذلك في المحصلة إلى تدمير الحياة الأسرية. تقول إحداهن: (أنا امرأةٌ متزوِّجةٌ، لاحظتُ تغيُّر سلوك زوجي، إذ بدأ يغار علي من الأطفال! كنتُ أظن أنَّ الأمر عادي في البداية، إلا أنَّه تمادَى وزاد، وأصبح يشكُّ فيَّ! فإذا مرَّ أحدٌ بجانب السيارة يسألني: هل رأيتِ هذا الشخص مِن قبلُ؟! لماذا يمرُّ من أمام السيارة؟ هل قمتِ بالتلميح له؟ ثم يتطاول عليَّ ويسبني ويشتمني! إذا وضعتُ يدي على جسمي سواء عن قصد أو عدم قصد، أو لمس جسمي شيئًا، فإنه ينهرني، ويرى أني "قليلة الأدب"! وكثيرا ما يعتدي عليَّ بالضَّرْب. هذا معي أنا فقط، أما مع الآخرين فهو بشوشٌ، ودود، مَرِح!! عرضتُ عليه الذهاب للطبيب لكنه رفَض الفكرة نهائيًّا، ويُصِرُّ على أنني أنا المريضة، و"قليلة الأدب"، واللهُ يعلم أنني بريئة مما يتَّهمني به، شكوتُه إلى أهله، لكنه أنكر ما قلتُ، واتَّهَمَني بالكَذِب!) الشخص الموصوف لديه غيرة مرضية تستوجب علاجا. وهي أحد نوعين: الغيرة التوهمية (delusional jealousy)، والتي يعتقد فيها المريض عقيدة جازمة بسوء أخلاق الشخص الآخر (كزوجته) وعدم صيانتها لنفسها، والنوع الآخر الغيرة الوسواسية (obsessive jealousy)، والتي ينتاب فيها المريض وساوس عن أخلاق الشخص الآخر، ويدرك فيها المريض في قرارة نفسه أن هذه الوساوس غير واقعية، لكنه مع ذلك قد يعبر عنها ويتصرف بتصرفات قهرية ككثرة سؤال زوجته والتأكد وتعقب حركاتها بطريقة جارحة تشعرها بِشَكِّه فيها. ولكل من المرضين علاجه المناسب (الدوائي أو اللادوائي). ليس هدفي من هذا التحليل العلمي لمرضٍ ما، وإنمل التركيز على ظلم يقع فيه بعض الأزواج، وهو أنهم مصابون بمرض نفسي، الغيرة المرَضية أو غيرها، وهذا المرض يؤذي زوجته وربما أبناءه، وبإمكانه أن يعالج نفسه ويوقف معاناة الجميع بإذن الله، لكن كبرياء هذا الرجل يمنعه، ولا يجِدُّ في محاولة التخلص من المرض بقراءة كتب تثقيفية عنه مثلا. فيستمر في هذا الشكل من الظلم والإثم لأن كراهية الله لظلمه أهون عنده من جرح غروره وكبريائه! إنك تأثم أيها الزوج! (والله لا يحب الظالمين). وليست المرأة التي أوصاك بها نبيك صلى الله عليه وسلم خيرا، ليست مسؤولة عن تحمل مرضك وإساءاتك الذي يمكنك علاجه. اسأل نفسك أيها الزوج: لو علمت أن منظمات حماية الأسرة وحماية المرأة في بلدك ستسعى في معاقبتك على إساءاتك لزوجتك، هل كنت ستستمر في إهمال العلاج؟ هل إن غابت رقابة هؤلاء لم تلتفت لرقابة الله تعالى عليك؟! هل نقبل أن نعطي لهذه المنظمات التي كثيرا ما دخلت بلاد المسلمين بهدف إفساد المرأة وإفساد المجتمع من خلال المرأة تحت شعارات (الحرية) و (المساواة) و(رفع الوصاية)...هل نقبل أن نعطيها ذريعة بأنفسنا ونجعل لها علينا سبيلا بمعاصينا وظلمنا؟! تأثم أيها الزوج لأنه قد يسعك ألا تعالج نفسك من بعض الأمراض التي لا تتعداك إلى غيرك. أما إن تعدى إلى غيرك فلا يجوز لك إلا أن تعالجه. أرأيت لو أنك كنات مصابا بعدوى مثلا، هل يحل لك أن تهملها وأنت تعلم أنها قد تنتقل إلى زوجتك أو أبنائك؟ صحيح أن بعض المصابين بهذه الأمراض قد فقودوا سيطرتهم على أنفسهم إلى حد ما، لكن كثيرا منهم في المقابل يكون واعيا على حاجته للعلاج مكلفا شرعا بذلك لتحقق صفة العقل فيه. ختاما، أعود فأقول: المرض الأكثر تفشيا هو ضعف الغيرة, لكن المفسدين في الأرض كثيرا ما يركزون على الإفراط ليبرروا التفريط، ويرهبوا صاحب الغيرة المعتدلة الشرعية بأنهم معقدون مرضاء نفسيا بعدما وضعوهم في بوتقة واحدة معك يا من لديه مرض بالفعل!! ولنتذكر ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: )مِنَ الغَيرةِ ما يحبُّ اللَّه ومنها ما يَكْرَهُ اللَّه: فأمَّا ما يحبُّ فالغَيرةُ في الرِّيبةِ وأمَّا ما يَكْرَهُ فالغيرةُ في غَيرِ ريبةٍ). فالغيرة في ريبة، عندما يصدر من الزوج أو الزوجة مثلا سلوك مريب، فهذه غيرةٌ محمودة. أما التي تكون دون وهما وشكا دون سلوك مريب فيمن تغار عليه فهي كريهة، فلا تترك نفسك على ما يكرهه ربك سبحانه. والله تعالى أعلم.

أحياناً نترك معصية اعتدناها..نتركها طاعةً لله، ونتوقع أن تطمئن قلوبنا بعدها وتسعدَ... لكننا نصاب بالـهَمِّ، فنستغرب !

١١‏/٢‏/٢٠١٤

إخوتي، بعيدا عن تفاصيل الأحداث، لا زلنا مهتمين بمناقشة المفاهيم في خطاب موجه للعقلاء ، علنا نقف معهم على أرضية مشتركة في خدمة هذا الدين وتقديم مصلحته على الاعتبارات التنظيمية. البعض يصنف المقاتلين إلى مجاهدين وصحوات، وذلك على ثلاث مراحل:

يعلم الله أني أكتب هذا الكلام بعد أن ضاق صدري وأصابني الغم مما يحدث. ولا والله ليس النقد بحد ذاته غرضا لنا، بل اجتماع كلمة المسلمين أحب إلينا من الأرض وما عليها. ولذا، وحتى يكون الكلام نابعا من داخل الصف، وليس من قبيل نحن وأنتم، وطمعا في أن يتفكر إخواننا في هذه المناصحة بدلا من أن يستعدوا للدفاع أو الهجوم، سأتكلم بصيغة نحن جميعا حصل منا وأخطأنا وعلينا أن نعمل كذا. ما يؤلمنا هو صدور هذا السؤال (إذا كنتم لا تريدون هذا الدستور فما البديل؟) من شخصيات معتبرة، منا نحن المنتسبين للعمل الإسلامي، شخصيات على قدر من العلم كنا نعول عليها أن تحسن قيادة المرحلة، لكنها ساهمت في تضييع ثمرة الثورة وصناعة الهزيمة ثم زفت إلى الناس هزيمتها مزينة مغطىً على عوارها وقالت: إليكم هذا الإنجاز، ليس ثَم إلا أن تقبلوه أو المصير المحتوف، ولا بديل. هل قصُرت ذاكرتنا فنسينا أنه في الوقت الذي كان عوام الناس يثورون وينتفضون دفاعا عن الفتاة المسحولة في ميدان التحرير، كان بعض مشايخنا يدعون إلى التهدئة وضبط الأعصاب؟! في الوقت الذي كان الشيخ حازم يدعو إلى متابعة الثورة لتحرير البلد من هيمنة شياطين الدولة العميقة، وكان هذا أفضل ما في دعوته وأكثرها تمهيدا لإقامة الإسلام بحق ثم خالفناه في محطات مما بعدها نسأل الله أن يستعمله فيما يحب ويرفع بذلك قدره، في هذا الوقت خذله مشايخنا مشايخ السلفية الحالمون بنصر سهل لا تضحيات فيه، واعتبروا أن طريقته هذه تفجر البلد وتضيع الدماء. فضرب الشيطان أطنابه في البلد من جديد، ثم خرج علينا مشايخنا يقولون: (ما البديل عن هذا الدستور؟ ليس لديكم بديل إلا أن تعتزلوا في الصحراء)! هل نسينا أن كثيرا من المشايخ والأحزاب ساهم في صناعة الهزيمة بقلة معرفتهم بمكر وخبث عدوهم، وعدم تبصرهم بسنن الله تعالى في التغيير، ومعصيتهم الله تعالى القائل: ((فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين))؟ وهم مع ذلك خافوا وخوفوا الناس الثائرين من فضلات النظام البائد في كل مقام (لسنا وحدنا في هذا البلد، العلمانيون والليبراليون سيثورون،...). وضع هؤلاء المشايخ والأحزاب في أذهانهم مقررا مسبقا: لا نريد الدماء، لا نريد "الفتنة"، نريد حلا "سلميا"، مع أن "السلفية" و"القرآن دستورنا" تقتضي أن السلمية لها أوانها والتضحية وبذل الدم له أوانه. فلما عرف منهم أعداؤهم من جيش وفلول ذلك الوهن، نُزعت هيبة المشايخ والأحزاب من قلوبهم، وتجرأوا وعلت أصواتهم وابتزوهم...لا عجب! فالمشايخ والأحزاب لن يثوروا على كل حال، ولن يقودوا نضالا لخلع هذه الدولة العميقة. واستفرد الجيش بالمسلمين الأكثر جرأة ووجهوا إليهم الضربات في التحرير والعباسية ومحمد محمود وسيناء وغيرها. بينما الأحزاب تخذل ضحايا المسلمين لأنها منشغلة بالانتخابات النيابية ثم الرئاسية التي ستمكن لأهل الإسلام وتقيم دولة الشريعة عزيزة الجانب! ثم بعد ذلك يقول لنا هؤلاء أنفسهم: (ما البديل؟). كانت أمريكا والكيان الصهيوني، لمن تابع تصريحاتهم، مذعورين في بدايات الثورة، خائفين أن تخرج مصر عن السيطرة وينفرط عليهم العقد. لكن أصحابنا أزاحوا الغم عن أعداء الملة وهدأوا من روعهم بسلوكياتهم المنهزمة وخيبوا ظن المسلمين وظن أعدائهم معا! ثم بعد ذلك يسألوننا هم أنفسهم: (إن كان لا يعجبكم فما البديل؟). هل نسي الذين اتخذوا قرار (لا للدماء، لا للفتنة) أن قرارهم هذا دفعهم إلى تغيير غير مبرر ولا مفسر لمواقفهم السابقة؟ ففجأة لم يعد تطبيق الشريعة من خلال البرلمان كفرا محض بإجماع المسلمين! ولا عادت سيادة الشعب شركا! وأصبح الذي يُلزمهم بكلامهم القديم المدعوم بالأدلة مثير فتنة شاقا للصف مطالَباً بالبديل؟ هل نسي السائلون صانعو الهزيمة أن "النضال" في كتابة الدستور وُكل إلى من واروا زيارة كبير الفلوليين وقتَها في بيته واستعدوا للتعاون مع الجيش المباركي لتطهير سيناء من التطرف الفكري؟ ثم بعد نضال دام عدة أشهر خرجوا علينا بنتيجة أن دستور مبارك والسادات لم يكن بالسوء الذي تصورناه لعقود، بل يمكن أسلمته ونزع شركيته ببعض التقييدات في المضابط؟! ثم بعد ذلك قالوا هاكم فاقبلوه وإلا فلا بديل؟! خلاصة الأمر أن الذين يسألون الآن (ما البديل) ويعتقدون أنهم حسموا الخلاف بسؤالهم هذا هم أنفسهم صناع الهزيمة والمشاركون فيها، على الأقل بعدم تبوؤهم الدور المنوط بهم إبان الثورة وما بعدها. فعجيب أن يصدر هذا السؤال عنهم. وقد كنا نصرخ في محطات كثيرة لأننا نعلم أننا سنصل إلى هذه المرحلة التي يوضع لنا فيها هزيمة مجترة لا بديل عنها في نظر أصحابها! صرخنا في (موقف من أحداث العباسية)، (النداء الأخير! انسحبوا من الانتخابات)، (نصيحة للدكتور مرسي)، (المشروع الإسلامي وفقدان البوصلة)...أن هذا الطريق لا يقود إلا إلى الهاوية فضحُّوا الآن قبل فوات الأوان...فما تريدون له بديلا هزيمة توقعناها وحذرنا منها وأعطينا البديل عنها في كل محطة. لا نورد هذا الكلام من قبيل اللوم المحض أو تضييع الوقت في معرفة المخطئ من المصيب، وإنما لنعرف موطن الخلل ونعالجه. لا يمكن أن يكون الخلل في أقدار الله بحيث يصل "الإسلاميون" المؤيَّدون بشعبهم في بداية الثورة إلى هذه المرحلة من الخذلان، بحيث تكون عاقبة هذه الثورة العظيمة التي كان يمكن أن تقلب موازين القوى وتعيد مجد الأمة...تكون عاقبتها اجترار دستور مبارك، لكن هذه المرة دون براءة الناس منه ليسلم دينهم، بل لا بد من إشراك الناس في إقراره على شركيته "نصرةً للدين" ووقاية من دراكولَّات الفلول وحفنة العلمانيين! كما لا يمكن أن يكون العلاج مزيدا من التدهور في منحدر التنازلات! - البديل حضرات مشايخنا الكرام، البديل يا أبطال النضال البرلماني الدستوري الحزبيين!...البديل أن نسعى إلى تخليص الدولة من شيطانها العميق مهما اعتدى علينا أعداؤنا وبغوا، فلن تنتج عن ذلك فتنة أشد من فتنة حصر الناس في خيار إقرار الدستور المباركي الساداتي والرضوخ للجيش ومن يحركه ممن لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة.

يتساءل البعض: كيف نوفق بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أرحم من هذه بولدها) وحقيقة أنه تعالى يعذب الكفار وعصاة المسلمين في الآخرة؟ والجواب: أولا: ينبغي التفريق بين رحمة الله العامة التي تكون في الدنيا، ورحمته الخاصة التي تكون في الآخرة، فهو سبحانه يرحم عباده في الدنيا كلهم ، مؤمنهم وكافرهم ، طائعهم وعاصيهم ، رحمة عامة ، فيرزقهم ويطعمهم ويسقيهم ويشفيهم. فلولا رحمة الله ما تنفس أحد الهواء ، ولا وجد أحد شربة ماء. ومن رحمته بهم أن أرسل لهم الرسل ودلهم على طريق سعادتهم الأبدية وأمهلهم وهم يعصونه. إلى غير ذلك من صور الرحمة التي لا تحصى. وهو سبحانه بذلك أرحم بعباده جميعا من الوالدة بولدها، فإن الذي جعل الوالدة رحيمة لا بد أن يكون أرحم منها. أما رحمته الخاصة التي تكون في الآخرة فلا تكون إلا للمؤمنين، وليس للكافرين فيها نصيب. فينتقل الكافر من رحمة الله إلى عدل الله، إذ أخرج الكافر نفسه من التأهل لهذه الرحمة الخاصة في الدار الآخرة. قال تعالى: ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/ 156. لاحظ: (ورحمتي وسعت كل شيء)...هذه الرحمة العامة في الدنيا. (فسأكتبها): أي أخص بدوامها واستمرارها في الدار الآخرة من هذه صفاتهم: (للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون). أما عصاة المسلمين فمن شاء الله أن يدخله النار منهم بعدله فإنهم لا يخلدون في نار جهنم، إذ لا يسوي بينهم وبين الكفار. ثانيا: كما أن الله مُتَّصف بالرحمة فهو تعالى مُتَّصف أيضا بالعدل. وأسماء الله تعالى وصفاته لا تتعارض. فإذا قال قائل: نتوقع أن يرحم اللهُ الكافر في الآخرة لأنه أرحم الراحمين فالرحمة صفته، قلنا : يلزم لذلك أن لا يعدل، والعدل صفته، قال تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) وقال سبحانه : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ). فمن تمام حكمة الله وعدله سبحانه أن يفرق بين وليه وعدوه، وأهل طاعته وأهل معصيته، ومن عبده، ومن عبد غيره، وإلا فإن التسوية بين هؤلاء جميعا من الظلم الذي يناقض العدل والحكمة. والله تعالى أعلم. الجواب مأخوذ من موقع الإسلام سؤال وجواب مع اختصار وإعادة صياغة.

قال الله تعالى في وصف رحلات ذي القرنين: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) (سورة الكهف). هل يعني ذلك أن الشمس على ضخامتها غربت وانغمرت داخل عين حمئة كما تنغمر كرة ثقيلة في الماء؟ طبعا لا! المسألة ببساطة أن ذا القرنين بلغ نهاية الأرض من جهة المغرب، حتى إذا نظر للشمس وهي تغرب في تلك النهاية كان آخر ما توارت خلفه -بالنسبة للناظر إليها- عيناً حمئةً، أي أنها لم تختفِ خلف جبل أو خلف سهل، بل خلف عين حمئة. ولا تعني الآية أبداً أن الشمس (انغمرت) في داخل عين حمئة! رجعت إلى كثير من تفاسير السلف لأرى هل فهم منهم أحد أن الشمس انغمرت في عين حمئة، فلم أجدهم فهموا منها ذلك ولا وقع عندهم استشكال أصلا حتى يبحثوا له عن حل، مع أنهم كانوا في زمن ليس لديهم تصور عن كروية الأرض ودورانها حول الشمس. ومن خطر له منهم أن من الناس من قد يفهم هذا الفهم الخاطئ نبه عليه. قال القرطبي: (ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسها؛ لأنها مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة. بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض) انتهى. راجع النقطة1 في التعليق. فلسنا أمام شبهة تحتاج حلاً ! ولا أمام آية يظهر منها التعارض مع العلم حتى نبحث عن توفيق! بل هكذا هو التعبير اللغوي عن غروب الشمس, والمستخدم حتى في غير العربية، بل وحتى في مثل لغة وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (راجع النقطة2 في التعليق). لكن لحظة! ما هي هذه العين الحمئة؟ يمكن أن نتصور أن ذا القرنين رأى الشمس تغرب في بحر أو محيط كما يراها الشخص الواقف على ساحل البحر المتوسط مثلا. لكن ما قصة العين الحمئة؟ بداية، ما معنى عين حَمِئَة؟ معناها عينُ ماءٍ ذاتُ حَمَأَةٍ، أي ذات طين أسود: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون). أين هذه العين التي بلغها ذو القرنين والتي يتشكل عنها مسطح مائي يمكن أن تُرى فيه الشمس غاربةً؟ لا نعهد مثلها في العالم المعروف وقت نزول القرآن، أي في المنطقة التي تعاقبت عليها الحضارات. إنما هذه العيون هي جزء من مجموعة مظاهر طبيعية تسمى geothermal features (المظاهر الأرضية الحرارية)، وتحتوي على العيون الطينية (الحمئة) (mud pots) والعيون الحارة (geysers)، وهذان المظهران يتواجدان بالقرب من بعضهما (راجع ن3 في التعليق): الذي فاجأني وأنا أُحضر الموضوع خارطة لأماكن تواجد هذه العيون عالميا، وهي الصورة العليا المرفقة. طبعا هي من موقع أجنبي لا علاقة له بشرح الآية، على الرابط التالي:

غياب العقوبات في كتاب النصارى المحرف ليس تسامحا، بل تشجيع على الجريمة! فلا تزايدوا علينا به! الـمُنَصِّرون (من يسمون أنفسهم بالتبشيريين) يتفاخرون علينا بأن كتابهم (المحرف طبعا) كله محبة وسلام بينما الإسلام فيه تخويف كثير من النار والعقوبة. دعنا نتجاوز نقطة هل الإنجيل المحرف كله محبة وسلام بالفعل أم لا ونسأل السؤال التالي: هل هذا شيء جيد أن يخلو من العقوبات والتخويف؟ أم أنه أدى إلى خلل نفسي وسلوكي؟ عندما ترى نصارى إفريقيا الوسطى يحرقون ويطعنون ويقطعون المسلمين مع أن العلاقة بينهم كانت جيدة ولا أحقاد قديمة، وعندما ترى سلوكا مشابها في البوسنة على يد الصرب والكروات، وفي نيجيريا، وفي إندونيسيا ودول أخرى...اسأل نفسك: أليس في دين هؤلاء ما يمنعهم من هذه الممارسات؟ أليست هناك عقوبة منصوصة على إيذائهم للآخرين؟ في الواقع، ليس في الإنجيل المحرف عقوبات واضحة لمن يعتدي ويظلم الآخرين. ليس هناك جنة ونار بأوصاف محددة كما في القرآن والسنة. عقيدة الثواب والعقاب غامضة متضاربة كما هو دينهم المحرف جملة. هناك حديث عن العقاب ببحيرة الكبريت والدود، لكن من الذي يستحق هذا العقاب؟ غير واضح. ثم إن تحريفات بولص وغيره جعلت المسيح عليه السلام متحملا لأوزار من آمن بأن الله حل في المسيح الذي صلب على الخشبة! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ثم تضاربت نصوصهم وآراؤهم ومدارسهم في الآثام التي تُكفر بالصلب المزعوم للرب: أهي خطيئة آدم الأولى؟ أم ما كان قبل التعميد؟ أم الخطايا كلها؟ وهل يجب معها الإيمان بقيام المسيح؟ ثم الخطايا التي لم تكفر، أسقطتها بعض مذاهبهم بصكوك الغفران التي يمنحها رجل الكنيسة للفتاة التي تجلس بين يديه في خلوة تشرح له بالتفصيل كيف زنت! أو مقابل المال الذي يستطيع دفعه الغني دون الفقير. اسأل الـمُنصِّر الذي يمن عليك بـــ"الرحمة" و"المحبة" وغياب العقوبة والشدة في دينهم المحرف...اسأله: أيها المتسامح الرحيم، إن قمت بتعذيبي وقتلي وتقطيعي، ما عقوبتي المنصوصة في دينكم؟ ليس السؤال عن النصوص المنفرة عن الظلم عموما، بل عن تحديد عقوبة. بينما في ديننا تجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَها توجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا) (رواه البخاري). وقال: (ألا مَن ظلَم معاهَدًا أو انتقصَهُ حقَّهُ أو كلَّفهُ فوق طاقتِهِ أو أخذ له شيئًا بغير حقِّهِ فأنا حجيجُهُ يومَ القيامَةِ) (حسنه ابن حجر) طبعا سترد اعتراضات كثيرة على هذا الكلام: -كثير من النصارى لا يطلعون على كتبهم أصلا. فهذا السلوك العدواني ليس سببه الوحيد غياب العقوبات المنصوصة في دينهم أو ادعاء تحمل المسيح لخطاياهم.

٢٩‏/١٢‏/٢٠١٦

اعتاد الإنسان أن يُشرك أشياء مع ربه سبحانه، يرجو نفعها أو يخاف ضرها أو يظن لها تصرفا في الكون مع الله تعالى. نحن مسلمون والحمد لله، لكن كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل). تسرب لقلوب كثير من المسلمين هذه الأيام أنه: (لن ننتصر ما دام هناك طائرات لدى أعدائنا! فهي قادرة على حسم أية معركة، وعلى القضاء على أي انتصار)! انتبه!: لو أن هذا التفكير يدفع المسلمين إلى الأخذ بالأسباب المادية للنصر مع التوكل التام واليقين المطلق فإن الأخذ بالأسباب مطلوب بل واجب، وليس لنا أن نتوقع النصر دونه. لكني أتكلم هنا عن "استسلامٍ" نفسي وشكٍّ في قدرة الله تعالى...

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.

أصبح معتاداً جداً أن تفتح رسالة صديقك "الملتزم" أو تشاهد منشوره فتجد فيه صورا مكشوفة للنساء تحت مسميات مختلفة:

٢٥‏/٦‏/٢٠٢٠

يظهر وأنا أتكلم عن المرأة أني "أنفش راسها" (أُكْبر من قيمتها)..

يتساءل البعض: زميلي في العمل أو جاري نصراني، وهو لطيف في التعامل معي ويهنئني في عيد الفطر وعيد الأضحى. فهل يُعقل إلا أهنئه في عيده؟ فنقول إخواني: 1) عند قراءة القرآن نجد آيات كثيرة جدا تبين الفرق بين الإسلام والشرك والكفر، بحيث أظن أن هذا المفهوم (لا يستوون) هو المفهوم الأكثر كثافة وتركيزا في القرآن بعد مفهوم التوحيد، ولا غرابة، فهو الثمرة الأولى للإيمان بالتوحيد. إذن إخواني، لا يصح أن نقول: كما يجاملني في ديني علي أن أجامله في دينه، فالدينان لا يستويان. ولا يصح أن نقول: كما أرى ديني حقا فهو يرى دينه حقا. وإلا فعلى هذا المنطق اليهود والبوذيون وعباد البقر يَرَون دينهم حقا أيضا! فلا ينبغي أن يصبح همنا كيف نجامل زملاءنا وجيراننا من غير المسلمين ونتخلص من الإحراج عندما تقع عيوننا في عيونهم قبيل أعيادهم، بل يصبح همنا كيف ننقذهم مما هم فيه من شرك يضيع آخرتهم. أحسنَ إليك وجاملك وكان لطيفا معك؟ إذن فخير وفاء له ولجميله أن تدعوه إلى دين الله لتنقذه من النار. هذا هو اللطف الحقيقي، بينما الجفوة والقسوة أن تخالطه الأيام والسنوات وتتركه للضياع وفي قلبك الهدى الذي يحتاجه. وليعلم من يعترض على هذا الكلام أن لدي طلابا وزملاء ومعارف نصارى، وعلاقتي معهم جيدة جدا على الرغم من عدم مجاملتهم على دينهم، علاقة تقوم على العدل والإحسان والحرص على نفعهم دينا ودنيا. وقد درَّست إلى الآن عشرات الطلاب النصارى، والذين أرى منهم احتراما وتقديرا حتى بعد تخرجهم. وأرجو من أي طالب ممن تخرج ولديه خلاف ما نقول أن يبينه هنا، إن كنا نسيء أو نجرح في التعامل. 2) خالط النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والتابعون...خالطوا نصارى ويهودا وعاشوا معهم سنين طويلة. ومع ذلك، لم ينقل حديث ولا أثر صحيح ولا ضعيف أن رسول الله أو صحابيا أو تابعيا هنأوا يهوديا أو نصرانيا بعيده. بل نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الغلام اليهودي الذي كان يخدمه إلى الإسلام قبل موته فخرج من عنده وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه بي من النار)). ولم يجامل الغلام ويهنئه بعيده! 3) مشاركة غير المسلمين في مناسباتهم الاجتماعية، كتعزيتهم ومواساتهم في المصائب وتهنئتهم...هذا كله لا حرج في فعله بألفاظ منضبطة شرعا، ولا علاقة له مطلقا بتهنئتهم بأعيادهم المتعلقة بأديانهم. 4) يا من تستبسل في الدفاع عن تهنئة النصارى بأعيادهم، كم مرة دعوت زملاءك أو جيرانك النصارى إلى الإسلام؟ كم مرة حاولت أن تنقذهم من النار؟ وهل ينسجم أن تدعوهم إلى دين الله في أيام السنة ثم تهنئهم يوم عيدهم، وهو من شعائر دينهم الذي تدعوهم إلى الخروج منه؟! 5) قال الإمام ابن القيم -وقد كان من أرق الناس قلبا وأحرصهم فيما نحسبه على هداية البشرية- في كتابه (أحكام أهل الذمة): (أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، وذلك مثل أن يهنئهم بأعيادهم فيقول : عيدك مبارك. أو تهنأ بهذا العيد. فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه .. فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر، فقد تعرض لمقت الله وسخطه).

أبو محمد..أخ حبيب أعرفه من زمن، طيب الأخلاق واسع الصدر يحبه بر الناس وفاجرهم! من أهل الأردن..وله أخ على خلاف أخلاقه وخصاله تماماً للأسف! أخوه هذا أساء يوماً إلى أخٍ مصري يعمل هنا في الأردن..فقال المصري بحرقة أمام الناس: (الواحد ما عندوش إلا كرامته، ما جيناش من مصر ومعانا إلا كرامتنا..إذا حتى هذي حنخسرها فمش عازو الأردن..أرجع بكرامتي أحسن لي). أتصور هذا الأخ المصري وهو جالس يتحسر على حاله..يتحسر على بلاده، بلاد الخيرات المنهوبة التي يضطر أهلها أن يتركوها طلباً للعيش..يحن إلى أن يعيش في بلده..بين أهله وناسه..والديه وإخوانه..زوجته وأولاده..كما يعيش الناس...يريد أن يرجع ولا يتعرض لمثل هذا الموقف، لكنه يتذكر مرض والديه المحتاجين إلى العلاج..أولاده الصغار -كالزغاليل- المحتاجين إلى كسوة وطعام..تجول الأفكار في خاطره ولا يعرف ما يفعل.. بلغ الخبر إلى الأخ الصالح أبي محمد..أن أخاه أساء إلى أخ مسلم، وبلغه ما قاله المصري مكسور الخاطر...فانطلق إليه أبو محمد، وصل إلى المكان الذي يعمل فيه: السلام عليكم.

٢٤‏/٧‏/٢٠١٤

مع اقتراب ليلة السابع والعشرين، والتي قد تكون ليلة القدر، وتطابقها مع ليلة يوم الجمعة المبارك، أخوف نفسي وإخواني من الحرمان. الحرمان...ذقت طعمه المر يوما. كان ذلك قبل اثني عشر عاما أثناء دراستي في الولايات المتحدة. كان الحصول على تأشيرة الحج من هناك سهلا، فقلت لنفسي: (أذهب و"أسقط" عن نفسي فريضة الحج فـــ"أستريح" من الإثم مدى الحياة). هذا الذي كان يشغلني أكثر شيء! أن أسقط عن نفسي فريضة ولا أشعر بذنب تأخيرها. لم أستشعر وقتها أن هذا شرف طاعة عظيم إن أذن الله لي أن أبلغ بيته الحرام فعلي أن أحرص على التفنن في وجوه التقرب إليه سبحانه واستشعار لذة العبادة...لم يكن هذا ما يدفعني. لذا، فعندما ذهبت لأخ مصري لديه مكتب سفريات قلت له: (احجز لي آخر طائرة واجعل العودة في أقرب فرصة). قال لي: (ليه يا عم؟ ما انت شيخ. روح تعبد وخود راحتك، دي رحلة العمر). أجبته بأني مشغول ببحثي في مجال تخصصي ووقتي ضيق فأريد أن أنجز "المهمة" في أقصر وقت. حصلت على تأشيرة من القنصلية السعودية وحجزت لـــ"آخر رحلة" وتوجهت إلى المطار. أقلعت من هيوستن إلى باريس. ثم جاء دور الطائرة المتجهة إلى بلاد الحرمين. عندما وصلت إلى الكاونتر حيث تدقيق الجوازات والسماح بالتوجه إلى الطائرة فاجأني الموظف بقوله: (أعتذر، لقد تأخرت. آخر طائرة يسمح لك باستقلالها لغايات الحج انطلقت قبل ساعات)! قلت له: (لكني حاصل على تأشيرة من القنصلية!! معي حجز!) قال: (لا أدري. المهم أنك غير مسموح لك بركوب الطائرة). وسط دهشتي رأيت أناسا يلبسون ملابس الإحرام يتجهون للطائرة. قلت للموظف: (لماذا هؤلاء يسمح لهم بالتوجه للحج؟) تبين أن هؤلاء معهم استثناء لأنهم مدعوون بدعوة ملكية كأقليات في أمريكا الجنوبية فيما أذكر. الحرمان!! إنه الشعور الذي شعرت به وأنا أرى هؤلاء يلبسون ملابس الإحرام ووجوههم مستبشرة متجهين إلى الحج، بينما أنا سأعود من حيث أتيت، لم يأذن الله لي أن أنال الشرف الذي نالوه. أدركت خطئي وقتها وسبب حرماني: أني تعاملت مع الحج كفريضة أسقطها لأتجنب الوزر وأستريح! لا كشرف عظيم أشتاق إليه وأدعو ربي لأجله لأشبع عطش الروح وأنال كرامة الطاعة. بكيت في طريق العودة من مرارة الحرمان. بعد عامين من هذا الموقف كنت قد عدت إلى الأردن، حيث الحج شبه مستحيل دون "واسطة" أو مبررات خاصة لمن هم في سني كأن أكون سائق باص أو مرشدا. ومع ذلك أقبلت على الله بتضرع أن "يأذن" لي بالحج. واستجاب الكريم سبحانه دون واسطة ولا اعتبارات خاصة! وحججت بفضل الله تعالى. أحبتي، فلنقبل على ما تبقى من رمضان بنفسية من يحرص على القربى ويخاف الحرمان...يخاف أن يرى الناس بين باكٍ ومتضرع وقائم وساجد وتالٍ بينما هو محجوب عن ربه الكريم...نخاف أن تصيبنا دعوة جبريل التي أمَّن عليها النبي عليهما الصلاة والسلام: (بَعُدَ من أدرك رمضانَ فلم يُغْفَرْ له). اللهم وفقنا لعمل صالح يقربنا إليك ولا تجعلنا من المحرومين.

أخي، تصور أنك وجدت ولدا يتيما ملقىً على قارعة الطريق، فأشفقت عليه وحملته ونظفته وأطعمته وسقيته وكسوته.... رعيته وأنفقت عليه، لم تبخل عليه بشيء...بل أغدقت عليه من عطفك وحنانك, وإن قسوت عليه أحيانا فلمصلحته...كان يخطئ كثيرا فتوجهه أو تفرك أذنه في السر، لكنك أمام الناس لا تظهر إلا محاسنه... مرض مرارا فلزمته، حزن فكفكفت دمعه، أساء إليه الناس فكنت له عنهم عوضا وضممته إلى صدرك... علَّمته على نفقتك وأعطيته مالا ليقيم عرسه... وأنت في ذلك كله تنتظر أن تراه عريسا لتفرح به...تتوقع منه أن يأتي إليك يوم فرحته وملء عينيه الشكر والامتنان والود والعرفان، ثم يندفع إليك يحضنك ويقبل يديك وهو يبكي من الفرح ومن شدة حبه لك... تتوقع أن يباهي بك الدنيا ويعبر عن وفائه لك أمام الناس. ولكن!! جاء يوم العرس، فإذا به يقيم الحفل ويدعو الأصحاب والجيران والزملاء، و......ينساك! بصراحة، هو لم ينسَكَ...لكنه تذكر هيبتك في نفسه، فأحس أن وجودك سيعكر عليه فرحته، لأنه يريد أن ينطلق و "ياخذ راحته"...يريد أن يضحك بشكل هستيري...وعلم أنه لن يستطيع أن يفعل ذلك في وجودك. لذا، تناساك، وقال: "أسترضيه فيما بعد"! انتهت الحفلة، فوضع الأطباق الفارغة وفضلات الطعام في أكياس...ثم استبعد المكان المخصص لها، فوضع الأكياس أمام بيتك! وهو في ذلك يعول على طيبتك التي عرفها وسعة صدرك! ماذا سيكون شعورك تجاه هذا الولد العاق؟! وهل ستستطيع أن تحبه بعد ذلك؟ أرأيت ما أبشع نكران الجميل ونسيان المحسن؟ ولله المثل الأعلى: ((يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم (6) الذي خلقك فسواك فعدلك (7) )) يُنعم الله عليك أيها الشاب بالزواج، بعد أن كنت عانيت من العزوبة وتوقد طاقاتك. ينعم الله عليك أيتها الفتاة بالزواج بعدما كنتِ تخافين أن "يفوتك القطار" وتعيشي حياتك دون من يشبع عاطفتك. لطالما دعوتَ الله أن يرزقكَ الزوجة وأن يرزقكِ الزوج. الله عز وجل، الذي رعاك وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة وفرج كروبك وستر عيوبك ومن المال الذي آتاك تقيم عرسك. ثم في يوم الفرحة الكبرى تنساه ! بل وتستنزل بغضه بأن تتفنن في معصيته في حفل زواجك... تبرر ذلك بأنك تريد أن تفرح...فطاعته وتذكُّره تنغص عليك فرحتك بينما عصيانه يبهجك؟! فكان الحل في أن تنساه! ((وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه))... لو لم تكن جنة ونار، ألا تستحي من ولي نعمتك؟! ألا تجد فرحتك في أن تقول لله يوم الفرحة: شكرا يا رب؟! تقولها وتعبر عنها بكل ما تفعله؟! لا أقول لك: (معلش، تعال على نفسك قليلا، وتحمل "النكد" حتى لا تعصي الله)!! بل إن هذا الشكر والوفاء وإظهار الامتنان خلق لا يستطيع صاحب النفس النبيلة أن يفعل غيره، ولا يفرح إلا به...لأن اللؤم والنكران وكفران النعمة ثقيل على النفوس النبيلة. أكتب هذا الكلام لما أراه من غفلة في أعراس المسلمين. ليست المشكلة الكبرى في الاختلاط وأغاني الإفساد وإهمال الصلاة فحسب، بل في دلالة ذلك على نسيان الله تعالى في يوم أحب الله أن يرى وفاءنا له فيه: ((ولا تكونوا كالذين نسوا الله)). ((فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)).

هناك ظاهرة لدى الكثيرين منا نحن المحسوبين من الملتزمين. عندما نترك ما تعودنا عليه من محرمات (أغاني، علاقات غير منضبطة بين الشباب والفتيات،...) ونقبل على مظاهر الالتزام (لحية، حجاب، ...) دون أن نمر بمحطات التزكية الحقيقية، فإن (حظوظ النفس) تبقى ملازمة لنا. حظوظ النفس هذه، والتي كانت تدفعك من قبل للمعاصي الظاهرة المعروفة، ستبحث الآن عن مُتنفَّس جديد لها في شخصيتك أيها "الملتزم" التزاما ناقصا، وأحيانا التزاما أجوف! ستظهر حظوظ النفس بمظهر جديد. كنت من قبل تشبع حظ نفسك بالأغاني وتقليب عينيك في المحرمات. اليوم، بعد "الالتزام"، تشبع حظ نفسك بالرياء وطلب الشهرة من خلال الدين الذي التزمت به ظاهريا، أو من خلال التهاون في غيبة الناس وتحقيرهم على اعتبار أنك الوصي على الدين الذائد عن حياضه! أو التهاون في حقوق الناس على اعتبار أنك أولى بما اقتطعته من أموالهم لأنك "تخدم الأمة" بينما هم يضيعون مالهم في غير فائدة! كانت من قبل تشبع حظ نفسها بالتبرج المكشوف...واليوم، بعدما غطت رأسها تشبع حظ نفسها بتضييق ملابسها وزركشتها والتهاون أكثر في علاقتها مع الرجال حولها. المشكلة أننا في ذلك كله نخدر ضمائرنا كلما حاولت أن تصحو ونقول لها: (بل أنا على خير. والدليل أني تركت الأغاني والمسلسلات لله، وأطلقت لحيتي وتحملت نظرة المجتمع لي وضحيت لوجه الله)...صحيح، هو فعل ذلك لله، لكنه لم يتخلص من حظ نفسه، فبحث له عن متنفس آخر يعوض عما ضحى به! تأمل حال الخوارج، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم) (البخاري). فعبادتهم في الظاهر أكثر من عبادة الصحابة. لكن مقتلهم كان في أنهم لم يتخلصوا من حظوظ أنفسهم! قال ابن كثير: (...فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج ، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين ، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة ، ففاجأوه بهذه المقالة ، فقال قائلهم - وهو ذو الخويصرة - بقر الله خاصرته - اعدل فإنك لم تعدل). هذه مصيبتهم! أنهم لم يطهروا نفوسهم من حظوظها على الرغم من كثرة عبادتهم فوجدت نفوسهم حظها في الاستعلاء على الناس واستباحة دمائهم وأموالهم. وإلا فالله أرحم من أن يضل قوما أقبلوا عليه بصدق وتجرد. أخي، أختي، فتش نفسك هل خلت من حظوظها؟ واعلم أن الاستقامة لا تكون حقيقية حتى تتخلص من هذه الحظوظ موقنا برحمة الله أنه تعالى سيعوضك بدلا منها لذةً وإيمانا كالذي كتبه في قلوب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ((أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه)). وصدق الله: ((قد أفلح من زكاها)).

قال العلماء: السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه. ولم يذكروا حالة ثالثة: من لا يتعظ ولا حتى بنفسه!! بل يلدغ من الحجر ذاته مرارا. عجيب حقا أننا لا زلنا نرى منتسبين إلى العمل الإسلامي يدعون إلى المشاركة السياسية في الأنظمة الوضعية. مركز التخطيط الاستراتيجي الأمريكي راند نشر دراسة عام 2008 بعنوان (كيف تتلاشى الجماعات الإرهابية) (How Terrorist Groups End)

السلام عليكم ورحمة الله. كثيرا ما كنا نسمع من الوعاظ قرنا للتقوى بالحزن، وكأن ديننا يدعو إلى الكآبة. وهذا إخواني شكل من أشكال الموروثات التي تناقلها بعض الوعاظ وأوهمونا أنها من الدين وليست منه في شيء، وقد تعرضت لأشكال من ذلك في مقالة سابقة بعنوان (ظاهرة المبالغات في مرويات العبادة والورع). وكم سمعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان "متواصل الأحزان"، وهذا جزء من حديث طويل رواه الطبراني وابن أبي حاتم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنه (كان كثير الصمت، دائم الفكر، متواصل الأحزان). وهذا الحديث قال عنه ابن القيم في مدارج السالكين: (إنه حديث لا يثبت وفي إسناده من لا يعرف، وكيف يكون (صلى الله عليه وسلم) متواصل الأحزان؟ وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن؟ بل كان دائم البشر ضحوك السن). وقال ابن تيمية رحمه الله في الجزء العاشر من الفتاوى: (وأما الحزن فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين كقوله تعالى : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } وقوله : { ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون } وقوله : { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } وقوله : { ولا يحزنك قولهم } وقوله : { لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } وأمثال ذلك كثير . وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به. نعم، لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرم، كما يحزن على المصائب، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم {إن الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا على حزن القلب ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم وأشار بيده إلى لسانه}... وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه فيكون محمودا من تلك الجهة، لا من جهة الحزن،كالحزين على مصيبة في دينه وعلى مصائب المسلمين عموما، فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير وبغض الشر وتوابع ذلك. ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة نهي عنه) كثير من المسلمين هذه الأيام يحزن على أوضاع إخوانه، لكنه حزن يُقعد عن العمل ويوهن العزيمة ويُقنط من رحمة الله ويعكر على حسن الظن به سبحانه. ولا والله لا حاجة لله بهكذا حزن! فلنميز ما هو من ديننا مما أدخل فيه وليس منه.

١٥‏/١٠‏/٢٠٢٠

‎ ممكن تكون تنصح ابنك أو زميلك فيقول لك: "مش كله دين !"، أو يقول لك عن معلم العلوم: "قَلَبَ الحصة دين"، لأنه تحدث فيها عن عظمة خلق الله وذكر بعض الآيات.

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.

١٣‏/١٠‏/٢٠١٦

تردَّدْتُ في كتابة هذه الكلمات لأنها ينبغي أن تكون (تحصيل حاصل)، لكن الواحد يستمتع أحيانا بذكر نعمة الله عليه أن الأمور البدهية والمسلمات الدينية هي عنده كذلك، خاصة وهو يرى بعض "المساكين" ممن انحرفت فطرته وفَهْمُه فحُرم من هذه الـمـُسلَّمات. في الأردن هناك أناس أصولهم من شرقي نهر الأردن، وآخرون أصولهم من غربي النهر. هذا الفرق يعني شيئا لمن ابتُلوا بمرض "سايكس بيكو"! بينما لا يعني شيئا لي أبداً...أبداً. ما أعرفه هو أن مروءتي وكرامتي تأبى عليَّ أن يضع المحتل الأجنبي خطاً فاصلا بيني وبين إخوتي فأنصاعَ له وأسمح لهذا الخط أن يؤثر على نظرتي لإخواني ومحبتي لهم وتعاملي معهم! ما أعرفه هو أن (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ليست شعارا نردده بألسنتنا بينما قلوبنا خالية منه! بل ميزان حساس دقيق يحكم مشاعري وتصوراتي فتنطلق منه تصرفاتي بتلقائية ودون تكلُّف. ما أعرفه هو أن أخي الشرق-أردني هو كأخي الغرب-أردني، لا فرق أبداً...بل إني أجد في نفسي أحيانا مُتعة زائدة واغتباطاً بعلاقتي الأخوية مع أخي الشرق-أردني لأني أتَنَسَّم فيها معنى قول الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة)، وأستلِذُّ فيها بأخوة الإيمان التي حُرمها بعض المحرومين! بل ليس الشرق-أردني فحسب، بل والسوري والمصري والعراقي والشيشاني والشركسي واليمني والخليجي وغيرهم ممن يعيشون في هذا البلد أو بقوا فيه فترة...لي من كلٍّ من هذه الأصول أصدقاء ومعارف، يجمعنا حب الله ورسوله، وتعظيم الله تعالى، وطموحُنا الكبير في أن يعود للأمة عزها ومجدها ووحدتها، وأثق في صدق محبتهم لي كما هي محبتي لهم. بل وخارج حدود هذا البلد، لأن الإيمان لا يعترف بالحدود، وإنما (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). مَرَّتْ علي شدائد وقف معي فيها إخوة وأخوات شرق-أردنيون من الشمال إلى الجنوب وقفةً شجاعة نبيلة، لأنهم مؤمنون بما من أجله ابتُليت، وهَمُّنا واحد...وهم إخواني بما في الكلمة من معنى، وإن لم تلدهم أمي، ولا أنسى لهم مواقفهم التي لها حلاوة في حَسِّي كُلما تذكرتها..أسأل الله أن يجزيهم عني خيرا وأن يجمعني بهم في جنته. فليضع من شاء خطوطا على الخارطة، وليضع من شاء أسلاكاً شائكة على الأرض... هذه الخطوط والأسلاك لا مكان لها في قلبي ولا قلوب إخواني، ولن نسمح لها أن تعني لنا شيئا أبداً...أبداً! د. إياد قنيبي

عبر الأيام الماضية تفاعلتم يا كرام مع وفاة سارة وصبر ي كوالد لها...جزاكم الله خيرا..لكن دعونا نتذاكر أن سارة ليست أهم من أبناء المسلمين الذين يموتون في ظروف أصعب، وأنها ليست أصبر طفلة، ولا أنا أصبرُ أبٍ. يوم كنت أرى ابنتي أمامي في المستشفى تذبل يوماً بعد يومٍ، تذكرتُ آباء في مناطق محاصرة كالغوطة وغيرها يرى أحدهم ابنته تذبل يوماً بعد يوم في موقفٍ مشابه..لكن الفرق أن ابنتي تحظى بعناية طبية مميزة، ومرضها قَدَرٌ لا أملك أمامه إلا الصبر.. بينما الذي يرى ابنته تذبل من الجوع والحصار فألمه معجون بقهر الرجال..هو قدر أيضاً يرضى عن الله فيه، لكن له أن يسخط على الظالمين ويغضب..وما أصعب قهر الرجال! تذكرتُ أطفالاً عالقين على الحدود في غزة وغيرها...لأمراضهم أدوية، لكن يحول بينهم وبينها عبيد الظالمين الذين يمنعونهم من اجتياز حدود وضعها المحتل قديماً...فيموتون ببطء، ويراهم آباؤهم وأمهاتهم على هذا الحال ولا يستطيعون أن يستلينوا القلوب القاسية..وما أصعب قهر الرجال.. نعم، كانت سارة صابرة، لكن في الأمة آلاف الأطفال الذين هم أصبر منها..ومأساتهم أكبر من مرضها بما لا يقارَن.. وفي الأمة آلاف الآباء والأمهات الذين تحملوا أعظم من تحملي بما لا يقارَن.. أقول هذا الكلام لأني أستحي أن يطلع طفلٌ أو أبوه من هؤلاء الصابرين على ما حظيَت به سارة من اهتمام، فيقول في نفسه: (لكنَّ سارتي لا بواكي لها)! المُبتلى يا إخواني من أكثر ما يؤلمه شعوره بأنه منسي! كفاية أنه نسيه المجرمون الذين يجرعونه المعاناة، فكيف إذا نسيه إخوانه الذين عليهم مناصرته بما يستطيعون؟! المُبتلى من أكثر ما يخفف عنه معرفته أن له إخوة يحزنون لحزنه، يشاركونه همه، ويودون عمل شيء له. أقول هذا الكلام كله لنعلم أن في الأمة ألف سارة، وآلاف الآباء والأمهات ممن تحملوا أكثر من أبيها وأمها، وأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولَّادة للخير، فلا يغركم كثرة الخبث ولا يحجبنكم عن رؤية هذا الخير، ولا تسمعوا لمن يريد أن ينصب لكم قدوات من خارجها وكأنها عدمت قدواتها! بل والله إن فيمن يعزيني لَـمَن أستحي منه لأني أعلم أن بلاءه أشد من بلائي. في الأمة آلاف الصابرين الذين لم تسلط عليهم الأضواء ولم تنظم لهم القصائد ولا تنوقلت أخبارهم.. وأقول هذا الكلام أيضاً لأذكر نفسي وكل مسلم لديه قلب: ألا يكون عوناً لظالم في تعريض طفل لمعاناة وتجريح قلب والديه عليه بأي شكل من أشكال الإعانة، فإنه والله لجرمٌ كبير..فاحذر يا عبد الله أن تُنسى كما ساهمت في صناعة قصص معاناة منسية..فيقال لك يوم القيامة: (فاليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا). واعلموا إخواني أن الاهتمام بمعاناة المسلمين من أعظم أسباب التصبير والثبات عندما تتعرض أنت لبلاء شخصي.. هذا المعنى كنا كأهلٍ نتعاهده مع سارة وإخوانها يوم ابتُليَت بنيتي بإبعاد والدها عنها لمناصرته قضايا أمته، فرفعت سارة لافتة تقول: (أبي...لا تقف عن المسير وامض وقل: أمتي أعز علي من أبنائي). اللهم ارحم بنيتي وأبناء المسلمين..اللهم فرج الكرب عن أطفالنا المحاصرين والمشردين وعن آبائهم وأمهاتهم..واجعل لأمتنا فرجا قريبا ومخرجا.. والحمد لله رب العالمين.

١٣‏/٤‏/٢٠١٧

أيها الأب...بدأْتَ حياتك مع زوجتك، أنجبتما الأبناء..مرت الأيام انشغلت بالعمل..لم تعد تعطي بيتك حقه..المبرر أمام زوجتك: "أنا أعمل لأجلكم، لتحصيل قوتكم، تكاليف الحياة عالية، أيامنا صعبة" وقد تكون مهتما بــ"الدعوة"، لكنك لم تنجح في إشراك أسرتك في دعوتك وإشغالهم بها، بل تنشغل عنهم بها..وإذا احتجَّتْ زوجتك فمبرراتك: "جراح الأمة...أهمية الدعوة...تحمل المسؤولية".. صحيح، لكن حقيقة الأمر أنك في الحالين: العمل والدعوة، أصبحت أيضاً تبحث عن "تحقيق ذاتك" و"رسم قصة نجاحك" من خلال العمل/الدعوة/العلاقات الاجتماعية..لا من خلال بيتك وأولادك ! وتمضي أوقاتا في بيئة العمل ومع المعارف أكثر من الحد الأدنى اللازم.. تبحث عما تهواه نفسك وتستمتع به أكثر من أداء واجبك الأسري ! وتقنع نفسك ومَن حولك أنك مضطر..وتفترض في ذلك كله أن تقوم زوجتك بواجباتها الأسرية في تربية الأبناء. لكن الذي يحصل مع مرور الأيام، أن عدوى إهمال الأولاد ستسري إلى زوجتك... سيخرج أبناؤك من بؤرة تركيز أمهم... وتبحث هي الأخرى عن "تحقيق ذاتها"، و"رسم قصة نجاحها" بعيدا عن أولادها...تبحث في مواقع التواصل/العلاقات الاجتماعية...إلخ. الأبناء الضائعون بين أبوين لا يجدان "متعة" في تربيتهم سيبدأون بعمل المشاكل، وستتوتر علاقتهم بكما أيها الأبوان، بل سيصبحان مصدر توتر العلاقات بينكما، فكل منكما يتهم الآخر أنه السبب، وكل منكما يلقي بحمل التربية الثقيل على الآخر! ويجفوكما أبناؤكما عندما يرون أنكما تتعاملان معهم كحملٍ مزعج، بدل أن تستمتعا بالقرب منهم ! حينها، ستعلن أنت حالة الطوارئ، وتبدأ تخفف انشغالاتك وتكرس وقتا وجهدا أكثر لأبنائك، لكنك ستفاجأ بأن الأولاد بعدما خرجوا من بؤرة تركيز أمهم فإن إرجاعهم إلى هذه البؤرة سيكون صعبا، وربما صعبا جدا! وحقيقةً، ليس كل خطأ قابلا للإصلاح التام في هذه الدنيا! قد يُغفر لك تقصيرك، لكن تبقى تدفع ثمن تغافلك عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لن تكون يوما أكثر انشغالا منه، ولا حرصا على الدعوة منه، ومع ذلك قال: (إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه) (البخاري)...فأعط كل ذي حق حقه ! أنت رجل البيت، وجزء من القوامة أن تكون قدوة لزوجتك في إعطاء كل ذي حق حقه، بدل أن تلقي باللائمة عليها. كان ما كان، فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، بل قل قدر الله وما شاء فعل، واستعن بالله على بناء بيتك من جديد على أساس (فأعط كل ذي حق حقه).

سؤل أحد الـمُفتين: (ما حكم تارك الصلاة ؟) فقال: (حكمه أن تأخذه معك إلى المسجد) ! ردٌّ جميل يبين مبدأً مهماً: أن علينا أن نأخذ بأيدي الناس إلى الخير ولا يكون جهدنا منصباً على الحكم عليهم فقط. لكن نحتاج هنا إلى توازن.. فإنك تجد من يقول: (لا تحكموا على الناس)، يقولها على سبيل التمييع وتهزيل الفروقات بين الإيمان والكفر والحق والباطل. فنقول له: أخطأت،كما أن هذا الحكم ينبني عليه أحكام شرعية، زواج، ولاية، قضاء، إرث، بل ومحبة في الله وبغض في الله وغيرها. لكن في المقابل، هناك من الشباب من يجعل أولويته الحكم على بعض الكلمات أو المواقف بأنها فسق أو معصية أو كفر، يواجه أصحابها بذلك، فينفرون ويُستفزون، ويدافعون عن أخطائهم، وتضيع فرصة استمالتهم للخير والهدى. أقول هذا يا كرام وأنا مسرور بما رأيته من تعليقات كثير من الإخوة والأخوات بالأخص على سلسلة المرأة وعلى بعض المقالات والكلمات المتفرقة. يصرحون بأنهم كان في نفوسهم اعتراض على شيء من أحكام الله تعالى، نفور، عدم تقبل...ثم زال هذا الاعتراض والنفور وحل محله الإيمان بالله رباً حكيما رحيما. تصرح الواحدة منهن أنها كانت تؤيد الفكر النسوي معتقدة أنه يحقق للمرأة العدل، وأحياناً تشتم وتستهزئ بمن يخالفها وإذا بها بعدما تبين لها الحق علمت أن العدل الحقيقي إنما هو في الإسلام ورضيت به ديناً. هؤلاء أنفسهم...ستجد منهم ومنهن من كان يقول أقوالاً خطيرة جدا على دينه...فيها اعتراض على حكمة الله. إذا واجهته بذلك و وضعته في خانة المعترضين المنكرين الجاحدين فسينفر ويدافع عن باطله ويزداد بعداً. بل علينا يا كرام أن نتفهمهم، فقد يكونون يعترضون على شيء هو ليس من الإسلام ويظنونه من الإسلام. قد يكون لديهم تسليم مجمل بعدل الله وحكمته ورحمته، لكن لم يستطيعوا أن يفهموا هذه النقطة بالذات، متأثرين بالصور الذهنية المشوهة..وهؤلاء لا يستوون مع الجاحدين المنكرين المستهزئين. قد نكون نحن أنفسنا - يا من ندافع عن الإسلام- لا نفقه تفاصيل الإسلام جيداً أحياناً وندافع عما نظنه حقاً والإسلام منه بريء! اجعل همك منصباً على تفهم هؤلاء، معرفة دوافعهم، تحديد محل الخلاف معهم بالضبط، ثم بيان الحق لهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وبدافع حب الخير لهم والحرص عليهم، وانظر بعدها إلى النتائج كيف تكون بإذن الله! ساعدوهم قبل أن تحكموا عليهم.. والسلام عليكم.

١٠‏/٣‏/٢٠٢١

من الأخطاء الشائعة معاملة الفتيان القريبين من البلوغ، بل والبالغين أحياناً، معاملة الأطفال من قِبَل القريبات من غير المحارم والمعلمات، طبعا مع التحفظ الشديد على أن يكون معلمو الشباب الصغار الإناث أصلا، وهذا موضوع آخر.

١١‏/٦‏/٢٠٢٠

سألتني ابنتي يوماً: (بابا هل حاول الكفار تقليد القرآن؟) فقلتُ لها: سؤالك جيد ! لكن أنا سأسألك أولاً قبل أن أجيبك: لو قلت لك اقفزي من هنا إلى الباب (مسافة 2 متر) هل ستحاولين؟

١١‏/٨‏/٢٠١٦

رفع المعنويات كثير منا يعاني من "اكـتـئـاب مُـقَـنَّـع"، وله مظاهر، كالتأخر في النوم بعد الفجر..."وماذا أفعل إن بقيت مستيقظا؟"...اقرأ! تعلم! العب رياضة..."وعلى ماذا؟ ما الفائدة؟ خليني أروح أنام" التهرب من الأعمال النافعة طويلة النَّفَس إلى قراءة رسائل الفيس والواتس التهرب من سماع صوت النفس الداخلي إلى متابعة المقاطع القصيرة إهمال العناية بصحتنا...مراكمة الدراسة ومهام العمل... التهرب من الشعور بالفشل في إصلاح بيوتنا وتربية أولادنا إلى إحراز انتصارات وهمية في "العالم الافتراضي" من خلال الانتشاء بإعجابات الناس ومشاركاتهم وتعليقاتهم على منشوراتنا التي لا نلتزم نحن أنفسنا بكثير مما فيها! وبشكل عام: التهرب من "المفيد" إلى "المسلي" لا يكفي في ذلك كله أن نقول لأنفسنا وللناس: ما نفعله غلط...علينا أن نعود إلى المفيد.. بل نحتاج أن نرجع إلى الأسباب...ومن أهمها: "الاكـتـئـاب المـُـقَـنَّـع" إنها النفسية التي عمل أعداؤنا على تكريسها فينا بكل طريق... إنها تراكمات آلاف مشاهد الإهانة للمسلمين والإشعار بقلة قيمتهم، والتي يبثها الإعلام بسخاء شديد بحجة رصد الواقع! في الوقت الذي تتظافر فيه جهود الإعلام والأجهزة القمعية على إخفاء وإجهاض جهود إصلاح هذا الواقع. ليكرسوا في المسلمين نفسية الــ"لا جدوى"، "على الفاضي"، "خربانة خربانة"، "نحن عاجزون".. كأن الإعلام يضربنا ضربات على رؤوسنا فنهيم بعدها حائرين مشتتين لا نَقَر على عمل نافع! والأخطر من ذلك أننا نحن أنفسنا نكرس نفسية الفشل والاكتئاب هذه أحيانا بــخطابنا "الديني" ! حين نلوم العصاة على معاصيهم والمسلمين على عدم نصرة إخوانهم المستضعفين بالتقريع السلبي التحقيري الذي رسالته: أنتم سيئون فاشلون! بل أتعلمون إخواني؟ أعتقد أننا نخطئ حين نظن أن أصحاب المعاصي رضوا بالحياة الدنيا وهم بها سعداء. بل كثيرا ما يكون السبب هو اكتئابهم المقنع الذي أشعرهم بقلة قيمتهم، وقلة الفرق بين حياة الإيمان وحياة العصيان...هؤلاء حين نقرعهم تقريعا سلبيا فإننا نعين عليهم الشيطان الذي يشل إرادتهم عن إصلاح أنفسهم و يُشعرهم بالعجز والبعد عن الله. هؤلاء...الأجدى في مخاطبتهم أن ترد لأنفسهم اعتبارها في أعينهم هم...تُشعرهم بأهميتهم وكرامتهم على الله إذ هم بنو آدم ثم هم مسلمون...تُذَكرهم بفرح الله بطاعتهم وتوبتهم، موالاته لهم بقدر توليهم إياه سبحانه، وأنه سيوفقهم ويعينهم إن استعانوا به ولن يقف في وجههم شيء...وستجدهم حينئذ يأنفون بنفوسهم العالية الكريمة هذه عن المعاصي ويألفون الطاعة تلقائيا! لا تجد في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم موقفا واحدا سلبيا لام فيه أصحابه ولم يعطهم الحل والمخرج! أبدا، ولا موقف واحد! وانظر إيجابيته مثلا عليه الصلاة والسلام بعد معركتي أحد وحنين على ما بدر من الصحابة فيهما من خطأ. نحن جميعا بحاجة ماسة إلى تعزيز جوانب الخير والقوة فينا وإعادة ثقتنا بعلاقتنا بالله تعالى لنبني على ما هو موجود بعد تثبيته، ولنُفْشِل مخططات أعدائنا من الكفار والمنافقين الذين (ودوا ما عنتم)، أي يحبون لنا المشقة والفشل وتحطيم النفسيات. (ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).

ابنك...تنصحه ألا يكثر من الحلويات وأن ينظف فمه منها كلما أكلها. لا يستجيب لنصحك...يأكلها بكثرة، يصيب أسنانه التسوس، فيأتيك شاكياً: (بابا أسناني توجعني). (إذن هيا إلى الطبيب)... (لا يا بابا أرجوك! سأتألم). (لا بد من ذلك يا بني، وإلا استفحل التسوس وعانيت ألما أشد). تذهبان، يجلس على كرسي الطبيب، يبدأ بإزالة التسوس...يصيح ابنك من الخوف والألم: (بابا أرجوك خَلَص).. تنهره أنت: (اسكت يا بابا! دع الطبيب يعالجك). يعود الطبيب للعلاج، يسكت ابنك ثم يصيح: (بابا خلص بيكفي).. تنهره بحزم: (الطبيب أدرى، دعه يكمل عمله)... خلال ذلك، هل ينظر إليك طفلك بحقد؟! أبداً طبعا، فهو يعلم أنك تريد مصلحته. هو لا يريد أن يتألم، لكن يعلم أن معالجة الطبيب توفر عليه آلاما أشد فيما بعد. أنت كأب، تتألم وأنت ترى ابنك يتألم، حتى أنك قد تخرج من الغرفة لأنك لا تطيق سماع أنينه. ينتهي العلاج في الوقت المناسب. يقوم ابنك عن الكرسي، وتنصرفان...في طريق العودة، ينظر ابنك لك بمحبة وإجلال: (أبي يريد مصلحتي في كل ما يفعله. ها قد ذهب الألم وأتمتع أنا الآن بأسنان صحية)... ولله المثل الأعلى. ينهانا الله تعالى عن "حلويات" المعاصي ويأمرنا أن نتطهر منها كلما تناولناها... نتغافل، فتصيبنا الذنوب وأمراض القلوب. يعلم ربنا الرحيم أن هذه الذنوب والأمراض سوف تستفحل إن تُركت وتؤذينا. فيضعنا على كرسي البلاء ليطهر قلوبنا منها. نتألم، نخاف، نرجوه تعالى أن يقيمنا عن كرسي البلاء... وربنا، برحمته، يعلم أن العلاج لم ينتهِ بعد، وأنه لا زال في قلوبنا تسوس. نعم، لك أن تدعو الله مع ذلك أن يخرجك من البلاء وتلح عليه، لكنك مهما طال العلاج تبقى تنظر إليه سبحانه نظرة ذلك الطفل الذي يعلم أن أباه يريد مصلحته، فتحسن الظن بربك عز وجل وتوقن أن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك، ولا يمكن للحظة أن تسيء الظن به، بل تبقى ترجوه وتحبه. مهم جدا أن تعلم: الله تعالى لا يحب أن يراك تتألم، لكن يحب أن يراك تتطهر، لأنه تعالى يعلم خطر الذنوب وأمراض القلوب عليك. في الحديث القدسي الذي رواه البخاري يقول الله تعالى: (...وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ ، يكره الموتَ وأنا أكره مساءتَه). فالله تعالى قد قضى بالموت على العبد المؤمن ومع ذلك لا يحب أن يراه مستاءً من الموت. وليس هذا طبعا كتردد المخلوقين الناشئ عن شك في المصلحة أو شك في القدرة على العمل-راجع الرابط لفهم ذلك:

٧‏/١١‏/٢٠١٩

المولد النبوي د. إياد قنيبي مع قرب الموعد الذي يحتفل فيه بعض المسلمين بمولد الحبيب المصطفى معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، ننقل لكم مقتطفات من كتاب ابن تيمية رحمه الله (اقتضاء الصراط المستقيم). لا ننقل هذه النقولات لبيان حكم الاحتفال، بل لبيان التوازن والحكمة والدقة في التعامل مع الموضوع، والتي تتجلى في كلامه رحم الله. قال ابن تيمية: (فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قَدَّمْتُ أنه يُستحسن من بعض الناس ما يُستقبح من المؤمن الـمُسَدَّد). وقال عن الذين يحتفلون بالمولد: (والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً) أي أنهم قد يثابون على محبتهم التي دفعتهم للاحتفال، مع أن هذا الاحتفال في نظر ابن تيمية من البدع، لكنهم لم يقصدوا الابتداع ولا مخالفة أمر الله ورسوله. تابع ابن تيمية قائلاً: (مع اختلاف الناس في مولده) يعني أن هناك اختلافاً أصلاً في تحديد يوم مولده عليه الصلاة والسلام.. ثم بين ابن تيمية لماذا يرى أن اتخاذ المولد بدعة لا تجوز فقال: (فإنَّ هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا ، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً ، ونشر ما بُعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان). ولا شك أن ابن تيمية لا يقصد ما يفعله بعضهم في الموالد من رقص وغناء ودروشة مما لا تُمتدح لا النية ولا الفعل فيه. بل له فتاوى شديدة في ذم الرقص والغناء الذي يتخذه أصحابه قُربة. كما أن الكلام ليس عمن ينطلق في أحكامه الفقهية من الهوى أو التعصب. وإنما كلامه عن الذين اتخذوا يوم مولد النبي عيداً يخصونه بشيء من وجوه الاحتفال المعبرة عن المحبة معتقدين صواب ذلك غير قاصدين مخالفة الشرع. فإنه يقول أن فاعل ذلك قد يؤجر مع أن فعله غير صحيح، وإنما يؤجر لمحبته النبي وتعظيمه. خلاصة الكلام: مرةً أخرى، ليس هدف هذا المنشور بيان حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما هدفه بيان أنه هكذا تعامل العلماء الحكماء مع الأمر. لذا فنصيحتي لإخواني الذين يرون بعدم مشروعية الاحتفال: لا تبالغوا في الحديث عن الأمر والإنكار على من يحتفل. فالأولى أن ننشغل بأفعال فاسدة يفعلها البعض بمقصد فاسد محاربة لله ورسوله، لا محبةً ولا تعظيماً ولا توقيراً ! ونصيحتي لإخواني أجمعين، الذين يرون بمشروعية الاحتفال والذين لا يرون به (أو يقولون نحن نحتفل به كل يوم باتباع سنته): لا تَدَعوا هذا الأمر يفرقنا، ولا تَدَعوا الشيطان ينزغ بيننا. فمحبة النبي التي تجمعنا هي رابطة أخوية وثيقة، ونسأل الله أن يهدينا وإياكم لما يُسَرُّ به الحبيب صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. والسلام عليكم.

حول "الحق المطلق": نذكر كلاماً يمثل البعض، وجزءاً من الرد للأخ الفاضل عدنان طلافحة، للفائدة العلمية، دون ذكر أشخاص، لتكون فرصة التفكير الهادئ للجميع.

تعليقا على لقائي في برنامج (في العمق) كتب أحد "الإخوة" مقالا يقول فيه: (وقبل الدخول في تحليل حلقة الجزيرة أحب أن أشير إلا نقطة في غاية الأهمية لم ينتبه لها الكثير من المتابعين وظنوها فرعا رغم أنها مدار الأمر كله. فقد كانت أسرع لحظات سقوط القنيبي الحر إذ قال أنه يجب على العلماء البحث عن فتوى معاصرة بشأن تطبيق الشريعة للمرحلة الحالية الانتقالية). هنا أحب أن أقارن الكلام الذي نسبه "الأخ" إلى العبد الفقير مع كلامي الفعلي لنرى كيف يصنع إخواننا أوهامهم ثم يصدقونها ويتناقلونها. ووالله ما أحب الخوض في هذا الكلام، لكنه نموذج للظلم والتزوير الذي يمارسه "إخواننا" هداهم الله، ثم ينتشر حتى يصبح حقائق مسلمة!! ما قلته في البرنامج موجود نصيا على هذا الرابط:

٦‏/٦‏/٢٠١٩

أمر حالياً بظرف فيه ابتلاء...أسمع من الناس عبارات الثناء على ما يعتبرونه "صبري" و"ثباتي".. ولا أخفيكم أني أخاف منها.. أخاف أن يصيبني الإعجاب بنفسي، فيكلني الله إلى نفسي هذه.. من هنا، أعلن أنا إياد قنيبي الإفلاس التام من كل صبرٍ ومن كل ثبات ومن كل قوة تنبع من حنايا نفسي. وأعلن أن ما بي من صبرٍ وقوة إنما هو فضلٌ محضٌ من الله تعالى، وأنه إن وكلني إلى نفسي وتقصيرها وخطاياها فلن تجدوا فيها إلا خراباً بلقعاً وصحراء جرداء. فلا تُثنوا على العبد الضعيف، وإنما اعلموا أن صبرَ منْ صَبَرَ وثبات من ثَبَتَ ما هي إلا تجليات لرحمة الله وحكمته في تربية عباده ولطفه بألا يكلفهم من البلاء ما لا يطيقون. وإني واللهِ لأعلم من نفسي أني لو ابتلاني الله بما يبتلي به غيري ممن هم أقوى وأعظم إيماناً، ثم تركني لنفسي، لظَهَرَتْ على حقيقتها بضعفها وخوائها دون معية ربها. لكن، لك الحمد ربي على ما أريتني من لطفك وكرمك وإنعامك في البلاء. ولا يظُنَّنَّ ظانٌّ أني أقول هذا "تواضعاً"، وإنما استدامةً لنعمة ربي القائل: (وإذ تأذَّنَ ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم)، وخوفاً من زوال هذه النعمة. فالحمد لله الذي رضَّانا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. ربنا أفرغ علينا صبراً.. يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث..أصلح شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. إعلان إفلاس إياد قنيبي أمر حالياً بظرف فيه ابتلاء...أسمع من الناس عبارات الثناء على ما يعتبرونه "صبري" و"ثباتي".. ولا أخفيكم أني أخاف منها.. أخاف أن يصيبني الإعجاب بنفسي، فيكلني الله إلى نفسي هذه.. من هنا، أعلن أنا إياد قنيبي الإفلاس التام من كل صبرٍ ومن كل ثبات ومن كل قوة تنبع من حنايا نفسي. وأعلن أن ما بي من صبرٍ وقوة إنما هو فضلٌ محضٌ من الله تعالى، وأنه إن وكلني إلى نفسي وتقصيرها وخطاياها فلن تجدوا فيها إلا خراباً بلقعاً وصحراء جرداء. فلا تُثنوا على العبد الضعيف، وإنما اعلموا أن صبرَ منْ صَبَرَ وثبات من ثَبَتَ ما هي إلا تجليات لرحمة الله وحكمته في تربية عباده ولطفه بألا يكلفهم من البلاء ما لا يطيقون. وإني واللهِ لأعلم من نفسي أني لو ابتلاني الله بما يبتلي به غيري ممن هم أقوى وأعظم إيماناً، ثم تركني لنفسي، لظَهَرَتْ على حقيقتها بضعفها وخوائها دون معية ربها. لكن، لك الحمد ربي على ما أريتني من لطفك وكرمك وإنعامك في البلاء. ولا يظُنَّنَّ ظانٌّ أني أقول هذا "تواضعاً"، وإنما استدامةً لنعمة ربي القائل: (وإذ تأذَّنَ ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم)، وخوفاً من زوال هذه النعمة. فالحمد لله الذي رضَّانا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. ربنا أفرغ علينا صبراً.. يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث..أصلح شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.

الهاجس الذي يدفع كثيرين إلى سوء الظن وتخوين الآخرين "احتياطا" هو خوفهم من أن يفلت فاعلو الحرام من العقوبة. فنقول لهم: من حكمة الله في التشريع أنْ أَمَر مع ذلك بأخذ الناس بظواهرهم، فحتى لو أفلت كثيرون من العقوبة في الدنيا نتيجة لذلك فإن فوائده على مستوى المجتمع أكبر بكثير. هذه المفهوم مهم للغاية، وهو من دلالات قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن)) لماذا؟ ((إن بعض الظن إثم)). لاحظ أن الله تعالى أمر باجتناب الكثير من أجل البعض. وعلى هذه المفهوم شواهد كثيرة منها: أولا: الحديث الذي رواه مسلم: (نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن يطرقَ الرجلُ أهلَه ليلًا. يتخوَّنَهم أو يلتمسُ عثراتهم) (مسلم). العائد من سفر قد يخطر بباله أن يتأكد من عدم خيانة زوجته له، فلا يخبرها بموعد عودته ليباغتها ليلا ويتأكد هل خانته أم لا، أو يتأكد هل أدخلت إلى بيته من يكره من محارمها أو أهملت في العناية بأولادها، أي: يلتمس عثراتها. هذا كله مع أنه لم يظهر له من زوجته ما يريب، لكنه يريد فعل ذلك "احتياطا". لا يجوز له أن يفعل ذلك! أليس من المحتمل -ولو بنسبة ضئيلة- أن زوجته تخونه؟ بلى، ومع ذلك فالحفاظ على شعور الزوجات وإظهار حسن الظن بهن والثقة في أخلاقهن يجب أن يشاع في المجتمع لترتفع سويتهن بالفعل ولو أدى ذلك إلى عدم انكشاف خيانة نسبة ضئيلة منهن. فمنافعه أكثر من مضاره. ثانيا: في حديث البخاري عندما هم أسامة بن زيد بقتل المشرك المقاتل فقال المشرك: (لا إله إلا الله)، لكن أسامة قتله. فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال لأسامة: ((يا أسامة، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟)) قال أسامة: (يا رسولَ اللهِ، إنما كان مُتَعَوِّذًا) يعني قالها حتى لا أقتله، لا عن قناعة بها. فلا زال النبي يكرر: ((أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟)). هذا الرجل كان مشركا يقاتل المسلمين. ويغلب على الظن بالفعل أنه قالها متعوذا، ولو لم يقتله أسامة فلعله يندس في المجتمع المسلم يفسد فيه. ومع هذا كله فَأَخْذُه ومن نطق الشهادة مثله على ظواهرهم أعظم نفعا للمجتمع المسلم وللبشرية. فكيف بأخيك المسلم الذي يصلي ويصوم سنوات طويلة؟! الشاهد الثالث: كان المنافقون يتكلمون بسوء عن رسول الله وأصحابه ثم يخافون أن يبلغ ذلك النبي فيقول أحدهم: (إذا بلغه أتيناه فحلفنا له ما قلنا، فإنما هو أذن يقبل ما يسمعه). فأنزل الله تعالى: ((ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم)) أي إنما يُذَم من يقبل من الناس إذا كان قبوله يؤدي إلى إيقاع ظلم على من لا يستحقه بشهادة غيره عليه. أما النبي فقد ألزم نفسه بالخير، فيسمع عنكم ما يسوء فيتجاوز، وتأتونه تظهرون خيرا فيقبل منكم الظاهر، وإنما يفعل ذلك لأنه ((يؤمن بالله)) الذي أمره بهذا، لا عن تصديق لكم وإنما تصديقه واطمئنانه للمؤمنين فهو: ((يؤمن للمؤمنين))، ومنكم أيها المنافقون من سيؤمن بعد حين فيكون إمهال النبي له بذلك رحمة: ((ورحمة للذين آمنوا منكم)). والمصرون الذين ((يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم)). أفلت هؤلاء المنافقون من العقوبة إذ أخذهم النبي صلى الله عليه وسلم بظواهرهم. فكيف بإخوانك المسلمين الذين لم يؤذوا النبي كما كان يفعل هؤلاء؟! الشاهد الرابع: لاحظ النصاب الذي وضعه الإسلام لشهادةٍ تنقل المسلمين عن أصل ظاهرهم من العفة. فلو رأى ثلاثة أتقياء رجلا وامرأة يزنيان فيحرم عليهم نشر ذلك، إذ لا بد من أربعة. سيفلت الزانيان من العقوبة. لكن تحصين المجتمع من الافتراء على الطاهرين والطاهرات أعظم نفعا من عقوبة هذين الزانيين. فنقول للذي يسيء الظن احتياطا: من ماذا أنت خائف؟ أن يفلت بعض من فعل محرما؟ نفع الأخذ بالظاهر وحسنِ الظن أكبر، بما يشيعه في المجتمع من راحة ومودة واطمئنان المسلمين لبعضهم، وبما يسده من أبواب نزغات الشياطين. قد يقال: لكن زماننا زمان فساد كثر فيه الخبث. نعم، ولذلك فهذه التشريعات الإسلامية تأتي ضمن منظومة متكاملة تقلل هذا الخبث، ومع ذلك فلاحظ أن في الشواهد التي ذكرناها أخذا بظاهر منافقين ومن كان للتو كافرا محاربا. والله تعالى أعلم.

من شهر، رجل نصراني جاء به صديقه المسلم لأجيبه عن تساؤلاته...تكررت اللقاءات، ولـمست فيه صدقاً في البحث عن الحق.. الأسبوع الماضي أخبرني أنه اقتنع تماما بصحة الإسلام، فسألته: ما الخطوة التالية إذاً؟

أحياناً نعاني من مشكلة, لا نعلم كم تستمر وإلى أي مدىً ستتفاقم ... يشرق في نفوسنا الأمل بزوالها... لكن ما نلبث أن يعترينا الخوف ويتراءى لنا شبح اليأس عندما نفكر في أن بلاءنا سيطول ويشتد. نخاف حينئذ ! لأننا ننظر في جوانب أنفسنا وحناياها فلا نجد فيها ما يعول عليه أن يصبرنا إذا وصل البلاء إلى الدرجة المخوفة. نتعامل مع المسألة بطريقة رياضية ... فإن كانت المصيبة مرضاً يخشى أن يؤدي إلى العمى مثلاً فإنا نعقد المعادلة التالية لتخيل المستقبل : أنا- بصر=إنسان تعيس وإن كان ابنك في غرفة العناية المركزة بين الحياة والموت فالمعادلة : الحياة - ابني = حزن مستمر ... وهكذا إننا ننسى في معادلتنا هذه عنصراً مهماً جداً وهو أن الصبر لن ينبع من جوانب نفسك الضعيفة عند حلول المصيبة أو اشتدادها ...إنما هو ينزل من عند الله تعالى! المعين لمن استعان به. الصبر ينزل من عند الله تماماً كما ينزل النصر ... ينزل الصبر من عند الله لينصرك في معركتك ضد اليأس والحزن... و((إن ينصركم الله فلا غالب لكم)) لاحظ: كما أن الله تعالى قال: ((وما النصر إلا من عند الله)) فقد قال: ((واصبر وما صبرك إلا بالله)). فتركيب الكلمات متشابه. إنها حقيقة مهمة جداً! الصبر ينزل من عند الله و كذلك الأمان و السكينة... والشواهد لذلك كثيرة كقوله تعالى : ((ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة)), وقوله تعالى: ((فأنزل السكينة عليهم)), وقوله تعالى حكاية عن السحرة الذين آمنوا بموسى عليه السلام وهم على وشك أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبوا: ((ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين (126) )) ينزل الصبر كالمطر على القلوب المرتجفة الحرى فيسكنها ويبردها. إنها ليست نفسك البشرية الضعيفة التي يعول عليها أن تختلق الصبر وتخوض المعركة! ... إنه الله المعين الذي يثبت: ((يثبت الله الذين آمنوا ))... وبما أنه الله الذي يثبت فليس هناك بلاء أكبر من تثبيت الله. إنه الله تعالى الذي يربط على القلوب المرتجفة التي كادت تنخلع من الصدر حزناً أو خوفاً من المجهول... ((وربطنا على قلوبهم))...وحينئذ فلا شيء يخيف إن كان الله هو المعين. إذن فالصبر ينزل نزولا من عند الله. وبالتالي، فالمعادلة لم تعد بالجمود الذي كنا نظنه, بل أصبحت : أنا – بصر+ صبر من الله =إنسان راضٍ. الحياة- ابني+ سكينة من الله = رضا احتساب وانطلاقة جديدة إن استعنت بالله فسينزل عليك الصبر بالمقدار المناسب ليطمئن قلبك, مهما كان حجم البلاء. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي صححه الألباني: ((إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة, وإن الصبر يأتي من الله على قدرالمصيبة )). لاحظ ألفاظ الحديث: ((إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة))...على قدر التكليف، ((وإن الصبر يأتي من الله على قدر المصيبة ))...الصبر يأتي من الله تعالى المعين، ليس من جوانب نفسك الضعيفة. بل من الله، وبأي مقدار؟ ((على قدر المصيبة))...بالمقدار المناسب. فكل ما عليك فعله هو أن تتبرأ من حولك وقوتك، وتستعين بالله تعالى، وتصلح علاقتك به تعالى لتكسب معيته، وحينئذ فلا بلاء أكبر من إعانة الله الـمُعين.

إخوتي في الله، نشكو جميعا من نقص الخشوع في الصلاة ونخاف من إثم ذلك. وقد نُصاب باليأس والإحباط لأننا نرى مرتبة الخشوع التي نتمناها بعيدة المنال، بل شبه مستحيلة. هنا من المهم أن نعرف ما الحد الأدنى المقبول من الخشوع الذي لا يلحقنا معه إثم، حتى نحرص عليه، ثم يكون الترقي في مراتب الكمال أسهل –بإذن الله- وقد انشرحت صدورنا ورضينا نسبيا عن أدائنا في الصلاة. لكن قبل أن أتكلم عن هذا الحد الأدنى أود التذكير بأن الخشوع في الصلاة هدية يمنحها الله للعبد الذي لزم الطاعات سائر اليوم وصان نفسه عن المحرمات، فينعم ربه عليه بذهن حاضر متعلق بالله في الصلاة يدرك عظمة من هو واقف بين يديه. استيعاب ذلك يساعد على الخشوع: أنه جائزة تحصلها بالطاعة، أكثر من كونه تكليفا تبذل له جهداً. ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه (الوابل الصيب) أن الناس في الصلاة على مراتب خمسة، نذكرها هنا بشيء من التبسيط: الأولى: مرتبة الذي ينتقص من وضوء الصلاة ومواقيتها وأركانها، كالمسرع في صلاته. الثانية: من يتم وضوءها ويحافظ على مواقيتها وأركانها الظاهرة، لكن لا يحاول مدافعة الأفكار في الصلاة بل يسترسل معها ويحسب ويخطط لما سيفعله بعد الصلاة مثلا. الثالثة: من يحافظ على أركان الصلاة ويجاهد نفسه والشيطان في دفع الوساوس والأفكار، فيحاول الشيطان صرف انتباهه بأمور كثيرة من أمور الدنيا، لكن صاحبنا لا يترك الزمام لنفسه بل يحاول كل مرة أن يصرف هذه الأفكار ويعود إلى التركيز فيما يقرأه، فهو في صلاة وجهاد. الرابعة: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وهمه كله مصروف إلى إكمالها وإتمامها قد استغرق قلبَه شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها، وتجاوز مرحلة المدافعة المستمرة للوساوس والأفكار. الخامسة: من بلغ مرتبة الإحسان في صلاته كأنه يرى الله تعالى. قال ابن القيم: فالقسم الأول معاقب، والثاني محاسَب، والثالث مكفَّر عنه، والرابع مثاب، والخامس مقرب من ربه. فالأول معاقب لأنه أخل بأركانها أو شروطها (كالوضوء) لا ثواب له عليها كأنه ما صلى. والثاني أسقط الفريضة لكنه محاسَب على الاسترسال وراء الخواطر وعدم مجاهدتها. والثالث والرابع والخامس لا إثم عليهم، بل لهم ثواب متفاوت. إذن إخوتي، حتى نسلم من الإثم علينا أن نُتِم الوضوء ثم نتم أركان الصلاة الظاهرة دون إسراع ودون حركات كثيرة تنافي القنوت، ثم ندفع الأفكار الواردة في الصلاة كلما ثارت في نفوسنا. فإذا حققنا هذه المرتبة (الثالثة) حرصنا بعدها على الرقي إلى الرابعة ثم الخامسة. والله تعالى أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله.

من المفاهيم التي تحتاج تصحيحا اعتبار كثرة الأعداء دليلا على صحة المنهج. فهذه القاعدة ليست على إطلاقها. صحيح أن ورقة بن نوفل قال لنبينا صلى الله عليه وسلم: (لم يأت رجل قَطُّ بمثل ما جئت به إلا عودي). وصحيح أن قسما من الناس أصحاب نفوس مريضة تعادي الحق لأنه يسحب امتيازاتها ويكشف زيفها. لكن عندما يكرهني المسلمون أيضا فإن علي أن أتهم نفسي! فإن من الخطورة حينئذ أن أعتبر هذه الكراهية "ظاهرة صحية" تدل على أنني على الحق المبين! من الخطورة أن أفترض أنهم ينفرون عني لتديُّني أو سلامة المنهج الذي أحمله بينما بعضهم يعاديني لغلظتي وعبوس وجهي، والبعض الآخر لتقصيري في عملي ثم تنظيري على الناس، والبعض الآخر لتناقضي في سلوكي ووقوعي في معاصٍ أستهين بها بينما أضخم أخطاء غيري، والبعض الآخر لأني تمسكت من دين الله بجانب وتركت جانب الأخلاق، والبعض الآخر لأني خلطت انتصاري لنفسي بانتصاري للدين، والبعض الآخر لأني لم أعتنِ بمظهري وحسبت أن ذلك زهد جهلا بالسنة، والبعض الآخر لسوء فهم كان يمكنني أن أشرحه لكن منعني كبري. من الخطورة أن أتغافل عن هذه الأسباب كلها وأضحك على نفسي وأقنعها بأن هؤلاء جميعا خفافيش ضايقهم النور الذي أحمله! فإنما يعادونني لتديني! الأصل في حامل الدعوة وصاحب الهم الإسلامي أن يكون محبوبا يوده الناس. قال الله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا). وفي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحبَّ اللهُ العبدَ نادى جبريلَ: إن اللهَ يحبُّ فلانًا فأحبِبْه، فيُحِبُّه جبريلُ، فينادي جبريلُ في أهلِ السماءِ: إن اللهَ يحبُ فلانًا فأحبُّوه ، فيُحِبُّه أهلُ السماءِ، ثم يُوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ). وفي الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم: (المؤمن يألف و يؤلف، و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف، و خير الناس أنفعهم للناس) فحامل الدعوة مطالب ألا يجامل فيها ولا يسترضي الناس بكتمها أو الزيغ عنها. لكنه في الوقت ذاته مطالب أن يترفق بالناس في عرض دعوته ويتخلى عن حظوظ نفسه ليعلم الناس أنه لا ينتصر لنفسه بل لدين الله تعالى. وحينئذ فإن عاداه شرار الخلق والكفار فإن عامة إخوته من المسلمين سيحبونه. وقال في المقابل منكرا على الإمام الذي كان يطيل في الصلاة: (سبحان الله إن منكم منفرين). صحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ). لكن هذه الغربة حالة مؤقتة لا يستمرئها المسلم، بل يسعى في إصلاحها. فقد عرَّف نبينا صلى الله عليه وسلم الغرباء بأنهم: (الَّذينَ يُصلِحونَ ما أفسدَ النَّاسُ مِن بعدي مِن سُنَّتي)...ولم يقل: الذين يتقوقعون ويكرسون الغربة عن الناس بسلوكهم الخاطئ. عاش أحمد بن حنبل الغربة وعودي، لكنه ما مات حتى أحبه الناس فحضر جنازته ما يقدر بمليوني إنسان! وعاش ابن تيمية وابن القيم الغربة وعوديا، لكنهما من أطيب الناس ذكرا وممن يتغنى خلق كثير بحبهم. أما إن مرت الأيام ولم يزدد الناس عنك إلا بعدت وجفوة، فاعلم أن الخلل ليس فيهم فحسب! ليس حامل الدعوة مطالبا أن يجامل على حساب دينه ولا يسترضي الناس بكتم الحق أو الزيغ عنه. لكنه في الوقت ذاته مطالب أن يترفق بالناس في عرض دعوته ويتخلى عن حظوظ نفسه ليعلم الناس أنه لا ينتصر لنفسه بل لدين الله تعالى. وحينئذ فإن عاداه شرار الخلق والكفار فإن عامة إخوته من المسلمين سيحبونه ويلتفون حوله وتلهج له ألسنتهم بالدعاء...ولا عجب، فهو من الموعودين بأنه: (سيجعل لهم الرحمن ودا).

لا يدع الشيطان مجالا إلا نفث فيه سمومه، حتى الدعوة وأجواؤها الطاهرة، فقد قال من قبل عن بني آدم: (لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم). قال بعض المفسرين: (عن أيمانهم) أي من جهة حسناتهم ودينهم. هذا أمر يحتاج الإخوة والأخوات استحضاره على مواقع التواصل الدعوية وفي النشاطات الدعوية. فقد تبدأ المسألة تعاونا على البر والتقوى وتعلما واستفادة، ثم إذا بها تتطور إلى مراسلات خاصة فيها تعبير عن المشاعر !! وقد يكون هذا تحت ستار "الحب في الله"! والذي بينا من قبل أنه شعور إيماني، لكنه يصبح مدخلا للشطيان إن عبر عنه صاحبه للطرف الآخر وتحول إلى تعلق واستئناس! أيها الشاب "المستقيم"، أيتها الأخت المستقيمة...أنتم خلاصة الله من خلقه، و"خميرة" الدعوة... فكيف إذا فسدت الخميرة؟! أنتم المعول عليكم في نجاة الأمة من غصتها: من غُص داوى بشرب الماء غصته فكيف يفعل من قد غُص بالماء فمن للأمة الغرقى إذا كنا الغريقين؟! حال المستقيمين في أيامنا فيه شبهٌ من حال الصحابة في العهد المكي...دعوةٌ مضيق عليها وليس للإسلام شوكة وعامة الناس في غفلاتهم (مع فارق التشبيه بين المشركين والمسلمين الغافلين) أكنت تتصور أن يتعاون صحابي وصحابية في مثل تلك الظروف على الدعوة ثم إذا بهما يخلطانها بتعلق وأحاديث خاصة؟! أو أن تهتدي امرأة على يد صحابي ثم إذا به "يقلبها" عواطف وتعلقاً!! حاشا الصحابة، بل كانوا أهل جِدٍّ وأصحاب قضية علت هممهم على السفاسف. إياك أن تقول مبررا: (لكننا لسنا ملائكة، ونخطئ كما يخطئ غيرنا، وحتى الصحابة أخطأوا). فرق بين أن تخطئ بنظرة محرمة -مثلا- في عملك أو طريقك وتستغفر منها، فهذه معاصٍ يتعاهد المرء نفسه ألا يستمرئها ويستهين بها فتهلكه. وفي المقابل أن تنقل الإثم إلى أجواء الدعوة وتتخذ الدين مطية لشهواتك، فهذه خيانة لو حصلت في زمن الصحابة لأظنهم عَدُّوا صاحبها منافقا! الدين، الدعوة، توعية الناس واستنقاذهم من فساد الدنيا والآخرة...هذه أمانة فلا تخنها! (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) كان الصحابيات يخرجن مع المجاهدين يداوين الجراح ويسقين العطشى. فهل تتصور أن يختلي اثنان منهم في الجهاد ويتجاذبان حديثا ونظرات؟! حاشا الصحابة. دعاة اليوم في جهاد. وتلويث أجواء الجهاد ليس خطأ، بل خيانة! إذا جاءك الشيطان عن اليمين لتقع في شيء من ذلك، فاتَّقِ الله أن تجعل للمستهزين والمتربصين بالدين وأهله علينا سبيلا؟! فيُنَفروا الناس عن دعوتك ودعوتنا بفعلك (وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم)! نريد تحصين حصوننا لننطلق منها إلى الناس، فلا تفسد الحصون من داخلها... الناس ينظرون إلى أجواء الاستقامة على أنها واحة طهر فلا تلوثها... لا تقولن في نفسك: (هي تجاوبت معي بل هي من جرتني لمثل هذا)، بل ذكرها بالله إن فَعَلَتْ ثم اقطع العلاقة تماما. لا أحسب أن ما ذكرناه ظاهرة منتشرة، ومع ذلك نتواصى بالتحذير منها، فالوقاية خير من العلاج. اللهم استعملنا في طاعتك وجنبنا ما يسخطك.

قال لي أحد الفضلاء: "ألا تلاحظ أن المرأة صار لها المركزية في العناوين والاهتمام حتى في خطاب الدعاة المصلحين؟ يركزون على الظلم الذي يقع على المرأة وتبرئة الشريعة منه، حتى يُشعروها بإنصاف الإسلام لها وينقذوها من براثن النسوية.

طُلب مني كثيراً أن أجيب عن سؤال: (ما هي الأشياء التي فعلتَها وترى أنها ساعدت في تأثير خطابك في الناس؟ أعطنا مفاتيح لنستفيد منها) وتكرر السؤال مع حلقة "أنا مش شغالة البيت" التي أثَّرت بشكل بليغ بفضل الله. الموضوع طويل، لكن أذكر هنا مُرّكَّزات لعلها تُشرح لاحقاً. وهذه المفاتيح "نفسية" وإيمانية، أكثر منها ذكر لكتب معينة أو دورات. وأقول بدايةً: أخوكم ليس "عالِـماً" بالمعنى المعهود للعالِم. ولا أقولها تواضعاً، فهذا مقام النصيحة لا التكلف. ومن أداء شكر النعمة التأكيد على أنه ليست هناك "خلطات" سرية وعلى أن عوامل النجاح متاحة للكثيرين، وما عليهم إلا الأخذ بها. وإذا فتح ربُّ العزة لعبدٍ باب خير وجعل لما يقول قبولاً فمن خيانة النعمة أن يحرص على إظهار الموضوع صعباً ليتفرَّد ! وإن كنتَ وُفِّقتُ في جوانب فقد قصَّرتُ في أخرى، وما أشارك إخواني هذه المفاتيح إلا من قبيل أداء شكر النعمة بدلالة إخواني عليها ولا شك أن عندهم ما يدلونني عليه. من المفاتيح:

ذهبت إلى المستشفى بابنتي (نور) التي شَرِقَتْ "تشردقت" بقطعة فستق، حيث تبين أنه لا بد في هذه الحالة من إجراء عملية تنظير للقصبات الهوائية. بعد انتهاء العملية قال لي الطبيب: (جاءني قبلك أب وأم بابنهما ذي السبع سنوات. عندما خرجت لهما من غرفة العمليات بقطعة الفستق التي كانت في قصبات ابنهما، ما كان من الأب إلا أن رفع يده وصفع زوجته " كفَّاً " بكل ما أوتي من قوة أمام الناس) !! طبعاً ما "مبرر" الأب؟ كان لازم الأم تدير بالها وما تترك الولد يتشردق بالفستق!! أتعلمون إخواني؟ بعيدا عن الغيظ الذي يعتمل في قلبي وقلوبكم تجاه هذا "الرجل"؟!، أنا أعتبر هذه حالة من حالات الاعتراض المبطن على قضاء الله وقَدَره! وما أكثرها من حالات! لم يتقبل الأب فكرة أن يتكلف حوالي 400 دينار "علشان فتفوتة فستق"، ولا يريد أن يعترض صراحةً على تقدير الله هذا الأمر عليه، فــ"فش غُلّه" (طلَّعها) في الأم المسكينة، مع أنه ليس من الإهمال في شيء أن يُترك ابن 7 سنوات يأكل المكسرات! لو صارح كلٌّ منا نفسه، سيجد عنده اعتراضا شبيها مُبَطَّناً على قضاء الله وقَدَره! تريدون أمثلة؟:

٢٩‏/١٢‏/٢٠١٩

أحد الإخوة الفضلاء له جهد مشكور في توعية الناس والدفاع عن دين الله تعالى، أرسل لي رسالة يخبرني فيها عما بلغه من حال بعض أبناء المسلمين من التردي والجهل بالدين والرفض لشرائعه...وختم كلامه بقوله: (لا أخفيك أني أصبحت أشعر بالإحباط)...فأقول لهذا الأخ الكريم ولإخواني وأخواتي جميعاً: لا مكان للإحباط ! بل إني أراني وأراكم "محظوظين" او مُنعَماً علينا أن أوجدنا الله في هذا الزمان لنعمل ونصلح ما استطعنا ونحصد من الحسنات ما الله به عليم إن صلحت نياتنا وصح اتباعنا لصراط الله.. لا مكان للإحباط ! بل إني أرى آيات كثيرة كان الله أنزلها لتمنع من هذا الإحباط وتوجد محله الهِمَّة العالية...آيات تمنعنا من أن تذهب أنفسنا حسرات عل الخلق...فلا ينبغي لنا أن نقف عند الألم والاستياء والتوجس من المستقبل، فكل ما يجري وسيجري إنما هو ضمن أحاطة الله، وبتقدير منه، قدَّرَه لحِكَمٍ قد نعلم بعضها ويخفى عنا كثير منها. آيات كثيرة ستفهمها إذا نظرت إليها من هذه الزاوية: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) (لعلك باخعٌ نفسك ألا يكونوا مؤمنين) (ولو شاء ربك ما فعلوه) (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً) لعلك كنتَ تتساءل: ما سبب كثرة ذكر القرآن لهذه الحقيقة-أنَّ كل إعراض هؤلاء لا يخرج عن تقدير الله؟ ولا هو شيء أعجز الله أن يمنعه؟ فأقول: هذه الآيات كلها تنادي عليَّ وعليك: أن لا تأسَ ولا تحزن، بل اغتنمها فرصةً، واحمد الله أن هداك إذ ضل غيرك، واستعن به سبحانه بروحٍ لا تُقهر وعزيمة لا تفتر وهمة لا تنكسر...وانظر لهذا الواقع على أنه أرضٌ خصبة تَبذر فيها بذور الدعوة وترى بإذن الله بوادر حصادها، وترى جبالاً من حسناتها عند الله يوم القيامة. بهذه النفسية أتعامل مع الواقع، الذي أعترف بصعوبته، وأعترف بأن خروج أبناء المسلمين من الإسلام، وأن نرى الإسلام -في الظاهر-ينقص ولا يزداد، أن هذا كله لا يسر أي صاحب قلبٍ حي...لكني أراه فرصة في الوقت ذاته، وأُحَوِّل الألم إلى أملٍ وعملٍ، والحمد لله أني أرى آثار هذه النفسية في دافعيتي المستمرة للدعوة، وفي تفاعل كثير ممن ضل من أبناء المسلمين مع ما أنشر ، وعودتهم بعد شرود، وزيادة إخواني وأخواتي اعتزازاً وثباتاً واستبشاراً. لا مكان للإحباط، بل هي فرصة تاريخية، مِنْحَةٌ اختصنا الله بها...عن علمٍ وحكمةٍ وكرمٍ ورحمةٍ...فاغتنمها.

تابعت بعض الأصداء والتعليقات والردود على حلقة (هل ينشر الدحيح العلم أم الإلحاد والشبهات؟)..ولدي الملاحظات التالية:

صحيح أن علينا أن نتابع دراسات مراكز التخطيط الغربية ونطلع على ما يريدون أن يكيدونا به، لكن في الوقت ذاته علينا أن نحذر من أسلوب أظن أنهم أصبحوا يستخدمونه معنا:

السلام عليكم ورحمة الله أخي، أختي، من أعظم ما ينفعك الله به أن يحول نظرك عن نقد الواقع والتبرم منه إلى السعي في تغييره... في أيامنا يكثر التبرم من الإعلام "المنحط المجرم الصهيوني.....إلخ" وممن يصدقه من الناس "الأغبياء التافهين المستحمَرين...إلخ" سؤال: هل سبابنا هذا يغير من الواقع شيئا؟ أم أنه في الواقع يكرس لدى ضحايا الإعلام قناعاتهم التي يملأ بها الإعلام عقولهم من أن معارضي العسكر "متعصبون متطرفون إرهابيون إقصائيون"؟ قبل ثلاثة أيام نشرت كلمة بعنوان (رسالة على متابعي الإعلام المصري) أتلطف معهم فيها وأحاول أن أدلهم على سُبل الاهتداء إلى الحق في أيامنا. علقت إحدى المتابعات بتعليق يدل على تأثرها بالإعلام، فجاءتها ردود من قبيل: (البرسيم الي بتاكليه بنكهة ولا بدون نكهة؟)، (الغباء لا دين له)... وأنا أتساءل! الذين يعلقون بهذه التعليقات بماذا أفادوا الدعوة؟ هل هم بذلك يساعدون الأخت على تغيير رأيها؟ هل هم بذلك يساهمون برفع الظلم عن المظلومين؟ وأقول "الأخت" لأنه تبين من مناقشة بعض الأخوات لها أنها محبة للدين متأسفة على ما يحصل، لكنها متأثرة بالبنزين والنار: أخطاء "الإسلاميين" وكذب الإعلام... هذه الأخت نفسها بعد متابعة الكلمة علقت قائلة: "شاهدت الفيديو وجزاك الله خيرا ... الان مع الاسف لا يوجد من يطبق الشريعة .... اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق ... امين". والعديد ممن تهجم علينا من قبلُ عاد معتذرا ينشر المواد ويدافع عنها. وسؤالي: إن كنا لا نتحمل تعليق هذه الأخت ونهاجمها بأوصاف لا تليق، فكيف بمن هم أبعد منها عن الدين؟ وماذا نستفيد بتأكيد الصورة النمطية التي يحاول الإعلام أن يحشو بها أدمغة الناس عن رافضي حكم العسكر؟ أحبتي، إن كنا نشكو أن الإعلام ليس بأيدينا فكذلك كان أيام النبي صلى الله عليه وسلم...حتى أن كفار قريش كانوا يتلقون القادم الغريب ينفرونه عن رسول الله سلفاً، وما كان رسول الله يسير بين قوم إلا تبعه أبو لهب ينفر عنه، ثم مارس المنافقون الدور في دولة المدينة. لكن صدق النبي ارتسم على وجهه فكان وجهه إعلاما بحد ذاته...حتى قال عبد الله بن سلام اليهودي: (فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب !) وكان أبو بكر يصلي بفناء بيته بمكة ويقرأُ القرآنَ، ((فيَنْقَذِفُ عليه نساءُ المشركين وأبناؤُهم، وهم يَعْجَبونَ منه وينظرون إليه)) كما في البخاري...لماذا؟ قال الراوي: ((وكان أبو بكرٍ رجلًا بَكَّاءً، لا يَمْلِكُ عينيه إذا قرأ القرآنَ، وأفزع ذلك أشرافَ قريشٍ من المشركينَ))... إنه صدق أبي بكر الذي تحول إلى رقة في صوته ودمعة في عينه قامت بدور الإعلام الصادق المؤثر المخلص. أحبتي، لقد شوه كثير منا سمعة الدعوة...ولا تزال صورة النواب الملتحين النائمين في جلسة مجلس الشعب، وأمثالها، ماثلة في عيون الناس! فلا بد لنا من إصلاح هذه الصورة بسلوكنا بصدق وإخلاص خوفا على الناس أن نفتنهم في دينهم، قبل أن يكون خوفا منهم أن يحاربونا على ديننا. هذا الجانب، الدعوة بحسن الخلق، هو الإعلام العملي الأقوى، والذي لا يستطيع أحد انتزاعه من أيدينا، ولا يحتاج تعاونا من الأقمار الصناعية، والذي أهمله الدعاة وخسروا بإهماله الكثير عندما انشغلوا عنه بالدعايات الانتخابية والدفاع عن الممارسات السياسية الخاطئة. نحتاج أن نستحضر هذا في ممارساتنا اليومية كلها، لإثبات صدقنا وأمانتنا وإنتاجيتنا وسائر الصفات التي جردنا منها الإعلام في عيون الناس، ورسم لنا الصورة المضادة التي ساهم بعضنا-للأسف- في تكريسها. فسلوكك السيئ في قيادة السيارة ومحاولتك أخذ دور غيرك يكرس في أذهان الناس تهمة أن المتدينين أنانيون يريدون فرض أنفسهم على الناس، غلظتك في الرد على المتأثرين بالإعلام يكرس صورة أننا متطرفون همجيون، تأخرك عن دوامك في شركتك وإخفاقك في دراستك يكرس لديهم أننا عالة فاشلون غير منتجين! ستقول لي: نحن الآن نُذبح ونطارَد ونسجن! عن أية دعوة تتحدث وأي حسن خلق؟! ليس هناك حل عاجل يا أخي، ولا قيام لنا إن بقينا نعمل بطريقة إدارة الكوارث...قد تضطر الهمجية والوحشية المستضعفين إلى طرق أخرى، لكن لا شيء يغني عن تنقية صورة الدعوة في عيون الناس من جديد، وإلا كان علينا أن نجابه من ليس عدوا للإسلام فحسب، بل من يحب الإسلام أيضا لكننا استعديناه وجعلناه ينحاز لعدونا بسوء سلوكنا وغلظة ردودنا. إن شوه الفلول صورتنا على الشاشات فليكن كل منا –بصدقه وأمانته وخلقه على أرض الواقع- محطةً متنقلة...وإن سلبونا الإعلام، فلنكن نحن الإعلام.

مقال منشور قبل شهر في مجلة (The Lancet)، إحدى أشهر المجلات العلاجية العالمية، معنونة بعنوان: ليس هناك مستوى من تعاطي الكحول يحسن الصحة. وهي بناء على دراسة مستفيضة شملت 195 دولة ومقاطعة لمدة 26 عاما من 1990-2016. - في كتب العلاجات التي نُدَرسها لطلابنا، وهي من مصادر أجنبية، اعتادوا أن يكتبوا ضمن التوصيات العلاجية: Limit weekly alcohol consumption to... يعني حدِّد المريض بالكمية الفلانية من الكحول أسبوعيا. كنت أقول لطلابي: اشطبوا الرقم المذكور واكتبوا بدلاً منه: صفر ! بعض الدكاترة قد يجدون حرجا في ذلك، بانتظار توجيهات السيد الأجنبي الذي يحدد لنا المسموح والممنوع والموصى به!! - كما أن عامة النصارى يستجيزون شرب بعض الخمر، ففي كتابهم المحرف أن داود النبي كان من ضمن تسابيحه في المزمور 104 ما يلي: (باركي يا نفسي الرب.. اللابس النور كثوب، الباسط السماوات.. المنبت عشباً للبهائم، وخضرة لخدمة الإنسان، فإخراج خبز من الأرض وخمر تفرح قلب الإنسان.. " (مزمور 1:104 و2 و14 و15). ومن نصائح بولس لتلميذه تيموثاوس: (استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (1تيموثاوس 23:5).

كم هو مستفز أن ترى مغتصبي السلطة في العالم الإسلامي يريدون "استخدام" الدين وركوبه وامتهانه في حربهم على "الإرهاب"! وكم هو مستفز أن ترى -في المقابل- شخصيات بعضهم "شيوخ" يُسْرِجون الدين ليركبه "ولاة الأمر" ويضفون عليهم الشرعية ويصطفون في صفهم ويُدينون "الإرهاب" من تحت آباطهم (جمع إبط)! عندما يُستهان بالدين في بلاد المسلمين، ويُنشر الإلحاد في الجامعات، وتفتح البلاد نهبا لجمعيات صهيونية ويهودية وماسونية، ويُنشَّأ طلاب الابتدائية على تعظيم "السلطان" أكثر من الله تعالى! وتنص القوانين على عقوبة من يذكر "قداسة" السلطان بسوء بأشد من عقوبة من يسب الله تعالى، ويعتلي كثيراً من المنابر الجُهَّالُ والمهرجون فيزدري الناس الدين وشعائره!... ثم بعد ذلك يقال للدين: "تعال غني معانا أغنية إخص على الإرهاب"! فما هؤلاء إلا كما مثَّلهم سيد قطب رحمه الله: يريدون للدين أن يكون كخادم يلزم منطقة الخدم، حتى إذا صفق له سيده جاء فقبل الأرض بين يديه وتلقى الأوامر ونفذها ثم انحسر وراء الباب في انتظار تصفيقة أخرى!!! ما أبشعها من صورة! وما أحطه من امتهان! وما أقبح أن يرضى بعض المتحدثين بهذا الدور، فيتعامون عن هذه الجرائم السلطانية كلها، ويصطفون خلف "الأسياد"، ويلبسون زِي الحرب معهم، ويضفون عليهم الشرعية، وأعذارهم في ذلك جاهزة:

٢١‏/٦‏/٢٠٢٠

في منشور لأخي الدكتور عبد الرحمن ذاكر عن نصائح للأهل بخصوص العطلة الصيفية لفت نظري استخدامه لعبارات مثل: "احرص على ربط ابنك بصحبة صالحة سعيدة"، "حتى لا يعاني الأبناء من الإدمان على ما يضر يحتاجون أن يروا في البيت أبوين مؤمنين سعيدين" (الكلام بالمعنى). التركيز على كلمة (سعيد) ذكرني بمعنىً حاولت مقاربته في كلمة قديمة بعنوان (هل الإسلام دين الحزن بالفعل؟)... عندما تكون مؤمناً (سعيداً) فإن هذا يدل على أنك فهمت الإيمان بالشكل الصحيح... وحينئذٍ فأنت تصلح كأبٍ/أم قدوة، وصديقٍ قدوة، وموجٍّهٍ قدوة. ابتسامتك الصادقة ونفسك المطمئنة خير دعوةٍ لمن حولك...فالناس يبحثون عن دين/منهج يحقق لهم السعادة. والله تعالى وعد المؤمنين بالحياة الطيبة: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)...فحياتك الطيبة دليل صحة عملك الصالح. كم منا مَن يلتزم بشعائر الإسلام الظاهرة، ويكون لديه صدقٌ في الإقبال على الله وطاعته، لكن دون توازن نفسي، ودون إعطاء كل ذي حق حقه، فيعاني من الاحتراق النفسي، والقلق الدائم، وهو يحسب أن هذا كله محمود لأنه (في سبيل الله) و(من الهمِّ على الأمة) و(دليل حياة القلب)... وحقيقة الأمر أنه لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، ولا حوَّل همه على أمته إلى هِمة، ولا حُرقة قلبه إلى عمل نافع..فبدل أن تكون الحرقة وقوداً دافعاً للعمل أصبحت حارقة لنفسه وأعصابه! فظهر من الرهَقِ والعبوس على وجهه ما يصد الناس عن مظاهر (الالتزام) التي يتزيَّىى بها. ولنا في رسول الله أسوة حسنة...كان صلى الله عليه وسلم (كثير التبسم)، (تهلل وجهه كأنه مُذهبة)، (تبرق أسارير وجهه)، ( استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر) كما في الأحاديث الصحيحة، مع كل أشكال المعاناة التي عاناها من الكفار والمنافقين وفقد الأبناء وموت الأحبة. ورحمة الله على شيخ الإسلام ابن تيمية الذي حمل هم الأمة وصد عنها عوادي الإلحاد والزندقة كما صحح مسار الانحراف في العقائد وعاش فترة عصيبة اجتمع فيها على المسلمين التتار من المشرق، والصليبيون من المغرب، والقرامطة والحشاشون وغيرهم من فئات الضلال من داخل بلاد المسلمين، وجاهد بنفسه كما جاهد بفكره...ومع هذا كله وصفه تلميذه ابن القيم بأنه كان: (من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرهم نفساً، تلوح نضرة النعيم على وجهه). فتذكر يا مُحب: سعادتك دليل فهمك لإيمانك.

كثير من الناس لـمَّا يستمر في معصية (صحوبية بين الشباب والفتيات، عد التزام بالحجاب الشرعي...إلخ)...يكون رافضاً أن "يعترف" انه مخطئ. لماذا؟ لأن كلمة (يعترف) هذه تُصَور له أنه جالس مطأطئ رأسه/رأسها أمام "الشيخ" أو "الملتزم"طالباً منه السماح! فعلى طول ينفر ويبدأ يتذكر سلبيات هذا "الشيخ"، أو تتذكر هي سلبيات "الشيخة" وأخطاءهم ومعاصيهم التي هي من نوع آخر.

بقَدْر ما تخالط المستهينين بدين الله وتجاملهم وترى منكراتهم فتسكت عنها ولا تنكرها...بقَدْر ما ينقص مِن تعظيم الله في قلبك. فليتذكر ذلك كل صاحب دعوة و"تَدَيُّن" يجامل من أعرضوا عن شريعة الله، بل حاربوها، وفتحوا لأعدائها بلاد المسلمين...وهو مع ذلك يجاملهم، ويخالطهم، ويضفي عليهم شرعية في عيون الناس بحجة "مصلحة الدعوة"! وأي مصلحة للدعوة، وتعظيم الله يُنتقص من قلبك يوماً بعد يوم، فينزع الله هيبتك من قلوب الناس بقدر ما انتُزعت هيبة دينه تعالى من قلبك! ألم تسمع قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)) هكذا هي الخطوات: الحرص على رضا الذين كرهوا ما نزل الله، ثم طاعتهم في (بعض الأمر)، ثم تسويل الشيطان وتزيينه، ثم الارتداد والانتكاس إلى الخلف، مع أن الهدى كان لهم بيِّناً واضحاً...لكنه الحرص على رضا كارهي الشريعة، يُميت القلوب. وَلْيتذكر ذلك أيضا كل من يخالط أصدقاءه-زملاءه في العمل-أقرباءه...ممن لا هَمَّ لهم إلا الترفيه وإضحاك الآخرين، ولا حدود عندهم يحترمونها، فيسخرون من شعائر الدين بشكل مبطن...فيبتسم هذا ويجاملهم بدل أن يحمر وجهه ويغضب! خوفاً من أن يُنَفِّرهم! #تعظيم_الله تعالى جوهرة قلبك، لا تسمح لأحد أن يُفسدها عليك.

من المؤلم أن نرى في بلاد المسلمين، ومنها الأردن، تضجر البعض من إخوانهم النازحين من سوريا، على اعتبار أنهم زاحموهم على "أرضهم" وأخذوا فرص "عملهم" ! كم جلسنا أمام الشاشات نبكي على حال إخواننا وأخواتنا… كم لُمنا أنفسنا على عدم نصرتهم. كم استنكرنا الظروف السيئة التي يوضعون فيها مثل مخيم الزعتري... أَوَلَمَّا ساق الله إلينا فرصة مواساتهم وتخفيف معاناتهم, مللنا وقست قلوبنا سريعا بهذا الشكل؟ بدل أن نستغل هذه الفرصة بإكرامهم والإحسان إليهم عسى الله أن يخفف عنا إثم خذلانهم...عسى الله ألا يبتلينا بمثل ما ابتلاهم به. تعذرنا بالمعاذير عن الجهاد ونصرتهم بالنفس والمال والكلمة...فهل أقل من أن نواسيهم ونرحم أراملهم ونمسح رؤوس أيتامهم؟! خاصة ونحن نرى بلاءهم في الأراضي التي تشتتوا فيها مثل لبنان. ألا نخشى أن يحل بنا عذاب من الله على ذنوبنا فلا نجد من يصبر علينا؟ وكما تدين تدان. هل أثرت فينا الحدود الوهمية التي رسمها عدونا بيننا؟ أين نحن من قوله تعالى: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة)؟ أين نحن من قول نبينا صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) ما أحوجنا إلى تدبر قوله تعالى في الأنصار: (يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) لم يجد الأنصار في أنفسهم حسدا ولا غيظا حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم فيء بني النضير بين المهاجرين دون الأنصار مراعاة لحالهم. أيُعقل أن يجد إخواننا وأخواتنا المعاملة الحسنة من "المنصرين" ويجدوا من إخوتهم في الدين عبوسا وتبرما؟! بإحساننا لإخواننا فإنا نحسن لأنفسنا، ونستنزل رحمة ربنا، وندخر عنده سبحانه معروفا عساه يؤخر العذاب عن هذا البلد الذي كثر خبثه. وصنائع المعروف تقي مصارع السوء، والراحمون يرحمهم الرحمن.

أحيانا ونحن نستغفر يتساءل أحدنا: (وما هي ذنوبي التي أستغفر منها؟ أنا مستقيم بشكل عام وبعيد عن الكبائر). من أخطر ذنوبنا التي ننساها: كبائر القلوب، وعلى رأسها: سوء الظن بالله تعالى! هذه الكبيرة القلبية تزداد خطورتها في أيامنا التي نرى فيها مآسي المسلمين، ونتوهم العجز عن مساعدتهم، فيتحول الألم إلى انكسار في نفوسنا وشبهات تزعزع الإيمان. حتى تعرف خطورتها، انظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) (رواه مسلم). هل يعني ذلك أنه إن جاءك ملك الموت يقبض روحك فلك أن تقول له (أمهلني حتى أحسن الظن بربي)؟ طبعاً لا. فالمقصود إذاً هو أن تحافظ على حسن ظنك بالله تعالى في كل لحظة بحيث لا يوافيك الموت على غير هذا الحال أبدا. تصور أنه حاك في نفسك سوء ظن بالله تعالى، فهل لك أن تؤجل علاجه إلى أن تتم قراءة تفسير سورة مثلا؟ فضلا عن الالتهاء عنه بأمور الدنيا؟ لا! بل عليك أن تعالجه فورا. فهذا مرضٌ علاجُه غير قابل للتأجيل لحظة واحدة. طيب ماذا أفعل؟ اعرف أسبابه وعالجها. وهذا موضوع كبير، لكن أقول هنا باختصار: أسباب شيوع سوء الظن بالله تعالى:

أولاً: أن الحجاب (الصحيح) هو من أسباب حفظ المرأة من التحرش، هذه حقيقة قرآنية في قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما).

من حسن الفهم ألا نعتمد خطابا واحدا في تقريب أنفسنا والناس من الله تعالى. صحيح أن معاصينا وذنوبنا سبب ما نحن فيه من وضع أليم، وإن لم نتب فنحن مُتَوَعَّدون بعقوبتها في الآخرة... لكن –ومن قبيل التوازن- علينا أن نتذكر عِظَم وكرامة أننا...مسلمون. إن هُنَّا -كأُمَّةٍ مستَضعفة- على الناس ثم عدنا فظننا أنا هُنا على الله كذلك، فإن هذا يُضعف عزيمتنا ورجاءنا في استجابة الله لدعائنا ويوقعنا في اليأس والإحباط. عليك أن تحاسب نفسك وتزكيها، لا أن تجلدها وتحقرها. فيك ميزة كبرى مهما أسأت وأذنبت: أنك مسلم تقر لله بالوحدانية وتعظم شرعه ولا ترضى به بديلا. وهذا سبب كرامة عظيمة وقربى عند الله. فابْنِ على ما فيك من خير لتعوض النقص، ولا تنظر لنفسك بعين الازدراء. أخي، أتعلم ما معنى أنك (مسلم)؟ أختي أتعلمين ما معنى أنك (مسلمة)؟ أنك تقر بالحقيقة العظمى التي من أجلها خلق الله السماوات والأرض وأرسل الرسل وأنزل الكتب وخلق الجنة والنار. لذلك فقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن من أعظم التوسل إلى الله أن تتوسل بتوحيدك فتقول: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). وفي الحديث الصحيح أن العبد يؤتى به يوم القيامة فتُنشر له سجلات سيئاته كل سجل منها مد البصر، ثم توضع بطاقة عليها (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله)، فيقول العبد: (يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟!)، فيقول: (إنك لا تُظلم)، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فتثقل البطاقة وتطيش السجلات. الثلاثة الذي سُد عليهم الغار فدعوا الله كل منهم بأرجى عَمَلٍ له...هم لا يمتنون على الله بأعمالهم هذه ولكن كأنهم يتوسلون إلى الله ويسترحمونه بأنه وفقهم إلى هذا الأعمال الصالحة فأشعرهم أنهم من أهل كرامته وأطمعهم في رحمته ومعِيَّته. ليس شرطا أنهم كانوا صالحين في سائر حياتهم، فانظر مثلا ثانيهم الذي كاد استغل حاجة ابنة عمه ليراودها عن نفسها، لولا أن منعته تقوى الله في آخر لحظة، وليس هذا حال زاهد عابد، ومع ذلك فقد استجاب الله له وفرج عنه. هل نعدم نحن أعمالا صالحة نتوسل بها عند الله تعالى؟ ردد في نفسك: (أنا أحب الله، أنا أعظم الله، أنا أغار على حرمات الله، أنا لستُ سيئا كما يوهمني الشيطان ليبعدني عن الله، بل أحب الله وأرجو أنه تعالى يحبني). مع الحرص الشديد على ألا تقع فيما يمس جوهرتك الكبرى (توحيدك) مما انتشر في هذا الزمان كالاستخفاف بشرعه تعالى أو تقديم قوانين البشر عليه وجعل الطاعة المطلقة لغيره سبحانه. عندما تقرأ قوله تعالى (إن رحمة الله قريب من المحسنين)، لا تقل: وأين أنا من المحسنين وفي من المعاصي كذا وكذا؟! بل قل: (توحيدي لله وتعظيمي لدينه إحسان، فلستُ مطرودا من هذه الآية بالكلية. لكن علي أن أتخلص من ذنوبي لتكون رحمة الله مني أقرب وأقرب). هذا ما ينبغي أن يمتلئ به قلبك في مواسم الخيرات والرحمات مثل يوم عرفة، لتدعو الله برجاء ويقين. قال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه وعيناه تذرفان، فالْتَفَتَ إلي فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له. والله تعالى أعلم.

على الرغم من كل شيء فإني مستبشر بما تمر به أمتنا..ومن أسباب استبشاري أن هذه الأحداث تجبر حاملي الهم على تصحيح لغة الخطاب مع الناس.. "صلي يا أخي.. تحجبي يا أختي...اترك سماع الأغاني..اتركي مشاهدة المسلسلات".. كان هذا الخطاب يَفترض أن هؤلاء المخاطَبين ليست لديهم مشاكل عقدية حقيقية..وأن ما ينقصهم هو سماع الدليل على ما يجب فعله أو تركه..وشيء من التشجيع على الالتزام...والتخويف من عواقب التفلت. كان هذا الخطاب يغتر بأن المخاطَبين مسلمون أبناء مسلمين..من أمة المليار ونصف..فمسألة اليقينيات يفترض أن تكون محسومة عندهم. وقد كنت من سنوات طويلة كنت أحس بأن هذا الخطاب يقفز عن المشكلة الأصلية..مشكلة ضعف اليقينيات في نفوس الناس...فكان لا يأتي بالنتائج المرجوة. الآن...ومع شراسة الهجمة..قناعات كثيرة اهتزت...شكوك طفت على السطح..خزَّان المليار ونصف يتصدع ويتسرب منه من يتسرب.. وأصبح المصلحون يشتكون أن من يُفترض أنهم مسلمون أصبحوا يسألون عن المُسَلَّمات ويشُكُّون فيها.. يعني عُدنا إلى المربع الأول، وأصبحنا ندعو عدداً من "المسلمين" إلى الإسلام!! أتعلمون إخواني؟: هذا خير ! نعم، خير.. أن تعود فتبني العقيدة من لبِناتها الأولى وتُحْكِمَها قبل أن تنطلق منها للأحكام والحرام والحلال..هذا يُوَجِّهُ بوصلة الخطاب الوعظي الذي كان يقفز عن المشكلة الحقيقية. وهذا يعيد الدعوة إلى مرحلتها النبوية التأسيسية التي وصفتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (إنما نَزَلَ أولَّ ما نزَلَ منه –يعني من القرآن- سورةٌ مِن المُفَصَّلِ ، فيها ذكرُ الجنةِ والنارِ، حتى إذا ثابَ الناسُ إلى الإسلامِ نزَلَ الحلالُ والحرامُ ، ولو نزَلَ أولُّ شيءٍ : لا تشربوا الخمرَ لَقالوا : لا نَدَعُ الخمرَ أبدًا ، ولو نزَل : لا تَزْنُوا ، لقالوا : لا نَدَعُ الزنا أبدًا) (البخاري). عدنا مع شريحة من المخاطَبين إلى اليقينيات: الله، النبوات، الدار الآخرة... قد يبدو مؤلماً أننا عدنا للمربع الأول...لكن صدقوني، البناءالمحكم يبدأ من هنا...لا من خداع أنفسنا بالأعداد والمليارات التي وصفها نبينا صلى الله عليه وسلم مقدماً: (بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل)! وهذه العودة للمربع الأول ستكون لها نتائج عظيمة بإذن الله...على إيماننا وإيمان من ندعوهم..المهم أن نتصدى لهذه بهمة وعزم ويقين، لننجح في هذا الاختبار، ونستنقذ من يمكن استنقاذه... أبشروا..فإن الله تعالى لا يُقَدِّر شراً محضاً..بل الشر يحرك مياه الخير الراكدة، ويستخرج الكنوز من نفوس المؤمنين..وتكون النتيجة النهائية: الخير لهم وعلو الدرجات، والخسران للكافرين والمنافقين...فهي أحداث خافضة رافعة..سنة الله في الذين خلوامن قبل.

إخوتي المحاصرين بحمص والغوطتين، أتحزنون لأنكم ترون النفوس تموت سُدىً ما أحدثت في عدو هزيمة ولا جلبت للمسلمين نصرا؟ فلا والله ما ذهبت سدى! فمن مات لأجل دينه وعرضه فهو شهيد وإن كان يموت جوعا وحصارا. هذه نفوس يصطفيها الله من بين خلقه: (ويتخذ منكم شهداء)، والله لا حاجة له بنكاية في عدو، ولا أنتم ملزمون، إن اصطفاكم الله، بنصر للمسلمين. بل قد وقعت على الله أجوركم وما كان الله ليضيع إيمانكم. في الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن غازِيَةٍ أو سَرِيَّةٍ تَغزو فتَغنَمُ وتَسلَمُ إلَّا كانوا قد تعجَّلوا ثُلُثَي أُجورِهم. وما مِن غازِيَةٍ أو سَرِيَّةٍ تُخفِقُ وتُصابُ إلَّا تَمَّ أجورُهم). وفي القصة التي أوردها البخاري أن سبعين من خيرة الصحابة كانوا يسمون القراء، أي كثيري قراءة القرآن، وكانوا من القوامين بالليل، أرسلهم رسول الله إلى قبائل رعل وذكوان وعصية وبني لحيان ليعلموهم الإسلام، فغدروا بهم، وطعنوا أحدهم برمح في ظهره نفذ من صدره فقال: (فزت ورب الكعبة)...فاز لأنه قُتل على طاعة الله. ثم قتل الغادرون بقيتهم. تصوروا يا إخوتي هذا الحادث الأليم! سبعون من خيرة الصحابة يُقتلون وما علموا الناس دينهم بعد ولا أحدثوا في أعدائهم نكاية ولا حققوا للمسلمين نصرا ظاهرا. ومع ذلك ماذا كان مصيرهم؟ قال أنس بن مالك: (فقَرَأنا فيهم قُرْآنًا، ثم إنَّ ذلك رُفِعَ: بَلِّغوا عنَّا قَومَنا أنا لَقينَا رَبَّنا فرَضيَ عَنَّا وأرْضانا)...آيات تلاها الصحابة فيهم قبل أن تُنسخ. فأي فوز أعظم من هذا؟! والله ما تذهب نفوس من يموت منكم سدى واللهُ ببركتها وبركة غيرها سيقيم للمسلمين مجدا ولو بعد حين، وحسبها أنها أبرأت ذمتها، ثم حسبها أن تبقى مضرب المثل للمسلمين، وقدواتٍ قريبة لكل طالب كرامة فيقول: أهل حمص والغوطتين ابتُلوا في الله وحوصروا سنتين لا يجدون ما يأكلون وزلزلوا زلزالا شديدا وتوفاهم الله على هذا الحال مؤمنين صابرين محتسبين، أو جعل الله لهم بعد ذلك مخرجا من حيث لم يحتسبوا. فأنتم يا إخوتي صُناع المجد ومنارات الثبات، وإن احتسبتم الأجر فلعل الله يجعل من استن بسنة صبركم بعدكم إلى القيامة في صحائف أعمالكم. وانظروا حال أصحاب الأخدود الذين ضربهم الله مثلا للمؤمنين إلى قيام الساعة. ولذا فإني أتجه بالكلام إليكم الآن وأترك من ليس في مثل حصاركم ممن قصر في نصرتكم. فأنتم أرفع شأنا وأبقى أثرا وأعز إلى قلوب المؤمنين.

٧‏/٦‏/٢٠١٥

أتقنتَ عملك، أحسنتَ تعاملك، خاطبت مَن حولك بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم...ومع ذلك لم يتغير شيء في الظاهر! زملاؤك، تلاميذك، زبائنك، جيرانك...المقصر في الصلاة لم ينتظم فيها، المتبرجة لم تتحجب، متابع المغنين والممثلين لم يهتم بأمر الأمة. لا تحزن، إنك لم تفشل! ما دمت قد فعلت ما فعلته بصدق وإخلاص وحسن اتباع لسنة الحبيب في الدعوة... هناك نجاح كبير قد لا تشعر به، وهو تنقية قلوب من حَولك من "أعمال قلوب" مهلِكة، هي أخطر بكثير من المعاصي الظاهرة. هي...كانت تكره المتحجبات، بفعل الإعلام وبيئتها العائلية...والأخطر أن الأمر اختلط عليها بعد ذلك فأصبحت تكره الحجاب ذاته كشعيرة دينية، وحتى عندما كانت تقرأ القرآن مرة في السنة في رمضان كانت "لا تحب" آيات الحجاب، أو تراها منتهية الصلاحية! تعرفت عليكِ، رأت نموذجا آخر غير المطبوع في دماغها، أحبَّتكِ، بدأت قناعاتها النمطية تهتز، وصلت مرحلة الألفة مع الحجاب والقناعة بأنه "هو الصحّ"...أصبحت عندما تقرأ آيات الحجاب تستحي من ربها عز وجل وتقول في نفسها: (أنا غلطانة، أنا ضعيفة، يا رب اغفر لي، يا رب قويني). لم تتحجب، لكن...هل تعلمين حجم النقلة التي نقلتِها إياها؟! يوم كانت تكره شيئا من دين الله تعالى، كان يُخشى عليها أن تكون ممن قال الله فيهم: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم)...فكراهية ما أنزل الله من أعمال القلوب التي تُـخرج صاحبها من الإسلام والعياذ بالله. اليوم، أصبَحَتْ من أهل آية: (وآخَرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم). أمس، كان في قلبها ما يحبط الإيمان، واليوم، يوم ألِفَتْ أمر ربها عز وجل وأيقنت بحكمته... لا زالت على كبيرة أي نعم، لكنها مما يدخل في قوله تعالى: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). فكيف تظنين بعد ذلك أنكِ فشلتِ؟! كذلك أنتَ أخي، وقد نقلتَ أُناسا بفضل الله، من ازدراء المتدينين (وازدراء بعض شعائر الدين بالمعية، وهو الأخطر !) إلى توقير دينهم والألفة معه والإحساس بأنهم هم المقصرون. قد لا يتغيرون في الظاهر ولفترةٍ طويلة، لكن النقلة النوعية القلبية قد تكون هي فرق ما بين الخلود في النار إلى الخلود في الجنة! فكيف تظن بعد ذلك أنك فشلت؟! بل هذا من أعظم النجاح. وكما قيل: لا تيأسنَّ من استجابة مُعرضٍ أو تأمنَنَّ من انتكاس هُمام وانثر بذور الخير في كل الرُّبى فلربما نَبَتَتْ مع الأيام

٧‏/١٢‏/٢٠١٤

خطأ كبير أن تجعل الغاية النهائية التمكين للمسلمين في الأرض ثم تحكم على كل عمل لا يؤدي إليها –في نظرك- بأنه عديم القيمة! بل الغاية طاعة الله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر). الغاية هي العبادة بمفهومها الشامل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). وإنما التمكين وقيام الدولة المسلمة ورفع الجور عن المسلمين هو لحراسة الطاعة والعبادة. نعم، قد نختلف على تحديد الطاعة المثلى والأعظم أجرا، لكن ليس لنا أن نحقر طاعة على اعتبار أنها "لا توصل إلى الهدف"! فهي بحد ذاتها هدف. هذا ما يميز الدعوة الإسلامية التي لام الله نبيه فيها على الانشغال بأشراف قريش عن أعمى فقال له: (كلا إنها تذكرة () فمن شاء ذكره). فجواب سؤال الأعمى كان أعظم عند الله قربى من محاولة رفع الجور عن المسلمين بإقناع أصحاب القرار بمكة. وعندما أسلم الغلام اليهودي ثم مات فرح به النبي صلى الله عليه وسلم إذ أنقذه الله به من النار مع أن إسلامه قبيل وفاته لم يسهم في التمكين. لا نريد أن نصبح كأصحاب الدعوات الأرضية، بأن نجعل التمكين هدفا نهائيا ونحكم بعدها على أعمالنا نجاحا وفشلا على أساسه! فهذه نظرة أرضية ولو ظنناها سماوية بحتة! قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئا)...أيَّ شيء مهما صغر في نظرك، ومن حقَّر طاعاته وطاعات الناس فهو يخالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم، ويضيف بذلك معصية إلى معصية خذلان المسلمين التي تؤرقه! نحى رجل غصنا عن طريق المسلمين فدخل الجنة، وسقت امرأة كلبا فدخلت الجنة، وليس لك أن تزدري أمورا عظمها الله تعالى! تعليم الناس الطهارة، تعليمهم حديثا، تنقية قلب عبد من شبهة، خشوعك في صلاتك، سعيك على عيالك...كلها تصب في الهدف الأعظم: (طاعة الله). فلا يجوز أن تُذم أو تزدرى. انظر إلى الطاعات الجزئية على أنها جزء من سعيك لتعبيد الناس لربهم ونهضة أمتك، فكلما رأيت كلمة طيبة وفعلا طيبا اعتبرتها أساسا يُعتمد عليه لبناء حب الله في قلوب العباد وجزءاً من مشروعه نهضة الأمة، وحينئذ فلن تحقر من المعروف شيئا. استمد من الفرح بطاعتك القوة على التخلص من تقصيرك، وإياك أن يجعلك تقصيرك تحقر طاعتك، أو يجعلك تقصير الآخرين تحقر من طاعاتهم. لا نتكلم عن التحقير بمعنى استصغار العمل في جنب الله تعظيما له سبحانه، بل عن الشعور باللاأهمية و اللاجدوى من هذه الطاعات! فتحقير الخيرات ذنب يضاف إلى التقصير في نصرة الأمة !

أيها الأحبة، كثير منا يهتم لأمته اهتماما سلبيا يقسو معه قلبه. فلا هو حافظ على الفرح بالطاعة كما كان أول هدايته، ولا هو أنقذ أمته. فيما يلي توصيات مركزة حتى لا نَعْلق في المنتصف بهذا الشكل:

كلام قيم لابن القيم في التأكيد على إشكالية جعل العقل معياراً يحاكَم إليه الكتاب والسنة. قال ابن القيم (مع بعض الاختصار): (نقول للجميع بعقل من منكم يوزن كلام الله ورسوله وأي عقولكم تجعل معيارا له فما وافقه قبل وأقر على ظاهره وما خالفه رد أو أول أو فو؟ض...أعقل أرسطو وشيعته أم عقل أفلاطون وشيعته أم فيثاغورس أم أنبادقليس... أم سقراط أم تامسطيوس أم الإسكندر بن فيلبس أم عقل الفارابي أم عقل جهم بن صفوان أم عقل النظام أم عقل العلاف أم عقل الجبائي أم عقل بشر المريسي أم عقل الإسكافي أم عقل حسين النجار أم أبي يعقوب الشحام أم أبي الحسين الخياط أم أبي القاسم البلخي أم ثمامة بن أشرس أم جعفر بن مبشر أم جعفر بن حرب أم أبي الحسين الصالحي أم أبي الحسين البصري أم أبي معاذ التومني أم معمر بن عباد أم هشام الفوطي أم عباد بن سليمان؟ أم ترضون بعقول المتأخرين الذين هذبوا العقليات ومحضوا زبدتها واختاروا لنفوسهم ولم يرضوا بعقول سائر من تقدمهم فهذا أفضلهم عندكم محمد بن عمر الرازي فبأي معقولاته تزنون نصوص الوحي وأنتم ترون اضطرابه فيها في كتبه أشد الاضطراب فلا يثبت على قول فعينوا لنا عقلا واحدا من معقولاته ثبت عليه ثم اجعلوه ميزانا. أم ترضون بعقل نصير الشرك والكفر والإلحاد الطوسي فإن له عقلا آخر خالف فيه سلفه من الملحدين... أم ترضون عقول القرامطة والباطنية والإسماعيلية أم عقول الاتحادية القائلين بوحدة الوجود؟ فكل هؤلاء وأضعافهم وأضعاف أضعافهم يدعي أن المعقول الصريح معه وأن مخالفيه خرجوا عن صريح المعقول وهذه عقولهم تنادي عليهم في كتبهم وكتب الناقلين عنهم ولولا الإطالة لعرضناها على السامع عقلا عقلا وقد عرضها المعتنون بذكر المقالات. فاجمعوها إن استطعتم أو خذوا منها عقلا واجعلوه ميزانا لنصوص الوحي وما جاءت به الرسل وعيارا على ذلك. ثم اعذروا بعد من قدم كتاب الله وسنة رسوله الذي يسمونه الأدلة اللفظية على هذه العقول المضطربة المتناقضة بشهادة أهلها وشهادة أنصار الله ورسوله عليها وقال إن كتاب الله وسنة رسوله يفيد العلم واليقين وهذه العقول المضطربة المتناقضة إنما تفيد الشكوك والحيرة والريب والجهل المركب فإذا تعارض النقل وهذه العقول أخذ بالنقل الصريح ورمي بهذه العقول تحت الأقدام وحطت حيث حطها الله وحط أصحابها).

بتول حداد: طالبة هندسة نصرانية أردنية في الثانية والعشرين من عمرها أسلمت فعلم أبوها بإسلامها، فاقتادها إلى خارج بيتها وعذبها بشكل وحشي تكسيرا ليديها ورجليها وطعنا بسيخ في بطنها ثم قتلها بصخرة على رأسها كما في شهادة ابن عمها الذي أسلم قبلها. طعنة في كرامة وعزة المسلمين وخصوصا في الأردن.

هل إذا تكلمنا عن أفكار باطلة ينشرها شخصٌ ما ثم وجدنا هذا الشخص في عبادة.. هل يعني هذا أن أفكاره التي ينشرها كانت صحيحة وأن حكمنا عليها كان خاطئاً؟ ما هي المنهجية الشرعية في التعامل مع مثل هذا الموقف؟

أن تكون سويا من الناحية النفسية يعني أن تكون منسجما مع ذاتك، صادقا مع نفسك، فيك خصال إنسانية فطرية كحب من أحسن إليك والوفاء له، تحترم الكبير وتعطف على الصغير، تألف وتؤلف، مريح في التعامل. بينما المشوه نفسيا يخدع نفسه ويفجر في الخصومة ويتعالى على الناس، يسيء الظن بهم ولا يقبل نصحهم، ألد الخصام، إن اختلف مع أحد تفنن في تحقيره غير آبه بجوانب الخير فيه. يحسد ويحقد، وإن لم يستطع الصعود إلى مرتبة غيره سعى في إسقاطه لئلا يحس بالنقص. هذا التشوه النفسي سبب لكثير من المشاكل، حتى بين بعض من يعتبرون أنفسهم متدينين بالمفهوم الضيق عن التدين. ما أجمل التدين "الظاهر" مع السوية النفسية، وما أقبحه مع التشوه النفسي. بل إن كثيرا من تعاليم الإسلام جاءت لتحفظ السوية النفسية لأنها ركن أساس في "التدين". وقد تجد إنسانا عاصيا في بعض جوانبه لكنه سوي نفسيا، سليم الفطرة. وهؤلاء قد يكونون أقرب إلى الله تعالى من كثير ممن يعتبر نفسه متدينا! لأنهم حازوا هذا الجانب المنسي من "التدين": السوية النفسية. وهؤلاء ما أقربهم إلى الخير إن دعوا إليه. على ضوء ذلك نفهم الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تجِدونَ النَّاسَ معادِن: خيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهم في الإسلامِ إذا فقُهوا. وتجِدونَ خيرَ النَّاسِ في هذا الشَّأنِ أشدَّ له كراهيةً. وتجِدونَ شرَّ النَّاسِ ذا الوجهينِ، الَّذي يأتي هؤلاءِ بوجهٍ، ويأتي هؤلاءِ بوجهٍ). فالناس معادن. من كان سويا نفسيا في الجاهلية تراه خير الناس في الإسلام. أما المداهن الكاذب فشر الناس وإن تمسح بمسوح الدين: إذا كان الطباع طباع سوء فلا أدب يفيد ولا أديب فاللهم ارزقنا شخصيات سوية.

٢٨‏/١٢‏/٢٠١٩

السلام عليكم. إخواني الكرام هناك ظاهرة منتشرة مؤخراً، ألا وهي ترحم "الحناين"، الذين يترحمون على كل أحد مسلماً كان أو كافراً ملحداً، معظماً لله وشريعته أو مستخفاً بها متكبراً عليها..

بعدما نشرناه عما قامت به هدى شعراوي التي احتفلت بها جوجل، تساءل البعض عن مصدر المعلومات.

٢٦‏/١١‏/٢٠١٦

من المؤلم أن نرى ضياع تعظيم الدليل الشرعي بهذا الشكل. في سبيل الدفاع المستميت عن مشاركة "الإسلاميين" في مجالس تحتكم إلى تشريعات وضعية، وعن الدخول من قبل في السباق الرئاسي المصري، والتصويت للدستور الوضعي الذي يجعل التشريع للبشر من دون الله، ثم عن النموذج التركي...أصبح كل فعل قابلاً للتبرير والشرعنة... نشرتُ من قبل سلسلة بعنوان (نصرة للشريعة) وحلقات ومقالات كثيرة متفرقة أبين فيها حرمة كثير من الممارسات التي نتجت عن القبول بالدخول في هيكليات الأنظمة الوضعية والحرصِ على استرضاء النظام الدولي. كنت أستدل فيها بالكثير من الآيات والأحاديث...لكن المؤلم والغريب أن الرد لدى الكثيرين على هذا كله جاهز بكلمات قالبية: (المصلحة تقتضي)، (لا بد من المسايسة)، (كن واقعيا)...إلخ. المأساة الكبرى التي تتعمق شيئا فشيئا في أمتنا هي الاستخفاف بالدليل الشرعي... موت تأثيره، انعدام وزنه في نفوس الناس...هذه المأساة لم تقتصر على العمل السياسي، بل امتدت إلى جوانب حياة الناس المختلفة. فـــ"الإسلاموقراطيون" والمدافعون عنهم عودوا الناس على أن أي آية أو حديث نذكرها فإنه يمكن الرد عليها بعبارات "المصلحة والمفسدة"...إذن، فالأصل في أوامر الله ورسوله أنها غير واجبة أن نلتزم بها! فكلها يمكن حملها على غير ظاهرها...ولم يبق من الدين إلا عمومات الأخلاق الحسنة وحب الخير...أما الأحكام التفصيلية، فهناك ألف وسيلة ووسيلة للتخلص منها! حتى الأفعال التي كانت تعتبر من قبل خيانة وخطوطا حمراء... أرى الآن تبريرا لها ممن كنا نحسبهم على خير. ولا عجب، فعندما تنعدم مرجعية الكتاب والسنة، ويفقد الدليل الشرعي هيبته، ويصبح المرد إلى الهوى المنقطع عن الوحي، فإن كل أمر يصبح قابلا للتبرير، وما كان خيانة بالأمس يصبح "مصلحة" اليوم، وما كان جريمة يصبح "سياسة"! بل ويتجرأ البعض أثناء هذا التبرير على مقام النبي صلى الله عليه وسلم بادعاء أنه مارس شيئا شبيهاً، وهو عليه الصلاة والسلام أبرأ الخلق من نفاق قوم اليوم ولفهم ودورانهم (راجع كلمة صلح الحديبية دليل لعدم التنازل). إلى أولئك الذين سينبرون مدافعين...لن تفهمونا... لأنكم قدستم بشرا ثم حملتم على عاتقكم تبرير أفعالهم أياً كانت، أما أنا ومن يوافقني فلا نبني مواقفنا على تقديس فلان ولا الحقد الشخصي على علان! بل تعظيم الكتاب والسنة ولزوم طاعة الله تعالى ورسوله أعز علينا من كل من تقدسون...(فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله).

صحيح أن علينا أن نتابع دراسات مراكز التخطيط الغربية ونطلع على ما يريدون أن يكيدونا به، لكن في الوقت ذاته علينا أن نحذر كل الحذر من أن تصبح ردود أفعالنا على دراساتهم هي الكيد ذاته ونصبح بذلك أدواتٍ لهم ونحن لا نشعر!

٢٢‏/١١‏/٢٠١٤

لا زال عالقاً في ذهني مشهدٌ من فيلم أمريكي عن حربهم على فيتنام، حضرت لقطات منه قبل التوقف عن متابعة هذه الأفلام. وقع جندي أمريكي في الأسر، وكان الفيتناميون يعاملونه معاملة قاسية، إلا فيتناميا واحدا كان يتعامل تعاملا إنسانيا مع هذا الأمريكي، ويحضر له الطعام والشراب خفيةً عن زملائه، ويحِنُّ عليه. وفجأة، هاجم الأمريكيون معسكر الفيتناميين، فقتلوهم وحرروا زميلهم الأمريكي وأعطوه رشاشا ليساعدهم على "العدُوّ". وقع الفيتنامي المتعاطف في بركة ماء...و وقف الجندي المحرَّر على حافة البركة برشاشه...التقت عيناهما لفترة...صمتا فيها طويلا...عينا الفيتنامي كانتا تقولان: (أحسنت إليك، لم أرضَ بما فعله زملائي بك، ستَفِي لي بالجميل...أليس كذلك؟). لكن...فجأة، حزم الأمريكي أمره، وخرق الصمت برصاصات من رشاشه أودعها في صدر الفيتنامي الذي كان يحسن إليه قبل لحظات! وغرق الفيتنامي في الماء الممزوج بدمه. الجندي "البطل" اتجه بعد ذلك إلى "عشيقته" التي جاءت مع "المحررين"، ومشى معها على أنغام الموسيقى التي اختُتم بها الفيلم! الصادم في الموضوع: لماذا يُظهر الأمريكيون في فيلمهم هذه الجانب البشع من نذالة الجنود؟! بل ولماذا يفتخرون به ويعتبرونه نهاية بطولية للقصة؟! لا أظن هناك تفسيرا إلا محاولة طمس الفطرة لدى شعوبهم، خاصة في التعامل مع "العدو"، أو من يصوره إعلامهم كعدو... من قال أن عليك أن ترحم من لم يسئ إليك؟ انظر إلى هذا البطل الذي قاوم نوازع الرحمة وكافأ من أحسن إليه برصاصات أغرقته! من قال أن الوفاء مطلوب؟ لماذا لا يكون الغدر بطولة والخائن قدوة؟! طمس الفطرة يسهل مهمة تجييش شعبهم لسحق شعوب الأرض. فالتضليل الإعلامي وحده لا يكفي...شعارات أسلحة الدمار الشامل والإرهاب عابر القارات وإنقاذ الشعوب يتكشف زيفها كل مرة...لذا، فخوفا من يقظة "الضمير" التي قد تهيج الرأي العام و تزعزع صفهم عن متابعة العدوان...لذا، فلنقتل هذا "الضمير"! لا تستغرب بعدها من نشرهم لصور أبو غريب من تعرية الرجال المسلمين وربط سلاسل بأعناقهم وجرهم منها، وصور التبول على جثث المسلمين في أفغانستان وحرق أخرى، والتقاط الصور بجانب قتلى المسلمين مع ابتسامات عريضة!! والتعامل مع ذلك كله باستهتار شديد...إنهم يطمسون فطرة شعبهم ويحولون الإجرام الجبان إلى بطولة، أو -على أقل تقدير- خطأ يعاقَب بنعومة! ولا تعجب بعدها مما يفعله جنودٌ طُمست فطرتهم وشوِّهت نفسياتهم بهذا الشكل بشعوب الأرض المنكوبة بهم. شتان شتان بين هذا الطمس والتشويه وبين ديننا الذي يقوم على تنقية الفطرة وتنمية قيم الرحمة والوفاء والإحسان، حتى إلى من لا يحاربنا من غير المسلمين.

هل يعقل أن يتم حجب مواقع النت التي لا تروق للمتنفذين في بلاد المسلمين، بل وتتم ملاحقة من يحاول دخولها ومحاكمتهم لأنهم "يشكلون خطراً على الأمن"..

مقطع توفيق حميد/ وهو بداية مهمة جدا أرجو مشاهدتها:

أيها الكرام جاءني تساؤل من أحد المتابعين يقول فيه: (السلام عليكم دكتور..عندي سؤال وجوابك أرجو أن يُرجع إيماني. أين ربنا عن الظلم الحاصل بغزة؟؟؟ أين النصر وتثبيت الأقدام والملائكة التي تقاتل مع المؤمنين؟ معقول يكون في النهاية اليهود على حق والمسلمون هم الظلمة؟؟؟؟؟ بالله عليك جاوبني جواب مقنع علشان قناعاتي وإيماني بكل شيء صارت مهتزة للأسف. وربنا يجزيك الخير). هذه الرسالة إخواني أظنها تمثل عددا من الناس، وهي تبين أننا لم نفهم إسلامنا بعد. عندنا 3 نقاط فيها لنجيب عنها:

مصطلح "الأديان الإبراهيمية " باطلٌ في نفسه، يعني لا يحتاج أن يُشرح المقصود منه حتى نقول إن كان حقا أو باطلاً، بل هو باطل في ذاته، يُستخدم للتضليل وإزالة الفوارق بين التوحيد الذي لأجله قامت السماوات والأرض ونصبت الموازين وخلقت الجنة، وفي المقابل: الشرك الذي تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدَّاً ! فيوضع هذا وذاك في بوتقة واحدة !

عندما ذكرتُ بطلان قصة اليهودي الذي كان يضع القمامة على باب بيت النبي ذكر بعض الإخوة حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عندي يهودي مقابل طعامٍ أخَذَه. فأقول أيها الأحبة: ليسا سواءً! بل حديث رَهْنِ الدرع رواه البخاري وغيره، واتفق أئمة الحديث على صحته. لكن هل يُعقل أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة كلهم بمن فيهم من الأغنياء ويستدين من...يهودي؟! والجواب: نعم، يُعقل، وقد ذكر العلماء حكما لذلك لكن أود أن أضيف عليها:

١٥‏/١١‏/٢٠١٤

أحيانا نمر بظروف صعبة...نفتش في أعمالنا فنرى أننا أخطأنا في حق الله كثيرا. نندم حينئذ. وهذا الندم أمر مطلوب حتى يدفعنا إلى التوبة الجادة. هذا الندم ينبغي أن يكون إحساساً مؤقتاً يدفعنا فوراً إلى إصلاح أخطائنا بإيجابية وحسن ظن بالله أنه سيعيننا ويقبل منا توبتنا ويعطينا فرصة أخرى لتصويب أوضاعنا... لكن أحيانا تسير الأمور مع الواحد منا بطريقة مختلفة، فبدلا من هذه الإيجابية وحسن الظن بالله يتجمد عند مرحلة الندم واجترار الذكريات وجلد الذات ومقت النفس. فتفسد نفسه وتتكدر. ويبدأ يشعر بأن هذا البلاء عقوبة محضة لا رحمة فيها, قاصمة الظهر التي ليس بعدها قائمة! لأن الله تعالى بعدما أعطاه فرصاً في الماضي فلم يستغلها قد مقته وسخط عليه ولن يعطيه فرصة أخرى! ثم...يتسرب إليه الشعور بالجفوة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى! يحس بأن الباب قد أغلق والدعاء قد رُدَّ والشقاوة قد ضربت عليه ما امتدت به الحياة! احذر! هذه مكيدة من الشيطان، بل هي من أخطر مكايده! فهو يجعلك تتوهم في البداية أن لوم نفسك بهذا الشكل مطلوب لأنه اعتراف بالذنب... لكن الشيطان أوقفك عند مرحلة اللوم والندم وجعلك تبالغ فيها ليقودك إلى توهُّم شيء خطير للغاية! تتوهم قسوة القدر ومن قدَّره سبحانه! وفي هذه اللحظة من سوء الظن ستحس بالضياع المخيف! أنت عندما تنقطع بك السبل و تغلق دونك الأبواب، فإنك لا تجد ملجأ و لا منجى إلا إلى الله. فإذا قنَّطك الشيطان من رحمة الله وأوهمك أن بلاءك عقوبة محضة ومقت من الله، فإلى أين تفر؟ و إلى من تلتجيء؟ و إلى من تتضرع؟ و من ترجو؟ ستحس بالضياع المخيف...وهذا ما يريده الشيطان لك! طُرِد من رحمة الله فلا يحب أن يرى مرحومين أو طامعين في رحمة الله! لاحظ أن الشيطان لن يأتيك من باب التشكيك في مغفرة الله هكذا مباشرة...لن يقول لك: الله ليس غفورا رحيما...هذه محاولة فاشلة بوضوح. لكنه سيأتيك من باب آخر! سيقول لك: الله غفور، لكنك لا تستحق مغفرته لأنه أعطاك فرصا في الماضي ولم تستغلها. الله عفو...لكن أنت أفشل من أن تفعل ما تستحق به عفوه. ماذا يريد الشيطان من هذا؟ يريد أن يوقعك في الاكتئاب!الاكتئابِ الذي يشل إرادتك عن إصلاح وضعك والعودة إلى ربك؟ هناك مصطلحات علمية توصف بها أعراض الاكتئاب المرضي. منها الشعور العميق بالحزن وشعور مبالغ فيه بالذنب (exaggerated sense of guilt)، وانعدامِ القيمة ونقصُ الدافعية. الشيطان يجمدك عند مرحلة الإحساس بالذنب ويُشعرك أنك غير قابل للإصلاح، ليشل إرادتك للطاعة ودافعيتك للتغيير، وليفسد علاقتك بربك سبحانه... إنه تعالى أرحم من أن يتربص بذنوب عباده المؤمنين فيبطش بهم ويخرجهم من رحمته ويحرمهم فرصة أخرى... أخي، إذا جاءك الشيطان فقال لك: أنت لا تستحق رحمة الله. فقل:نعم، أنا لا أستحقها لكنه تعالى سيرحمني لأنه أكرم من أن يعامل عباده بما يستحقونه! إذا قال لك الشيطان: إن الله يبتليك عقوبة لأنه يكرهك فقل له: بل يبتليني ليطهرني ويربيني. إذا قال لك:أنت أحط من أن تستأهل رحمة الله، فقل له: رحمة الله أوسع من تضيق عني ولا تشملني. لا تَدَع الشيطان يفسد علاقتك بالله! إنه الله: أرحم الراحمين.

"إذا مش عاجبتك البلد اطلع منها" هذه العبارة قد يسمعها المسلم وهو يحاول الإصلاح في مجتمعه وإنكار المنكرات، مجدفا عكس التيار. والذين يقولونها عادة هم المستكبرون، الذين يرون أنفسهم أصحاب الأرض لأن القوة بأيديهم، فالسماح لك بالعيش ضمن "سلطانهم" كرمٌ منهم وتفضل! ومخالفتك لقوانينهم –بدعوتك القرآنية السنية- جريمة تجيز لهم طردك أو حبسك، على طريقة مَن قَبلهم: (لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودُنَّ في ملتنا). لاحظ: (أرضنا)! لا عجب أن يتكبر المتكبرون، لكن الخطورة إذا تسرب "منطقهم" هذا إلى نفسك أيها المسلم فأحسستَ أنهم أصحاب الأرض حقا وأنك بدعوتك متطفل! فهذا شكل من أشكال الهزيمة النفسية. لا بد أن نستحضر دوما أننا نحن -الذين نطيع الله وندعو إلى طاعته- أنا نحن أهل الأرض، وأن الذين يريدون تطويع الناس لأهوائهم هم المتطفلون، وليس العكس. عندما يقول قائلهم (إذا مش عاجبتك قوانين البلد اطلع منها) فجوابنا جاهز: (إذا لم تعجبك شريعة خالق البلد والكون فاخرج من كونه)! لو أن صاحب عمل استأجرك مع آخرينَ لبناء بيت في بستان ثم غاب عنكم فترة، فبدأتَ تعمره كما أمرك، وبدأ الآخرون يخربون، ثم صوبوا نحوك الأخشاب والحجارة و"بلطجوا" بها عليك قائلين: (نحن أكثر منك وأشد قوة، لذا فنحن أصحاب البستان، فأطِعْنا أو اخرج من البستان). قد تخاف من أذاهم، لكنك ترى فعلهم هذا بلطجة ومنطقهم سخيفا، خاصة وأنك تدرك أن صاحب العمل عائد وسيرى ما صنعت وصنعوا. ولن تحس للحظةٍ أنك متطفل، أو أن لديهم "بعض الحق" في إلزامك بما يريدون! الله عز وجل استخلفنا في هذه الأرض لنعمرها بشرعه وهداه. فمن التزمه فهو من أهلها، ومن خالف فهم المتطفلون. بيقيني في هذا الأمر أشعر بعمق جذوري في كل أرض أحل بها ولو ذهبت إلى أمريكا، وأشعر أني حين أصلح في مجتمعي بما يرضي الله - كالفصل في مؤسسات التعليم المختلط مثلا- فإنما أعيد الناس إلى الأصل، ولا أجد فيه أية غضاضة أو حرج. بهذا اليقين تشعر أنك إن جدفتَ بدينك عكس التيار، فالتيار هو الذي يسير في الاتجاه الخاطئ، بينما أنت تسير منسجما مع سائر الكون الذي خلقه الله، بدءاً من حركات الجسيمات في الذرة وانتهاء بكواكب المجرات. وتشعر بمن يشاغبون عليك في أثناء ذلك ويبغونها عوجا من المتسلطين أنهم -مهما بلغوا من القوة- فهم: متطفلون. فقل لهم: أنا هنا أؤدي مهمتي في كون خلقه الله، فمن لم يعجبه شريعة رب الكون فليخرج منه إن استطاع!

أدرك أعداء الإسلام أن الجيل المسلم يحب أن يكون له جذور يعتز بها ويحن إلى أمجادها. لذا، لم يكتفوا بتشويه القدوات المعاصرة، بل عادوا إلى التاريخ فتعاملوا معه بــ1. الحرق 2. التجهيل 3. التشويه. حرق المكتبات، وتجهيل النشء بالماضي، وتشويه ما يعرفونه عنه.

تعرفت على شخص قبل 16 عاماً..وتكوَّنتْ بيننا صداقة.. مرت الأيام..وتعرضتُ لظروف صعبة..حُبستُ...خرجت من الحبس...لم يأتِ ليسلم علي، ولا اتصل بي.. اتصلتُ أنا به فردَّ بفتور.. فقلتُ: (لعله يريد قطع العلاقة لئلا يتعرض لمشاكل. ومع ذلك، إذا حصل معه هو شيء فلن أقصر معه).. مرت السنوات..توفيت ابنتي..لم يُعزِّني ولا حتى باتصال ! عزَّ عليَّ ذلك..وتنازَعني طرفان: فمرةً أقول: أكرم نفسك يا إياد عن أن تتواصل مع من لا يريد صداقتك...الذي يبيعك بِعه أنت أيضاً... ومرةً أقول: أعطِه فرصةً..عاتِبْه..فإن أعرض فلا تسأل عنه بعدها..

شهدنا الكثير من مجازر الكفار ضد المسلمين، من أندونيسيا إلى البوسنة والشيشان وتركستان وأفغانستان وبورما والأحواز والعراق والشام وجنوب لبنان وفلسطين ومصر والصومال ونيجيريا وإفريقيا الوسطى ومالي وغيرها. وها هو جرح غزة ينزف من جديد. في كل مرة نهب نحن المسلمين هبات عاطفية ونعبر بردود فعل تنفيسية: نتناقل الصور مع تعليقات الأسى، نلعن الكفار ومن عاونهم، نؤلف قصائد...تختلط مشاعرنا ما بين حزن وفرح ويأس وأمل وغضب وخوف ورياء ومتاجرة بمآسي المسلمين طلبا للشهرة أحيانا! هذا كله لا يرد روحا واحدة إلى الأجساد التي صارت تحت التراب، ولا يعوض طفلا واحدا من مئات الأيتام عن حنان آبائهم وأمهاتهم، ولا يرد ساقا بترت ولا عينا قلعت بالقصف، ولا يحدث في العدو خدشا. في كل مرة تعاطف وغليان، ثم تستمر المأساة ونفتر نحن ولا يتغير فينا شيء...بل تبقى ذنوبنا وغفلتنا كما هي! ويعود كل إلى ما كان عليه: - تعود الفتاة لفتنة شباب المسلمين بنفورها من الحجاب الصحيح، وهي التي بكت بالأمس على غزة.

من القصص التي أثرت فِـيَّ حادثة عائلةٍ تعيش في أمريكا مكونة من والدَين لبنانيين مسلمَين لديهما بنتان وولد..رزق الوالدان طفلا جديدا ظهرت عليه أعراض غير عادية، أخذته أمه إلى المستشفى فظن الأطباء من الأعراض أنها تضربه، فبلغوا الشرطة، والتي قامت على الفور بالتوجه إلى البيت وانتزاع الأولاد من جدتهم، وأعطوا الأولاد لعائلة أمريكية إيفانجيلية نصرانية متعصبة، والتي قامت بتغيير أسماء الأولاد ونشَّأتهم على النصرانية...حاول الوالدان شتى المحاولات لاسترداد أولادهما ولم يستطيعا. توفي الطفل الجديد، واحتفظ المستشفى بخلايا منه، وبعد فترةٍ تبين بفحص جيني جديد أن أعراضه لم تكن ناتجة عن ضرب وإنما عن مرض جيني! فقضت المحكمة ببراءة الوالدَين من تهمة إساءة معاملة الأطفال. أتذكر مشهد الأم المسكينة وهي تخرج من المحكمة تبكي من الفرح وتقول: سيعلم أولادي الآن أني بريئة! لكن المفاجأة...بعد كم ظهرت "براءتها"؟ بعد سبعة عشر عاماً!! نعم، بعد سبعة عشر عاماً...كان الأولاد الثلاثة فيها قد تفرقوا في ولايات مختلفة وعاشوا حياة الأمريكان تماما، لا يؤمنون فيها بدين والدَيهم. أجروا مقابلة مع البنت التي كانت تبلغ آنذاك حوالي التاسعة عشرة، وسألوها: (ما رأيك بصدور الحكم ببراءة والدتك؟) فقالت: (هذه المرأة –تقصد والدتها!- لا يربطني بها أي شيء الآن...أنا نشأت مع هذه العائلة وأعتبرهما كوالدَي، قد أهتم في المستقبل بهذه المرأة...أما الآن، فلست مهتمة)!!! حرمان الوالدين من أبنائهما لشبهة سوء المعاملة واحد من أشكال التقنين الأحمق الظالم في الأنظمة الوضعية التي لا تخضع لشرع الله عز وجل! لا أظن عقوبة أشد من هذه! قد يكون قتل الأولاد أهون! أما أن يُسرق أولادك منك ويوضعوا عند من يُنشئهم على الشرك وعلى تكذيب نبيك وإنكار القرآن...وبقوة القانون! وأنت ترى ذلك ولا تستطيع منعه! أولادك، فلذات كبدك!! شعور صعب للغاية..اللهم عافنا وعافِ المسلمين جميعاً. مثل هذا الحادث حصل في حالات محدودة مع المسلمين الغرب، لكن الآن إخواني أصبح يحدث بكثرة، وبكثرة جدا، وفي بلادنا، وداخل بيوتنا! كيف؟ قبل أيام جلست مع تربوي في إحدى المدارس...قاللي: مر علي في مجال التربية ثماني سنوات، ما رأيت انحداراً في أخلاق الطلاب والطالبات مثل السنة الماضية! ووجدت أن الشكوى عامة، وليست في مدرستي فقط..فالآباء يُعطون أبناءهم الموبايلات، التابس، الآيبادس...ولا يوجهونهم، ثم لا يراقبون نشاط أولادهم على هذه الأجهزة...فأصبحت هذه الأجهزة تقوم بغسل أدمغة أبنائنا وتربيتهم كما يشاء أصحاب قنوات اليوتيوب المنتشرة: على المجون، والسخرية، والتفاهة، والتنكر للدين والقيم. والآباء والأمهات...مشغولون! صورة لا تختلف كثيرا عما حصل مع العائلة اللبنانية، فأبناؤنا يُسرقون، تُطمس هويتهم الإسلامية، تُلوَّث فطرتهم، ويُغذَّون بأفكار وأخلاق وعقائد منافرة لإسلامنا ! أيها الآباء، أيتها الأمهات...خذوها مني: إما أن تتحملوا مسؤولية التربية والتوجيه والرقابة والتحبب إلى أبنائكم وتخصصوا لذلك جزءا رئيسا من أوقاتكم وجهودكم، وإلا فلا تنجبوا !

"تصور رجلا لديه شقة تقع فوق منزله، يريد أن يؤجرها مجانا لمن يجلب له راحة البال ويُرَفِّه عنه. حتى الآن اجتمع في الشقة: ممثلة عوجاء السلوك لكنها "مسلية"، ورجل أجرب كريه الرائحة لكنه "خفيف الظل"، ومطرب منحرف لكنه وسيم جميل الصوت. لم يحقق هؤلاء له راحة البال، لكنه تعود عليهم ويخاف أن "تجف حياته" إن طردهم... سمع عنك وعن حسن أخلاقك فأراد أن "يكمل الطاقم" بك، فجاءك يعرض عليك أن تسكن مع هؤلاء في الشقة. هل ستقبل العرض؟ ماذا؟ ضايقك السؤال؟ وجدت العرض بحد ذاته مسيئا؟ معذرةً! لكن دعنا نواجه الحقيقة: قد كنا أقل لباقة إذ ظننا أنا أدخلنا "الدين" في حياتنا! قد كنا واهمين إذ ظننا أن هذا الذي "سمحنا له" أن يتدخل في جزء من قلوبنا، ويزاحم المستأجرين "المنافسين" الذين لا نريد التخلص منهم لأنهم "مُسَلُّون" تعودنا عليهم...قد كنا واهمين جدا إذ ظننا أن هذا هو دين الله! فإن كنت تعاليت عن سكن شقة هذا حالها فالله أعلى وأجل، وإن كنت غِرتَ على نفسك أن تزاحم هؤلاء المنافسين الأراذل فما أحد أغير من الله...يغار سبحانه أن يختلط في قلب واحدٍ حبه والأنسُ به والشوق إليه مع حب المعاصي والأنس بها والشوق إليها! لذا، فالذي يعمر قلبك ليس الله، بل نموذج مـُحجَّم اصطنعته تكمل به الطاقم! تـُخضِعه ولا تـَخضَع له. فإذا وجدت نفسك تقول: "أريد أن أستقيم، لكن أخاف أن تجف حياتي"...فالسبب ببساطة هو أنك تظن الاستقامة تكون بطرد السكان السيئين وإبقاء هذا النموذج الـمُحجم وحده في الشقة...ونعم، لن يكون قادرا على أن يعمر قلبك حقا! لأنه -ببساطة- ليس الله! لن تذوق حلاوة الإيمان إن كنت تريد أن "تجرب" الاستقامة فترة، فتطرد السكان السيئين من قلبك لكنك تقول لهم: (ابقوا قريبين، فقد أحتاج إليكم من جديد إن جفت حياتي)! فتحفظ "خط الرجعة"، وتبقي على ما يصلك بحياة الغفلة، وتعطي النموذج المحجم (الذي ظننته الدين) فرصة، وتجلس تنتظر منه الفتوحات والتَّجَلِّيات والنفحات...حتى إذا لم يحصل من ذلك شيء عذرت نفسك وقلت: "جربت التدين ولم يحقق لي السعادة"، ولولا "العيب" لقلت: "جربت الله ولكن..."! ثم ناديت على سكان السوء لينساحوا في الشقة من جديد! خدعت نفسك يا مسكين! فالله يوقن به ولا يُجرَّب! إنما جربت بذلك ما اصطنعته لنفسك كما كان أحدهم يصنع صنما من عجوة ثم يسأله الرزق فلما لم يجبه أكله! من أراد بصدق أن يعمر الله قلبه....فعليه أن ينظفه ويهيئه ويطيبه ثم يـُملِّكه لله طواعيةً، تمليكا أبديا لا تأجيرا مؤقتا...قائلا: رب أسلمت نفسي إليك... رب إني نذرت لك ما في صدري محررا فتقبل مني... وهو في ذلك مستحٍ من هذه البضاعة المزجاة، خائف ألا يقبله الله، باحثٌ عن أي خلل في هذا القلب يمكن أن يسقطه من عين الله...قد أحرق سفنه على شاطئ الاستقامة لئلا يفكر في العودة إلى ماضي الغفلة... حينئذ سيعمر الله قلبه حقا، وسيذوق حلاوة الإيمان حقا، ولن تجف حياته. نعم، سيهجم على قلبه لصوص السوء، فهو في النهاية بشر، لكنه يراهم لصوصا ويعاملهم كلصوص، فيستعين بالله على طردهم. أما أن تستأنس بهؤلاء اللصوص، وتسكنهم قلبك طواعية، ولا تبذل الجهد في طردهم وقطع العلائق بهم، ثم تمن على الله بقلب خَرِب كهذا تريد أن يعمره، فقد أسأت بالله الظن إذ ظننت أنه تعالى يقبل أن يزاحم هؤلاء! ((وما قَدَروا الله حق قدره)). لذا، فيا من تقول: "أريد أن أجرب الاستقامة ولكن..."، ستفشل التجربة، والسبب معروف من جملتك! فالله يوقن به، ولا يـُجَرَّب. فأيقن، وأقبل على من قال –في الحديث القدسي-: (إذا تقرَّبَ العبد إليَّ شبرا تقربتُ إليه ذراعا، وإذا تقرب إليَّ ذراعا تقربتُ منه باعا، وإذا أتاني مشيا أتيته هَرولةً) (البخاري).

١٠‏/٢‏/٢٠١٨

من أعظم نعم الله عليك أن يوفقك للخيار الصحيح عندما ترى أمامك ظلماً أو شراً. كثيرٌ من الناس تكون ردة فعله: التساؤل المتشكك: (لـماذا قدَّر الله لهذا الظلم والشر أن يحصل؟!) والنتيجة: سوء ظنٍّ بالله، قهر، انكسار...فيصبح المتشككُ الذي أساء الظن بربه: همَّاً جديداً يُضاف إلى الوجود، وسبباً آخر من أسباب استفحال الظلم والشر! أَمَّا إنْ وفقك الرحمن، فستكون ردة فعلك: (ما دوري أنا؟ كيف أقدم ما أستطيع لرفع الظلم ودفع الشر؟)..وحينئذٍ، فعلى قدر الظلم والشر ستمتلئ نفسك هِمَّةً –لا هَمَّاً-...وسترى من ربك عز وجلَّ عجباً! ستصبح أنتَ مُتنزَّل رحمته بالمظلومين: من خلالك يخفف معاناتهم ويمسح دمعتهم ويجبر كسرهم.. سترى لكلامك وأفعالك أثراً طيباً لم تتوقعه، وبركة لم تتصور أن تكون! لأنك لم تسمح للشيطان أن يشغلك بالشك في حكمة ربك ورحمته، بل انشغلت بواجبك أمام أقدار العليم الحكيم سبحانه، فأنجز الله لك وعده إذ قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه والله بكل شيء عليم (11)) (سورة التغابن). (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه): من يؤمن بالله بأسمائه وصفاته، وأنه تعالى العليم الحكيم لا يُقَدِّر شيئاً إلا لحكمة بالغة، (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون)...ثم يشغل نفسه بواجبه، فإن الله يهدي قلبه: يُسَكِّنه ويُطَمْئِنه، ويهديه إلى ما ينبغي فعله لدفع الشر والظلم، ويهدي قلبه إلى الحِكَم البليغة في البلايا وفي الأقدار المؤلمة. إنها اللحظة الفارقة عند رؤية الشر والظلم: فإما أن تنكسر وإما أن تنتصر. سيهجم الشيطان عليك ليأخذ بيدك ويغوص بك في مستنقع سوء الظن، فاطرده، وقل: (الله أعلم وأحكم، وهو عز وجل بعباده أرحم...المهم: ما دوري أنا؟)..وسترى من هذه الطريقة في التعامل بركة عظيمةً جداً، ستقول الكلمة لا تظنها أن تبلغ من نفس مظلوم ما بلغت لكن الله يبارك فيها، وستتحول مشاهد الظلم المختزنة في ذاكرتك إلى يقظة وعمل في سبيل نجاة الأمة والبشرية، سَيَتَكَشَّف لك من حكمة ربك في أقداره المؤلمة ما لم تكن لتكتشفه لو قعدت تسيء الظن وتعتب على القدَر. فَتَذَكَّر دوماً قوله تعالى: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض)...هي شرورٌ لا شك أن الله قادرٌ أن يمنعها، ومظالم هو عز وجل قادرٌ أن يرفعها، ولكن: (ليبلو بعضكم ببعض)..ليرى ما أنت فاعل...فاشغل نفسك بواجبك ولا يَسْتَزِلَّنَّك الشيطان...في تلك اللحظة الفارقة.

"بيان بمناصرة إخواننا في غزة" -"يا أخي هذا ليس وقت البيانات. مللنا من الكلام. غزة تحتاج تحريك الجيوش وليس تحريك القلم على الورق!" -"حملة التبرع بالدم لإخوتنا في الشام" -"أمة عديمة الدم! أطفال الشام يموتون ولا تساعدونهم بأكثر من التبرع بالدم! لا حاجة لهم بدمائنا التي يسري فيها العار". كثيرا ما نرى مثل هذه التعليقات. وقد ينسى أصحابها أنهم أولا يخالفون بها أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم إذ قال: (لا تَحْقِرن من المعروف شيئا)...هكذا على إطلاقه. أي لا تستصغر وتقلل من شأن أي معروف يفعله الناس. المسلمون بحاجة إلى من يثني على مظاهر الغيرة على الدين والرحمة بالمسلمين عندهم، لا من يحقرها ويستهزئ بها! نعم، قد ندل الناس على وجهٍ أولى من وجوه المعروف إن كنا نعرف هذا الوجه، فنقول لهم مثلا: (جزاكم الله خيرا على بيانكم الطيب الذي يدل على حياة قلوبكم. ولو نتبعه يا إخوتي بتربية أنفسنا وأبنائنا على الجهاد الذي به تمام نصرة المسلمين). فرق بين أن تثني على الخير مهما قل وتشجع عليه ثم تدل على ما هو أعظم منه، وفي المقابل أن تحقر هذا الخير! (لا تحقرن من المعروف شيئا). بل وكثيرا ما نحقر معروف الآخرين ونثبطهم عنه ثم نتركهم دون معروف آخرَ عمليٍّ ندلهم عليه. نقول: (البيانات كلام فارغ! لا بد من تحريك الجيوش)...طيب حرك الجيوش حضرتك، ثم من تنقدهم سيكونون معك أول التابعين حينها! يُذم الانشغال بمثل البيانات وحملات التبرعات عندما تكون ممن يملك أكثر من ذلك فلا يفعل، بل ويغطي على مشاركته في الجريمة بهذه الأفعال، كأصحاب القرار في بلاد المسلمين (على اعتبار أنهم أصحاب قرار وليسوا مجرد عبيد لأسيادهم في الخارج!)...أما عامة الناس فينبغي مخاطبتهم ضمن ما يمكنهم عمله في المدى المنظور بخطوات عملية، مع تذكيرهم أن معروفهم هذا لا يعفيهم من السعي المستمر في الأخذ بأسباب العزة والتمكين والنصرة بالقوة لإخوانهم المستضعفين. وليسأل هؤلاء الذين يصفون جهود غيرهم بأنها لا تنفع، ليسألوا أنفسهم: هل تعليقاتهم هذه نافعة بمقاييسهم التي وضعوها؟ هل تحرر البلاد وتنقذ العباد؟ هل تحقير جهود الآخرين يسهم ولو قليلا في النصر المنشود؟ إن كان الجواب لا، فما فائدتها إذن؟! فلا يجمعوا على أنفسهم مخالفتين: اللغو من الكلام، وتحقير معروف الناس! وختاما، لو أن الذين أصدروا بيان مناصرة أو نظموا حملة تبرع بالدم، لو أنهم وقفوا موقفا معاكسا تماما فأصدروا بيانا بتأييد مواقف الأنظمة المساندة للعدوان على إخواننا، أو طالبوا بعدم السماح بإدخال الجرحى للعلاج في بلادهم، أما كنا سنبغضهم ونستبشع قولهم ونراهم شركاء في الجريمة؟ أَوَلَمَّا وقفوا موقفا طيبا نحقر معروفهم؟ بل (لا تحقرن من المعروف شيئا). والله تعالى أعلم.

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام، عندما يتعرض أحدنا لما يحزنه فإن من أعظم ما ينفعه الله به أن يوفقه لمراجعة نفسه وتصويب أخطائها بدلا من الانشغال بالتظلم من الآخرين والشكوى منهم. على مواقع التواصل الاجتماعي قد يصيبنا الغم والهم من تفاعلنا مع بعض الناس وسماع أذيتهم. تعالوا نرى أسباب ذلك على ضوء الكتاب والسنة:

أصابك غمٌّ؟ نظرت في حالك مؤخراً فلم تجدْ أنك فعلت معصية "جديدة"؟ فتساءلت: (من أين جاءني هذا الغم؟).

الإمام السيوطي هو أحد الجلالَين الذَين وضعا التفسير المعروف بتفسير الجلالين، والثاني هو جلال الدين المحلي. فسر المحلي سورة الفاتحة ثم انتقل إلى سورة الكهف ففسرها حتى سورة الناس (آخر القرآن)، بينما فسر السيوطي النصف الأول من القرآن عدا الفاتحة، أي من البقرة حتى الإسراء. تفسير الجلالَين هو من أوسع التفاسير انتشارا. كما أن حاشية التفسير لبعض المصاحف المنتشرة في العالم هي من تفسير الجلالين. يتميز التفسير بإيجازه الشديد مع احتوائه علوم الإعراب والقراءات والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ومعاني الكلمات وغيرها. والعلماء يعجبون من دقة اختيار ألفاظه. إلا أنه يحتوي أحاديث ضعيفة وموضوعة وإسرائيليات، مما أحوج المحققين إلى بذل جهود لتنقيته من هذه الأشياء. قال صاحب (كشف الظنون): (وهو مع كونه صغير الحجم كبير المعنى، لأنه لب لباب التفسير-يعني: خلاصة خلاصة التفاسير- لذلك اعتبره العلماء تفسيراً للمنتهين من طلبة العلم لا للمبتدئين منهم). وبلغ من عناية العلماء به أن ألفوا عليه حواشي وشروحات كثيرة جدا، ألَّف القاضي محمد كنعان عاشرها في كتابه (قرة العينين على تفسير الجلالين). المفاجأة الكبيرة الآن هي: كم كان عمر السيوطي عندما ألف نصف تفسير القرآن؟ وما المدة التي ألفه فيها. قال القاضي كنعان: (والإمام السيوطي رحمه الله تعالى وضع هذا التفسير وعمره اثنتان وعشرون سنة أو أقل منها بشهور، وذلك بعد وفاة الجلال المحلي بست سنين، وكتب كل هذا التفسير العظيم والدقيق دقة متناهية في أربعين يوماً!) اثنتان وعشرون سنة، يعني في أيامنا شاب على وشك التخرج من الجامعة. أربعون يوما هي حوالي مدة ما بين الفصل الثاني من عام دراسي والفصل الصيفي! فكر ماذا ننجز نحن في هذه المدة مقارنة بالسيوطي. وانظر إلى ما فات من أعمارنا نحن ذوي الثلاثينيات، وكأننا كبار سن بالنسبة للسيوطي! مما قاله هذا الشاب العشريني في خاتمة تفسيره: (هذا آخر ما كملت به تفسير القرآن الكريم الذي ألفه الشيخ الإمام العالم العلامة المحقق جلال الدين المحلي الشافعي رضي الله عنه...وألفته في مدة قدر ميعاد الكليم -أي: موسى عليه السلام، في أربعين يوماً-، وجعلته وسيلة للفوز بجنات النعيم...وقد قلت: حمدت الله ربي إذ هداني لِما أديت مع عجزي وضعفي فمن لي بالخطا فأُرَدَّ عـنه ومن لي بالقبول ولو بحــــرف - يعني: من يضمن لي أن يقبل الله مني حتى ولو حرفاً واحداً مما كتبت-. ثم قال: هذا ولم يكن قط في خلدي أن أتعرض لذلك؛ لعلمي بالعجز عن الخوض في هذه المسالك، وعسى الله أن ينفع به نفعاً جماً -وفعلاً نفع الله به نفعاً جماً-، ويفتح به قلوباً غلفاً وأعيناً عمياً وآذاناً صماً...رزقنا الله به هداية إلى سبيل الحق وتوفيقاً واطلاعاً على دقائق كلماته وتحقيقاً، وجعلنا به من الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. ملاحظة: هناك تفاسير أنفع من تفسير الجلالين، فليس مقصود هذا المنشور تفضيله على غيره من التفاسير، وإنما بيان همة علمائنا رحمهم الله.

لا تقف المسألة عند تحديث في اللعبة (انحناء للصنم) يؤدي إلى تحريم اللعب بها وانتهى الموضوع! بل يجب أن يكون هذا بمثابة "كفّ" أكلناه على وجوهنا ! يوقظنا على أشياء كثيرة:

في الإسلام قِيَم حاكمة وأخرى محكومة...قِيَم مُطْلقة وأخرى مقيدة. من القيم الحاكمة المطلقة: الحق والعدل. فلا يمكن للإسلام أن يشرع شيئا فيه باطل أو ظلم أبداً. قال الله تعالى: (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان)...الميزان لتحقيق العدل. قال تعالى: (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)، أي بالعدل. في المقابل: الحرية والمساواة قيمتان محكومتان مقيدتان بالحق والعدل. أي أن الإسلام يدعو إلى الحرية حين تكون حقا وعدلا. وفي بعض الأحوال يكون عدم الحرية حقاً وعدلاً، وتكون المساواة ظلما وباطلا. إذا فهمنا ذلك فلا ينبغي أن يشكل علينا سؤال: كيف يكون في الإسلام رق وهو دين الحرية؟ ولا ينبغي أن "ندافع" دفاع من يشعر بالمعرة من شيء من دينه! حرمان العدو من حريته في هذه الحالة حق وعدل، بل وزيادة على العدل: فضل في التعامل مع عدو كان حريصا على استئصالهم أو ردهم عن دينهم. كذلك من العبث أن نتكلف في إثبات أن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في كل شيء، إذْ هذه المساواة تكون في بعض جوانبها باطلا وظلما للرجل والمرأة على حد سواء. وكذلك الادعاء الباطل بأن الإسلام يساوي بين "المواطنين" في كل شيء، ومنه حق تولي منصب القضاء أو الولاية العامة. عندما تخرج "موضةٌ" قِيَميةٌ في الغرب مثل موضةِ الحرية وموضة المساواة، فإن من الهزيمة النفسية أن نتبع هذه الموضة ونحاول إلباس الإسلام لباسها رغماً عنه! هم لهم منظوماتهم القِيَمية التي يتخبطون فيها ويُغَيِّرون فيها بحسب التجارب والأهواء، ويخادع فيها ساستُهم شعوبهم، ويخالفونها بحسب مصالحهم ويتنكرون لها خارج حدودهم ويرفعونها شعارات مع إفراغها من مضمونها! ونحن لنا قيم من لدن حكيم عليم. بل حتى لو طبقت القيم التي ينادون بها تطبيقا حقيقيا فإنها تنتهي بتدمير هذه القيم ذاتها! لأنها جاءت مبتورة عن الوحي بحكمته وعلمه. فالحرية في ممارسة الرذيلة والترويج لها تنتهي بخنق أهل الفضيلة وتسميم أجوائهم، وإنتاج نفسيات مشوهة تختطف حرية الشعوب المستضعفة. والمساواة بين أهل الحق وأهل الباطل تنتهي بعلو المبطلين لكثرتهم فيهضمون حقوق أهل الحق وتتلاشى المساواة المزعومة. الخلاصة: الإسلام دين الحق والعدل. أما الحرية والمساواة فمن مطالب الإسلام بقدر ما ينضبطان بالحق والعدل. والله تعالى أعلم.

ليس كلما نبح كلب متطاولاً على مقام النبي صلى الله عليه وسلم كان على المسلمين أن ينشغلوا به ويتناقلوا أخباره !!

عندما تتأثر برأي الآخرين فيك وكلامهم عنك ولومهم لك... عندما تضيع البوصلة: تقوم بعمل، أو تتخذ موقفا، يمدحك المادحون عليه فتُسر، يلومك اللائمون فتندم، وتتخذ موقفا آخر لتُعدل الوضع، فيلومك آخرون ويذمك من مدحك بالأمس، وتتشتَّتُ نفسك وفكرك ولا تدري ماذا تفعل... فاقرأ حينئذ قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم (54) ) (المائدة). (يُحِبُّهم): وإذا أحب الله عبادا له أراهم لطائف وعلامات تلك المحبة، فيأنس بها العباد أيما أُنس. استشعار تلك المحبة هو مصدر طمأنينتهم وثباتهم وقوتهم. وهم مستعدون لفعل أي شيء للمحافظة عليها، ويرفضون بحزمٍ فعل أي شيء يُفقدهم محبة الله لهم واستشعار أنه معهم. (ويحبونه): محبةً ملأت عليهم قلوبهم، لا يزاحمها التفكير في نظرة الناس لهم، ولا يقدمون عليها استرضاء أحد من الخلق أو دفع سخطه وملامته. بل محبتهم لله تحكم شعورهم ومواقفهم ونظرتهم لكل أحد ولكل شيء، وعلى أساسها يكون حبهم للآخرين أو بغضهم. فهي محبة مهيمنة حاكمة، لا شريكة مزاحمة. (أذلةٍ على المؤمنين): لأن محبة المؤمنين تابعة في قلوبهم لمحبة الله تعالى. وذلهم للمؤمنين دليل على أن استخفافهم باللوم ليس عن كبر ولا غرور. (أعزة على الكافرين): حتى لو ظهر الكافرون منتصرين وأن العزة لهم، فمحبة الله في قلوب المؤمنين مصدر استعلاء وثقة، لا تنهزم نفوسهم ولا تنكسر. (يجاهدون في سبيل الله): بقلوبهم وألسنتهم وأيديهم. يجاهدون الكفار والمنافقين وباطلهم وإفسادهم، وهم يعلمون أن جهادهم هذا قد يكون تجديفا عكس التيار وقد يُعَرضهم للكثير من التضحيات. ومع ذلك: (ولا يخافون لومة لائم): هذا اللائم قد يكون من أهل الباطل، يلوم ليُخَذلك أو يُنَدِّمك ويشمت فيك، وقد يكون من المسلمين المحبين لك، يلومك على ما "خسرته" وأنت تنكر المنكر أو تحارب الباطل، يلومك محبة لك وخوفا عليك. ومع ذلك، فهذا اللوم كله، أيَّاً كان صاحبه وأيَّاً كان دافعه، لا يؤثر في مواقف المؤمنين الخُلَّص، ولا يخافونه، ولا يحدِث لديهم ندما ولا تراجعا إن كانت مواقفهم منطلقة من محبة الله، وإن كانت تضحياتهم في سبيله وابتغاء وجهه الكريم، حتى لو كان لوم مُحبٍّ مشفقٍ حريص عليهم، لكنه غير محق بلومهم في ميزان الله. لذلك لاحظ العموم: (لومة لائم). فالحزم والإعراض عن اللوم دليل يقينهم بالدين الذي من أجله يضحون، ودليل قوة عزمهم. (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء): ذلك الاجتماع للقلب على محبة الله، بحيث لا يَتَشَتَّت شمله، ولا يتمزق على محاولة إرضاء هذا وذاك، ولا يندم بلوم هذا وعتاب ذاك، بل يُصبح المؤمن هو الموجه والمؤثر في مواقف اللائمين والمصحح لمسارهم، ويَحمدون له يوما ما كانوا قد لاموه عليه بالأمس...هذا كله فضل من الله، ما أسعد من تعرض لطلبه وحظي به. اللهم إنا نسألك من فضلك.

كثيرا ما ننشغل بطاعة لأننا "نجد أنفسنا فيها".."نستمتع بها"، عن طاعة أوجب منها لكننا "نمل فيها"! بينما من حسن "الإسلام" أن تُسلم محبوب نفسك لمحبوب الله عز وجل. هنا ثلاثة أمثلة ملفتة للنظر: أعمال من أعظم الطاعات، لكن كان على أصحابها أن يقدموا عليها ما هو أوجب، لأنه أحب إلى الله:

أيها الكرام نحتاج لتصحيح مفاهيم فيما يتعلق بالرضا بالقضاء والقدر. أحياناً تتعرض لبلاء، هو من قضاء الله عليك، لكن للبشر فيه دخل. فيقال لك: اصبر، ارض..وأنت تجد في نفسك أنك غير راض ولا صابر. هل أنت مؤاخذ بذلك؟ خذوا بالكم يا إخواننا...في القضاء الواحد أنت ترضى عن الله سبحانه، لكنك تسخط على الظالمين الذين جاء هذا البلاء على أيديهم.

السلام عليكم ورحمة الله، إخوتي الكرام أحيانا ونحن نخدم دين الله عز وجل قد يصيبنا الإحساس بأننا نقوم بمهمة عظيمة لا يقوم بها غيرنا في حَيِّنا أو مكان عملنا أو بلدنا. لذا فإننا قد نحس بأننا لن نُضل بذنوبنا، ولن نُمنع من أداء دورنا ولن نموت قبل إتمام هذه المهمة لأن هذا كله سيحرم الآخرين من خيرنا. أي أننا نحس بأن الناس بحاجة إلينا، بل وأن الإسلام بحاجة إلينا كذلك. هذا الشعور إيجابي محمود بقدْر ما يدفعنا إلى تحمل المسؤولية بحيث لا نركن إلى الدنيا ونترك دورنا الدعوي النافع للبشرية...شعور مفيد بقدر ما نتذكر معه قول القائل: لقد ذُخرت لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل لكن هذا الشعور يصبح خطيرا أحيانا! يصبح خطيرا إذا دفعنا إلى التفريط في أمر الله تعالى واستصغار معاصينا مطمئنين إلى أن الله لن يعاقبنا على ذلك بإزاغة قلوبنا أو بوقف باب الخير الذي نحن قائمون عليه، لأننا نرى أنفسنا أداةَ الله في نفع خلقه وهدايتهم، فضياعنا ضياع لهم. لذلك يأتي التبيان الإلهي أن الله عز وجل ليس بحاجة إلى أحد. بل نحن الذين بحاجة إلى نصرة دينه سبحانه. قال تعالى: ((وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)). أي يُذهبكم ويأت بخلق جديد خير منكم لا يتولون عن طاعته سبحانه. بهذه البساطة... هذا الخطاب الإلهي موجه في المقام الأول للصحابة الذين كانوا حملة الإسلام الأولين، والذين بدا ضياعُهم ضياعا للإسلام...ومع ذلك يقول الله عز وجل لهم: ((وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)). بل حتى أحب البشر إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم، قال له ربه عز وجل: ((ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا (74) إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا (75) )) عرفت في حياتي أناسا ظننت أن الله لن يقبضهم قبل أن ينجزوا مهمتهم. لكنهم توفوا شبابا وقيض الله لدينه غيرهم. وفي الحديث الذي حسنه الألباني أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال اللهُ يغرسُ في هذا الدِّينِ غَرْسًا يَستعمِلُهم في طاعتِه)) إذن أخي وأختي...ادع الله أن يستعملك في طاعته، فالله عز وجل ليس بحاجة إلى أحد، بل نحن الذين في حاجة إليه سبحانه: ((يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد (15) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد (16) وما ذلك على الله بعزيز (17) )) (فاطر). الإسلام منتصر بك وبدونك، والله متم نوره ولو كره الكافرون. إنما أنت الذي بحاجة إلى نصرة دين الله لتنجو وتنال الكرامة. ((وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)). والسلام عليكم ورحمة الله.

طالما جاءني سؤال: (هل فلان حاكم شرعي متغلب أم يجوز أن نثور عليه؟) وكلما تكلمنا عن جرائم الحكام في بلاد المسلمين قال لنا قائل: (أنتم يا دعاة الخروج على الحكام لم نحصل من دعوتكم إلا الخراب والدمار)! هؤلاء يجعلون القسمة ثنائية: إما أن تقول أن فلانا ولي أمر شرعي تجب طاعته، أو أنك تقول بأن على المسلمين المسارعة إلى الخروج عليه. ومن قال أن القسمة ثنائية أصلا؟ الشرعية تستمد من أن يكون الحاكم مسلما يحكم الناس بشريعة الله تعالى، وأن يكون المسلمون قد اختاروه عن رضا منهم وتشاور، وإذا تغلب بالقوة فإنه يكتسب الشرعية بعد رضا الناس به إماما لهم وحكمه إياهم بالشريعة. وليس هذا متحققا في حكام المسلمين كما لا يخفى على ذي بصر، واستخدام لفظ "إمام" و "ولي أمر" و "حاكم متغلب" على سبيل إضفاء الشرعية عليهم هو غباء مستفحل أو تغابٍ! بل هم أعداء للأمة وشريعتها، وسيوف مسلطة على رقابها، وجلادون على أبواب سجنها، وبغير أمر أسيادهم في الغرب والشرق لا يعملون. هل هذا يجعلنا أمام الخيار الآخر: وجوب "الخروج" عليهم بغض النظر توفرت مقومات القدرة على إزاحتهم وإقامة نظام الإسلام مكانهم أم لم تتوفر؟ أما لفظ "الخروج" فقد اقترن في أذهان الناس بالخروج على الحاكم الشرعي. وليست هذه الحالة القائمة كما أسلفنا. إذن هل تجوز الثورة عليهم وجهادهم باليد عملا بالرتبة الأولى من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس بعد ذلك مثقال حبة من خردل من إيمان)؟ هذا ما أجبنا عنه بالتفصيل في حلقة مهمة بعنوان: (موقف من الثورة على الظلم في العالم الإسلامي)، جاء فيها: (...فليست المقارنة هنا بين إقامة الحكم الإسلامي مع تحمل هذه الأضرار أو عدم إقامته تجنبا لهذه الأضرار. بل المقارنة هنا بين بقاء الظلمة مع العمل على تحصيل أسباب تنحيتهم، وفي المقابل بقائهم أيضا لكن مع تضييع أسباب إزالتهم نتيجة الثورة غير الناضجة، مما قد يقويهم ويطيل أمدهم، إضافة إلى الأضرار المذكورة في دماء الناس وأموالهم وأعراضهم دون مقابل من التمكين للإسلام لينعموا بعدله ورحمته. ليست المسألة هنا النهي عن الثورة على الظلمة الحاكمين بقوانينهم الأرضية لأنها خروج على ولاة الأمر الذين تجب طاعتهم كما يقول علماء السوء! بل لأن الثورة غير الناضجة تمكن لهؤلاء، وحتى لو سقطوا وليس لدى المصلحين مشروع فقد يأتي من هو شر من الساقطين ليقطف ثمرة جهود المصلحين وتضحياتهم وتضحيات شعبهم وآلامه. وليس معنى هذا مهادنة الظلمة أو السكوت عنهم. بل معناه بيان حقيقتهم للشعوب وتعليم الناس عقيدة البراء منهم ما داموا ينحون دين الله، وتعليم الشعوب أن الخصومة مع هؤلاء ليست على رغيف الخبز أو توفير الوظيفة فترضى عنها الشعوب إن وفرت لها ذلك، بل الخصومة معها هي لله وفي أخطر قضايا العبودية لله من تشريع وإنفاذ قوانين في أرواح الناس غير ما ارتضاه الله لعباده، وإضلال الناس وإفساد أخلاقهم. وما الجوع ونقص الأمن إلا بعض الثمرات المشؤومة لذلك. أي أن على المصلحين -وإن لم يستطيعوا القيام بثورة- أن يحافظوا على الحالة الثورية في قلوب الناس، وأن يعيشوا معهم آلامهم ويطالبوا لهم بحقوقهم ويسعوا في رفع ظلم الطغاة عنهم. وعليهم أن يصبروا في ذلك كله على ما ينتج عن هذه الدعوة من تضييق وحبس وتلفيق تهم وطرد من الوظيفة وتهديد في لقمة العيش، ولا يسع أهل العلم والدعاة أن يسكتوا عن بيان ذلك أو أن يضفوا الشرعية على الظلمة بحجة مصلحة الدعوة...((وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتُبَيِّنُنَّه للناس ولا تكتمونه)). وننصح جدا بالاطلاع على الحلقة كاملة لأهميتها الخاصة:

١‏/١١‏/٢٠١٤

(هذه القصة تجميع لحوارات متفرقة). رَكِبَ التكسي. الشفير: رايح فين يا شيخ؟ - الدوار الثامن.

لماذا؟ قبل أيام دار حوار بيني وبين أخ فقال لي كلاما نفيسا جدا أحببت أن أنقله إليكم.

هذه نقاط سريعة أكتبها بعدما رأيت خلطا ليس لدى عامة الناس فحسب بل وبعض الفضلاء. فأسهم فيها بما أراه صوابا:

قريب لي في فلسطين أصيب بالكورونا ونزل عنده الأكسجين عن 90 وضاق نفَسه بحيث احتاج الأكسجين ، ومع ذلك حذره العديد من الأطباء بعدم أخذ الكورتيزون على اعتبار أنه "خطير جداً" وأنهم يريدون للرئتين أن تَنظفا لوحدهما. طبيب آخر وصف له الكورتيزون (ديكساميثازون) لكن قريبي تخوف من أخذه من تحذير الآخرين منه.

أيها المجامِل على حساب دينك..

٢٩‏/١٢‏/٢٠١٤

صحيح أنه لا ينبغي لرجل أن يقول لامرأة من غير محارمه: (أحبكِ في الله)، أو تقول له هي مثل ذلك، فالتصريح بهذه المحبة مدخلٌ إلى الشعور بالأنس الغريزي والميل الفطري بين الجنسين... وصحيح أن (إنها ترن علي لتوقظني لصلاة الفجر) و(مِن يوم عرفتُه ازددتُ قربا من الله) عبارات سوغ بها البعض إقامة علاقات خاصةٍ مع الجنس الآخر وكانت من مداخل الشر الخطيرة... هذا كله صحيح...لكن لا ينبغي أن نَفِرَّ من أخطاء الناس إلى إنكار المعاني الجميلة العظيمة التي جاءت بها الشريعة، ومنها: المحبة في الله بين المؤمنين والمؤمنات. قال الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (التوبة-71). قال القرطبي: (أي قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف). نعم، محبة المؤمن لأخواته في الله، ومحبة المؤمنة لإخوانها في الله...من الإيمان. هذا المعنى الجميل العظيم يضيع في مجتمعاتنا التي يحكم العلاقةَ فيها بين الجنسين جمالُ القشرة الخارجية، بينما تعشى البصائر عن جمال الروح! معنىً يضيع بين الانفلات الشهواني من جهة، وردة الفعل على هذا الانفلات من جهة أخرى. لقد خسرنا كثيراً بفقدان هذه المحبة...خسرناها حين بحثنا عن "الأنس" و"ترطيب القلب" في خائنة الأعين وتبادل النظرات ومحاولات الاستمالة، فحُرمنا من شعور إيماني أجمل وأطهر كنا سنؤجر عليه بدلاً من اللذات المعكَّرة! في دراستي الجامعية، أذكر أنني أخذتُ مساق (تاريخ الحضارة الإسلامية) عند دكتور كان "يخبص"! ويحاول تمرير مفاهيم خطيرة يشوه بها تاريخ المسلمين، وينكر بها وجوب إقامة حكم إسلامي! كنت أتصدى له، وكانت تتصدى له أخت منتقبة،كان في نبرتها الغيرة على الدين والاعتزاز به، والمحبة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم. بما أنه مر على الموقف وقت طويل، ولا يمكن للأخت أن تعرفني ولا أن أعرفها، فأقول: هذه الأخت لها مني المودة في الله...نعم...مع أني لم أعرف شكلها. ولو عرفتُ لما زاد ذلك في مودتي شيئا ولا نقص شيئا، لأنها لله وفي الله فقط. في ديننا، حتى حين نجاهد، فإننا نجاهد دفاعا عن الدين والعرض ومحبةً لإخواننا وأخواتنا اللواتي نراهنَّ يؤذينَ لأجل دينهن. في خطابنا لأنفسنا ولشباب وفتيات المسلمين بغض البصر والسَّتر وعدم الخضوع في القول، علينا أن نتذكر: ليست هذه الضوابط الشرعية لحرماننا من المحبة، بل لاستعادة المحبة الحقيقية في الله، التي لا تحكمها لغة الجسد، بل دافعها وشعارها التعاون على البر والتقوى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ( 71 ) )) الانجذاب لجمال الشكل والصوت والحركات...له في الإسلام متنفس شرعي بالزواج، وإذا بحثنا عنه خارج إطار الزواج فليس إلا اللذات المعكرة، التي تذهب حلاوتها وتبقى آثارها وآثامها، وتضيع معها المحبة الحقيقية في الله. (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير). للتوازن ومنع سوء فهم هذه المقال اقرأ المقال بعنوان: كيف إذا فسدت الخميرة؟

عندما فرح المسلمون بسقوط الطائرة الروسية قال بعض الملحدين بسفاهة: (حادث كهذا قد يكون نتيجة خلل فني، فلا تدَّعوا أنه من دعاء المستضعفين، ولا تنسبوه إلى ربكم، وإلا فلماذا لم يتدخل ويسقط الطائرات خلال السنوات الماضية؟). هنا نحتاج أن تبين بعض النقاط:

٢٦‏/٨‏/٢٠١٩

ألا تحب أن تستأثر بصديق، بحيث تحس أنه لك، وأنك أعز الناس عليه فلن ينشغل بغيرك عنك؟ ألا تحس بقيمة هذا الصديق في المآزق؟ أظنك لاحظت أن مجرد بث همومك لهذا الصديق المتفهِّم لك والحريص عليك يشعرك بالراحة وتنفيس الهم. قلت لأخي الأكبر مرة: هل معك ربع ساعة لأكلمك في مشكلة؟ فأجاب: (أنا كلي لك)! غمرَتْني هذه الكلمات وأنِستُ بها. هكذا نحن...نحب أن نستأثر بمن يتفهمنا ويعيش معنا آلامنا و آمالنا...مجرد وجوده مصدر طمأنينة لنا... فكيف إذا كان قادراً على حل مشكلاتنا؟! كم ستســـتقر نفوسنا حينئذ ... في المقابل ، قد تحس بالضياع عندما يزاحمك على هذا الصديق آخرون...تخشى أن يشغلوه عنك. قد يعرف هذا الشعور من له إخوة كثيرون يزاحمونه على أبٍ واحد، من لها ضرة تزاحمها على زوج واحد، من له زملاء يزاحمونه على معلم واحد...لم يعد الأب أو الزوج أو المعلم لكَ أو لكِ أنت وحدك...فقد تُنسى أو تُنسَين في زحمة الآخرين. فتش نفسك! هل تسرب اليك شعور كهذا تجاه: ربك سبحانه وتعالى ؟! لا أسألك عن قناعاتك العقلية ، فهي تأبى ذلك ولا شك ... لكن الإنسان قد يختزن في باطن شعوره هواجس تسبب له قلقا فلا يدري مصدره، ومنها هذا الهاجس...أنك ضعت أمام الله وسط الزحام! إليك حقيقةً مؤنســةً مُطَمْئِنةً: الله سبحــانه و تعالى مطلع عليك، قريب منك، يعلم بهمك، ويسـمع دعاءك، ويفرح بتوبتك، ويدبر أمرك... كل هذا كما لو كنتَ وحدك في هذا الكون لا يشركك فيه إنس ولا جان! ألم تَرَ إلى قوله تعالى: (( ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير (28) )) (لقمان.. قال ابن كثير: (سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة). كذلك في الحديث القدسي : (يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته لم ينقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر). فسبحان من لا يشغله سائل عن سائل، ولا مستغيثٌ عن مستغيثٍ... (( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل و سارب بالنهار (10) )) (الرعد)... فلا يضيع عنده أحد وسط الزحـــام. لن تضيع في الزحـــام ... بل لك أن تتصور كما لو أنك تدعو الله وحدك وأنه يسمعك وحدك ... وأن معاني أسماءٍ من أسماء الله الحسنى تتجلى في ربوبيته لك أنت كما لو كنت وحدك ... فيظهر فيك آثار رحمة الله وقربه وعفوه ولطفه وكرمه و حلمه ومغفرته وإجابته ووُدِّه و هدايته وبِرِّه و رأفته ورزقه و كفايته وستره و رفقه و عطائه ... يظهر و سيظهر فيك هذا كما لو كنت وحدك في هذا الكون ...لذا ، فلن تضيع في الزحام. لاحظ كيف أن الله تعالى أفرد كلمة (الداعِ) في قوله ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان)) (البقرة 186) ... ففي هذا الإفراد من الإشعار بالعناية بدعائك أنت ما قد لا يكون في الجمع (الداعين إذا دعوني) ... ليست استجابة مجملة عامة لمجموع الداعين بحيث تجزئ استجابته لأكثرهم عن الاستجابة لأفرادهم فرداً فرداً ... بل يجيب دعوتك أنت كما لو كنت وحدك ، ولو دعاه تعالى معك في اللحظة نفسها مليارات بل ما لا يحصى من الإنس و الجن والملائكة. كذلك قوله تعالى: ((أَمَّن يجيب المضطر إذا دعاه)) (النمل 62)... كل مضطر على حده كما لو كان وحده ... ((وما كان ربك نَسِيَّاً)) (مريم 64) ... سبحانه فهذا شأنه: ((وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين (61) )) (يونس). فادعُ الله وارجُه وأنس به وتأمل في نفسك آثار أسمائه وصفاته واستحضر معيَّته كما لو كنت وحدك ... وتذكر دوماً : لن تضيع وسط الزحـــام.

٢٤‏/١٠‏/٢٠١٦

ضمن حملة تغيير المناهج، تم إضافة النص التالي لكتاب (الوطنية) للصف الرابع ص32: (تأمل الموقف الآتي، ثم أجب عما يليه من أسئلة: ذهبت عائلة محمد في رحلة إلى البحر الميت، وما إن وجدت مكانا نظيفا قريبا من الخدمات العامة حتى سارعت إليه، وقضت فيه يومها، ثم غادرت المكان خلفها تاركة الأوساخ متناثرة، والمياه منسكبة، والروائح كريهة). علق الأخ الدكتور جمال الباشا حفظه الله على إقحام اسم (محمد) في هذا النص المنفر بقوله: (لن يستطيع أحد أن يقنعنا بأنَّ وضع هذا الاسم المعظَّم عند المسلمين جاء عفوياً وبحسن نيةٍ من الواضعين، فنحن نعلم جيدًا كتربويين كيف ترتبط التصورات الحسنة والسيئة في الذهن مع الأسماء المقترنة بها، وانطباع تلك التصورات في اللا وعي، وتوظيف ذلك في الترغيب والترهيب خصوصا لدى الأطفال. فهل ضاقت آلاف الأسماء بواضعي المناهج ليختاروا منها ما شاؤوا سوى هذا الاسم السامي؟!) وأقول مؤكداً على كلامه: عندما كنت في مرحلة البكالوريوس، جاء دكتور إيرلندي ليدرسنا مادة الأمراض الجلدية ضمن مساق الباثوفسيولوجي. لم ألاحظ عليه شيئا ملفتا، إلى أن جاءني أحد طلاب الدفعة التالية يقول لي: (يا إياد هذا الدكتور عمل حركة حاقدة! عرض صورا لأمراض جلدية، دون باجات الأسماء، لكن عند صورة مرض منفر عرض الصورة مع اسم المريض: محمد)! شككت يومها أن الدكتور الإيرلندي قصد شيئا بذلك، إلى أن رأيته يوما في الباص، فاستأذنته أن أجلس بجانبه...ارتبك في البداية، لكنني أشعرته بـ"البساطة" ليُخرج ما عنده، ودار بيننا نقاش...قُبيل افتراقنا عند دوار صويلح، أخرج لي هذا الدكتور (الذي يفترض أنه جاء ليدرسنا الأمراض فقط) نسخة من "الكتاب المقدس" وفيلما تنصيريا من حقيبته وأهداهما لي! ليس إقحام اسم نبينا صلى الله عليه وسلم في هذه السياقات سهوة أبداً, وكما تساءل الدكتور جمال الباشا: لماذا لم يسموا تلك العائلة الوسخة عائلة جورج مثلا؟! لا تستهينوا بأثر ذلك في نفسيات أطفالنا، فنحن الذين نعرف من (محمد) صلى الله عليه وسلم نحاكم النصوص إلى بُنيتنا المعرفية المُعظِّمة للدين، بينما أبناؤنا تُصاغ بنيتهم المعرفية النفسية بمثل هذه النصوص المشوهة مع إزالة الأحاديث التي تُعرفهم من (محمد) صلى الله عليه وسلم. فنقول لهؤلاء العابثين: بل أنتم الذين نثرتهم الأوساخ في المناهج، ورائحة حقدكم على الإسلام هي الكريهة، وحسبنا الله ونعم الوكيل!

من المفاهيم التي تحتاج تصحيحاً -وبشدة!-: (فلان أو فلانة مش متدين لكنه طيب، محترم، "جنتل"، مستقيم، مُتقن لعمله).. وكأنَّ هذه الصفات كلها ليست جزءاً من التدين ! وهذا ناتج عن تصور "التَّدَيُّن" وكأنه محصور في شعائر معينة كالحجاب واللحية، واجتناب العلاقات غير المنضبطة بين الجنسين وما إلى ذلك.

لماذا لم يشرع الإسلام أن تضرب المرأة زوجها كما شرع في حالات خاصة أن يضربها الرجل زوجته المسيئة؟ ناقشنا في حلقة (الإسلام وضرب المرأة) التفاصيل المتعلقة بالموضوع بشكل أراح قلوب كثيرين من الحرج الذي كانوا يجدونه تجاه الموضوع والحمد لله. لكن طرح البعض سؤالاً غريباً: (طيب ولماذا لا يُسمح للمرأة بضرب الرجل؟). وهذا من الأسئلة الناتجة عن المسطرة العوجاء التي كُرست في عقول الجيل: مسطرو المساواة المطلقة في كل شيء ! فنقول: حتى على فرض أن الزوج قام بما يُخل بحقه على زوجته واستحق العقوبة، فإن من حكمة الشريعة أنها لا تحض الأضعف أن يأخذ حقه بنفسه من الأقوى في العلاقات الأسرية، بل يلجأ إلى من هو أقوى حمايةً له. فالمرأة لا تؤدب زوجها المسيء بالضرب، بل إن لم يتَّق الله فيها فإنها تلجأ إلى الأهل (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها)، وإن لم ينفع ذلك لجأت إلى القاضي الذي عليه أن يأخذ حقها في الدولة المقيمة للشريعة. ولا تُعَرض نفسها لخطر أخذ حقها بيدها وما قد يتبعه من اعتداء زوجها عليها. وانظر لما حصل للمرأة الغربية في مساواتهم الخرقاء حين أصبحت العضلات هي الحَكَم كما رأينا في حلقة تحرير المرأة، فتعرَّضَ للإناث للضرب المبرح، بل والقتل، أضعاف الذكور. شريعة الله هي شريعة الحق والعدل والحكمة، لا المساواة الخرقاء. لماذا لم يشرع الإسلام أن تضرب المرأة زوجها كما شرع في حالات خاصة أن يضربها الرجل زوجته المسيئة؟ ناقشنا في حلقة (الإسلام وضرب المرأة) التفاصيل المتعلقة بالموضوع بشكل أراح قلوب كثيرين من الحرج الذي كانوا يجدونه تجاه الموضوع والحمد لله. لكن طرح البعض سؤالاً غريباً: (طيب ولماذا لا يُسمح للمرأة بضرب الرجل؟). وهذا من الأسئلة الناتجة عن المسطرة العوجاء التي كُرست في عقول الجيل: مسطرو المساواة المطلقة في كل شيء ! فنقول: حتى على فرض أن الزوج قام بما يُخل بحقه على زوجته واستحق العقوبة، فإن من حكمة الشريعة أنها لا تحض الأضعف أن يأخذ حقه بنفسه من الأقوى في العلاقات الأسرية، بل يلجأ إلى من هو أقوى حمايةً له. فالمرأة لا تؤدب زوجها المسيء بالضرب، بل إن لم يتَّق الله فيها فإنها تلجأ إلى الأهل (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها)، وإن لم ينفع ذلك لجأت إلى القاضي الذي عليه أن يأخذ حقها في الدولة المقيمة للشريعة. ولا تُعَرض نفسها لخطر أخذ حقها بيدها وما قد يتبعه من اعتداء زوجها عليها. وانظر لما حصل للمرأة الغربية في مساواتهم الخرقاء حين أصبحت العضلات هي الحَكَم كما رأينا في حلقة تحرير المرأة، فتعرَّضَ للإناث للضرب المبرح، بل والقتل، أضعاف الذكور. شريعة الله هي شريعة الحق والعدل والحكمة، لا المساواة الخرقاء.

عندما نمر بظرف صعب، أو نتمنى أمراً مستبعد الحصول، فإن هناك تفكيرا يجعل أملنا في تحقيق ما ندعو له ضعيفا، فندعو الله بفتور. هذا التفكير هو: (كثيرون غيري مروا بظرف مشابه، وأراهم خيرا مني، وقد دعوا الله فلم يَستجب لهم. فلا يتوقع أن يستجيب لي من باب أولى). إخواني، دعوني أشارككم الجواب الذي أجبت به نفسي عن هذا السؤال، ووجدت له أثراً عظيماً في علاقتي بالله تعالى، وأحسب أنه من الأسباب العظيمة لاستجابة الدعاء. الجواب: (انظر إلى علاقتك بالله تعالى كعلاقة خاصة لا تتأثر بما يحصل مع الآخرين). قد يكون كثيرون غيرك وقعوا في مثل بلائك بل أشد، ولم يُرفع عنهم، مع أنهم دعوا الله كثيرا، ومع أنهم أحسن منك عبادة وأكثر تقوى. لا علاقة لك أنت. ادعُ بيقينٍ وطمعٍ في كرم الله ولا تقارن بغيرك. ما الأدلة على هذا؟:

قال لي صديق: كنا في مول، فأخذَتْ زوجتي أبنائي بعيدا عن مشهد اطفال المسلمين يلحقون فرقة توزع الهدايا بمناسبة اقتراب رأس السنة الميلادية! أخذتهم بعيدا وأدارت أنظارهم لئلا يسألوها: (ماما ليش عيدهم حلو وعيدنا بشع؟)!! التعليق: في نقدنا لمشاركة "مسلمين" في أعياد النصارى نكرر الخطأ نفسه: نركز على النتائج ولا نفتش في الأسباب. من الأسباب أننا "نكدون"!! نكرس في أبنائنا وفي بسطاء المسلمين، وفي بعضنا البعض، أن الإسلام يجب أن يرتبط بالنكد !! كثير من الدعاة يتحرج أن يُظهر فرحته أو يمزح على العلن حتى لا يقال أنه "لا يهتم بمآسي المسلمين"! - "بل أهتم! ودعني أبرهن لكم...سأنشر صورة للأشلاء والدماء والدمار والبكاء" - لم ينشرها لأنه كان متأثرا بها بالفعل وقتها، ولا ليرتب عليها عملا ينصح به إخوانه، وإنما ليبرهن على "ولائه وبرائه" وأنتمائه للأمة! - وندخل هنا في الرياء والمزايدات وإلزام الناس بما لا نلزم به أنفسنا من ضرورة استمرار الحزن!! - حتى نحن لا نستطيع أن نبقى حزينين، فالتنفيس والترويح مطلب أساسي للنفس السوية. لكننا نطالب الناس بما لا نطيقه نحن! - يذكرني هذا بمشهد الشيعة في اللطميات! ترى أحد "الملالي" يتثاءب أثناء انتحاب المتكلم على الحسين، فإذا سُلطت الكاميرا عليه تباكى ولطم ليثبت ولاءه للحسين!! - متى نتعلم أن نجمع بين الاهتمام بأمر أمتنا والعمل بنفس منشرحة وفرح بما يستوجب الفرح؟ - شرع الله تعالى الفرح في أعيادنا وهو سبحانه يعلم حاجة المسلمين إلى مواسم يفرحون بها، حاجتهم إلى ذلك نفسيا وتربويا.

كنت أقرأ كلاماً نفيساً نشره أحد الإخوة على حسابه...كلاماً في المفاصلة مع الباطل وأهله، ورفض الدخول تحت جناح الباطل أو الاعتراف له بشرعية أو مشاركته في التشريع من دون الله بناء على مرجعيات غير مرجعية الشريعة.. قلت في نفسي: لا بد أن القائل سيد قطب..أو محمد قطب..أو تلميذ من مدرستهما رحمهما الله. قرأت اسم الكاتب..فكانت المفاجأة أنه رأس من رؤوس الدعوة المنتسبة -زوراً- إلى السلفية في إحدى البلدان! وذلك في كتابٍ له عام 2008. . ثم رأيت تحت كلامه هذا صورة حديثة له (موديل 2019)!..صورة قبيحة له ولمجموعة من الملتحين (لحىً السنة منها براء!) من جماعته يحشدون لإقرار ما كان بالنسبة لهم قبل سنوات باطلا يرفضون المشاركة فيه ويقولون للقائم عليه بالحرف: (لا نعمل تحت رايتك ولا نرضى بثيابك ولا نقبل قيادتك ولا نعترف برياستك)!! عندما قرأت الكلام ثم نظرت إلى الصورة فرأيت ما بينما من تفاوت، مع استحضار المواقف الأخرى المخزية للمذكور..لم أجد تفسيراً إلا قول الله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ)..محل الشاهد تحديدا أن الذنوب العظام يكون من جزائها إنساء العلم النافع. قال ابن تيمية: (من الذنوب ما يكون سببا لخفاء العلم النافع أو بعضه ; بل يكون سببا لنسيان ما عَلِم ولاشتباه الحق بالباطل) وإلا فالله أحفظ للود من أن يضل قوماً بعد إذ هداهم وعرفهم..ما لم يراكموا ذنوباً تستوجب سخطه (ومن أخطرها كبائر القلوب). وبعد، فهذه نهايات دين (المصلحة والمفسدة) الذي هو في حقيقته دين آخر غير الإسلام! يرد به على كل دليل شرعي بالأهواء والتعليلات السياسية والفهلوية، كأنْ لا وحي، ولا ثوابت، ولا استحضار لمعية الله للطائعين وتدبيره لأمرهم، بل وحتى لا مروءة ولا كرامة نفس!! فاللهم يا مقلب القلوب، اهد هؤلاء الضُّلَّال وتداركهم برحمتك قبل أن يموتوا على ضلالهم هذا.. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا تؤاخذنا بما فعلنا، فوعزتك وجلالك إن وكلتنا إلى أنفسنا ومعاصينا لنهلكن ولنكونن عبرة لغيرنا كما كان هؤلاء عبرة لنا ! ملاحظة: لا مجال هنا للخوض في نقاشات مع المدافعين عن التنازلات. فقد خصصت لبيان سوء وزيغ (فقه التنازلات) مجموعة خطب، وسلسلة بعنوان: (نصرةً للشريعة)، ومجموعة كبيرة من الدروس والمقالات، وكلها منشورة على النت. والله المستعان.

١٩‏/٥‏/٢٠١٤

أيها الكرام، بعد كلمتي بعنوان ( الإعجاز العددي حقيقة أم وهم ؟) رد بعض الإخوة الأحبة باعتراضات. ويراسلني إخوة بهذه الاعتراضات طالبين سماع رأيي حتى يرسوا على بر بالنسبة لموضوع الإعجاز العددي. وانا هنا لن أُفَصل في الموضوع، لأنه من الواضح أننا نحتاج أن نتفق بداية مع إخواننا المعترضين على مقدمات، أهمها تعريف الإعجاز، وبماذا يقع التحدي في القرآن؟ ثم مناقشة المنهج العلمي وضرورة أن يكون مطرداً لا انتقائياً..ثم مناقشة الأمثلة التي يرودونها مثالاً مثالاً. وليس هذا مقام تفصيل طويل كهذا. إنما أقول في نقاط يا كرام:

عبارات نسمعها ونقرؤها: "انظر كيف يستهزئون بالإسلام"..."لا حول ولا قوة إلا بالله !" "انظر كيف ينشرون الفساد"...."حسبي الله ونعم الوكيل !" صديقي، ماذا استفدت من كلامك هذا؟

ظاهرة غير صحية كلما واحد ترك الإسلام أن ننشغل بالحديث عنه.. اقرأوا سورة (عبس) لتتعلموا منها عزة الحق: (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ (7) )...ما لك وما له إذا كان معرضاً؟ (وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ (8) وَهُوَ يَخْشَىٰ (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ (10) ) الناس الذين جاؤوا يسألونك عن الحق خوفاً من الله وطمعاً في فضله يجب ألا يلهيك شيء عنهم...هؤلاء استثمارك للدار الآخرة..فلا تسمح للمستغنين عن رحمة الله أن يأخذوا من اهتمامك ونفسيتك على حساب هؤلاء الـمُقبِلين. (كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (12)).. فمن شاء ذكره..وهو المستفيد لا أحد غيره، لأنه: (مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا). ولأنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)). ولأنه: (وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)). قلت في كلمة (ماذا بعد في سبع سنين) ولا زلت أقول: يجب أن نكون رحمة للعالمين أسوة بحبيبنا صلى الله عليه وسلم، ونحب أن يعود تاركو الإسلام إليه، ونعمل من أجل ذلك، لكن في الوقت ذاته من الخطأ أن ننشغل بهذه الأخبار ويصيبنا القلق والإحباط وكأن "الدنيا ضاعت خلاص"!! إذا حزنت لكفر من يكفر فحول حزنك مباشرة إلى قوة دافعة إيجابية وعملٍ مستمر، وإياك أن تنكسر، وركز على من يسمع منك، فما أكثرهم وما أشد حاجتهم إلى معرفة دينهم..( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).. وتذكر قول رب العزة في الحديث القدسي الذي رواه مسلم: (يا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا)... فاعتزَّ بعزة الله!

فرق بين أن تحفظ آية أو حديثا من جهة وأن توقن بهما من جهة أخرى. هناك حديث عظيم...عندما توقن به فإنك تسير على الأرض وقلبك معلق بالعرش، لا ترجو سوى الله، وغيرَه لا تخاف. لأنك توقن بعده أن مديرك في العمل، وزميلك الذي يكيد لك، وأستاذك في الجامعة، وموظف الضريبة، وابن عمك الثري، وزوجة قريبك التي تحاول أن تعمل لك سحراً !، والذي يكتب فيك التقارير لإيذائك، ومحبيك ومبغضيك ومؤيديك ومعارضيك وشانئيك وحاسديك جميعا، على أرض الواقع وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي...والسبعة مليارات من البشر... هؤلاء كلهم...كلهم بلا استثناء...عبيد مقهورون لله تعالى...قلوبهم بين أصبعين من أصابعه سبحانه، لا ينفعونك إلا بإذنه ولا يضرونك إلا بإذنه. فإن أردت خيرا فاطلبه من القاهر فوق عباده، وإن خفت من العبيد شرا فاستعذ بسيدهم سبحانه. هذه حقائق...فالآيات فيها محكمة غير متشابهة ولا منسوخة، والأحاديث فيها صحاح. إنما الدور عليك أن توقن بها، وحينئذ فأنَّا لقوة –من هذه القوى المقهورة- أن تخيفك أو تطمِعَك أو تشتري ذمتك أو تجد إلى قلبك سبيلا لتصرف نيتك عن الإخلاص للقاهر وتوقعك في الرياء للمقهورين؟! هذه حقائق...فإن آمنت بها تجمعَتْ فِلَق قلبك الممزق وانتظمت خرزاته والتم شعثه على الله عز وجل. لقد مررت بظرف صعب مخيف قبل اثني عشر عاما...ثم تذكرت فجأة هذا الحديث...فكأنه نزل وحيا خاصا ليجمع قلبي المبعثر...ليجمعه على الله وحده. إنها كلمات عظيمات تحدث انقلابا في الكيان...علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لطفل (عبد الله بن عباس) وهو يركب خلفه على الدابة...ليبني بها شخصيته. فحري بنا نحن البالغين أن نعيد تأسيس شخصياتنا على أساسها...فقد فاتنا الكثير، وأضعنا من عمرنا وفكرنا وجهدنا وصحتنا الكثير لغفلتنا عن الحديث، الذي ربما حفظناه... لكن نحتاج هذه المرة أن...نوقن به! ((يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك. إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ. واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإن اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك. رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُف)).

فيما حصل في الأيام الماضية وجوه من الخير..ومع ذلك فإذا أرادت الأمة النصر فله سُنن لا يمكن تجاوُزها. "تفاءلوا بالخير تجدوه" ليس حديثاً ولا حتى قاعدةٌ صحيحة. بل الصحيح: اعملوا للخير تجدوه.

كثيرا ما نذكر أن الذي يقع في الفتن والشهوات يسود قلبه. لكن هذه نصف الحقيقة فقط! النصف الآخر الذي لا يقل أهمية: أن الذي يقاومها ينال جائزة فورية: البقعة البيضاء! عندما تتعرض لفتنة فهما نتيجتان لا ثالث لهما: إما البقعة البيضاء وإما البقعة السوداء. ليس هناك احتمال ثالث أن لا لك ولا عليك! وهنا الجائزة الفورية! عندما تقاوم الشهوة والفتنة لا تصبر نفسك بأجر الآخرة فحسب، ولا بأن من ترك شيئا عوضه الله خيرا منه لاحقا فحسب، بل هناك بقعة بيضاء فورية، تؤهلك لأن تصبح من أصحاب القلوب البيضاء التي تميز الصواب في هذا العالم المحير، والتي تشعر بلذة التعلق بالله تعالى، والتي يسكب الله فيها الأنس به والشوق إليه وحبه وحب دينه وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم وحب المسلمين فيه سبحانه. عندما ترى أن الله تعالى يعرضك لفتن ويصبرك عليها فاعلم أنه يريدك لكرامة في الدين تحتاج قلبا أبيض. لا يعني هذا طبعا أن نحوم حول الشهوات ونقتحم غمارها لكن أن نصبر إذا واجهتنا. وفي المقابل، تذكر أن تقبُّل الفتنة والاستمتاع بها له عقوبة عاجلة: نكتة سوداء تحرمك من المشاعر النبيلة المذكورة، وتحل محلها التشتت والتيه في فتن الشهوات والشبهات. هذه المعاني موضحة في حديث رواه الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: -(تُعرَضُ الفتنُ علَى القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا) أي متشابكة كثيرة تلو بعضها كتشابك الحصير. -(فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ سَوداءُ) أي أن القلب الذي يميل لها ويقبلها تلقى فيه بقعة سوداء. -(وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ بَيضاءُ) الذي يقاومها ويصبر عنها تلقى فيه بقعة بيضاء. -(حتَّى تصيرَ علَى قلبَينِ: علَى أبيضَ مِثلِ الصَّفا فلا تضرُّهُ فتنةٌ ما دامتِ السَّماواتُ والأرضُ) قلب المتصبر عن الفتن يصبح أبيض شيئا فشيئا، ببياض جبل الصفا، فتصبح عنده مناعة ضد الفتن التي ستعرض له فيما بعد ولو كانت اكبر من الأولى. (والآخرُ أسوَدُ مُربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا) أسود اللون كالجرة المقلوبة التي مهما صببت الماء عليها فلن يدخلها الماء. وكذلك هذا لا تنفعه الآيات والأحاديث والعبر والعظات. -(لا يعرِفُ معروفًا ولا ينكرُ مُنكرًا إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ) يصبح محركه في حياته ومقياسه في الحكم على الأشياء الهوى فقط. فاللهم اجعلنا من أهل القلوب البيضاء.

١٥‏/١٢‏/٢٠١٤

-"الفنان" "الفائز" يسجد شكرا لله -على ما يبدو !- لحظة إعلان "فوزه" في أرب آيدل! كما فعل من قبله "الفنان الفلسطيني". -لسان حاله في سجوده يقول: (شكرا يا رب على أني كنت الأفضل في برنامج العري والمجون وتضليل الشباب والشابات وحرفهم عن دينهم)! (شكرا لك يا رب أني أداة بيد الشيطان أشغل شباب وفتيات المسلمين عن نصرة بلدي سوريا بالرقص والغناء)! -ولو أنه سجد للشيطان لكان أكثر انسجاما مع نفسه! - أظننا سنسمع من يقول: "علينا أن نثني على سجوده هذا"، "يبقى أحسن من المطربين الآخرين"، "هل تشك أن رجلا يسجد بهذا الشكل يحب الله" !!! -وينسون أن ((الله طيب لا يقبل إلا طيبا)) وأنه حتى مشركو مكة كان عندهم إجلال لله عن هذه المواطن النجسة، حتى أنهم اشترطوا في إعادة بناء الكعبة ألا يسهم احد بمال مغصوب ولا ربا ولا مهر بغي. لا يُجَمِّل هذه المعاصي القبيحة أن يسجد فاعلوها على إتقانهم إياها في أجواء ليست فيها عورة مستورة! بل إن هذا السجود يقلل من نفرة النفوس من العري والمجون ويكسو وجهها القبيح بمسحة إسلامية! -في سنة 1955 أعلن بورقيبة أنه إن وصل إلى الحكم فسيحكم بالعلمانية ، فثارت تونس واعترض المشايخ وكانت الأمور لا تزال في أيديهم ، فتشكل وفد منهم وذهبوا إليه في بيته :" وقلوبنا ممتلئة عليه " ، كما روى الشيخ محمد النيفر التونسي، وعند الباب قال لهم الخادم : إن سيدي الحبيب يتوضأ ! إذن الرجل لا زال يصلي ، ارتبك المشايخ ، وجاءهم بعد أن صلى ! وسألوه كيف تصرح هذا التصريح ؟ فصاح رافضا أن يشكك أحد بدينه وانتمائه، ولكن يا أسيادنا إنه التكتيك ! وانطلت الحيلة على المشايخ وخرجوا إلى الشعب التونسي الغاضب فطمأنوه أن الحبيب لا زال على العهد ! وبعد عام واحد فقط حصل "الاستقلال" واستلم بورقيبة وعمل ما لم يستطع الاستعمار أن يعمـلـه من طمس للهوية الإسلامية ومحاربة لدين الإسلام! وتذكروا: بنى المنافقون مسجدا! مسجدا يُسجد فيه لله. لكنه كان ضرار فقال الله تعالى لنبيه: (لا تقم فيه أبدا) وأمره بهدمه. -إنها العواطف يا ناس...ضيعتنا في مواطن كثيرة. لذا، فالعبرة ليست بسجدة الشكر، ولا بالشعارات الرنانة. لما رفع المنافقون شعار الإسلام قال الله تعالى: ((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)).

بعد أحداث الصحيفة الفرنسية رأينا في مواقع التواصل استحسانا من بعض المسلمين للعملية واستياء من آخرين. ليس موضوعي هنا المناقشة الشرعية للعملية والمصالح والمفاسد المترتبة عليها. إنما المؤلم أن نرى أناساً ألين بالمشركين من إخوانهم المسلمين ! يعلقون على من أقر العملية أو فرح بها قدراً –بغض النظر عن موقفه منها شرعاً- بمثل التعليقات التالية: (تبا للإرهاب الذي يسكن عقولكم)! (أشكالكم هم من ينفرون الناس عن الإسلام)! أذكر هؤلاء هداهم الله بالحديث الذي رواه مسلم أنَّ أبا سفيانَ أتى على سلمانَ و صهيبٍ وبلالٍ في نفَرٍ، ويظهر ان ذلك كان في الهدنة بعد الحديبية، فقال هؤلاء الصحابة: واللهِ ما أخذَتْ سيوفُ اللهِ من عنُقِ عدوِّ اللهِ مأخذَها. (يقولون ذلك نقمة على أبي سفيان الذي آذى المسلمين). فقال أبو بكرٍ : (أتقولون هذا لشيخِ قريشٍ وسيِّدِهم؟) (لأن أبا سفيان كان وجيه قريش). فأتى أبو بكر النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخبرَه. فقال له النبي: ((يا أبا بكرٍ! لعلك أغضبتَهم. لئن كنتَ أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربَّك)). فأتاهم أبو بكرٍ فقال: (يا إخوتاه، أغضبتُكم؟) قالوا: (لا، يغفرُ اللهُ لك يا أخي). إذن إخواني نبينا صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى أن شأن مشرك محارب في أصله أقل من أن تُغضب من أجله مسلما. هؤلاء الصحابة ما قالوا كلمتهم إلا حبا لله وغيرة على دينه تعالى وغضبا ممن حاربه. فالله يغضب لغضبهم في ذلك ويرضى لرضاهم. لاحظ أن أبا بكر عاتبهم عتابا لطيفا لم يتهجم عليهم فيه ولا سبهم ولا سخر منهم ولا قال لهم أنتم تشوهون الإسلام. ومع ذلك حذره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إغضابهم لأجل كافر يغضب الله تعالى! فكيف والمقام مقام حديث عن أناس مجرمين استهزأوا بنبينا صلى الله عليه وسلم، لا هم ذميون ولاكفونا شرهم؟! لماذا تتهجم على أخيك في الله وتغضبه وتثير عاصفة جدال تزيدنا فرقة؟! نعم، لك أن تناقش المسألة نقاشا شرعيا هادئا...ونعم، بعض الشباب في أسلوبه وكلامه أخطاء. لكن، أليسوا أولى برفقك وحلمك وسعة صدرك من المشركين الذين تريد -كمانريد أيضا- أن تعطيهم صورة مشرقة عن الإسلام ؟ إخواني، لقد هنا على الدنيا كلها، فلا أقل من أن نكون رحماء ببعضنا، بدل أن يحقر بعضنا بعضا ويستهزئ بعضنا ببعض. والسلام عليكم. #شارلي_ايبدو #مسيرة_فرنسا #مسيرة_باريس

١٢‏/١٢‏/٢٠١٦

وَقَفَتْ أمام المرآة تتهيأ للخروج...أحست للحظةٍ أن ملابسها غير مناسبة وتذكرت كلام "داعية" عن الحجاب الشرعي. ثم ما لبثت أن قالت في نفسها: (داعية؟! هه! شفناه في الثورة كيف وقف موقف متخاذل وبعديها أصبح يتاجر بالدين. شيوخ بيتكلموا عن الحجاب وشاطرين ينتقدونا وهم مضيعين الأمة كلها بنفاقهم. مش رايحة آخذ منه حاجة). أقنعت نفسها أن هذا "الداعية" يستحق أن يُشطب هو و درسه عن الحجاب، وأنها خير منه حتى لو خرجت على هذه الهيئة لأنها على الأقل ليست متناقضة مثله. وخرجت على هيئتها هذه بالفعل. مرت بشاب...نظر إليها نظرة شهوانية...نازعته نفسه اللوامة، وتذكر "شيخاً" وكلامه عن غض البصر ووجوب الالتفات إلى قضايا الأمة الكبرى...ثم ما لبث أن قال في نفسه: (غض البصر؟! هه! المحترم الي تكلم عن غض البصر أصبح بيدافع عن الي بيسيئوا الظن في المسلمين وبيكفروهم وبيخوضوا في دمهم، وبعدين جاي يتكلم عن غض البصر! أنا أحسن منه عند الله لأني ولو عملت صغائر لكن على الأقل ما بأذيش مسلم). في غمرة انحرافات من ينبغي أن يكونوا قدوات، الحقيقي منها وما يلفقه الإعلام...وجد الشيطان إلى نفوس عامة المسلمين مدخلا خبيثاً: يحرضهم على ردة فعل "انتقامية" على هذه الانحرافات...كيف؟ هم منحرفون، فانحرف أنت أيضا نكايةً بهم!! وقع "الشيوخ" في إفراط وتفريط، فهم ليسوا أهلا أن تأخذ عنهم شيئا... (ولو كان هذا "الشيء" قال الله وقال رسوله!!)... فرُدَّ عليهم بضاعتهم واستمر في معصيتك، فأنت –وإن فعلتها- خير منهم. إلى أن أصبحنا نرى الانحراف يزداد يوما بعد يوم... الحجاب الصحيح أصبح نادرا، وقيم الحياء والحشمة تُسرق منا بهدوء، وأبناء المتدينين ليسوا على طريق آبائهم، والناس يرجعون خطوات إلى الوراء فضلا عن أن ينصروا القضايا الكبرى! وعلى الجميع أن يصمت! وإنكار المنكر ممنوع! وإلا فويلٌ لك من الردود! حتى لو كنت بريئا من الإفراط والتفريط، وحتى لو وقفْتَ مواقف عزة وقوة، فستنالك سهام "أنتم" التعميمية: (الأمة فيما هي فيه وأنتم تتكلمون عن الحجاب والصحوبية! أنتم ضيعتم الدين! أنتم وأنتم وأنتم...)! ((بل الإنسان على نفسه بصيرة (14) ولو ألقى معاذيره (15) )) (سورة القيامة) أخي، أختي، كما وسوس الشيطان لمن يُفترض أن يكونوا قدوات فأوقَعَهم في الإفراط والتفريط فقد وسوس لك بكلامك هذا لتكتمل فصول المؤامرة! ((يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسَكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)). إذا لم يحسن حَمَلةُ اللواء حَمْلَه فهذا يضع على عاتقك حملا أكبر أن ترفعه بحق وتكون جزءا من الحل، لا جزءا من المشكلة!

تقرأ آيات الجهاد والاستشهاد وتتمناها لنفسك؟ إن وفقك الله بعدها لجهاد القتال بالنفس والمال على وجه صحيحٍ مشروعٍ فهنيئاً لك، ونسأل الله أن يرزقنا مثل ما رزقك. وإن لم توَفَّق لذلك بعد، فإياك أن تنكسر أو تُحبط، بل عِش حياتك بنفسية المجاهد.. تعلَّم العلوم النافعة المختلفة، الطبيعية والشرعية..بهمة المجاهد، وقوة المجاهد.. مستحضراً أن هذه العلوم عُدة حربك، تحرر بها مساحاتٍ من قلوب الناس وعقولهم من الشكوك والشبهات، ومن اليأس والهزيمة..وتقيم فيها صروح محبةٍ وتعظيم لله لا تنهدم.. مستبشراً بأن عملك هذا لا يقل عن تحرير الأراضي.. مارس أدوارك الاجتماعية أباً، ابناً، زوجاً، أخاً، معلماً، جاراً، عاملاً، صاحب مهنة..بنفسية المجاهد، الذي يتقن هذا كله ويعطي كل ذي حقٍّ حقه، ويعلم أن إتقان أدواره هذه معارك ينتصر فيها. ولا يضيع أوقاته في معارك جانبية أو في لهو بلا غاية. وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاء يريد الجهاد: ( أحَيٌّ والِداكَ ) . قال : نعم، قال (ففيهما فجاهد).. لست مضطراً أن تتنكر للجهاد وتخونه لتحيا حياتك بإتقان واستبشار، كما أنك لست مضطراً أن تتنكر لحياتك لأنك بنفسية مجاهد..بل ادمج بينهما، وانظر إلى الفتوحات العظيمة التي سيفتح الله عليك بها إنْ عَلِم في قلبك صدقاً وإخلاصا. لست مضطراً أن تتنغص لأنك لم تجاهد، فتعيش محبَطاً، محبِطاً، عصبياً مع والديك، زوجتك، أولادك، فتُنَفِّرهم وتنفر الناس وتكون همَّاً جديداً على أمتك وخادماً لأعدائك وأنت لا تشعر! بل عِش حياتك بنفسية المجاهدين الذين يحبهم الله: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)....مجاهد لكن كن هينا لينا مع المسلمين. عش، وعيشي بنفسية المجاهد، وحينها ستتحمل وتحملين ما تلقاه من آلام وطعنات في سبيل سعيك وثباتك..لأنك مجاهد..والمجاهد تصيبه الجراح ويتلقى الطعنات و هو مُقدِم مستمر مطمئن، لا يتوقع غير ذلك...كيف لا؟! فهو "مجاهد".. تذكر الرجل الذي مر على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرأَى أصحابَ رسولِ اللهِ من جلَدِه ونشاطِه فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ فقال رسولُ اللهِ: (إن كان خرج يسعَى على ولَدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى على نفسِه يعَفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى رياءً ومُفاخرةً فهو في سبيلِ الشَّيطانِ). نعم، عش بنفسية المجاهد، وأسأل الله أن يجعل ذلك لي ولكَ سبباً في أن يبلغنا جهاد القتال ويرزقني وإياكم الشهادة في سبيله.

صديق لي ولد في أمريكا وعاش وتزوج فيها ثم انتقل إلى دولة خليجية، وكان من أسباب انتقاله أنه يريد العيش في بلد مسلم. لكنه تفاجأ بالمعاملة في هذا البلد المسلم. ومن الأمثلة: كان يأخذ ابنه الصغير (كريم) إلى المسجد، وعندما ينتهيان من الصلاة يلقي الصغير بنفسه على أبيه ويقول له: (Dad, I prayed)، أي: (لقد صليت يا أبي)، يقولها بمرح وبراءة. إخواننا المسلمون في البلد المسلم كانوا يتضايقون من "إزعاج" الطفل، ويقول أحدهم لأبيه: (ما يصير تجيب الولد على المسجد)! تفاجأ الأب! فقد تعود في مثل هذا الموقف في أمريكا أن يأتي إخوانه المسلمون من شتى الجنسيات فيضحكون لكريم ويلاطفونه ويقبلونه...فهو طفل ذكي وسيم خفيف الدم. أما هنا فلا أحد يلاطف الطفل أو يعيره أي انتباه، بل يلومون الأب على إحضاره للمسجد! لم يطق الحياة في هذا البلد فانتقل إلى مصر، ثم بعد سيطرة العسكر عاد إلى....أمريكا! عباد الله، سبحان الله! (إن منكم منفرين)! أهكذا كانت سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ بل كان كثير الملاطفة للأطفال، مهتما بهم، يحفظ أسماءهم. ومن أمثلة ذلك ما رواه البخاري (وهنا نبسط ألفاظ الحديث لتكون مفهومة) أنه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أُتي بقطعة ثياب صغيرة، فقال: (من تَرونَ أن نكسوَ هذه؟) . فسكتَ القومُ، فقال: (ائتوني بأمِّ خالدٍ) فأُتِيَ بها تُحمل، فأخذ النبي القطعةَ بيده فألبسَها، وقال: (أَبلي وأَخلقي) (أي أنه يدعو لها بطول العمر فتلبس وتُبلي مرارا). وكان في القطعة لون أخضرٌ أو أصفرٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أمَّ خالدٍ، هذا سناهُ). وسناهُ بالحبشيةِ (حسنٌ)، فقد كانت الطفلة وُلدت بالحبشة فتفهم هذه الكلمة. أي كأنه يقول للطفلة: (شوفي ما أحلاها). هذه طفلة من أطفال المسلمين صغيرة تُحمَل، ليست من أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يتذكرها النبي، ويعطيها كنية (أم خالد)، ويختصها بقطعة ثياب، ويلبسها إياها بيده، ويدعو لها، ثم يلاطفها ويقول لها ما معناه (شوفي ما أحلاها). لم يمنعه انشغاله صلى الله عليه وسلم وحمله لهموم البشرية وتنظيمه لأمور الدولة وحرب الأعداء الداخليين والخارجيين وتعليم الناس من أن يهتم بأطفال المسلمين. فقلبه صلى الله عليه وسلم كبييييير كبير. والأمثلة على ذلك كثيرة. ملاطفة الأطفال سنة نبوية، ومفتاح لقلوبهم وقلوب آبائهم، وسبب للمودة بين المسلمين، وقربى وطاعة. قبلهم، أعطهم حلوى من جيبك، قل لهم كلمة حلوة، ولا نكن منفرين.

١٠‏/١١‏/٢٠١٤

اتفق العقلاء على وجوب حفظ الضرورات الخمس: الدين، النفس، العقل، العِرض، والمال. تأمَّلْتُ فيها فما وجدت "ولاة الأمور"، ومِن ورائهم النظام الدولي، قد أبقوا للمسلمين شيئا منها!

لا أحب أن أنشر صوراً مفزعةً لمعاناة مسلمي الروهينجا من السلطات البوذية.. ومسلمي تركستان من السلطات الصينية.. ومسلمي كشمير من السلطات الهندوسية.. لأن الإكثار من نشر هذه الصور وتناقل تفاصيل الأخبار المؤلمة دون إعطاء خطوات واقعية للحل كثيراً ما يكون له أثر سلبي: إحباط، تنغص عيش بلا جدوى، ثم تبلد إحساس وتهرب من الاهتمام بأمر المسلمين.. لكن في الوقت ذاته، "مش معقول" أن تكون هذه الأحداث الأليمة تحدث الآن..الآن في زماننا، ومع ذلك لا زال كثير من أبنائنا في المربع الأول، يناقشون: (لماذا قاتل النبي المشركين وفرض الجزية على أهل الكتاب؟)!!! (لماذا يقول الله: وقاتِلوهم حتى لا تكون فتنة؟)!!! (لماذا الإسلام دين "مش متسامح"؟)!!! وإذا ما واجههم الـمُشَكِّكون بأمور ترتبت على الحروب في تاريخ المسلمين كمُلْك اليمين ترى من أبنائنا من يضع رأسه في التراب ويستحي من دينه وقد يريد الانسلاخ منه!! "مش معقول" أن يعيش المسلمون هذه الحالة من الفصامية عن الواقع، فلا يدركوا أن هذه الآيات والأحاديث التي يستحون منها!!! هي لمنع حالة الإجرام والتوحش التي تعيشها البشرية اليوم. لا أدري أيها المسلم، كيف تتحمل أن يُعَيِّرك أعداء دينك بالآيات التي تأمر المسلمين أن يبسطوا سلطان الإسلام في الأرض (حتى لا تكون فتنة) وأنت ترى مسلمات الروهينجا تُغتصب إحداهن اغتصابا جميعا من مجموعة ذئاب بوذية، يُلقى زوجها وأولادها أمام أعينها في النار، وإذا شكوا أنها حامل بقروا بطنها وهي حية!! ويتكرر مثل ذلك وشبيه به للآلاف من المسلمات!! لا أعرف كيف تتمالك نفسك ألا تبصق في وجه من يسخر من آيات القتال وأنت ترى مسلمي تركستان يُجبَرون على السجود لشرطي صيني أو لتمثال ماو تسي تونغ،ويُجبَرون على شرب الخمر وأكل الخنزير، وينتزع منهم أبناؤهم ليُرَبَّوا على الكفر!! لا أعرف كيف تتحمل أن ترى وجهك في المرآة إن كنت ممن يصفقون وينافقون للساسة في بلاد المسلمين، الساسة الذين يؤيدون ما تفعله الصين في تركستان، ويبطلون مشروع استنكار –مجرد استنكار لما تفعله الصين- في "الأمم المتحدة"!!! بل ويوطدون العلاقات ويعطون المكافآت -من أموال أمتنا !!- لميانمار والهند على قمعهما للمسلمين!! لا أعرف كيف تتمالك نفسك ألا تتقيَّأ قرفاً وأنت تسمع من يندد بـ"الإرهاب" ويربطه بالمسلمين، وأنت ترى إخوانك في كشمير تتُهدم مساجدهم ويطعنون بالسكاكين ويتلذذ قتلتهم بتعذيبهم قبل القتل. هذا غير الجراح النازفة والبيوت التي تهدم على إخواننا وأخواتنا الذين لا يفصل بيننا وبينهم إلا حدود وضعها المحتل.. لا أريد أن أُنَكِّدَ عليكم بالصور والفيديوهات المؤلمة، لكن "مش معقول" أنه حتى الدروس العقدية لا يتعلمها أبناؤنا ليعتزوا بدينهم ويدركوا حاجة البشرية إليه، فتكون هذه اليقظة الداخلية خطوة أولى على طريق التحرر من رق النظام الدولي. "مش معقول" أن يبقى يُضحك على أبنائنا بمواثيق النفاق الدولي ويمارَس التدجيل عليهم في المناهج والإعلام في العالم الإسلامي..مع أننا لا نتكلم عما مارسه أعداء الإسلام في قديم الزمان!! بل عما يمارسونه الآن..الآن ونحن نقرأ هذه الكلمات! لا أريد أن أنكد عليك ولكن أقول لك: ارفع رأسك بكل آية من كتاب الله عالياً، واجعل ألمك لإخوانك المسلمين دافعاً لليقظة والعمل، وتذكر: (ولولا دفعُ الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين).

من العجيب جدا أن نتكلم عن شهر رمضان وكأنه شهر الكسل وتعطل القدرات! فيما يلي، نستعرض معكم أهم المعارك والفتوحات التي تمت في شهر رمضان، وستعرفون بعد استعراضها لماذا يريد شياطين الإنس أن يحولوه إلى شهر مسلسلات وسهرات عبثية، فقد أتعب هذا الشهر أعداء الإسلام كثيرا!

ونحن نتكلم عن قضية أصل الإنسان ونفند نظريات العلم الزائف حولها سيقول البعض: لماذا كل هذه الضجة؟ دعونا من الماضي، ركزوا لنا على الحاضر، وماذا يهمني معرفة أصل الإنسان!

٥‏/١٢‏/٢٠١٦

تأتي لتتعلم أو تُعَلم موضوعا نافعا في الفكر، العقيدة، الفقه، التاريخ، التربية، الرقائق.... تتردد...ثم تتجمد! لماذا؟ لأنك تقول في نفسك: المسلمون في سوريا، العراق، فلسطين، بورما...في ما هم فيه، وأنا أنشغل بهذا الموضوع؟! بماذا سينفعهم؟ كيف سيُسْهم في إنقاذهم؟! ألا تروننا لا نكاد نلتزم بدورة شرعية بعدما تحمسنا في البداية؟ لا مدرسين ولا متعلمين؟! ولا نُتِمُّ قراءة كتاب... إنه "شلل التفكير"! ما أحوجنا في مثل هذا الظرف إلى التعلم من نموذج ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله. عصرهما كان شديد الشبه بعصرنا من نواحٍ كثيرة...اجتمع على المسلمين فيه التتار من المشرق (كروسيا اليوم)، والصليبيون من المغرب (كالدول الغربية اليوم) والروافض والقرامطة والحشاشون من داخل بلاد المسلمين (كطوائف الروافض اليوم)، بينما المسلمون في غاية الفرقة والتناحر. وانظر في ذلك ما كتبه في مجموع الفتاوى، ج28، ص (530 - 534). حتى أنه كتب في ذلك الموضع: (وملك المشركين لَمَّا جاء إلى "حلب" جَرَى بها من القتل ما جرَى). سبحان الله! مثل أيامنا هذه حيث يجري من القتل في حلب ما يجرى. وحاول التتار التلبيس على المسلمين بتحكيم الياسق الذي يَعتبر الشريعة الإسلامية "أحد مصادر التشريع" كما هو الحال اليوم... إضافة إلى ذلك بلغت الانحرافات الفكرية والعقدية ذروتها في ذلك العصر، وهي تتقاطع مع الدعوات "الحداثية" و"العلمانية" اليوم، ونَشَر الفلاسفة شبهاتهم حول الإسلام ولبسوا على عموم الناس كما في الدعوات التشكيكية والإلحادية اليوم. كان الوضع صعبا ومُحبطاً للغاية...بل ابن تيمية نفسه شُرِّد في صغره هو وأهله من بغداد؛ هروبًا من تغوُّل المغول في العراق... فهل أصيب ابن تيمية بـ"شلل التفكير"؟ بل تصدى لهذه الجبهات جميعاً...وعلَّم وألف في كل ما ينفع المسلمين! فمن يقرأ له مبحثاً في العقيدة أو الفقه أو الأصول أو التفسير يحس أنه أمام شخص مُرَفَّهٍ تتوفر له الخدمات ولا عمل له إلا التأليف والتعمق في المسائل العلمية، فيكتب بنَفَس طويل وتأمُّلٍ عميق، علماً بأنه كان ما بين حبس السلاطين وتهديدهم وفرية خصومه وتأليب العوام عليه، ومات محبوساً. تصدى ابن تيمية لكل الانحرافات الفكرية في زمانه ورد على كل أنواع المبطلين (رد على الملحدين في زمانه بالمناسبة)، ولم يقل: (كيف أكتب في هذا الأمر أو ذاك مع سوء أوضاع المسلمين وتكالب أعدائهم عليهم؟)....لم يصب بشلل التفكير، بل ترك تراثا ضخما غزيرا فريدا نهل المسلمون منه وينهلون ولا يستغنون عنه لثمانية قرون حتى الآن، حتى استحق بحق أن يسمى: شيخ الإسلام. طبعاً، لم يُهمل ابن تيمية جانب الجهاد، بل جاهد بنفسه وحرض على الجهاد...لكنه قبل ذلك لم يجلس متجمدا لا في العير ولا في النفير يحقر العمل في جوانب الإسلام الأخرى كما هو حال أكثرنا اليوم. وكذلك كان تلميذه ابن القيم، الذي تعجب وأنت تقرأ له في الرقائق حين تذكر الظروف المأساوية التي كُتبت فيها هذه المؤلفات الرقيقة الجميلة العميقة! اللهم أطلق العنان لتفكيرنا، واستعملنا في نصرة دينك واختم لنا بجهادٍ وشهادة في سبيلك.

٥‏/٤‏/٢٠٢١

إحياء الجاهليات = طمس الإسلام من النفوس

٣‏/٢‏/٢٠١٤

أم هيثم...كانت تنسج البلوزة (الكنزة) الصوفية بيديها لابنها الذي قال لها في اتصاله الأخير: (أمي الحبيبة، لي عندك طلب: انسجي لي بلوزة صوف بيديك واطلبي من أبي أن يرسلها مع صديقي عماد، فطيارته يوم الخميس بعد القادم. أعرف أنك ستتعبين في نسجها، لكني أريد أن أتذكرك وأنا ألبسها...سأحس أنك نسجت فيها حنانك بعطفك بحبك يا غالية...سأحس وأنا ألبسها أنك تضمينني إلى صدرك...باختصار يا حبيبتي: انسجيها..علشاني). أبو هيثم كان يعلق –شبه ممازح- وهو يرى زوجته منهمكة في النسج: (يعني يا سيد هيثم من قلة البلايز! تستطيع أن تشتري من عندك أحسن بلوزة بعشرين دينارا بدل أن تُتعب أمك وترهق عينيها في الليل بطلبك هذا!). أما أم هيثم فلم تتأثر أبدا بما يقوله زوجها...كانت كلمة هيثم: (علشاني) ترن في مسامعها... كانت من حين إلى حين تقطع انهماكها في النسج للحظةٍ ريثما تكف دمعتها، دمعة الفرحة بتلبية طلب هيثم، أو دمعة الشوق إليه. لقد كانت أم هيثم تنسج البلوزة باستمتاع مع أن بصرها وشيئا من اليُبس في أصابعها لم يساعداها...لكنها كانت تستجمع قواها كلما تذكرت كلمة هيثم (علشاني)، وتقول لزوجها: (لا شيء كثير على هيثم. ما دام هيثم طلب سأصبر). تنقلب الأعمال الشاقة متعة عندما يكون الذي طلبها منا عزيزا إلى قلوبنا...وبقدر حبنا له، تزداد لذة المعاناة من أجله. فكيف إذا كان الذي طلبها منا هو: الله سبحانه وتعالى! إن الله يطلب منك أن تصبر ابتغاء وجهه الكريم: ((والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم)) (الرعد 22). وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ((ولربك فاصبر)). قال مفسرون في معناها: أي اجعل صبرك لله ومن أجله. فهل هناك صبر كثير على الله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنَّ رجلًا يُجَرُّ على وجهِه من يومِ وُلِدَ إلى يومِ يموتُ هرًما في مَرْضاةِ اللهِ تعالى لحقَّرَه يومَ القيامَةِ)) (حسنه الألباني). تصور! لو أنك منذ ولادتك إلى يوم وفاتك في سن كبير هرما أمضيت هذه الثمانين أو التسعين عاما تُجر على وجهك في سبيل الله تعالى لاحتقرت عملك هذا يوم القيامة ووجدته لا شيء عندما تعلم عظمة الرب الذي من أجله ابتُليت وترى إكرامه لك على صبرك من أجله! كلما أحسستَ بطول البلاء ونفاد الصبر قل: (بما أن الله تعالى طلب أن أصبر، سأصبر...ابتغاء وجه الله. فالله تعالى أعظم محبوب، وليس شيءٌ كثيراً على الله).

٢‏/١٠‏/٢٠١٧

رَأَتْ والدتي فتاتين متبرجتين في الطريق، فاقتربت منهما وقالت: (حبيباتي، أنا بغار عليكم الشباب يشوفوكم بهذا المنظر، مش لو تحجبتو أحسن لكم وأرضى لربكم؟) فردَّت إحداهما بأدب: (خالتو، أنا مسيحية) فقالت لها والدتي: (ولو يا خالتو، برضه بغار عليكي واللهِ). وأنا أُسر عندما يقول لي نصراني: أتابع سلسلتك (فن إحسان الظن بالله)، وقد زادت محبتي لله. كلامي هنا لا يتعارض مع مراعاة الأولويات بالدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء، وأنه لا يُقبل عمل بدونه. لكن هناك أمرٌ كثيرا ما نغفل عنه: النصارى الذين يعيشون بيننا لهم حقٌّ علينا، وعلينا واجبٌ نحوهم: واجب دعوتهم إلى الله. الأصل في علاقتنا بهم ليس الخصومة، بل دعوتهم إلى الدين الحق: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس)... (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً)...(وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)...خطاب لرسول الله ولأمته من ورائه... هذه الآيات خطابٌ لنا نحن!

الجواب: لا، وقد كنت نشرت في مقال قبل سبع سنوات: (لا أنتسب إلى تيار بعينه، بل أعتبر نفسي لكل المسلمين، قلمي ودعائي ودعوتي وحرقتي ونصيحتي لهم جميعا، وما يمثلني تمثيلا دقيقا هو أدبياتي الخاصة المنشورة المتاحة لمن أرادها. وأعلم أن هناك من يريد أن يصنفني حتى يُفقد دعوتي هذه عموميتها ليشعر عامة الناس أنهم غير مخاطبين بها).

١‏/٧‏/٢٠١٩

أتقنتَ عملك، أحسنتَ تعاملك، خاطبت مَن حولك بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم...ومع ذلك لم يتغير شيء في الظاهر! زملاؤك، تلاميذك، زبائنك، جيرانك...المقصر في الصلاة لم ينتظم فيها، المتبرجة لم تتحجب، متابع المغنين والممثلين لم يهتم بأمر الأمة. لا تحزن، إنك لم تفشل! ما دمت قد فعلت ما فعلته بصدق وإخلاص وحسن اتباع لسنة الحبيب في الدعوة... هناك نجاح كبير قد لا تشعر به، وهو تنقية قلوب من حَولك من "أعمال قلوب" مهلِكة، هي أخطر بكثير من المعاصي الظاهرة. هي...كانت تكره المتحجبات، بفعل الإعلام وبيئتها العائلية...والأخطر أن الأمر اختلط عليها بعد ذلك فأصبحت تكره الحجاب ذاته كشعيرة دينية، وحتى عندما كانت تقرأ القرآن مرة في السنة في رمضان كانت "لا تحب" آيات الحجاب، أو تراها منتهية الصلاحية! تعرفت عليكِ، رأت نموذجا آخر غير المطبوع في دماغها، أحبَّتكِ، بدأت قناعاتها النمطية تهتز، وصلت مرحلة الألفة مع الحجاب والقناعة بأنه "هو الصحّ"...أصبحت عندما تقرأ آيات الحجاب تستحي من ربها عز وجل وتقول في نفسها: (أنا غلطانة، أنا ضعيفة، يا رب اغفر لي، يا رب قويني). لم تتحجب، لكن...هل تعلمين حجم النقلة التي نقلتِها إياها؟! يوم كانت تكره شيئا من دين الله تعالى، كان يُخشى عليها أن تكون ممن قال الله فيهم: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم)...فكراهية ما أنزل الله من أعمال القلوب التي تُـخرج صاحبها من الإسلام والعياذ بالله. اليوم، أصبَحَتْ من أهل آية: (وآخَرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم). أمس، كان في قلبها ما يحبط الإيمان، واليوم، يوم ألِفَتْ أمر ربها عز وجل وأيقنت بحكمته... لا زالت على كبيرة أي نعم، لكنها مما يدخل في قوله تعالى: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). فكيف تظنين بعد ذلك أنكِ فشلتِ؟! كذلك أنتَ أخي، وقد نقلتَ أُناسا بفضل الله، من ازدراء المتدينين (وازدراء بعض شعائر الدين بالمعية، وهو الأخطر !) إلى توقير دينهم والألفة معه والإحساس بأنهم هم المقصرون. قد لا يتغيرون في الظاهر ولفترةٍ طويلة، لكن النقلة النوعية القلبية قد تكون هي فرق ما بين الخلود في النار إلى الخلود في الجنة! فكيف تظن بعد ذلك أنك فشلت؟! بل هذا من أعظم النجاح.

٣١‏/١٠‏/٢٠١٤

في غمرة الحديث عن الولاء والبراء وكيد الأعداء قد نظهر نحن المسلمين، خاصة الحريصين منا على سلامة المنهج، قد نظهر وكأن دعوتنا هي دعوة كراهية: كراهية المشركين، كراهية المنافقين، كراهية الحكام المعطلين للشريعة وأوليائهم، كراهية العصاة وناشري الفتن، كراهية الدعاة المميعين وفقهاء السلاطين، وغيرهم. في خطابنا للناس قد تتمركز ألفاظنا حول هذه الكلمات، مما يظهرنا للسامع وكأن قلوبنا قاسية وأرواحنا جافة، بل قد نظهر أمام أنفسنا بهذا المظهر، بل وقد نكون كذلك حقا! علينا أن نعلم أن ميزتنا الكبرى ليست قدرتنا على الكراهية! ولا أن نكون فقيري المشاعر! بل إن خصيصتنا العظمى هي: محبة الله ورسوله. هذا هو محور حياتنا، هذه هي زبدة دعوتنا. وإنما نكره من نكره لصفاء محبتنا لله ورسوله. نعم، نكره. ولكننا نكره لأننا نحب!: نحب حبا صادقا لا نفاق فيه ولا ضعف، فنكره ما يخدشه أو يسرقه منا. وإلا فالمؤمنون يجب أن يكونوا أرق الناس قلوبا وأعظمهم محبة، ونحن لسنا دعاة كراهية في المقام الأول. هذا المفهوم يساعدنا جدا في دعوتنا، إذ لا نبدأ مع الناس بخطاب الكراهية، بل بالمحبة. فإذا أعنا الناس على أن يحبوا الله ورسوله محبة صادقة سهل علينا بعدها أن نحضهم على الواجبات وننفرهم عن المحرمات.

٢٩‏/٦‏/٢٠١٨

إذا هجم قطاع الطرق على جيراني.. فوقف نساؤهم وأطفالهم ببابي يطرقون ويستنجدون.. وبقي رجالهم يدافعون.. فلم أفتح بابي..أو فتحته بعد أن قتل قطاع الطرق من الأطفال والنساء من قتل.. وسَحَل رجالهم في الشوارع... هل يستطيع أحدٌ أن يلومني؟ أليست الدار داري والباب بابي؟ هل هناك ما يجبرني على التصرف بغير هذا؟ هل أنزل الله يا ترى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) هل أنزل: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) هل قال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً: (ما من امرئ يخذل امرأً مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته)؟ مجرد تساؤلات! من لم يعرف الإجابة عنها اليوم فسيعرفه حين يدفع الثمن! #درعا

٢٦‏/٣‏/٢٠٢١

عندما تجتمع وسائل الإعلام المختلفة في المصالح السياسية الشخصية على تلميع هذه المرأة، تعلم أن المسالة ليست شخص هذه المرأة التي ماتت، بل حرب يشارك فيها جميعهم لتزييف وعي الناس، وتغيير دين المجتمعات، بحيث كل صاحب فطرة سليمة عندما يرى وسائل """الإعلام""" متظافرة على تلميع هذه المرأة يبدأ يشك في نفسه !

٢٤‏/٤‏/٢٠١٥

عبر هذا العالَم... نرى شراسة الهجمة على الإسلام من العدو الظاهر ومن الملبسين الداخليين: حرب، شهوات، إلهاء، شبهات، تزييف... نغار على ديننا، نحِن إلى أمجادنا...نرد على المبطلين، ندعو إلى الحق، نقيم النشاطات... يستجيب الناس بتلهف، فكلامنا يخاطب فطرتهم ويُحْدِث فيهم تغييرا... وفي هذا كله يطاردنا شبح الاعتقال وبطش الباطل وتوقف الدعوة...(لن يدَعونا نكمل، لن يدَعونا نكمل) قد تمر الشهور والسنوات... لا نُعتقل، ولا يقمعنا الباطل، ولا يزال المجال أمام دعوتنا فسيحا ومع ذلك...نَفْتُر، وتنخفض وتيرتنا، وتضعف عزيمتنا...وتمر أيام وأيام، كان يمكن في كل يوم أن ندفع باطلا ونظهر حقا ونقرب بعيدا ونوقظ غافلا...لكننا فيها استسلمنا للكسل عن قيام اللي، ثم نوم ما بعد الفجر، ثم تقليب صفحات النت دون هدف محدد، وإمضاء الساعات بلا برنامج واضح...بل وقد يشكو بعضنا التأثر بالشهوات، ونصبح في مصاف الذين كنا نعالجهم بالأمس وننتظر معهم من ينشلنا! لنكتشف أننا حبسنا أنفسنا بأنفسنا يوم لم يحبسنا أحد! وقد نتحمس من جديد، لكن ما نلبث أن نفتر...وهكذا دواليك بينما ننظر: فإذا أهل الباطل في برامجهم مستمرون، بهمة ونشاط وتخطيط وإنجاز...ويكسبون لصفهم يوميا جموعا من المسلمين كان يمكن أن يكونوا في ميزان حسناتنا. وصدق عمر رضي الله عنه إذ قال –فيما نُسب إليه-: (أشكو إلى الله جلَد الفاجر وعجز الثقة). يا رب ارزقنا همة كالتي قال عنها ابن الجوزي: (إن من الصفوة أقواماً منذ استيقظوا ما ناموا ومنذ قاموا ما وقفوا، فهم في صعود وترق ، كلما قطعوا شوطاً نظروا ، فرأوا قصور ما كانوا فيه فاستغفروا).

كنت قديما مولعا بالموسيقى. ثم اقتنعت بالأدلة أنها محرمة. فتركتها على حبي لها. فشاء الله أن يشغلني بما هو خير منها: وهو دراسة السيرة النبوية من خلال البحث عن أحاديث عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وقربه من أصحابه وحسن عشرته لأهله وملاعبته للأطفال، كل هذا بتلقائية ودون تكلف. يوما من الأيام، وأنا أُجهز خطبة في الموضوع وأنقر على لوحة مفاتيح الكمبيوتر لأستخرج كنوز السيرة، تذكرت نقري بطريقة مشابهة على آلة موسيقية. لكن شتان شتان! أيام الموسيقى كنت أستمتع وأنا أنقر، لكن ما أن أنتهي حتى أحس بالخواء الروحي واللاجدوى! ثم عندما دخلت عالم الدعوة والحديث عن رب العزة وكتابه ونبيه أصبَحَت المتعة الروحية متنامية والقلب ممتلئا بما ينفع على مدار الساعة. وأصبح "النقر" يبني في كياني طمأنينة واتصالا بالله تعالى. عن مثل هذا الشعور يعبر المفسر الزمخشري –ونُسبت إلى غيره- إذ قال: سهري لتنقيح العلوم ألذُّ لي *** من وصل غانية وطيب عناق وتمايلي طربا لحل عويصة *** أشهى وأحلى من مدامة ساقي وصرير أقلامي على أوراقها *** أحلى من الدوكاء والعشاق وألذ من نقر الفتاة لدفها *** نقري لألقيْ الرمل عن أوراقي يا من يحاول بالأماني رتبتي *** كم بين مُسْتَغْلٍ وآخر راقي أأبيت سهران الدجى وتبيته *** نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي

من مشاكلنا كثرة الجدل وقلة العمل. نمضي وقتا طويلا في الخلاف على مسلك أردوغان-حزب العدالة والتنمية ما بين مؤيد له –عاطفيا في العادة- ومعترض عليه شرعيا. ويغفل الطرفان عن استثمار نتائج هذا المسلك استثمارا إيجابيا لصالح الدعوة. بينت موقفي في كلمة (مناقشة موضوعية للنموذج التركي)، وأرى أن هذا التبيان مهم لئلا يفتتن الناس بمسلك مخالفة أحكام شرعية من أجل مصالح شرعية. لكن بغض النظر عن الحكم على هذا المسلك، فقد أدى في المحصلة إلى أجواء حرية للدعوات بكافة أشكالها. المؤلم، والمؤلم جدا، أننا نحن المسلمين من أقل الناس استثمارا لهذه الحريات! ففي الوقت الذي ترى فيه دعوات فاسدة كالماركسية ولا أخلاقية مثلا استغلت حالة الحرية للترويج لنفسها في الجامعات، لا ترى دعوة إسلامية نشطة تعالج أفكار العلمانية والإلحاد والنفور من الدين، مع أن المجال متاح لها أيضا. بالنسبة لكثير من المسلمين، اسم تركيا لا يعني لهم أكثر من السياحة، أو شراء البضائع، أو –في أحسن الأحوال- مدخلا لدعم مسلمي الشام وجهادهم. ماذا عن الشعب التركي؟ لماذا نغفل دعوته؟! عندما زرت تركيا قبل ثمانية أشهر ألقيت محاضرات في مدينة صغيرة (قيصري)، ومع أني غير معروف لدى أهلها، ومع أن المترجمين لم يكونوا محترفين، إلا أن الإقبال كان طيبا جدا، والناس متعطشون لسماع كلمة طيبة. ما أعظمه من استثمار دعوي، لو أن بعض من أنعم الله عليهم بالمال يفرغون شبابا مثقفين ذوي أسلوب وخلق حسن يتعلمون اللغة التركية ويعيشون في تركيا وينشطون في الدعوة فيها...بتأنٍّ وحكمة، بحيث يركزون على إثبات صحة الإسلام ابتداء ثم مفاهيم محبة الله والطواعية له تعالى وإخضاع الحياة كلها له، ويقتلعون برفق من نفوس الناس آثار الأتاتركية البغيضة، ويزرعون في نفوس الناس الحنين إلى أمجاد الخلافة الإسلامية وسيادة الشريعة بدلا من العلمانية. ما أنفع هذا الاستثمار على المدى البعيد، فهو مظنة أن يهتدي به خلق كثير، وأن ينمي حالة تعاطف الشعب التركي مع قضايا المسلمين، وبالخصوص القضية الشامية، بحيث تشكل عمقا استراتيجيا وأرضا خصبة لانتشار أي كيان إسلامي متحرر يقوم في المنطقة. أما أن تمر السنون تلو السنون ومثقفو الأمة وعلماؤها لا يحسنون أكثر من نقد النموذج أو تأييده عاطفيا ويهملون هذه الفرصة التاريخية من الحرية، والتي لا ندري متى ستنتهي، ثم إذا خسرنا تركيا بحثنا عن بلد غيرها يهرب إليها بعضنا من الاضطهاد...فهو تقصير قد نندم عليه فيما بعد. اللهم استعملنا في طاعتك واجعل الإسلام قضية حياتنا.

مرت أربعون عاما من عمري... تقلبت خلالها في نعم الله عز وجل...في حلمه وكرمه وستره ورحمته...بما يعقد اللسان ما من بلاء عانيته إلا و يترفق بي الرحمن فيه، ولا يُـحَـملني ما لا طاقة لي به، بل يشعرني بقربه ومَعِيَّته ويجعل لي في ثنايا البلاء خيرا عظيما، في ديني ونعيم قلبي ودنياي... كانت عيني ترِقُّ أحيانا، وأنا في داخل بلائي، وأقول: (ماذا فعلت حتى يحصل معي هذا؟!)، (لماذا أنا يا رب؟!)، (والله يا رب لا أستحق)... أعني: ماذا فعلت حتى تحصل معي هذه اللطائف من رحمة ربي؟! لماذا أنا ينعم علي ربي بهذا الشكل؟! لا أستحق هذا الإنعام، إي والله لا أستحق. وكانت تراودني الهواجس أن يكون هذا الإنعام استدراجا، وأنني في يوم من الأيام سوف "أُعاقَب" على تراكمات تقصيراتي وأُجرد من هذه النعم لأعود إلى حجمي الحقيقي كإنسان لا يستحق كرم ربه، وأفقد الإحساس بالحظوة عنده سبحانه. لكن يوم العقوبة القاصمة هذا لم يأتِ، بل لطف يتجدد وكرم يغمر وإنعام يزداد! بل وأدركت أن خوفي المبالغ فيه من أن يكون الإنعام استدراجا كان سوء أدب تجاه ربي عز وجل، فالتعامل مع هداياه تعالى كأنها "مسمومة" يعكِّر على مقام الشكر.. فأحمده عز وجل على أنه لم يعاملني بسوء ظني هذا. كثيرا ما تساءلت: (لا أستحق هذا الكرم كله من الله !!) فكأني أسمع الجواب: (صحيح، أنت لا تستحقه...لكنه تعالى أكرم من ألا يسعك كرمه)

٢٠‏/٦‏/٢٠١٤

أدرك أعداء الإسلام أن الجيل المسلم يحب أن يكون له جذور يعتز بها ويحن إلى أمجادها. لذا، لم يكتفوا بتشويه القدوات المعاصرة، بل عادوا إلى التاريخ فتعاملوا معه بــ

ردود الأفعال على موت فيزيائيٍّ ملحدٍ عبر اليومين الماضيين تبين مدى التشوه (لم أجد كلمة ألطف من هذه تعبر بصدق عن المشكلة)..التشوه النفسي والفكري والعقدي الذي تراكم في نفوس بعضٍ منا نحن المنتسبين إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يحتاج إلى فكفكة قبل العلاج. سأستعرض هذه التشوهات (ولْنَتَلَطَّفْ بتسميتها المشاكل) من خلال حوار مع الأستاذ "كوكتيل"، الذي هو بالفعل كوكتيل من المشاكل!...وتحت كل فقرة من الحوار نبين نوع المشكلة التي تعبر عنها كلمات صاحبنا "كوكتيل":

لا تسقط من السماء...سماء الإيمان إلى وديان الكفر.. قد تظن أن الكلام لا يعنيك. لا، بل سترى أننا جميعاً في أمس الحاجة لهذا الكلام.

١٤‏/١١‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله، أخي...لا يكفي أن تطيع الله، بل لا بد أن تطيعه وأنت محب لهذه الطاعة. هذا معنى مهم يغيب عن أذهاننا. حتى تكون الطاعة مقبولة عند الله لا بد أن نقدمها ونحن محبون لها. لا يكفي أن تؤدي الزكاة، بل لا بد أن تؤديها وأنت سعيد بأنك قمت بهذه الطاعة. لا يكفي أن تلبسي الحجاب الصحيح والجلباب، بل لا بد أن تلبسيه وأنت محبة له. كثيرا ما نتصرف بطريقة تشي بأننا لا نحب الطاعة التي نقدمها، فتأتي هذه الطاعة معكرة.

الإمام المحدث المصري أحمد شاكر رحمه الله يذكر في كتابه (كلمة الحق ص 149-153) كيف كان (طه حسين) قد حظي باهتمام السلطان حسين من سلاطين مصر آنذاك ورعايته. وكان من خطباء المساجد التابعين لوزارة الأوقاف، خطيب فصيح متكلم مقتدر، اسمه (محمد المهدي) ندبته وزارة الأوقاف يوما ليخطب ويصلي الجمعة في (مسجد المبدولي) الذي سيصلي فيه السلطان حسين. قام الخطيب، وأراد الخطيب أن يمدح السلطان، وأن ينوه برعايته بــ(طه حسين)، والذي يبدو أن عداوته للإسلام لم تكن قد ظهرت بعدُ آنذاك...فزلَّ الخطيب الأحمق الجاهل زلة لم تقم له قائمة من بعدها! إذ قال أثناء خطبته "جاءه الأعمى فما عبس في وجهه وما تولى"...وكأنه يقارن اهتمام السلطان بطه حسين بإعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن الصحابي الأعمى! وكان من شهود هذه الصلاة الشيخ محمد شاكر (والد أحمد شاكر) فقام بعد الصلاة يعلن للناس في المسجد أن صلاتهم باطلة، لأن الخطيب الذي أمهم في الصلاة كفر بكلمته هذه التي فيها انتقاص من النبي صلى الله عليه وسلم، وأمَرَهم الشيخ محمد شاكر الناس أن يعيدوا صلاة الظهر فأعادوها. كان هذا الخطيب البغيض مقربا من بعض مستشاري السلطان...فأشاروا عليه بأن يتقدم بدعوى قضائية ضد الشيخ محمد شاكر...فاشتكى الخطيب بالفعل. وثار الناس، ووقف مع الشيخ محمد شاكر عدد من القضاة، حتى بعض الأقباط منهم! ورفض الشيخ أن يحتكم في القضية إلى علماء الأزهر، لأن حكم المساس بالنبي صلى الله عليه وسلم معروف حتى للجهال والأغبياء! إنما نقطة البحث: (هل الكلمة التي صدرت من الخطيب الجاني تعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم أم ليست بتعريض؟). وأصر أن الخطيب جانٍ وليس مجنيا عليه. ثم تدخلت السلطات في القضية خوفا من تبعاتها وطوي بساطها قبل أن تُنظر في القضاء. قال الشيخ أحمد شاكر في ختام هذه القصة: (ولكن الله لم يدع لهذا (الخطيب) المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى! فأقسمُ بالله: لقد رأيته بعيني رأسي بعد بضع سنين، وبعد أن كان متعاليا متنفخا مُسْتَعِزَّاً بمن لاذ بهم من العظماء والكبراء، رأيتهُ مهينا ذليلا خادما على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار! حتى لقد خجلت أن يراني، وأنا أعرفه وهو يعرفني، لا شفقة عليه، فما كان موضعا للشفقة، ولا شماتة فيه، فالرجل النبيل يسمو على الشماتة، ولكن ما رأيت من عبرة وموعظة) هكذا كان مصير الخطيب المنافق للسلاطين، والذي أعمته المداهنة حتى انتقص من النبي ليتملق السلطان!!...بعد الانتفاش والتهديد بالقضاء والضرب بسيف القانون والمطالبة "بتدخل النائب العام"، كما يفعل أتباعه اليوم ممن يسخرون من الدين ثم يتواقحون على كل داعية ينتصر لله ولرسوله وشريعته بحجة "إثارة النعرات" و"الطائفية"!!! أصبح هذا الخطيب الكبير يعمل حارسا لكنادر المصلين من السرقة مقابل أجرة زهيدة! (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).

خلال كلمة ألقاها بمناسبة حادثة مديرية شرطة باريس التي قُتل فيها عدد من الشرطة، قال الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون: «أتعهد بخوض معركة بلا هوادة ضد الإرهاب الإسلامي»، "أدعو الأمة جمعاء لمكافحة الشر الإسلامي المتطرف". الدعوى: أن الذي قام بالهجوم فرنسيٌّ أسلم من أعوام. التعليق:

أيها الكرام كلمة أقولها الآن وأظنكم ستدركون أهميتها بعد حين. علينا الحذر من كثرة الحديث عن الوباء وكأنه الانتقام الرباني المرتقب الذي سيُمَرغ أنوف الجبابرة. فالانطباع الذي يُبنى بهذا الخطاب في نفوس الناس أنه: أخيراً ! ها هو الله تعالى "يتدخل" ليضع حدَّاً للظلم الذي بلغ ذورته. لك أن تتصور ماذا سيحصل إذا انحسر الوباء عن أنظمة عالمية عرفت كيف تستغله فأحكمت قبضتها وأصبحت أكثر سيطرة وتسلطاً على الناس، ولم يزددْ عامة الناس إلا رهَقاً وفقراً ! سيتساءل جماعةُ (الله ينتقمُ لنا): أهكذا انتقام الله؟ أين الله؟ فهم كانوا ينتظرون أن يَسْحق الله الظالمين ويُنَفِّسَ عن المقهورين! وقد ترى بعدها موجةً أخرى من الردة من تلك النفوس المتواكلة التي فهمت دينها خطأً، وفهمت السنن خطأً، وفهمت العبودية لله خطأً على طريقة: (الله يحاربهم وينتقم لنا، ونحن ننتظر النتائج ! فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولن نُصلِح من أنفسنا ولا نعملَ بنفَسٍ طويل ومع ذلك إنا متفائلون ونحسن الظن بالله) ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل... فإن لم يحقق الله أوهامهم قالوا إنا به كافرون! وهي نفسها النفسية التي ألحدت عندما لم ينصرنا الله في الثورات العربية. وكنا في بدايات الأمر نحذر من حصول هذه الانتكاسة وموجة سوء الظن بالله. ونحن وإن كنا نقول لهم: (إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد). ونقول لهم: (فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)). إلا أننا نحذر أيضاً أنفسنا والفضلاء والمتبوعين أن نَنفخ اليوم في أوهام الناس بكثرة الحديث عن الوباء على أنه الانتقام الرباني المرتقب! نعم، هذا الوباء يُظهر ضعف الإنسان، ويُظهر قدرة الله، لكنه ليس أكثر من فرصة..إما أن يستغلها المسلمون أو يستغلها أعداؤهم وأعداء الإنسان كما أسلفنا. فمن مات بالوباء وهو على صلاح فرحمة له وكفارة، ومن مات على الكفر والظلم فعذاب مُعَجَّل قبل العذاب الأكبر. لكن ليس بالضرورة أن يعجل الله عقوبة الظالمين كلهم في الدنيا، فمَن استغل الفرصة من هؤلاء الظالمين فزاد طغياناً وتمكنا فالدنيا دار بلاء (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار). نهضة المجتمعات والأمم لها سنن لا تتخلف...وتَبَوُّؤُ الأمة مكانتها له سنن.. فهي فرصة...وليس لنا أن ننتظر أن يكمل الله عنا المعركة ويأتينا بالنصر والفرَج على طبق من ذهب ! هي سنن لا تحابي أحداً..ولم يشأ الله أن يجعل نصر الأمة المحمدية بصيحة ولا رجفة ولا طيرٍ أبابيل، بل وضع لنا القاعدة الماضية إلى يوم الدين، أن لا بد أن تكون المبادرة من المسلمين: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض). ولسنا أعز على الله من رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحاب رسوله، ومع ذلك خاطبهم أن إذا أردتم من الله نصراًعلى من ظلموكم فلا بد أن يكون ذلك (بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم). لنا أن نستبشر إذا قدمنا كل ما نستطيع ثم طلبنا من الله أن يبارك في هذا الذي قدمناه والعدة التي أعددناها...لا أن نتفاءل ونحن مفرطون فيما تحت أيدينا وفيما في وُسعنا حتى على مستوى انفسنا وأهلينا وأبنائنا. #VALUE!

كنت سئلت عن مطعوم أسترازينيكا وأجبت في منشور قبل ثلاثة أسابيع بما توفر من معلومات حتى حينه. من قبيل تحديث المعلومات:

قبل عام من الآن..في رمضان الماضي..كان العبد المقصر يَعبد ربه الكريم عبادةً لا تليق بإنعامه وإكرامه وتنجيته لهذا المقصر وحفظه له وستره عليه..الفكر في التراويح يَشِتُّ، وقراءة القرآن يسبقه فيها أخفياء ممن لا يتخذهم أحدٌ قدوة. جاءت العشر الأواخر...فقلتُ في نفسي: الآن أُعَوض ما فات...لكن..لم يحصل! جاءت ليلة السابع والعشرين...فقلتُ مرة أخرى: يُرجى أن تكون ليلة القدر..الآن أُعَوض... مرت تلك الليلة، والعبادة كما في غيرها..لا تفي بالإنعام، ولا بعظمة المعبود سبحانه، ولا برجاء الأنس في وحشة القبر، ولا بقلة الزاد، ولا بكثرة الدَّرَن الذي أرجو منه طُهرا، ولا بطموح دخول الجنة من غير حساب ولا عذاب، ولا بالحد الذي يجعلني منسجما مع نفسي لئلا أشعر بالزيف وقلة الصدق إذ يظنني الناس أفضل عبادة مما أنا عليه في حقيقة الأمر. مرت تلك الليلة، واستيقظتُ صباح اليوم التالي وهذه المعاني تختلج في صدري..لكنني في الوقت ذاته يتملكني شعور بأن الله -لربما- لن يعذبني في الآخرة! وأسأل الله ألا تكون هذه جرأة على الله بل حسن ظنٍّ به سبحانه. لكن كيف؟! كيف وأنا "أُعلم الناس" ألا يغتروا بكرم الله فيقصروا في حقه سبحانه؟! لم أكن أدري كيف..لكن ما أَعلمه أن فِعْلَ الله بي في ما مضى من عمري ليس فعل استدراج، بل تربية ولُطف وتنقية فيما أحسب. ذاك الصباح..جاءتني سارة، ابنتي البكر وأشبه أبنائي بي في تفكيرها وشخصيتها: "بابا ركبتي بتوجعني".. كنا أجريت تحاليل لها، وأخذتها للأطباء، وأعطوها دواء ..تتحسن ثم يعود الألم. انطلقت بها إلى طبيبٍ أخٍ وصديق...قال: (لأ! هذا الانتفاخ ما كان موجود..اعمل لها صورة رنين مغناطيسي). قلت في نفسي: (بعد العيد؟..قبل العيد؟)..أحسست شيئا يدفعني دفعاً لعدم التأجيل.. ذهبت مع سارة إلى المركز المختص، قاموا بتصوير ركبتها..سألوني أسئلة لم أفهم سببها في لحظتها..أخذتُ النتيجة وخرجت مع سارة من المركز. مَدْدتُ يدي في مغلف الرنين لأقرأ النتيجة وأنا أتوقع أنها –كسابقاتها- ليس فيها شيء مهم..أقصى حاجة: مرض بسيط سهل العلاج. وكان خلاف ما توقعتُ تماماً! قرأت كلمة Sarcoma (من أنواع السرطان).. بفضل الله تعالى، نزلت السكينة على القلب مع أن الخبر لم يكن متوقعا أبداً. وكأن جواب سؤالي: كيف تبلغ أمنياتك مع قلة عملك؟!...كأن الجواب جاءني: بلاء وتصبير! وبفضل الله تعالى: ها قد مرت سنة على الموقف، حصل فيها من المواقف من تبعات المرض ما حصل..لا أذكر أنه خالج صدري خلالها "عَتَبٌ" على القدر، بل بقي الأنس بأن الله أراد بي خيرا -إذ صبَّرني ويصبرني- يسيطر على نفسي، وبقي الرجاء أن الله أراد بكرمه ولطفه ألا يحتاج العبد المقصر تطهيرا في الآخرة، بل تُحتّ عنه ذنوبه في الدنيا. مرت سنة، لم "نتفلسف" أنا ولا سارة بما قد يتفلسف به من هم خارج بلائنا أصلاً!! لم نقل "وما ذنبها هي أن تمرض؟"..فإن مما علمني ربي أنه حكيم عليم.. يرحم سارة ويرحمني ويرحم أمها وأهلنا وأحبابنا بهذا البلاء إن أحسنَّا التعامل معه..فننشغل بفعلنا نحن، لا بأفعاله هو سبحانه، فإنه (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون). مرت سنة، نشرنا فيها رحلة اليقين لينعم الناس معنا ببرد اليقين ولذته... وارتفعت معنويات سارة وتعلمَتْ معاني إيمانية في طفولتها.. وارتفعت الهمة في خدمة دين الله تعالى.. وما كان في ذلك كله من فضل فلله وحده، هو الكريم العظيم البر الرحيم..فله الحمد وله الفضل وله الثناء الحسن. وما كان من تقصير فأستغفر الله، وأُحسن الظن به سبحانه أن يحفظ الود لما أنعم به على عبده من محبته وتعظيمه، إنه هو الغفور الودود. وأسأل الله مع ذلك الشفاء التام لسارة ولجميع مرضى المسلمين. أسأل الله أن يعافي أبناءكم وأحبابكم ويرزقنا وإياكم في العشر الأواخر عملا صالحا متقبلا.

قد نختلف أو نتفق مع نموذج هنا أو هناك يقول أنه "يطبق" الشريعة. وليس هدفنا هنا تأييد أي من النماذج البشرية أو التبرؤ منها، إنما أن نبقى محبين لشريعة الله ولا نتصور للحظة أنها لم تعد صالحة لزماننا أو نشك في عدلها ورحمتها. ومن أساء "تطبيقها" فإثمه على نفسه ولا يُحسب على شريعة الله. هدفنا هنا أن نبقى محبين للشريعة، تواقين للتمكين لها، ساعين لذلك، معتزين بها، وأن نلقى الله بقلب سليم للشريعة التي ارتضاها لنا. الشريعة التي نتكلم عنها هي شريعة الرحمن الرحيم الرؤوف الحليم القائل: ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)). هي التي يأمر منزلها سبحانه ((بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)). هي التي أنزلها الله تعالى تخفيفا على عباده لعلمه بضعفهم فقال: ((يريد الله أن يخفف عنكم وخُلق الإنسان ضعيفا)). الشريعة التي نتكلم عنها ليست شيئا "يطبقه" الحكام على المحكومين، وكأننا غير مخاطبين بها، وكأنها تُلقى علينا من فوق رؤوسنا! بل "يقِيمها" المسلمون في حياتهم، كل بما يستطيع، فهي قضيتهم وروحهم وما يتقربون إلى الله به، ويسعون إلى أن تقام على مستوى الحكم وتكون لها دولة. الشريعة هي التي تأمر الأب برحمة أولاده والأولاد ببر والديهم ولزوم أقدام أمهاتهم، والحاكم بالرفق برعيته وإقامة العدل على نفسه قبل إقامته عليهم. هي التي تصبح فيها الأمة جسداً واحداً وتتحرر من سلاسل النظام العالمي الذي يستعبدها ويذلها وينهب خيراتها... هي التي يعز في دولتها شأن الفرد المسلم كما لا يعز شأن أي فرد في أية دولة أخرى، فتنتصر الدولة الإسلامية للفرد وتحرك الجيوش لأخذ حقه وتحريره من أسره والاقتصاص لدمه كما حرك رسول الله جيش مؤتة وأجلى بني قينقاع وبايع صحابته على الموت في بيعة الرضوان وجهز بعث أسامة...كل ذلك لأجل أفراد. الشريعة التي نتكلم عنها هي التي تمنع المفسدين من نهب أموال المسلمين وتخزينها في سويسرا بينما جيرانهم يأكلون من المزابل! هي التي تسعى لكفاية المرأة والرجل والصغير والكبير والمسلم والنصراني من الطعام والشراب والعلاج والأمان والكرامة والتعليم... هي التي تكرم المرأة وتصونها أن يتخذ جسدها سلعة رخيصة، هي التي تشيع بين الذكور والإناث في المجتمع علاقة الأخوة الإيمانية والتعاون على البر والتقوى وبناء مجد الأمة، لا السعار المنفلت من كل الضوابط... هي التي تُصان فيها العقول وتُشجع فيها المواهب لتنطلق لعمارة الأرض والتميز في مجالات العلوم ونفع البشرية. هي التي يختار فيها المسلمون من يحكمهم بشرع الله، فيرحمهم ويجعل شدته على الكفار المحاربين. هي التي يشيع فيها حسن الظن، ولا يطلق فيها أوصاف الخيانة أو الكفر على أحد دون بينة شرعية معتبرة، ويحاكم فيها المتهم محاكمة عادلة يعطى فيها فرصته للدفاع عن نفسه. هي التي يوفر فيها للناس ما يحتاجون لإشباع غرائزهم بالحلال، فلا يقام فيها حد إلا نادرا، على من كُفُوا بالحلال فأَبَوا إلا أن يفسدوا ويقتحموا أبواب الحرام. هذه هي الشريعة يا سادة! أجواء نظيفة يعيشها الناس وينشأ عليها الأطفال ويساهم الجميع في حمايتها. هذه هي الشريعة...طهر وعفاف وعزة وبر وحلم ورفق وبركة. إن كان المجتمع النبوي الذي بلغ الذروة في إقامة الشريعة قد اتسع لأمثال عبد الله بن أبي ابن سلول رأس النفاق مع أنه آذى النبي وكاد للمسلمين...اتسع له لأنه لم يعلن كفره صراحة بل التزم ظاهراً بحكم الشريعة...ألن تتسع مجتمعاتنا عند إقامة الشريعة للمذنبين من المسلمين الذين مهما أخطأوا فغبار أنوفهم خير من ابن سلول؟! كان السفهاء يقولون لنبينا صلى الله عليه وسلم طمعاً في أكثر من حصتهم: ((اعدل يا محمد فإنك لم تعدل)) ومع ذلك يصبر ويقول: ((ويلك، ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل؟!))...في الشريعة التي نتكلم عنها قد يسب السفهاء الحاكم المسلم علانية فيسامحهم ويصبر عليهم لأنه لا ينتقم لنفسه، إنما يغضب إذا انتهكت محارم الله. هذه هي الشريعة التي نتكلم عنها...فإن كان هناك بعد ذلك من يختنق بهذه الأجواء النقية ويزكم أنفه وتحترق عيناه من نور الشريعة ويغيظه التطهر كما أغاظ قوم لوط لأنه لا يستطيع أن يعيش إلا بزنىً علني يسهل أن يؤتى عليه بأربعة شهود، وإلا بشرب الخمر الذي يظهر للمجتمع من رائحة فمه ورعونة تصرفاته والنجاسة على سرواله! وإلا بالسرقة من أرزاق الآخرين مع أن الشريعة سدت رمقه...فهذا حُق له أن يخاف من الشريعة!...لكن ليرحنا من عويله وصراخه وتخويفه من الشريعة، لأنه لا يمثل ولا حتى عصاة المسلمين الذين قد تدمع أعينهم لذكر الله أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبون الشريعة التي نتكلم عنها في قرارة أنفسهم بل وسيسهمون في إقامتها.

لا أخفيكم أني عندما أسمع الخطيب يوم الجمعة يدعو: (اللهم حرر فلسطين من دنس اليهود) ونؤمن على دعائه...أشعر أننا نضحك على أنفسنا! وكأن مشكلتنا هي احتلال فلسطين فحسب . أمس حدثني أحد الإخوة من "دولة عربية شقيقة" عن بلاده "الحرة" التي تحتفل سنويا بــ"عيد الاستقلال". قال لي: - قبضة "أمنية" شديدة تحاسب الشباب الأقارب إن اجتمعوا في دواوينهم على قراءة صحيح البخاري ولو دون شرح، فيقال لهم: اجتمعوا اجتماعات عائلية فقط دون كتب دينية. وأقسم لي على ذلك.

إذا ظننَّا أن الاستقامة (التدين) تعني جفاف الحياة والحرمان من اللذات فنحن لم نفهم ديننا! إنها إحلال لذات عظيمة علوية محل لذات دونية. كنتَ تلتذ برؤية فتاة متبرجة، واليوم تلتذ روحك عندما تكون دعوتك سببا في أن تراها متسترة مطيعة لربها جل وعلا. كنتِ تلتذين بجلب أنظار الشباب إليك، واليوم تلتذين بصرف أنظارهم إلى قضايا أمتهم وسبيل مجدها. كنتَ تلتذ بمعصية في السر، واليوم تكاد روحك تحلق عند العرش عندما تنزل منك في خلوتك دمعة محبة وشوق لله فينطبق عليك (ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه). كنتَ تلتذ بعبارات الغرام وتنتظر منها أو تنتظرين منه (أحبك)، واليوم تلتذ بسماع كلمات زميلك الغافل أو زميلتِك الغافلة: (لقد حبَّبت إلي الله والإسلام)...وتعيد تشغيل شريط هذه الكلمات لأنها على قلبك أجمل من أية معزوفة يسمعونها! كنتَ تلتذ بتضييع الأوقات مع رفيقك ولا يهمك احتراق قلب أمه عليه وهي تراه ضائعا، واليوم تلتذ بأن تكون سببا في بره لها وكسب رضاها. ************************ فرحاتك بالأمس كانت ملوثة معكرة تفعلها مع شعورك بالذنب، واليوم يزيد فرحتك النقية أن الله فرح بك وبطاعتك وإقبالك عليه! كنت تحتاج أن تنسى الله حتى تستمتع بالمعصية!...واليوم أكثر ما يسرك نظر الله إليك وأنت تطيعه! كل هذا يحتاج منك أن تتحرك بدينك بعد هدايتك، لتستمد من تأثيرك في حياة الناس زيتا يمد شعلة النور في قلبك بالبقاء، وتفيض بعد ذلك بمزيد من النور عليهم. وفي هذه المعاني كنت قد نظمت أبياتا: عيدي في علم أكسبه يسمو بالروح ويُنْقيها عيدي بدموع أذرفها شوقاً لله أواريها فالدمعة ترجح في الميزان بكل الأرض وما فيها عيدي بحديث أقرأه عن خير الناس وهاديها فأحس بها أنفاس حبيبيَ في الأضلاع تُدَفّيها عيدي ببذورٍ ألقيها فَلَعَلَّ إلهي يسقيها فأرى من ترك صلاة الفجر يصلي في الصف الأولْ وفتاةً بعد تبرجها قد لاذت بحجاب الكُمَّلْ أو من قدْ عَقَّ له أُمَّاً يَلْزَمُ قَدَميها يتذللْ عيدي أن أُسْهم للأطفالِ بصنعة أبهى مستقبلْ عِزٌّ، إيمانٌ، وإباءٌ يدفع من كيد أعاديها قال سيد قطب رحمه الله: (بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضا، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين). الله كريم، ولا يعاقب من أقبل عليه بتجفيف حياته! فإن لم تجد هذه اللذات...فراجع "تدينك"!

٣‏/٧‏/٢٠٢٠

هذه هي (حرية العبيد)...حريتهم في ممارسة متعةٍ تبقيهم مستعبَدين! في زماننا، عندما يقدم "السيد" ثروات الأمة المسلمة لأعدائها لتعود عليها صواريخ تمزق أجسادها! وعندما ينفق "السيد" وحاشيته الفاسدة المليارات على ترفياتهم بمنتهى السفاهة! وعندما يصاب الاقتصاد بالشلل، ويَذل من كان بالأمس عزيزا! فإن أسهل "منحة" يمكن أن يقدمها "السيد" لعبيده هي: زيادة مساحة (حرية العبيد): ارقصوا، غنوا، اسكروا، حششوا، تعروا، افجروا، انتهكوا كل المقدسات، ثوروا على دينكم... فينتزع السيد من العبيد أكبر محرك لطلب الكرامة والثورة على الظلم: الدين، فيبقى العبيد عبيداً.. اللهم انتقم ممن يدنس طاهر البقاع واشف صدور قوم مؤمنين.