إن بداية الحل لمشكلتك والخروج من أزمتك أن تعرف أنها ما أصابتك إلا بذنب منك : {وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ ٣٠} [الشورى: 30]، {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ} [النساء: 79] ، {أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ} [آل عمران: 165].. لذا فإن الله تعالى يحب منك حينئذ أن تبادر بتصويب أوضاعك وبالعودة إليه تعالى: {فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ ٤٢} [الأنعام: 42].
إن عامة الناس لا يتفاعلون مع البلاء كما يحب الله تعالى . لذا ترى أن القرآن يصف في مواضع كثيرة جدًّا سوء تفاعل الناس مع البلاء: فمنهم من لا يتفاعل ولا يستفيد: {فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٤٣} [الأنعام:43]، {وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ٧٦} [الـمـؤمــنــون: 76].. {أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ ١٢٦} [التوبة: 126]. ومنهم من ييأس ويقنط : {لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ ٤٩} [فصلت:49 ]، {وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ ٣٦} [الروم: 36]، {وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسٗا ٨٣} [الإسراء:83]. بل ومنهم من يزداد كفرانًا! : {وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ ٤٨} [الشورى: 48]، {وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ ٥١} [الروم: 51].
عجبًا لأمرك أيها الإنسان ! إن هذا التركيز القرآني على ظاهرة سوء التفاعل يستدعي منا وقفة وتأملًا..
إننا قد نمضي أوقاتنا ونحن نتأفف من البلاء ونتمنى لو لم يحل بنا ونتصور سعادتنا لو لم يجر ما جرى، ونتلقَط الأنباء من هنا وهناك بأية بادرة انفراج، ونطرق الأبواب الأرضية ونبالغ في الأخذ بالأسباب المادية للتخلص من البلاء.. إلى حد يصبح فيه التفكير بالبلاء كابوس يقظة ومنامٍ ووسواسًا لا ينفكُ عن أذهاننا.. ولكن هذا كله لا يزيدنا إلا دورانًا في حلقة مفرغة، وستتولد لدينا مصيبة جديدة، هي أننا لم نستفد من البلاء ولم نتفاعل معه كما يحب الله تعالى بأن نصوب أوضاعنا ونعود إليه سبحانه.
قد يكون البلاء ظلمًا وقع عليك، فتمضي الأوقات تغيُّظًا من ظالمك.. لكن مــن الحـكـمـة أن تــدرك أن هـــذا مــا ســلــط عليك إلا بذنب منك، فما هو إلا أداة لقدر الله تعالى.. {وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ} [آل عمران: 120].. فينبغي لك، مع مدافعة هذا الظلم والسعي في تحصيل حقك بكل سبب شرعه الله، أن تسعى أيضًا في التخلص من ذنبك راجيًا أن يكف الله الأذى عنك.
إن نزل بك بلاء فبادر فورًا بكتابة قائمة بأخطائك التي تحتاج إلى تصويب، وابدأ بالتخلص منها وقد وضعت نصب عينيك أن تفعل ذلك تعظيمًا لحق الله أولًا، ثم لينظر إليك تعالى نظرة رحمة ويرفع عنك البلاء. ولاحظ في تحديد أخطائك أن البلاء قد يكون من جنس المعصية، فمن قصد لذة لا يرتضيها الله فقد يحرم الوجه الحلال منها:
فإذا ابتُليت مثلًا بمشاكل مع زوجتك ففكر : لعلك أردت ترطيب حياتك بالتهاون في التعامل مع نساء من غير محارمك بممازحتهن أو الحديث معهن خارج حدود الحاجة وغض البصر، فحرمت متعة الوئام الزوجي النقية المباحة.
إذا ابتُليت بفقد شيء من مالك أو بقلة البركة فيه فتذكر : هل تهاونت بإدخال مال مشبوه إلى مالك؟ هل قصرت في صلة أمك بمال تبهجها وتوسع عليها به؟
إذا ابتُليت بسجن فتفكر : هل لديك والد مريض محبوس في جسمه لا يستطيع الحراك فما كانت تسري عنه بتنقيله في بيته وخارجه وماكنت تؤانسه بالحديث معه لتذهب عنه الوحشة، فابتليت بوحشة كوحشته؟!
إذا ابتُليت بفقد وظيفتك فتذكر : لعلك كنت لا تخشع في صلاتك، بل تمضيها وأنت تفكر في وظيفتك ومشاكلها وإرضاء المدير و أنت بين يدي الله تعالى!
لعلك أيتها الزوجة المبتلاة بزوج لا يراعي حقك.. لعلك رأيته مقصرًا في حق الله فلم تنصحيه ولم تعينيه على إرضاء ربه، فلم يوفقه الله لأداء حقك عليه!
أيها المبتلى! واجه الحقيقة وإن كانت مرة! لابد من ذنب جر عليك البــــلاء، فحــــدده وتخلص منه بسرعة، وبذلك تنجح أنت –بإذن الله- في قلب المحنة في دنياك إلى منحة في دينك، وينطبق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحَدٍ إلا للمؤمن).. ويرجى لك حينئـذٍ أن يأتيك الفرج، لأنك بعودتك إلى الله قد اتقيته، والله تعالى يقول: {وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ} [الطلاق: 3،2].
أما إن كنت بطيئًا ضعيفًا في تصويب أوضاعك فتذكر حينئـذٍ أن المعلم إن رأى من التلميذ بُطئًا في تعلم الدرس فإنه قد يزيد عدد الحصص.. ولله المثل الأعلى.
قد يأتيك الفرج بزوال ما آلمك وأهمك، وقد يأتيك الفرج بأن يبقى البلاء ولكن ترى معية الله لك فيه، وإيناس قلبك بعد وحشة، وثباتًا بعد اهتزاز، ووجوهًا من الخير العظيم في دينك ودنياك خيرًا لك من زوال البلاء.
لذا، تذكر وأنت تحدد أخطاءك وتبدأ بعلاجها أنك تريد التخلص منها مدى الحياة بغض النظر انفرج كربك أم لم ينفرج، وإلا لم تكن صادقًا في نية التوبة إلى الله تعالى. قد تكون قاطعًا لأخيك وتبتلى بالفقر، فتتودد إلى الله تعالى وتصل أخاك من جديد.. ومع ذلك قد يبتليك الله باستمرار فقرك واشتداده.. فهل أنت حينئـذٍ عائد للقطيعة لأدنى مشكلة جديدة بينكما؟! وهل في هذا دلالة أن توبتك كانت صادقة خالصة لوجه الله تعالى؟
ويا عجبًا لمن لا يغفل عن التوبة عند البلاء فحسب، بل يزداد ارتكابًا للمحرمات لحل مشكلته! كتاجر يتعرض لخسارة فيقترض قرضًا ربويًّا لينعش تجارته، ولعله يبرر ذلك في نفسه قائلًا : (لقد اضطرني ربي إلى اللجوء لهذا الطريق)!
فهذه أحوال الناس مع البلاء، منهم من يتخذه محطة تنقية وانطلاقة جديدة في حياته، ومنهم من لا يتوب ولا يتذكر، ومنهم من يستجير من الرمضاء بالنار.. فاختر لنفسك.. {وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ ١٣٢} [الأنعام: 132]..