→ جميع المقالات
حسن الظن بالله - الحلقة 26 - ليس لك على الله في الدنيا حقوق
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

من أهم الحقائق التي تطمئنك وتصبرك وتزيد حبك لله: ليس لك عند الله في هذه الدنيا "حقوق"!

في الحــديث الــذي رواه أبــو داود وصــحــحــه الألــباني عن ابن الديلمي قال: أتيت أبي بن كعب، فقلت له : (وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء، لعل الله أن يُذهبه من قلبي). فقال: (لو أن الله عذب أهل سماواته ، وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم. ولو أنفقت مثل أُحُدٍ ذهبًا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار). قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك ، ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك، ثم أتيت زيد بن ثابت، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

كم ستستريح يا أخي، وكم ستستريحين يا أختي، إذا استقر هذا المفهوم في نفسك واطمأن إليه قلبك: ليس لك على الله في هذه الدنيا شيء هكذا كحقٍّ تتوقعه بمجرد وجودك! ولو حرمك كل شيء فليس بظالم لك سبحانه. وإنما أوجب الله على نفسه لعباده المؤمنين الجنة.. {قُلۡ أَذَٰلِكَ خَيۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَآءٗ وَمَصِيرٗا ١٥ لَّهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَٰلِدِينَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدٗا مَّسۡـُٔولٗا ١٦}[الفرقان: 16،15]..

نعم، أوجبها الله على نفسه لعباده المؤمنين فضلًا منه وكرمًا، وجعل لما يطلبه الإنسان في هذه الدنيا أسبابًا وسُننًا، من أخذ بها نال.. وأمر عباده بأوامر، ووعدهم إن قاموا بها بوعود، كالرزق لمن اتقى والنصر لمن ينصر ربه، والتمكين لمن آمن وعمل الصالحات. فمن لم يحصل من هذا شيئًا علم أن القصور في توفيته أمر ربه الذي عليه وعد وعده، أو أنه في سنة البلاء التي وعد الله بها أيضًا: {وَلَنَبۡلُوَنَّكُم}.

أما أن تفترض أن لك عند الله أن يعطيك لمجرد وجودك! فما هذا إلا لعدم إدراكك مقام العبودية أمام مالك الملك سبحانه!

إذا استقر هذا في نفسك فإن نقطة الانطلاق في افتراضاتك هي اللاشيء. فإن أنعم الله عليك بالصحة وابتلاك فيما دونها من مال وأهل وغيرها فأنت تتذوق نعمة الصحة وتعترف لله بالجميل. أما إن كانت نقطة الانطلاق هي أن من حقك على الله أن يعطيك كل شيء فإنك لن ترى إلا النصف الفارغ من الكأس، وستذهب نفسُك حسرات على كل نعمة فقدتها وإن أنعم الله عليك بكل ما سواها. وهذه مصيبة كثيرين، أنهم يرون من "حقهم" على الله أن يعطيهم المال والصحة والأمن و... و... و... فإن حُــرموا شــيئًا مــن هــذا حــاك في صدرهم تـجــاه ربـهـم تعالى ما لا يليق!

عندما تستذكر أنه ليس لك على الله شيء وأن الأصل في الدنيا أنها دار ابتلاءات، فإنك سترى المسرات مصبرات بدلًا من أن ترى البلاءات معكرات.

فمثلًا قد تكون في غمرة التجهيز للاحتفال بمناسبة سعيدة، فيحصل حادث لأحد العزيزين عليك من أهلك! إن افترضت الكمال في حياتك فسترى هذا الحبس معكرًا لاحتفالك يفسد بهجته. أما إن استقر في نفسك أن هذا الحادث بلاء من البلايا المتوقعة في الدنيا -لأن الأصل في هذه الحياة الابتلاء- فسترى مسرة الاحتفال مُصَبِّرة مُنفِّسة عن شيء من الهم الذي لا بـد منه..

فانطلق في حياتك وأنت متذكر جيدًا لهذه الحقيقة: ليس لك عند الله في هذه الدنيا حقوق.