السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نحلل ظاهرة النفاق ونفهم حقائق قرآنية عنها غير معروفة لكثير من المسلمين. ذكرنا في الحلقة الماضية أن أحدنا قد يكون فيه نفاق وهو لا يعلم، نسأل الله العافية لنا وللمسلمين، وذكرنا أن الصحابة رضي الله عنهم خافوا على أنفسهم من النفاق. بل روى البخاري عن الحسن البصري أنه قال: (ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق). أي: ما خاف النفاق إلا مؤمن ولا أمن النفاق إلا منافق. نود اليوم أن نختم الحديث عن هذه الحقائق ببيان مسألة مهمة في التعامل مع القرآن عموما. قد تقرأ يا أخي آية تتحدث عن صفة مذمومة موجودة لديك، فتبدأ تحس بالقلق وتحس بعتاب الله لك، لكن الآية تتابع بالحديث عن صفات كفرية أو نفاقية محضة غير موجودة فيك، فتستريح وتتنفس الصعداء معتبرا أنك لست المخاطب بهذه الآية كلها لأن فيها ما لا ينطبق عليه. وههنا تنبيه. وهو أنه ليس شرطا أن ينطبق النص في المنافقين بكامل جزئياته على أحدنا حتى يشعر أنه يخاطبه. بل له من الوعيد ومن تحقق اسم النفاق فيه بقدر انطباق الآيات عليه، وله من الإيمان بقدر مخالفتها لحاله. تجد مثل هذا الفهم في تعامل الصحابة مثلا مع الآيات التي تصف الكفار. ففي الحديث الذي رواه الحاكم وقال فيه الذهبي في التلخيص (على شرط البخاري ومسلم) أن سعدا رضي الله عنه إستأذن على ابن عامر و تحته مرافق من حرير فأمر بها فرفعت فدخل عليه و عليه مطرف خز فقال له : استأذنت علي و تحتي مرافق من حرير فأمرت فرفعت فقال له : نعم الرجل أنت يا ابن عامر إن لم تكن ممن قال الله عز و جل : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا }. و الله لأن أضطجع على جمر الغضا أحب إلي من أن اضطجع عليها. فانظر كيف أن هذه الآية أُنزلت في الكفار ((ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون)) لكن ذلك لم يمنع سعدا رضي الله عنه من زجر ابن عامر بها لمشابهة في جزئية من الآية مع أن ابن عامر ليس من ((الذين كفروا)). وكذلك إيراد أهل السنة لقوله تعالى (( ما سلككم في سقر(42) قالوا لم نك من المصلين (43) )) في معرض ترهيب المنتسبين إلى الإسلام عن ترك الصلاة، مع أن تتمة الصفات المذكورة في مجموعة هذه الآيات ((وكنا نكذب بيوم الدين))، وهي صفة لا تنطبق على كثير من تاركي الصلاة. فلنحاسب أنفسنا إذن ولا نخدعها...كما في القول المنسوب إلى عمر رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). والسلام عليكم ورحمة الله.