للإسلام معركةٌ كليةٌ: معركة المحافظة على ثوابته، وعلوه وتمايزه عن الأديان والمبادئ الباطلة. ومعركة وضوحه ونقائه أمام الناس ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. وللمسلمين معارك جزئية، ينشدون فيها الانتصار على عدوٍّ ما في زمن ما. المشكلة أن المسلمين كثيرا ما يستغرقون في اللحظة الراهنة، بأن يجعلوا هدفهم انتصار جماعةٍ "إسلامية" يرون فيها النجاة. وفي سبيل هذا الهدف يضيعون معركة الإسلام الكلية! هذه الظاهرة موجودة لدى مؤيدي الجماعات الموصوفة بالإسلامية بطيفها الكامل، من الجماعات "الجهادية" إلى "الديمقراطية". إذا ما وُجِّه نقدٌ شرعيٌّ لهذه الجماعات وتبرئةٌ للإسلام من بعض سلوكياتها، فإن مؤيديها يعتبرون هذا النقد إضعافا لهذه الجماعة أمام خصومها، وتغليباً للكافر عليها، وبالتالي فيجب الكف عن توجيه أي نقد، ويبذل المؤيدون كل جهد لإثبات أن هذه السلوكيات ليست انحرافا، بل هي من الإسلام وعليها أدلة! إن هؤلاء يقومون بجنايةٍ كبرى وهم لا يشعرون! إنهم يُضرون بمعركة الإسلام الكبرى التي ذكرناها في سبيل أن يكسب مسلمون معركة جزئية! ليست المشكلة فيمن يشككون في نسبة هذه الانحرافات إلى جماعاتهم التي يؤيدونها، بل في تبريرها بعد ثبوتها. ولا شك أن كثيرين يسيؤون في نقدهم، لكن المشكلة مع المتعصبين لفريقٍ هي أنهم يرفضون نقده من حيث المبدأ، ولو جاء من حريصٍ. أعود فأقول، هذه الظاهرة موجودة في مؤيدي كل جماعة، بدءاً بمن يفرطون في كل شيء في سبيل "التوافق" مع الكفار والمنافقين، وانتهاءً بمن يصفون أقواما من المسلمين بالكفار والمنافقين. يجب أن يستمر صوتُ تنزيهِ الإسلام عن كل انحراف، لينصره في معركته الكلية، وألا يمنع من ذلك دعوى توهين الجماعات في معاركها الجزئية. يجب أن يستمر صوتٌ يرسم الخط المستقيم من الكتاب والسنة ويذكر الناس به ويطالب الجماعات بالرجوع إليه، لا أن يـُميل الخط بما يعطي غطاء شرعيا للجماعات كي يؤيدها الناس وتنتصر في معاركها الجزئية! يجب أن يستمر صوتٌ يقول للناس: هذه أخطاءٌ منا معاشر المسلمين ومن جماعاتنا، فإذا تعثرنا فليس لنا أن نقول: (جربنا الإسلام والشريعة والجهاد فلم تنفعنا)! وليس لنا أن نقول: (لماذا يا رب؟) فالجواب حاضر: (قل هو من عند أنفسكم). وليس لنا أن بعدُ نقول: (اللهم نصرك الذي وعدت)، فما على هذا وعد الله بالنصر. فلا يسيئنَّ أحدٌ الظن بالله تعالى ووعْدِه. لا بد لهذا الصوت أن يبقى وإلا اندرست معالم الدين، وساء ظن الناس بربهم ونفَّرنا عن شريعة الله لينطبق علينا: ((وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم)). والذين يطالبون أمثال هذا الصوت بالسكوت عليهم أن يوجهوا جهدهم لتوافق المعارك الجزئية المعركة الكبرى، لا أن يضروا بالكبرى لصالح الجزئية. سيقولون: (لكننا إنما نتمنى انتصار هؤلاء لينتصر بهم الإسلام) فنقول لهم: بل الانحراف يحرم من النصر، ولن يوفقنا الله معاشر المسلمين إن تواطأنا على منكرٍ فعلا وسكوتا، ولن نكون أهلا أن ينصر الإسلام بنا. نعم، نرجو لكل مسلم مهما بلغ انحرافه أن ينتصر على الكافر، بل وعلينا مناصرته فيما لديه من حق... ونعم، قد يكون لدى كاتب هذه السطور عوج فيما يظنه خطا مستقيما... ونعم، ليست الجماعات سواء في بعدها وقربها عن الاستقامة... ونعم، على الناقد أن يبذل وسعه ألا يوظف الباطل نقده في توهين الجماعات المسلمة... لكن مبدأ: "لا نريد تشويشا (بنصرة المعركة الكلية) حتى تنتصر هذه الجماعة أو تلك في معركتها (الجزئية)" مبدأ يجب أن يبين بطلانه، والمبدأ الذي يعلو على الجميع: فَلْيبقَ الإسلام بنقائه، وَلْيبقَ ظن الناس بربهم تعالى حسنا، ثم المسلمون ينتصرون أو ينهزمون بقدر اقترابهم أو الابتعاد. والله تعالى أعلم.