→ جميع المقالات
اجتماع القلب على الله
١٨‏/٨‏/٢٠١٤

فرق بين أن تحفظ آية أو حديثا من جهة وأن توقن بهما من جهة أخرى. هناك حديث عظيم...عندما توقن به فإنك تسير على الأرض وقلبك معلق بالعرش، لا ترجو سوى الله، وغيرَه لا تخاف. لأنك توقن بعده أن مديرك في العمل، وزميلك الذي يكيد لك، وأستاذك في الجامعة، وموظف الضريبة، وابن عمك الثري، وزوجة قريبك التي تحاول أن تعمل لك سحراً !، والذي يكتب فيك التقارير لإيذائك، ومحبيك ومبغضيك ومؤيديك ومعارضيك وشانئيك وحاسديك جميعا، على أرض الواقع وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي...والسبعة مليارات من البشر... هؤلاء كلهم...كلهم بلا استثناء...عبيد مقهورون لله تعالى...قلوبهم بين أصبعين من أصابعه سبحانه، لا ينفعونك إلا بإذنه ولا يضرونك إلا بإذنه. فإن أردت خيرا فاطلبه من القاهر فوق عباده، وإن خفت من العبيد شرا فاستعذ بسيدهم سبحانه. هذه حقائق...فالآيات فيها محكمة غير متشابهة ولا منسوخة، والأحاديث فيها صحاح. إنما الدور عليك أن توقن بها، وحينئذ فأنَّا لقوة –من هذه القوى المقهورة- أن تخيفك أو تطمِعَك أو تشتري ذمتك أو تجد إلى قلبك سبيلا لتصرف نيتك عن الإخلاص للقاهر وتوقعك في الرياء للمقهورين؟! هذه حقائق...فإن آمنت بها تجمعَتْ فِلَق قلبك الممزق وانتظمت خرزاته والتم شعثه على الله عز وجل. لقد مررت بظرف صعب مخيف قبل اثني عشر عاما...ثم تذكرت فجأة هذا الحديث...فكأنه نزل وحيا خاصا ليجمع قلبي المبعثر...ليجمعه على الله وحده. إنها كلمات عظيمات تحدث انقلابا في الكيان...علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لطفل (عبد الله بن عباس) وهو يركب خلفه على الدابة...ليبني بها شخصيته. فحري بنا نحن البالغين أن نعيد تأسيس شخصياتنا على أساسها...فقد فاتنا الكثير، وأضعنا من عمرنا وفكرنا وجهدنا وصحتنا الكثير لغفلتنا عن الحديث، الذي ربما حفظناه... لكن نحتاج هذه المرة أن...نوقن به! ((يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك. إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ. واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإن اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك. رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُف)).