→ جميع المقالات
النفاق - الحلقة 2
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا نتكلم عن ظاهرة النفاق حتى نحرص على تطهير أنفسنا منها لنلقى الله تعالى بقلب سليم. قد نظن أننا سليمون من هذا المرض تماما فنمر عن الآيات التي تحذر منه وكأنها موجهة لقوم آخرين لا علاقة لنا بهم، دون أن يخطر ببالنا أنها تخاطبنا. لذا دعونا نتنبه إلى حقائق قرآنية نفهم منها ظاهرة النفاق أكثر فأكثر قبل الحديث عن صفات النفاق نفسها. الحقيقة الأولى هي أن النفاق يتجزأ وليس على درجة واحدة. أنت قد ترى في قلبك خيرا وإيمانا فتطمئن إلى أنه ليس فيه نفاق. ولا تدري أن المرء قد يجمع بين نفاق وإيمان. ما الدليل على ذلك؟ أثناء مسير النبي صلى الله عليه وسلم إلى معركة أحد، رجع جزء من الجيش دون إذن رسول الله قائلين (لو نعلم قتالا لاتبعناكم). فقال الله تعالى واصفا هؤلاء: ((هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان)) (آل عمران 167). قال ابن كثير: (استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال، فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان) اهـ. فانظر كيف أن الله تعالى قد جعل الإيمان في هذه الآية في طرف والكفر في طرف آخر. وهؤلاء المذكورون كانوا في يوم أحد بين الطرفين لكنهم كانوا إلى الكفر أقرب.

  • في كتابه (أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) قال ابن تيمية رحمه الله في شرح هذه الآية ((هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان))...قال:

(فقد جعل هؤلاء إلى الكفر أقرب منهم للإيمان فعلم أنهم مُخلِّطون وكفرهم أقوى. وغيرهم يكون مخلطا وإيمانه أقوى...فبين سبحانه وتعالى : أن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولاية الله بحسب إيمانه وقد يكون فيه قسط من عداوة الله بحسب كفره ونفاقه) (الجزء الأول ص23). يشهد لذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها)) (متفق عليه). فانظر كيف أنه عليه الصلاة والسلام قد بين أن المرء قد يتلبس بصفات تجعل فيه شيئا من نفاق مع أنه ليس بمنافق خالص. ونحن لا نفرق هنا إخواني بين النفاق الاعتقادي والنفاق العملي لأن هذا التفريق إنما يحسن ذكره لمنع المسلمين من الوقوع في الإفراط بتكفير من عنده صفة من هذه الصفات. بينما مقصودنا هنا الزجر عن صفات النفاق في ذوات أنفسنا، فيحسن في مثل هذا المقام أن نطلق النفاق كما أطلقه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليكون الزجر كما أريد له، بدلا من أن تركن نفوسنا ويفتر وقع النصوص التي تتحدث عن النفاق إن قيل إن هذه الصفة أو تلك نفاق عملي لا يخرج من الملة. إذن كانت هذه الحقيقة الأولى: أن النفاق على درجات، وقد يجمع المرء بين نفاق وإيمان. نتابع تدبر هذه الظاهرة في الحلقات القادمة بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله.