→ جميع المقالات
جينات الصحوات
١١‏/٢‏/٢٠١٤

إخوتي، بعيدا عن تفاصيل الأحداث، لا زلنا مهتمين بمناقشة المفاهيم في خطاب موجه للعقلاء ، علنا نقف معهم على أرضية مشتركة في خدمة هذا الدين وتقديم مصلحته على الاعتبارات التنظيمية. البعض يصنف المقاتلين إلى مجاهدين وصحوات، وذلك على ثلاث مراحل:

  • في الأولى، يعتبر أن إحدى الجماعات هي صاحبة المنهج النقي والمشروع الصحيح، وأنه إن وقعت منها أخطاء فهي أخطاء مسلكية لا تطعن في نقاء منهجها، وبالتالي فهي الأولى بوصف المجاهدين.
  • ثم يفترض أنه إن وقع خلاف بين هذه الجماعة وجماعات أخرى فإن الحق لا بد أن يكون مع جماعته، بينما لا بد أن الجماعات الأخرى إنما تقاتل جماعته لما افترضه من نقاء منهجها وإسلامية مشروعها، ومنعاً لقيام دولة إسلامية.
  • ثم تأتي المرحلة الثالثة في إطلاق لفظ الصحوات على هذه الجماعات التي قاتلت من اعتبرهم المجاهدين الخُلص، وتبرير مقاتلة هذه "الصحوات" بل والتحريض عليه.

وخروجا من الجدل إخواني، لن أقف هنا عند المرحلة الأولى. لن أناقش ما إذا كانت الجماعة الفلانية نقية المنهج صحيحة المشروع أم لا. تعال نتجاوز هذه المرحلة أنا وإياك أخي ونتفق على تعريف للمجاهدين: أنهم كل من جاهد لإقامة دين الله في أرضه ورحمة بالمستضعفين، أنهم الأذلة على المؤمنين من عموم الناس ومن سائر الكتائب المجاهدة، الأعزة على الكافرين، فترى جُل بأسهم على الكفرة المحاربين. من هم هؤلاء؟ دعنا نتجاوز هذه المرحلة. قد تراهم ممثَّلين في جماعة فلا أوافقك على ذلك أبدا لاختلاف مصادرنا ومتابعتنا ومعاييرنا. لكن بغض النظر، هل إن اعتبرت جماعة ما مجاهدين فلا بد من اعتبار غيرهم صحوات؟ وكأننا أمام صفة وراثية جينية، حيث يتم "اكتشاف" الأشخاص الحاملين لـ"جين الصحوات" والتعامل معهم على أساسه؟! أليس أمامنا في ساحة الشام أصنافا عديدة من الناس تتباين مواقفهم من إقامة الدولة الإسلامية والشريعة: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 وأزعم أن هذه الأصناف الأربعة عشرة موجودة كلها في ساحة الشام! ((ولكل درجات مما عملوا)). لذا فعندما تسألني أخي: "أنت تدافع عن الصحوات؟"، "تريدنا ألا نقاتل الصحوات؟" فمن هم الصحوات الذين تتكلم عنهم بالضبط؟ أي الأصناف الأربعة عشرة السابقة الذكر تحديدا؟! أليس من الظلم المبين والإثم المنكر العظيم أن نضع الأربعة عشر صنفا السابقة في بوتقة واحدة، ونعاملهم معاملة واحدة؟! إن هم قاتلوا جماعة من الجماعات التي جعلها بعضنا مسطرة للحق والباطل؟! ولا نفرق بين دوافع هذا القتال: أهو عمالة وخيانة، أم دفع صائل واسترجاع حق؟! أليس من الخلط البشع أن يوصف هؤلاء جميعا أو أكثرهم بأنهم يقاتلون المجاهدين حقدا على الإسلام وينتهكون أعراضهم ويمثلون بجثثهم، مع أن هذا لا يصدر إلا عن الصنف الأول؟! ليس الهدف هنا تبرير هذا القتال ولا عدم تبريره، إنما فرز المفاهيم التي إن بقيت مختلطة فستؤدي إلى مزيد من التهييج الأعمى في حلقة مفرغة من القتل وردة الفعل على القتل. أليس من الظلم معاملتهم جميعا وكأنهم مصابون بــ"جينات الصحوات"، واعتبار عدوى الصحونة تسري ليستوي فيها الأربعة عشر صنفا بــ"دليل" أن أحد الأصناف التُقطت له صورة مع الصنف الآخر، ولأن صنفا اتحد مع صنف كان قد جلس مع صنف تلقى دعما من شر الأصناف؟!؟! قد يقول قائل: (نحن على استعداد لمقاتلتهم جميعا) ويرى في ذلك بطولة وشجاعة! ليس من حقك أن تقاتلهم جميعا. فالتفريق بينهم ليس حنكة سياسية وعسكرية فحسب، بل وواجب شرعي قبل كل شيء. ليس من حقك أن تقاتل وتستعْدِيَ من يمكن تحييده أو استمالته بالمال...نعم، بالمال! بل هؤلاء لهم سهم المؤلفة قلوبهم من زكاة المال، حكما غير منسوخ طالما أن الداعي إليه موجود. عن أنس قال: (و قد كان الرجل يجيء إلى رسول الله ما يريد إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه و أعز عليه من الدنيا و ما فيها) (مسلم). ليست مهمتنا "اكتشافَ" حاملي "جين الصحوات" ومحاربتهم جميعا! بل مهمتنا أن نفض الناس ما استطعنا عن شر الأصناف، ودفعهم دفعا باتجاه المشاركة في بناء المشروع الإسلامي، أو على الأقل تحييدهم عن هدمه، ولا يجوز لنا أن نستعيض عن ذلك بقتالهم. وبهذا لا يبقى في عداوة المشروع الإسلامي إلا الصنف الأول والثامن والحادي عشر، وحتى أفراد هؤلاء سيتناقصون. وحتى هؤلاء نسعى في تأجيل المعركة معهم ما أمكن، لئلا يشغلنا عن واجب الوقت من دفع الصائل الكافر ونجدة المستضعفين. إخوتي، لا بد من التذكير بأننا لا نهون من خطر مشروع ما يسمى بالصحوات، بل نعلم أنه يهدم الجهاد ويمنع من إقامة الدولة الإسلامية الممكنة، لكن في الوقت ذاته نعلم أن زج أصناف في وصف الصحوات بغير حق لا يقل خطرا. ومن يفعل ذلك فإنه يهدم الجهاد كما يهدمه من هم صحوات حقا! كما أن استنكارنا لوصف بعض هذه الأصناف بالصحوات لا يعني أبدا أننا نقرهم على كل شيء، ولا أننا نراهن على سلامة مآلهم في المستقبل. لكن مهمتنا هي دفعهم بالاتجاه الصحيح في الوقت الذي تحاول القوى العالمية جرهم للعمالة. وهنا أيضا أمر مهم جدا: كما يجب التورع عن الخلط بين هذه الأصناف فإنه يجب على الخيرين من هذه الأصناف أن يتمايزوا عن أهل الباطل ويؤكدوا براءتهم منهم ويوضحوا مواقفهم لئلا يعطوا للشيطان ذريعة أن يستزل غيرهم في الخلط بينهم. من تابع العبد الفقير علم اعتناءه بنقاء المنهج ووضح الرؤية في مسألة الخلافة الإسلامية وإقامة الشريعة ونبذ الديمقراطية. نشرنا في ذلك السلاسل والكلمات والمقالات، وفندنا الحجج والشبهات، وشنعنا على الدعوة إلى إقرار الدساتير الشركية والمشاركة السياسية في الأنظمة الوضعية، وحذرنا من سيكولوجيا الانحراف التي تحرف العمل الإسلامي عن الشريعة، لكن هذا كله إخوتي يحتم علينا التفريق بين الأصناف المذكورة ومعاملة كل منها بما تمليه علينا شريعتنا الغراء التي ندعو الناس إلى إقامتها. أسأل الله أن يهدينا جميعا لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله.