طُلب مني كثيراً أن أجيب عن سؤال: (ما هي الأشياء التي فعلتَها وترى أنها ساعدت في تأثير خطابك في الناس؟ أعطنا مفاتيح لنستفيد منها) وتكرر السؤال مع حلقة "أنا مش شغالة البيت" التي أثَّرت بشكل بليغ بفضل الله. الموضوع طويل، لكن أذكر هنا مُرّكَّزات لعلها تُشرح لاحقاً. وهذه المفاتيح "نفسية" وإيمانية، أكثر منها ذكر لكتب معينة أو دورات. وأقول بدايةً: أخوكم ليس "عالِـماً" بالمعنى المعهود للعالِم. ولا أقولها تواضعاً، فهذا مقام النصيحة لا التكلف. ومن أداء شكر النعمة التأكيد على أنه ليست هناك "خلطات" سرية وعلى أن عوامل النجاح متاحة للكثيرين، وما عليهم إلا الأخذ بها. وإذا فتح ربُّ العزة لعبدٍ باب خير وجعل لما يقول قبولاً فمن خيانة النعمة أن يحرص على إظهار الموضوع صعباً ليتفرَّد ! وإن كنتَ وُفِّقتُ في جوانب فقد قصَّرتُ في أخرى، وما أشارك إخواني هذه المفاتيح إلا من قبيل أداء شكر النعمة بدلالة إخواني عليها ولا شك أن عندهم ما يدلونني عليه. من المفاتيح:
التبرؤ من القدرات الذاتية والاعتقاد حقيقةً بنسبة الفضل إلى الله وأننا دون توفيقه "لا شيء" واستحضار هذا المعنى (باستمرار).
تحويل الألم إلى عمل.
فبداية سلسلة (رحلة اليقين) كانت ألَـمي لحال شاب تعرض لظلم شديد هزَّ إيمانه، فناقشتُه نقاشات أعادت إليه يقينه ورضاه بفضل الله، ثم وفق الله للتوسع في الموضوع ونشر السلسلة.
وحب النبي صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي و روحي ودمي. فبداية (سلسلة المرأة) كانت شكوى أمٍّ أن ابنها لديه حرج من زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأمنا عائشة، فجاءت فكرة كلمة (ندى تشتكي لعائشة) في صلاةِ قيام، ثم فُتِح باب خيرٍ لم يكن مخططا له بسلسلةٍ كاملةٍ نشرنا منها 12 حلقة و3 حلقات إضافية حتى الآن.
وأتعمد ذكر ذلك مرةً بعد مرةٍ لاستجلاب بركة نسبة الفضل إلى أهله.
بل ما عليك إلا أن تنقيها من الشوائب التي نُسبت إليها بغير حق، وتعرضها كما هي، بحكمة.
فكلٌّ من الله: الفطرة والشريعة...(ألا له الخلق والأمر فتبارك الله رب العالمين).
فالذي يتصدى لنُصح الناس ويجعل رضاهم بوصلته يصير تابعاً ذليلاً ويتخبط بشكل بائس. ونشفق على من نراه يقول كلمة ليرضي بها جمهوراً نسائيا فيسخط عليه الرجال فيقول كلمة تسترضيهم فيسخط آخرون! كعبدٍ لشركاء متشاكسين !
وإنما كان المقياس: تجلية الشريعة وعرضها كما هي وتحبيبها إلى طلاب الحق. وكفانا فرحاً رؤية ثمار ذلك والحمد لله.
فإن كانوا منصفين أنصفونا ولو بعد حين، وإن كانوا غير ذلك فسأشغل نفسي بالدفاع عن دين الله ويكفيني حينئذٍ: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا).
ولأني لستُ عالماً فإني أستشير في حلقات هذه السلاسل من هم أعلم مني بأصول العقيدة وأصول الفقه وعلم التربية والاستشارات الأُسَرية...وفي الفوائد القرآنية إذا شككتُ في دقة استنباط رجعت لمن هم أعلم. 10. ركعات الليل، التي نسأل الله أن يجبر نقصنا فيها، رأيت منها بركة، وجاءت في لحظات صفائها أفكار كانت باب خير كبير. وصدق الله إذ قال: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا)...فالقيام من منابع القول القيم.
مقدراً أن الناس تعرضوا للكثير من التشويه لفطرتهم والتشويه لشريعة ربهم. ليس مطلوباً منك أن تحرف الشريعة، لكن ترفق في عرضها بشكل بنائي تدريجي، ملزماً نفسك ألا تقول باطلاً. روى الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (ما أنْتَ بمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إلَّا كانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً). وسترى أن ما كانوا ينكرونه وينفرون منه بالأمس سيتقبلونه ويرون جماله وحكمته بعد حين.
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. وإذا منعت نفسك من لذةٍ مشوبةٍ فأبشر بلذات عُلْوية لا تقارن بها.
معلومة: لست غزير القراءة نسبياً، لكني كثير التفكر فيما أقرأ. وقد اخترت في بحث الدكتوراه تخصصاً دقيقاً تحليلياً في علم الأدوية الجزيئي وفهم تفاعل الأدوية مع مستقبلاتها، واحتجت لتبسيط معلومات بالغة التعقيد والتشابك لعرضها بطريقة مفهومة لمن هم خارج التخصص لدقيق وكان لذلك، مع تعلُّم منهجية البحث العلمي، أثرٌ كبير في طريقة تناولي للأمور الدعوية بفضل الله تعالى.
الاعتزاز بهويتك الإسلامية والتخلص من عقدة النقص واليقين أننا كمسلمين أولى بالنجاح في كافة مناحي الحياة إذا أخذنا بالأسباب واستعنا برب العزة سبحانه.
أعطِ كل ذي حق حقه.
شُغلت بابنتي رحمها الله قبل وفاتها حرصاً على أن تموت وهي محسنة الظن بربها، وقدَّمتُ ذلك على دعوة الآخرين. فرأيت من أثر ذلك بركة عظيمة جدا.
الدعاء بأن يهدي الله بك وأن يستعملك في طاعته ويجعلك من أنصاره، وأن تستفتح كل جهد ذي شأن بالدعاء بحضور ذهنٍ وخضوعٍ ويقين مطلق بضعفك وقوة ربك.
البقاء على صلة بالقرآن، فهو الزاد المعين على هذا كله.
وختاماً: هذه المفاتيح أنا مقصر في بعضها، وإنما أشاركها إخواني لما رأيت من حلاوتها وبركتها حين يوفقني الله إليها. فما كان فيما ننشر من خير فمن الله وحده وله الفضل أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وما كان فيه من خطأ وزلل فمن نفسي المقصرة والشيطان وأستغفر الله، وأقول ما قاله ابن الجوزي: (لقد جلست يوماً واعظاً فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف، ما منهم من أحد إلا رقَّ قلبه، أو دمعت عينُه، قال: فقلت في نفسي: كيف بك يابن الجوزي ! إن نجا هؤلاء وهلكت؟ فَصِحْتُ بلسان وَجدي: إلهي ومولاي وسيدي إن عذبتني غداً فلا تخبرهم بعذابي، لئلا يُقال عذب الله من دل عليه .. إلهي لا تخيب من علق أمله ورجاءه بك، وخضع لسلطانك، دعا عبادك إلى دينك ولم يكن أهلاً لولوج باب رحمتك، لكنه طامع في سعة جودك ورحمتك، أنت أهل الجود والكرم). والحمد لله رب العالمين.