لا زال عالقاً في ذهني مشهدٌ من فيلم أمريكي عن حربهم على فيتنام، حضرت لقطات منه قبل التوقف عن متابعة هذه الأفلام. وقع جندي أمريكي في الأسر، وكان الفيتناميون يعاملونه معاملة قاسية، إلا فيتناميا واحدا كان يتعامل تعاملا إنسانيا مع هذا الأمريكي، ويحضر له الطعام والشراب خفيةً عن زملائه، ويحِنُّ عليه. وفجأة، هاجم الأمريكيون معسكر الفيتناميين، فقتلوهم وحرروا زميلهم الأمريكي وأعطوه رشاشا ليساعدهم على "العدُوّ". وقع الفيتنامي المتعاطف في بركة ماء...و وقف الجندي المحرَّر على حافة البركة برشاشه...التقت عيناهما لفترة...صمتا فيها طويلا...عينا الفيتنامي كانتا تقولان: (أحسنت إليك، لم أرضَ بما فعله زملائي بك، ستَفِي لي بالجميل...أليس كذلك؟). لكن...فجأة، حزم الأمريكي أمره، وخرق الصمت برصاصات من رشاشه أودعها في صدر الفيتنامي الذي كان يحسن إليه قبل لحظات! وغرق الفيتنامي في الماء الممزوج بدمه. الجندي "البطل" اتجه بعد ذلك إلى "عشيقته" التي جاءت مع "المحررين"، ومشى معها على أنغام الموسيقى التي اختُتم بها الفيلم! الصادم في الموضوع: لماذا يُظهر الأمريكيون في فيلمهم هذه الجانب البشع من نذالة الجنود؟! بل ولماذا يفتخرون به ويعتبرونه نهاية بطولية للقصة؟! لا أظن هناك تفسيرا إلا محاولة طمس الفطرة لدى شعوبهم، خاصة في التعامل مع "العدو"، أو من يصوره إعلامهم كعدو... من قال أن عليك أن ترحم من لم يسئ إليك؟ انظر إلى هذا البطل الذي قاوم نوازع الرحمة وكافأ من أحسن إليه برصاصات أغرقته! من قال أن الوفاء مطلوب؟ لماذا لا يكون الغدر بطولة والخائن قدوة؟! طمس الفطرة يسهل مهمة تجييش شعبهم لسحق شعوب الأرض. فالتضليل الإعلامي وحده لا يكفي...شعارات أسلحة الدمار الشامل والإرهاب عابر القارات وإنقاذ الشعوب يتكشف زيفها كل مرة...لذا، فخوفا من يقظة "الضمير" التي قد تهيج الرأي العام و تزعزع صفهم عن متابعة العدوان...لذا، فلنقتل هذا "الضمير"! لا تستغرب بعدها من نشرهم لصور أبو غريب من تعرية الرجال المسلمين وربط سلاسل بأعناقهم وجرهم منها، وصور التبول على جثث المسلمين في أفغانستان وحرق أخرى، والتقاط الصور بجانب قتلى المسلمين مع ابتسامات عريضة!! والتعامل مع ذلك كله باستهتار شديد...إنهم يطمسون فطرة شعبهم ويحولون الإجرام الجبان إلى بطولة، أو -على أقل تقدير- خطأ يعاقَب بنعومة! ولا تعجب بعدها مما يفعله جنودٌ طُمست فطرتهم وشوِّهت نفسياتهم بهذا الشكل بشعوب الأرض المنكوبة بهم. شتان شتان بين هذا الطمس والتشويه وبين ديننا الذي يقوم على تنقية الفطرة وتنمية قيم الرحمة والوفاء والإحسان، حتى إلى من لا يحاربنا من غير المسلمين.