→ جميع المقالات
بالقرآن نحيا - الحلقة 32 - ضرورة فهم مراد الله -2
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام تكلمنا في الحلقة الماضية عن تأثير بعدنا عن اللغة العربية السليمة على فهمنا القرآن. وذكرنا مثالا لذلك الاستثناء المنقطع، وشرحنا على ضوء فهمه قوله تعالى: ((ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا)). نود اليوم أن نعطي مثالا آخر على الاستثناء المنقطع لننطلق بعده إلى قاعدة عامة في التعامل مع تفاسير القرآن الكريم.
قال الله تعالى في سورة الحجر: ((فسجد الملائكة كلهم أجمعون ( 30 ) إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ( 31 ) )) (الحجر). قد يفهم قارئ الآية أن إبليس كان واحدا من الملائكة... ((فسجد الملائكة كلهم أجمعون (30) إلا إبليس)) لكن نعود لنقول إخواني هذا استثناء منقطع، بمعنى أن ما بعد حرف "إلا" منقطع عما قبله، وليس جزءا منه ولا من جنسه. فمعنى كلام الله هنا: فسجد الملائكة ولم يسجد إبليس. يدل على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء: (( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)) (الإسراء 50).
فها قد نص الله صراحة على أن إبليس كان من الجن. وقد بين الله أيضا في مواضع عديدة أن الملائكة لا تعصي ربها سبحانه وتعالى: (( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ))، (((لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )). لكن إخواني عند الرجوع إلى التفاسير قد نجد روايات غريبة تجعل إبليس من الملائكة. وهنا نود التنبيه إلى أن التفاسير غير المحققة فيها الكثير من الروايات التي لا تثبت، فلا ينبغي الاستدلال بها بل الرجوع إلى تفاسير محققة حكم أهل الحديث على رواياتها صحة وضعفا. مثال ذلك تفسير منقح مختصر في مجلد واحد باسم (المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير)، والذي أعده مجموعة من العلماء بإشراف صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله صاحب كتاب الرحيق المختوم. قال ابن كثير رحمه الله بعد أن أورد بعض الروايات الغريبة في أصل إبليس: (وقد رُوي في هذا آثار كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات التي تُنقل لينظر فيها والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يُقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا ، وفي القرآن غُنْية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة ؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وُضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم –أي لبني إسرائيل- من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال. كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم أن يُنسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم) انتهى كلامه رحمه الله. نسأل الله أن يفقهنا في دينه ويعلمنا تأويل كتابه. والسلام عليكم ورحمة الله.