السلام عليكم ورحمة الله.
إخواني وأخواتي أحيانا نقول كلاما أو نعمل عملا لا يرضي الله ونعذر أنفسنا أننا كنا في حالة غضب، وننسى أننا مأمورون بطاعة الله حتى في مشاعرنا...فنحن مأمورون بألا نغضب. نعم، فنحن نقرأ قوله تعالى: ((والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس))، وكلنا يعرف حديث ((لا تغضب)). وبما أنه ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها))، إذن في وسعنا أن نتجنب الغضب.
إذن فالغضب ليس عذرا.
كيف كانت استجابة الصحابة رضي الله عنهم لأمر الله وهم في حال الغضب؟ سنجيب من قصة في صحيح البخاري. ذكر فيها أن الحر بن قيس كان من الأشخاص الذين يقربهم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ويستشيرهم، لأنه من القراء، أي: أهل العلم والعمل بالقرآن...هذه هي مؤهلات الشخص ليكون مستشار عمر. ليس عند عمر رضي الله عنه محسوبية أو واسطة أو حسب ونسب أو ثراء...
الحر بن قيس كان له عم اسمه عيينة بن حصن. جاء عيينة من خارج المدينة وطلب من ابن أخيه أن يدخلا معا على عمر. وبالفعل، دخلا عليه رضي الله عنه. ويبدو أن عيينة بن حصن كان يريد عطاء من عمر. فماذا نتوقع منه أن يقول: (السلام عليك يا أمير المؤمنين. إني جئت أطلب منك عطية من مال لأستعملها في كذا وكذا. وجزاك الله خيرا).
لكن عيينة بمجرد أن دخل على أمير المؤمنين قال: (يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل).
يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم!
لا قال له السلام عليكم، ولا ناداه بأمير المؤمنين، ولا حتى باسمه (عمر)، ثم اتهمه بتضييع رعيته فقال حالفا على ذلك فقال: (والله ما تعطينا الجزل) أي لا تعطينا الكثير، (ولا تحكم بيننا بالعدل) مع من؟ مع رمز العدل عمر. وكأن عيينة يريد بذلك أن يهيج عمر ليدافع عن نفسه فيعطيه عطاء كبيرا.
فغضب عمر حتى هم بأن يقع به...طبعا، فالأسلوب مستفز جدا. تصوروا خجل الحر بن قيس من تصرف عمه. فقال الحر: (يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين))، وإن هذا من الجاهلين). قال ابن عباس: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه (ما عمل بغيرها) وكان وقافا عند كتاب الله (البخاري). آية من كتاب الله أطفأت غضب عمر ونهته عن الانتقام لنفسه. هل قلل ذلك من قيمة عمر رضي الله عنه أم رفع قدره عند الله وعند الناس؟ إذن أخي...لا تقل أنا غضبان وكأن الغضب يعطيك الضوء الأخضر أن تفعل ما تشاء، بل قف عند كتاب الله كما وقف عمر ليعزك الله في الدارين...فإذا أسيء إليك وافتري عليك فـ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)).