→ جميع المقالات
قرار الشقاء الأبدي!
٢٤‏/٢‏/٢٠١٥

تستوقفني آيات في سورة الأنبياء: عندما كسر إبراهيم عليه السلام الأصنام جاءه قومه فقالوا: (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟) قال: (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) لاحظ الآن: (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون (64) ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون (65) ) لقد أدركوا للحظة أنهم هم الظالمون وأن إبراهيم على حق، بل وصرح بعضهم لبعض بذلك، ثم ما هي إلا لحظات -كما يظهر من السياق- عادوا بعدها لإبراهيم...هل ليسلموا؟ أبدا! إنما ليكابروا وليثبتوا عليه "التهمة" تمهيدا لحرقه! ما الذي حدث؟ لماذا انتكسوا بهذه السرعة ؟ تُرى، ما الكلام الذي قالوه بعد (إنكم أنتم الظالمون) بحيث اتفقوا على الإصرار على الكفر؟ أتصور كلاما كثيرا...كلام ألسنة وكلام عيون: يا جماعة، أتريدون أن يُقال: علية القوم أقنعهم فتىً صغير السن واعترفوا بأنهم كانوا طوال عشرات السنوات الماضية على ضلال؟ أين هيبتنا بعدها؟ أين توقير القوم لنا؟ يا جماعة، سدانة الأصنام وتفخيمها تجارتنا ومصدر عيشنا...إن اعترفنا لإبراهيم (حنعيش منين؟) يا فلان، لي عليك دَين، إن اعترفت لإبراهيم وفقدت ميزاتك ووضعيتك المعتمدة على الأصنام فمن أين تَسُد دَيني؟ فاتخذوا قرارا جماعيا بالإصرار على الكفر وتناسي الحق وإعلان أن إبراهيم عليه السلام هو الظالم لا هم! وضاع الحق في لجة الكبر والحرص على المصالح الدنيوية والخوف من التبعات. ولعل أول من قال (إنكم أنتم الظالمون) هو من قال بعدها: (حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين)! ليزايد على رفاقه ويبرهن على أنه لم يبقَ من آثار لحظة الصحوة شيء في قلبه! هؤلاء المتاعيس! عرفوا الحق، وكان بإمكانهم أن يصبحوا بعدها حواريي أبي الأنبياء وأن يخلدوا في النعيم المقيم. لكنهم اتخذوا قرار التعامي في لحظة! فأزاغ الله قلوبهم وهم الآن في شقاء البرزخ قبل الشقاء الأبدي. قال الله تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون). إذا عرفت الحق، فلم تسلم له، فأنت معرض لطمس البصيرة من الله تعالى بحيث تنفر عنه إلى الأبد! للأسف، هذا التعامي عن الحق ليس حكرا على الكفار، بل يحصل مع بعض المسلمين، بل وبعض الموصوفين بالــ"إسلاميين" في جزئيات من الدين، حيث يدخل الكبر والمزايدة وحب الشهرة، وخوف أن يقال: (اعترف أنه كان على خطأ لسنوات)، وخوف التبعات، وضعف التجرد والإخلاص... فتحصل الانتكاسة. اللهم نجِّنا.