السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام نحن اليوم مع الأسلوب الخامس من أساليب تهرب الباطل من الحق عندما يعجز عن المواجهة المباشرة. هذا الأسلوب هو الاحتجاج بالظواهر المادية الأرضية لإبطال حقائق الآخرة التي لا تخضع لقوانين الدنيا. مثلا:
لما ذكر الله الزقوم في القرآن قال أبو جهل والمشركون معه: (يخبرنا محمد أن في النار شجرة نابتة، والنار تأكل الشجر، فكيف تنبت فيها؟)!
هؤلاء طبقوا قاعدة مادية دنيوية على أحوال الآخرة، فخرجوا من ذلك بنتيجة أنه لا يمكن أن يكون في نار جهنم أشجار! ناسين أو متناسين أن الله عز وجل هو الذي أعطى النار خاصية الإحراق، فبإمكانه أن ينزع منها هذه الخاصية إن شاء، بل قد فعل ذلك في الدنيا إذ جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم عليه السلام.
الله هو الذي أعطى السوائل خاصية التوتر السطحي (surface tension) لكنه عطلها إذ فرق البحر لموسى فكان كل فِرق كالطود العظيم. أوليس الذي فعل ذلك في الدنيا بقادر على أن يفعل مثله في الآخرة؟ أوليس خالق الخواص للأشياء بقادر على نزعها منها؟!
فصدق الله العظيم إذ قال: ((أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ( 62 ) إنا جعلناها فتنة للظالمين ( 63 ) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم (64) )) (الصافات) ...نعم، يستطيع ربنا سبحانه أن ينبت الشجر في النار. لكن هؤلاء الكفار قالوا: (يخبرنا محمد أن في النار شجرة نابتة، والنار تأكل الشجر، فكيف تنبت فيها؟). بدلا من أن يتعظوا ويخافوا ويؤمنوا يأتون بهذا الاحتجاج السخيف. فأنزل الله:
((وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا (60) )) (الإسراء).
من آمن بوجود الله وبأنه خالق الأشياء وخواصها يلزمه أن يؤمن بقدرته تعالى على إبطال هذه الخواص. لكنهم آمنوا بالأولى وكفروا بالثانية وخالفوا قواعد المنطق.
من مغالطاتهم أيضا ما قصه الله علينا في سورة الدخان: ((إن هؤلاء ليقولون (34) إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) )). كأنهم يقولون: إن كنتم صادقين أيها المؤمنون بالبعث بعد الموت فلماذا لا تبعثون آباءنا الذين ماتوا من قبل وتفتتت أجسادهم؟ وقد عجَّب الله من حجتهم هذه إذ قال سبحانه: ((وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين (25) )) هذه حجتهم السخيفة أمام الآيات البينات! والمشكلة أن بعض البلهاء قد يتأثر بمثل هذا الربط غير المنطقي وغير الموضوعي. فقواعد الدنيا لا علاقة لها بقواعد الآخرة، ولا تلازم بين صدق النبي في وجود البعث بعد الموت والإتيان بمن مات من الآباء في الدنيا والله ما أعطاه هذه القدرة ولا ادعاها رسول الله لنفسه. لكنه الكبر والعناد والتشويش والتغبيش عندما يعدم الباطل الحجة والإقناع. وهو أسلوب يستخدمه أهل الباطل اليوم أيضا...أسلوب قد يبدو علميا إذ أنه يستدل بقواعد وحقائق دنيوية، لكنه يتغافل عن حقيقة أن أمر الآخرة غير أمر الدنيا، وأن الذي خلق خواص الأشياء قادر على تعطيلها. والسلام عليكم ورحمة الله.