السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن من أساليب الباطل الطعنَ في الحق الذي تحمله الدعوة من باب أن عامة أتباعها من المستضعفين ومن غير أصحاب المكانة الاجتماعية المرموقة. وذكرنا في ذلك ما قاله قوم نوح لنبيهم عليه الصلاة والسلام: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا).

سنستمر في هذا الأسلوب من أساليب الباطل ونذكر شاهدا آخر، وهو ما ذكره الله تعالى في سورة الأنعام: ((وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين (53) )) أي أن وجهاء قريش كانوا يزدرون المؤمنين من الفقراء والعبيد والإماء فيقولون أيعقل أن يصطفي الله لدينه هؤلاء ويدعنا نحن الأشراف؟ فيطعنون من خلال ذلك في صحة الدعوة، وإنما هي فتنة تؤثر في القلوب الضعيفة التي تفضل الدنيا على الآخرة: ((وكذلك فتنا بعضهم ببعض)).

عندما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فهل اتبعه ضعفاء الناس أو أشرافهم؟) قال : بل ضعفاؤهم . فقال هرقل: (هم أتباع الرسل).

...لكنهم مع ذلك أحباب الله الذين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلطف بهم ويجبر خواطرهم ويصبر نفسه معهم. قال تعالى في سورة الشعراء ((واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (215) )) ، وقال تعالى في سورة الأنعام ((وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة)).

لذلك إخواني لنا أن نتصور الضغط على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجد نفسه التاجر الثري الوجيه في قريش وسط مستضعفين فقراء كعمار وياسر وسمية وبلال رضي الله عنهم والرعيل الأول من المسلمين، هم إخوانه في العقيدة وأقرب إليه من أثرياء قريش ووجهائها الكفار.

ليس سهلا على وجيه كأبي بكر أن يصنف مع هؤلاء المستضعفين فجأة، لكنه ثبت وكان أول وجيه ثري يتبع النبي صلى الله عليه وسلم فسن سنة حسنة لوجهاء وأثرياء وأبناء عشائر آخرين دخلوا في الإسلام على يديه بعد أن كسر أبو بكر حاجز تفضيل المكانة الاجتماعية على اتباع الحق وأصبحوا من عظماء الإسلام. أسلم على يدي أبي بكر ستة من العشرة المبشرين بالجنة: عثمان بن عفان، الزُّبَير بن العوَّام، عبد الرحمن بن عوف، أبو عبيدة بن الجراح، سعد بن أبي وقاص، طلحة بن عبيد الله. فكانت لأبي بكر الصديق هذه المكانة الرفيعة عند الله تعالى وفي قلوب المؤمنين.

وكذلك في أيامنا، إن كنت من أصحاب المكانة الاجتماعية المرموقة والشهادات العالية والأملاك الواسعة فليس سهلا عليك أن تتبع دعوة يصنف أتباعها لدى طبقتك على أنهم الأراذل اجتماعيا. لكنك إن آثرت الله على ما سواه رفعك الله عز وجل وكسر به الحاجز وجعلك قدوة خير ليصبح من يتبع دعوة الحق من بعدك اقتداء بك في ميزان حسناتك إن شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله.