السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام سنقف اليوم مع الوصية الثامنة من وصايا ربنا عز وجل في سورة الأنعام. وهي قوله تعالى: ((وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)) الإنسان عادة ما يضعف أمام آصرة القرابة. تصور أنه مطلوب منك أن تشهد في قضية ابنك أو أبوك أو أخوك أحد أطرافها، وشهادتك قد تدينه وتؤدي إلى عقابه. تصور أنك تقضي بين خصمين أحدهما قريبك. تصور ابنك أو أخاك يطلب منك الشفاعة له عند أحد ليعينه في وظيفة. لا بد لعاطفة القرابة أن تتدخل حينئذ. فتأتي الوصية الربانية لتذكرنا أن هذه الرحمة بالأقارب والمحبة لهم يجب ألا تدفعنا إلى تجاوز العدل والانحياز إلى جانبهم إن كانوا مخطئين، أو مدحهم وتزكيتهم بما ليس فيهم رجاء الخير لهم. حتى إن دفعنا إلى ذلك الرحمة بهم، فالله أرحم بهم منا.
تصور حاجة مجتمعاتنا الماسة لهذه الوصية الربانية في وقت شاعت فيه المحسوبيات والواسطات وشغل الوظائف بمن ليس أهلا لها على حساب أصحاب الكفاءة. التوجيه الرباني هنا لا يمنع من هذه المحاباة فحسب، بل يأمرنا ألا نمدح أقرباءنا بما ليس فيهم إن سؤلنا عنهم.
تصور نفسك يتصل بك سائل يقول لك: تقدم ابن عمك فلان لخطبة ابنتي، وأريد أن أسألك: هل تراه أهلا لأن يُزوج؟ وأنت تعلم أن ابن عمك هذا لديه إيجابيات لكن لديه أيضا سلبيات تضر بزوجة المستقبل، حاد المزاج، قراره بيد والدته، بخيل، مقيم على معصية مشينة ولم يتب منها حتى تسترها عليه، أو غير ذلك. تأمرك هذه الوصية الربانية أن توضح ذلك للسائل بما يحقق أمانة الجواب ودون زيادة تخرج إلى حد الغيبة غير المبررة طبعا. قد تُسأل فتسكت سكوتا يوحي بعدم التشجيع على قبوله زوجا، ولا بأس. المهم ألا تمدحه بما ليس فيه أو تستر قبيحة تضر بزوجة المستقبل. تحب أن يسعد ابن عمتك بخطبة هذه الفتاة، نعم، لكن الله أرحم به منك، وهو سبحانه أمرك أن تعدل في قولك ولا تخفي ما من شأنه أن يضر بالفتاة.
أخرج الحاكم والبيهقي أن أخا لبلال رضي الله عنه خطب امرأة من العرب، فقال أهلها: إن حضر بلال زوجناك. فحضر بلال فقال –انظر الآن شهادة بلال على أخيه- قال: (أنا بلال بن رباح، وهذا أخي وهو امرؤ سوء سيئ الخلق والدين. فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه، وإن شئتم أن تدعوه فدعوه).
إذن فهذه الوصية الثامنة: ((وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى))...والسلام عليكم ورحمة الله.