→ جميع المقالات
حسن الظن بالله - الحلقة 12 - فلنحب الله لأنه الودود
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

تصور أنك رأيت إنسانًا لا تعرفه، فتبسمت في وجهه، ثم نسيت الموقف. فإذا بهذا الشخص يهديك سيارة ويقول لك: لن أنسى بسمتك. لقد أحسست فيها بمحبتك الصادقة لي. ثم بقي يتصل بك يشكرك على ابتسامتك. وقعت في مأزق فساعدك وسعى معك بوقته وجهده وماله. مرضت فزارك وأطعمك بيده. استحييت منه وقلت له أنك لا تستحق منه هذا كله.. فقال لك: لا.. لن أنسى لك تبسمك في وجهي. وبقي يظهر لك المحبة الصادقة التي لا تشوبها المصالح الدنيوية.

ماذا تسمي إنسانًا كهذا؟ (ودود).. أليس كذلك؟ ألا تحس بالحياء الشديد من تودد مثل هذا الإنسان؟ خاصة إن لم تستطع سداد معروفه وجميله؟

ولله المثل الأعلى! الله سبحانه وتعالى، الودود، يرضى عن عبده ويحبه ويكرمه على أفعال بسيطة جدًّا لا يلقي لها العبد بالا.. بشرط واحد: أن يكون هذا الفعل أو القول أو الشعور خالصًا لوجه الله. انظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه)) (صحيح رواه الترمذي). كلمة لعل العبد نسيها وما تصور أن تبلغ هذا المبلغ عند الله، لكنه تعالى يرضى بها عن العبد إلى الأبد لأنه: الودود.

في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: ((لقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ)).. عمل بسيط جدًّا، لكننا نتعامل مع: الودود سبحانه وتعالى.

الله تعالى يضاعف الحسنة إلى عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لأنه تعالى: الودود.

دموع تنزل منك في لحظة تأمَّلْتَ فيها لطف الله وكرم الله وعظمة الله وحلم الله.. دموع.. يظلك الله بها في ظله ويحرم عينك بها على النار لأنه تعالى: الودود.. (ورجُلٌ ذكَر اللهَ خاليًا ففاضَتْ عيناه) (متفق عليه).. (عينان لا تمسُّهما النَّارُ عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيلِ اللهِ) (رواه البخاري).

في الحديث الذي رواه البخاري عن الرجل الذي أشفق على كلب فسقاه.. (( فشكرَ اللهُ له فغفر له)).

أعمال بسيطة لكن الله يشكرها لأنه الشكور، ويتودد إلينا إذا فعلناها لأنه تعالى: الودود.. {وَٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٞ وَدُودٞ ٩٠} [هود: 90]..

قد يمحو لك جبالًا من الخطايا ولا يبالي، لكنه لا يمحو حسنةً واحدةً بلا سبب: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٢٠} [التوبة: 120].. لأنه: الودود.

في الحديث الذي رواه مسلم يقول الله تعالى: ((من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد. ومن جاء بالسيئة، فجزاؤه سيئة مثلها، أو أغفر. ومن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا. ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا. ومن أتاني يمشي، أتيته هرولة. ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئًا، لقيته بمثلها مغفرة)).. نعم. لأنه تعالى: الودود.

الذي يـجـعـلك تـسـتـحي من الله تعالى مع كرمه وتودده أنك لا تستطيع نفعه تعالى بشيء، لا تستطيع أن ترد جميله.. وفوق ذلك.. هو تعالى الذي وفقك للعمل. العبد يختار، صحيح، لكن اختيارك الخير ما هو إلا بتوفيق الله لك. فيوفقك لعمل الخير، ثم يثيبك على الخير الذي وفقك هو له !

ثم الله إذا ابتلاك فصبرك أثابك على الصبر الذي وفقك هو له! يُثيبك ثوابًا عاجلًا في الدنيا ولا بُدّ، ولو بنعيم القلب وأُنسه، ثم يُثيبك في الآخرة.. ما هذا الكرم والود؟.. لا عجب فهو تعالى: الودود.

في ثنايا البلايا رأيت من ربي عز وجل حلمًا ولطفًا ورحمةً ورأفةً وكرمًا وسترًا وإعانةً أكثر مما تصورت! بحثت في ماضيَّ وحاضري لأرى لماذا ينعم الله علي بهذا الشكل! فلم أجد.. فبكيت حياءً من ربي تعالى وقلت له: (والله يا رب ما بستاهل، والله يا رب ما بستاهل). إي والله إني لا أستحق.. ولكنه تعالى: الودود.

ألا يكفي هذا كله في أن نحب ربنا تعالى بلا شروط؟ ألا يكفي هذا كله في أن نحبه في رحم المعاناة والبلاء وأن نأنس به ونكتفي بقربه مهما كانت الظروف؟

إخواني وأخواتي.. فلنحب الله لأنه تعالى: الودود.