تأتي لتتعلم أو تُعَلم موضوعا نافعا في الفكر، العقيدة، الفقه، التاريخ، التربية، الرقائق.... تتردد...ثم تتجمد! لماذا؟ لأنك تقول في نفسك: المسلمون في سوريا، العراق، فلسطين، بورما...في ما هم فيه، وأنا أنشغل بهذا الموضوع؟! بماذا سينفعهم؟ كيف سيُسْهم في إنقاذهم؟! ألا تروننا لا نكاد نلتزم بدورة شرعية بعدما تحمسنا في البداية؟ لا مدرسين ولا متعلمين؟! ولا نُتِمُّ قراءة كتاب... إنه "شلل التفكير"! ما أحوجنا في مثل هذا الظرف إلى التعلم من نموذج ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله. عصرهما كان شديد الشبه بعصرنا من نواحٍ كثيرة...اجتمع على المسلمين فيه التتار من المشرق (كروسيا اليوم)، والصليبيون من المغرب (كالدول الغربية اليوم) والروافض والقرامطة والحشاشون من داخل بلاد المسلمين (كطوائف الروافض اليوم)، بينما المسلمون في غاية الفرقة والتناحر. وانظر في ذلك ما كتبه في مجموع الفتاوى، ج28، ص (530 - 534). حتى أنه كتب في ذلك الموضع: (وملك المشركين لَمَّا جاء إلى "حلب" جَرَى بها من القتل ما جرَى). سبحان الله! مثل أيامنا هذه حيث يجري من القتل في حلب ما يجرى. وحاول التتار التلبيس على المسلمين بتحكيم الياسق الذي يَعتبر الشريعة الإسلامية "أحد مصادر التشريع" كما هو الحال اليوم... إضافة إلى ذلك بلغت الانحرافات الفكرية والعقدية ذروتها في ذلك العصر، وهي تتقاطع مع الدعوات "الحداثية" و"العلمانية" اليوم، ونَشَر الفلاسفة شبهاتهم حول الإسلام ولبسوا على عموم الناس كما في الدعوات التشكيكية والإلحادية اليوم. كان الوضع صعبا ومُحبطاً للغاية...بل ابن تيمية نفسه شُرِّد في صغره هو وأهله من بغداد؛ هروبًا من تغوُّل المغول في العراق... فهل أصيب ابن تيمية بـ"شلل التفكير"؟ بل تصدى لهذه الجبهات جميعاً...وعلَّم وألف في كل ما ينفع المسلمين! فمن يقرأ له مبحثاً في العقيدة أو الفقه أو الأصول أو التفسير يحس أنه أمام شخص مُرَفَّهٍ تتوفر له الخدمات ولا عمل له إلا التأليف والتعمق في المسائل العلمية، فيكتب بنَفَس طويل وتأمُّلٍ عميق، علماً بأنه كان ما بين حبس السلاطين وتهديدهم وفرية خصومه وتأليب العوام عليه، ومات محبوساً. تصدى ابن تيمية لكل الانحرافات الفكرية في زمانه ورد على كل أنواع المبطلين (رد على الملحدين في زمانه بالمناسبة)، ولم يقل: (كيف أكتب في هذا الأمر أو ذاك مع سوء أوضاع المسلمين وتكالب أعدائهم عليهم؟)....لم يصب بشلل التفكير، بل ترك تراثا ضخما غزيرا فريدا نهل المسلمون منه وينهلون ولا يستغنون عنه لثمانية قرون حتى الآن، حتى استحق بحق أن يسمى: شيخ الإسلام. طبعاً، لم يُهمل ابن تيمية جانب الجهاد، بل جاهد بنفسه وحرض على الجهاد...لكنه قبل ذلك لم يجلس متجمدا لا في العير ولا في النفير يحقر العمل في جوانب الإسلام الأخرى كما هو حال أكثرنا اليوم. وكذلك كان تلميذه ابن القيم، الذي تعجب وأنت تقرأ له في الرقائق حين تذكر الظروف المأساوية التي كُتبت فيها هذه المؤلفات الرقيقة الجميلة العميقة! اللهم أطلق العنان لتفكيرنا، واستعملنا في نصرة دينك واختم لنا بجهادٍ وشهادة في سبيلك.