أحبتي الكرام.. تصوروا معي حوارا يدور بين صديقين: زياد ورائد..
زياد: سمعت يا رائد أنك مقرب من شخص مهم. رائد: صحيح، إنه ثري وذو نفوذ، لا تستعصي عليه مشكلة . زياد: وما علاقتك به رائد: إنه صديقي! على استعداد أن يقف معي في أية مشكلة. يؤكد علي دائماً ألا أطلب المساعدة من غيره.
ثم بعد أيام من هذا الحوار:
رائد: آآآآآآه يا زياد.. أنا قلق ! -من ماذا ؟ -وقعت في مشكلة من مدة، وبدأ صبري ينفد. أحس بالخوف من المستقبل، أحس بالوحشة، بالضياع، أحس بالضعف وأنا أقف وحدي أمام هذه المشكلة.
-طبعاً.. إنه صديقي الحميم وينتظر مني طلبًا.
أخي.. أختي.. أليس زياد على حق؟ أليس رائدٌ متناقض في دعواه؟ قبل أن تتحامل على رائد .. انتبه.. أخشى أن نكون مثله!
ألسنا نعلن أننا نؤمن بالله وأننا نعبده، فنقرأ في صلاتنا في اليوم الواحد {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ} سبع عشرة مرة على الأقل ونستعين به فنقرأ {وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٥} سبعة عشرة مرة، ونعتقد أن الله تعالى معنا ونتوكل عليه فنقول: (بسم الله توكلت على الله)، ونردد كثيرًا: (حسبي الله ونعم الوكيل) ونعلن أننا مسلمون قد أسلمنا أمرنا لله تعالى فنردد إذا أوينا إلى فرُشنا -كما علمنا رسول الله- : (اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك) (رواه البخاري)، ونــردد صـــبــاح مـــسـاء: (رضيت بالله ربًّا)، أي خالقًا رازقًا مدبرًا لأمورنا ؟ هل نعني ما نقول؟ هل نحن بالفعل مؤمنون بالله تعالى مسلمون أنفسَنا وأمورنا إليه عابدون له مستعينون به متوكلون عليه راضون به مفوضون أمرنا إليه ملجئون ظهورنا إليه؟
إذن.. فالله تعالى يقول: {وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٨} [آل عمران: 68].. ويقول سبحانه: {فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَىٰكُمۡۚ نِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ ٤٠} [الأنفال: 40].. ويقول: {وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣٩} [آل عمران: 139].. ويقول: {أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عِبَادَهُۥۖ} [الزمر: 36].. (قراءة عشرية صحيحة) ويقول: {وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ}[الطلاق: 3].. ويقول: {وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ ٣٥}[محمد: 35].. ويقول: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٣}[البقرة: 153]..
فكيف يسمح أحدنا لنفسه بعد هذا كله أن يحس بالخوف الشديد عند تعرضه لمشكلة؟! كيف يسمح لنفسه أن يحس بالضياع والقلق والوحشة وبأنه وحده أمام المشكلة؟! بل كيف يسمح لنفسه أن يبوح بهذه الأحاسيس أمام الناس؟ أين إيماننا بالله وإسلام أمرنا له واستعانتنا به وتوكلنا عليه واستشعار معيته؟ ألا نستحي من الله بعد ذلك أن نشكو الوحدة والضياع والضعف والقلق من المستقبل؟! ألسنا حينئذ متناقضين مع أنفسنا؟
إنه ليس لتناقضنا هذا تفسير إلا واحد من ثلاثة :
فأيَّ تفسير تختار أيها "المتوكل" الشاكي؟ أحبتي في الله، دعونا نعرف عظمة الرب الذي نعبده ونستعين به: -إنه العظيم العزيز الجبار المهيمن القوي المتين القاهر المسيطر وهو على كل شيء قدير.. فعيب أن نشكو الضعف وهو معنا ! -إنه الرحمن الرحيم الودود البر الشكور اللطيف الحليم القريب.. فعيب أن نشكو الوحشة وهو معنا ! -إنه السميع البصير السلام مجيب الدعاء.. فعيب أن نشكو القلق وهو معنا ! إنه الله! {أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ}[الزمر: 36].. بلى والله.
فما فــائــدة إيــمانــنا بأسماء الله وصفاته إن كان هذا الإيمان لا يُسَكِّن روعنا ويربط على قلوبنا في البلايا والمحن؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا) (رواه مسلم). فمن رضي بالله ربًّا يدبر أمره ويرعى شأنه فسيذوق طعم الإيمان وسكينته واطمئنانه. ومن وجد بدلًا من ذلك الجزع والفزع فلم يذق طعم الإيمان، ولينظر حينئذٍ في صدق رضاه بالله ربًّا !
إنه الله لا يخذل من توكل عليه.. إنما نحن الذين قد لا نحسن التوكل. أخي المبتلى.. لا تشكُ اللهَ إلى الخلق أرجوك! فليسوا ارحم بك من الله.. لا تشكُ اللهَ إلى الخلق أرجوك! لئلا تشمت بنا الأعداء الذين سيقولون حينها: أين معونة ربكم التي زعمتم. كما قال أسلافهم فيما حكاه الله عنهم: {غَرَّ هَٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ}[الأنفال: 49]، فردّ الله عليهم {وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٤٩}[الأنفال: 49]..
كلما أردت أن تشكو الضياع والتوجس من المستقبل واليأس والقنوط ونفاد الصبر، تصور أنه يجلس بجانبك ملحد يسمع ما تقول! ماذا سيقول لك إذا سمع شكواك؟: (ألم تكن تنصحني أيها المسلم أن أؤمن بوجود رب خلقنا ويرزقنا وأن أعبده وأستمد العون منه لأشعر بالطمأنينة وخيري الدنيا والآخرة؟ لا أرى من ذلك شيئًا! بل أراك كأنك تقول: أمري بيد الله، فأنا الآن قلق)!
ضمن هذه المعاني صُغت في خضم بلاء مررتُ به قصيدة بعنوان: (بحب الله أتصبَّر) كان لها أثر بإذن الله في تثبيتي وانشراح صدري إلى أن أذِن الله بانجلاء البلاء.. تجدها أخي/أختي في الصفحات القادمة.. فتأملها وتشرب معانيها.. نفعنا الله بها.