→ جميع المقالات
هل يجوز "الترحم" على من مات كافراً؟
١‏/١‏/٢٠٢٠

أيها الكرام قال لي بعض الإخوة هناك من يفرق بين الاستغفار لمن مات كافراً وفي المقابل الترحم عليه، على اعتبار أن الترحم يمكن أن يُقصد به تخفيف العقوبة. ويأتي هذا الكلام كله في سياق الحديث عن موت من حرف الدين وهدم أركانه واستحل محرماته وشكك في علم الله وصفاته، وعمن ألحدت وأصبحت ناشطة في نشر الإلحاد ومحاربة الإسلام.

  • فأقول بدايةً: ليس هذا الموضوع كله على قائمة أولوياتي حالياً، لكن نحن نبين أحكاماً شرعية، فيعترض البعض باعتراضات ويطلب المتابعون الرد عليها لوقوعهم في الحيرة، فلا يعرفون ما الموقف الواحب اتخاذه في النهاية...فإذا أردت أن تلوم فلُم من يخوض في شرع الله بغير علم ويلبس على الناس حتى يُحوجنا إلى التبيان.
  • وإذا أردت أن تعرف الفائدة من طرح هذه المواضيع ابتداء فراجع كلمة ("مش يمكن تاب قبل ما يموت؟").
  • فنعود ونقول: هل بالفعل يجوز الترحم على من مات كافراً؟
  • فالجواب من القرآن والسنة وأقوال العلماء: لا قطعاً.
  1. أما من القرآن: فالآيات واضحة في جعل الرحمة قسيمة العذاب، يعني أحد مصيرين: إما العذاب وإما الرحمة.
  • قال الله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) ) (سورة آل عمران).

لاحظ: الفريق الثاني فقط في رحمة الله.

  • وقال تعالى: (إِنَّ یَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ مِیقَـٰتُهُمۡ أَجۡمَعِینَ (٤٠) یَوۡمَ لَا یُغۡنِی مَوۡلًى عَن مَّوۡلى شَیۡـٔا وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ (٤١) إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ) (سورة الدخان).

فاستثنى من رحم.

  • وقال تعالى: (یُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُ وَیَرۡحَمُ مَن یَشَاۤءُۖ وَإِلَیۡهِ تُقۡلَبُونَ (21)) (سورة العنكبوت).

فجعل الرحمة مقابل العذاب.

  • والآيات التي فيها: (وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ...يفسرها المفسرون عادةً: أي لا ينظر إليهم نَظَرَ رحمة.
  • ومن أدل الآيات قول الله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره).

فالصلاة على أحد هي للدعاء له لا بالمغفرة فقط بل وبالرحمة، وكذلك القيام على قبره. قال ابن كثير: (أَمَرَ الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبرأ من المنافقين ، وألا يصلي على أحد منهم إذا مات ، وألا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له). لاحظ: "أو يدعو له" بشكل عام.

  • فالآيات واضحة في حصر الرحمة الآخروية بالمؤمنين وفي عدم الترحم على الكافرين.
  1. من السنة:

في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي وغيره: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ ، فَيَقُولُ لهم النبي: (يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ).

  • يعني كان اليهود يتظاهرون بالعطاس عند النبي ليدعو لهم بالرحمة! هم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه رسول الله ويريدون بركة دعائه لهم.

لكن النبي ما كان يدعو لهم كما يدعو للمسلمين بـ(يرحمكم الله)، بل يقول: (يهديكم الله ويصلح بالكم). هذا مع أن اليهود كانوا أحياء، وكان من المحتمل أن يسلم أحدهم فيرحمه الله كما يرحم المسلمين. فكيف بمن مات على الكفر ولا مجال لهدايته بعد ذلك؟!

  • لما مات أبو طالب أمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أن يغسله ويدفنه.

ولم يرِد أبداً عن النبي أنه ترحم عليه. هذا مع أن أبا طالب كان شديد النفع للنبي والمسلمين، ولم يحاربهم، بل دافع عنهم بنفسه وأولاده وماله. فلو جاز الترحم على أحد مات كافراً لكان أبو طالب أولى الناس بذلك.

  • نقول لمن يجوز الترحم: هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترحم على أي كافر؟! هل صح ذلك عن أي من أصحابه رضي الله عنهم؟! هل صح أي من العلماء الأولين؟!
  • موت الكافرين ليس مسألة جديدة! بل كان للصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان قرابات ماتوا كفاراً.

فهل فرَّق أيٌّ منهم بين الترحم والاستغفار وصح عنه أنه ترحم؟!

  • فهَدْيُ النبي والصحابة هو عدم الترحم على من مات كافراً مع كثرة حوادث موت الكفار في زمانهم.

ما سبق يكفي لكل ذي عقل وقلب سليمَين، لكن مع ذلك نأتي لك بأقوال العلماء:

  1. ثالثاً: أقوال العلماء:

في موقع (الإسلام سؤال وجواب): (لا خلاف بين العلماء في أنه لا يُدعى بالمغفرة والرحمة للكافر الذي مات على الكفر). يعني المسالة إجماعية. قد تقول: وما يدريني بصحة ما جاء في هذا الموقع؟ تعال أنقل لك أقوالاً واضحة لأهل العلم: أ. قال الحافظ ابن حجر في تعاطُسِ اليهود: (حَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ (يعني : الكفار) يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الأَمْر بِالتَّشْمِيتِ , لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلا مَانِع مِنْ ذَلِكَ، بِخِلافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلافِ الْكُفَّار). ب. وقال أيضاً في فتح الباري بعد أن ذكر حديث تعاطس اليهود: (قال ابن دقيق العيد إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة إن التشميت الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا). ج. قال القرطبي: (وقد قال كثير من العلماء : لا بأس أن يدعوَ الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيَّيْن ، فأما من مات : فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعى له). لاحظ: (لا يدعى له)..هكذا بالعموم، لا بالرحمة ولا بالمغفرة.

  • على فكرة: هؤلاء العلماء الثلاثة أشاعرة، حتى لا يقول قائل: هذا رأي "السلفيين".

فهؤلاء العلماء الأشاعرة كان عندهم سلامة عقيدة في مسائل الولاء والبراء. د. قال ابن رسلان الشافعي رحمه الله في شرح سنن أبي داود : "باب كيف تَشْميتُ الذمي؟" عند حديث تعاطس اليهود: (فيه: أن الكافر لا يُدعى له بالرحمة ولا بالمغفرة؛ بل بالهداية وإصلاح البال، قال الشعبي: إذا عطس اليهودي، فقل: يهديك اللَّه). هـ. جاء في (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج) (2/ 42): (ومن المعروف غسله –أي الكافر- إذا مات، ويخالف الصلاة، فإن القصد بها الترحم عليه، والترحم عليه لا يجوز، والقصد بالغسل التنظيف، وذلك يحصل بغسله].

  • هاتوا لنا في المقابل قولاً واحداً لعالم من الأولين –قبل اختلاط الأمور وزعزعة الثوابت- جوز الترحم !
  • أما في حياة الكافر، فإن هناك أقوالاً لأهل العلم في جواز الدعاء له بالمغفرة والرحمة، لكن ليس على معنى مغفرة شركه وكفره إن مات عليهما ، ولا أن يرحمه ربه تعالى وقد لقيه كافراً، ولكن ذلك الدعاء محمول على تحقيق ما يكون سبباً في مغفرته ورحمته وهو أن يوفَّق للإسلام.

وسنضع لكم في التعليقات تفصيلاً لذلك من موقع (الإسلام سؤال وجواب).


هذه خلاصة المسألة: لا وجه أبداً للقول بانه يجوز الترحم على من مات كافراً، حتى وإن كان مسالماً لم يؤذ المسلمين، فكيف بمن شوه دينهم وتسبب في كفر كثير منهم أو من ارتد ونشط في نشر الإلحاد؟!

  • فالذي عنده رحمة فليته يدعو الكفار في حياتهم بدل أن يدافع عن الترحم عليهم بعد مماتهم !!

والسلام عليكم.