أيها الكرام قال لي بعض الإخوة هناك من يفرق بين الاستغفار لمن مات كافراً وفي المقابل الترحم عليه، على اعتبار أن الترحم يمكن أن يُقصد به تخفيف العقوبة. ويأتي هذا الكلام كله في سياق الحديث عن موت من حرف الدين وهدم أركانه واستحل محرماته وشكك في علم الله وصفاته، وعمن ألحدت وأصبحت ناشطة في نشر الإلحاد ومحاربة الإسلام.
لاحظ: الفريق الثاني فقط في رحمة الله.
فاستثنى من رحم.
فجعل الرحمة مقابل العذاب.
فالصلاة على أحد هي للدعاء له لا بالمغفرة فقط بل وبالرحمة، وكذلك القيام على قبره. قال ابن كثير: (أَمَرَ الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبرأ من المنافقين ، وألا يصلي على أحد منهم إذا مات ، وألا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له). لاحظ: "أو يدعو له" بشكل عام.
في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي وغيره: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ ، فَيَقُولُ لهم النبي: (يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ).
لكن النبي ما كان يدعو لهم كما يدعو للمسلمين بـ(يرحمكم الله)، بل يقول: (يهديكم الله ويصلح بالكم). هذا مع أن اليهود كانوا أحياء، وكان من المحتمل أن يسلم أحدهم فيرحمه الله كما يرحم المسلمين. فكيف بمن مات على الكفر ولا مجال لهدايته بعد ذلك؟!
ولم يرِد أبداً عن النبي أنه ترحم عليه. هذا مع أن أبا طالب كان شديد النفع للنبي والمسلمين، ولم يحاربهم، بل دافع عنهم بنفسه وأولاده وماله. فلو جاز الترحم على أحد مات كافراً لكان أبو طالب أولى الناس بذلك.
فهل فرَّق أيٌّ منهم بين الترحم والاستغفار وصح عنه أنه ترحم؟!
ما سبق يكفي لكل ذي عقل وقلب سليمَين، لكن مع ذلك نأتي لك بأقوال العلماء:
في موقع (الإسلام سؤال وجواب): (لا خلاف بين العلماء في أنه لا يُدعى بالمغفرة والرحمة للكافر الذي مات على الكفر). يعني المسالة إجماعية. قد تقول: وما يدريني بصحة ما جاء في هذا الموقع؟ تعال أنقل لك أقوالاً واضحة لأهل العلم: أ. قال الحافظ ابن حجر في تعاطُسِ اليهود: (حَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ (يعني : الكفار) يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الأَمْر بِالتَّشْمِيتِ , لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلا مَانِع مِنْ ذَلِكَ، بِخِلافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلافِ الْكُفَّار). ب. وقال أيضاً في فتح الباري بعد أن ذكر حديث تعاطس اليهود: (قال ابن دقيق العيد إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة إن التشميت الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا). ج. قال القرطبي: (وقد قال كثير من العلماء : لا بأس أن يدعوَ الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيَّيْن ، فأما من مات : فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعى له). لاحظ: (لا يدعى له)..هكذا بالعموم، لا بالرحمة ولا بالمغفرة.
فهؤلاء العلماء الأشاعرة كان عندهم سلامة عقيدة في مسائل الولاء والبراء. د. قال ابن رسلان الشافعي رحمه الله في شرح سنن أبي داود : "باب كيف تَشْميتُ الذمي؟" عند حديث تعاطس اليهود: (فيه: أن الكافر لا يُدعى له بالرحمة ولا بالمغفرة؛ بل بالهداية وإصلاح البال، قال الشعبي: إذا عطس اليهودي، فقل: يهديك اللَّه). هـ. جاء في (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج) (2/ 42): (ومن المعروف غسله –أي الكافر- إذا مات، ويخالف الصلاة، فإن القصد بها الترحم عليه، والترحم عليه لا يجوز، والقصد بالغسل التنظيف، وذلك يحصل بغسله].
وسنضع لكم في التعليقات تفصيلاً لذلك من موقع (الإسلام سؤال وجواب).
هذه خلاصة المسألة: لا وجه أبداً للقول بانه يجوز الترحم على من مات كافراً، حتى وإن كان مسالماً لم يؤذ المسلمين، فكيف بمن شوه دينهم وتسبب في كفر كثير منهم أو من ارتد ونشط في نشر الإلحاد؟!
والسلام عليكم.