ابنك.. تنصحه ألا يكثر من الحلويات وأن ينظف فمه منها كلما أكلها. لا يستجيب لنصحك.. يأكلها بكثرة، يصيب أسنانه التسوس، فيأتيك شاكيًا: (بابا أسناني توجعني). (إذن هيا إلى الطبيب).. (لا يا بابا أرجوك! سأتألم). (لا بد من ذلك يا بني، وإلا استفحل التسوس وعانيت ألمًا أشد). تذهبان، يجلس على كرسي الطبيب، يبدأ بإزالة التسوس.. يصيح ابنك من الخوف والألم: (بابا أرجوك خَلَص).. تنهره أنت: (اسكت يا بابا! دع الطبيب يعالجك). يعود الطبيب للعلاج، يسكت ابنك ثم يصيح: (بابا خلص بيكفي).. تنهره بحزم: (الطبيب أدرى، دعه يكمل عمله).. خلال ذلك، هل ينظر إليك طفلك بحقد؟! أبدًا طبعًا، فهو يعلم أنك تريد مصلحته. هو لا يريد أن يتألم، لكن يعلم أن معالجة الطبيب توفر عليه آلاما أشد فيما بعد. أنت كأب، تتألم وأنت ترى ابنك يتألم، حتى أنك قد تخرج من الغرفة لأنك لا تطيق سماع أنينه. ينتهي العلاج في الوقت المناسب. يقوم ابنك عن الكرسي، وتنصرفان.. في طريق العودة، ينظر ابنك لك بمحبة وإجلال: (أبي يريد مصلحتي في كل ما يفعله. ها قد ذهب الألم وأتمتع أنا الآن بأسنان صحية)..
ولله المثل الأعلى.. ينهانا الله تعالى عن "حلويات" المعاصي ويأمرنا أن نتطهر منها كلما تناولناها..
نتغافل، فتصيبنا الذنوب وأمراض القلوب. يعلم ربنا الرحيم أن هذه الذنوب والأمراض سوف تستفحل إن تُركت وتؤذينا. فيضعنا على كرسي البلاء ليطهر قلوبنا منها. نتألم، نخاف، نرجوه تعالى أن يقيمنا عن كرسي البلاء.. وربنا، برحمته، يعلم أن العلاج لم ينتهِ بعد، وأنه لا زال في قلوبنا تسوس.
نعم، لك أن تدعو الله مع ذلك أن يخرجك من البلاء وتُلِحَّ عليه، لكنك مهما طال العلاج تبقى تنظر إليه سبحانه نظرة ذلك الطفل الذي يعلم أن أباه يريد مصلحته، فتحسن الظن بربك عز وجل وتوقن أن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك، ولا يمكن للحظة أن تسيء الظن به، بل تبقى ترجوه وتحبه. مهم جدًّا أن تعلم: الله تعالى لا يحب أن يراك تتألم، لكن يحب أن يراك تتطهر، لأنه تعالى يعلم خطر الذنوب وأمراض القلوب عليك.
خلاصة هذه المحطة:
إذا تعرضت لبلاء، فاعلم أن الله أراد أن يطهرك.. ارجه أن يفرج عنك، لكن طوال بقائك في بلائك، أحسن الظن بربك وازدد له حبًّا، فهو سبحانه أرحم بك منك بنفسك.