→ جميع المقالات
وقفة مع كلمة للدكتور طارق السويدان حول أحوال الناس يوم القيامة
٢٧‏/٤‏/٢٠٢١

الدكتور طارق السويدان وفقه الله وإيانا لما يحب نشر منشوراً آخر لتوضيح فهمه لأصناف الناس في الآخرة، ثم قال: (لا أعتقد أن الدكتور أياد حفظه الله تعالى أو غيره يختلف معي على الأمور أعلاه).

ولعل الدكتور يود أن أعقب على ذلك. وعليه فسأجيب من قبيل النقاش العلمي المفيد، في أجواء يسودها التفاهم.

وقبل الجواب، ورغبة في أن تتآلف القلوب على الخير بإذن الله، أود أن أوضح أمراً:

ظن البعض أني قصدت الدكتور بكلمة "الدياثة العقدية"، وهذا غير صحيح !

قلت هذه العبارة في تعليق مني على منشور لأخي حسام عبد العزيز عن أدب الاختلاف، ينكر فيه على صنف من الناس، يروننا نغضب إذا قيل كلام من شأنه أن يضلل الناس عن دينهم، فلا يغارون على حرمات الله أن تنتهك بل يغضبون إذا تم الإنكار على من يتعصبون له ! فأيدتُ قوله وأبديت نفوري من "الدياثة العقدية وخلو القلب من الغيرة على محارم الله !".

الدياثة العقدية كان مقصوداً بها هذه الحالة: من لا يهمهم أن يساء تفسير الآيات بما فيه ضلال للناس، ولا يغضبون لذلك. بل يغضبون لبشر.

ولم أقصد بها، كما فهم البعض، الدكتور طارق وفقنا الله وإياه للصواب وجمع قلوبنا على ما فيه رضوانه. بالإضافة إلى أن الكلام كان أصلا عن ظاهرة، لا عن أشخاص. وقد لفت البعض نظري مؤخراً إلى أن كثيرين فهموا هذا الفهم الخاطئ، ولم أكن لاحظت هذا لأني لا أقرأ كل التعليقات، ولقلة متابعة ما قاله الآخرون في هذا الشأن.

وأنا أقول ذلك حتى لا يبقى في نفس الدكتور شيء بإذن الله، خاصة وأن هناك من أصبح يزيد في الكلام ويفتري علي أقوالاً أخرى لم أقلها أصلاً ! وكأنه يسره أن يرى المسلمين في تخاصم ونزاع !

أمَا وقد بين الدكتور قصده أكثر فأكثر، وأشار إلى أنه يعتقد أني لا أخالفه فيه، فأقول يا دكتور طارق وفقك الله لما يحب:

بيننا أرضية مشتركة هي التسليم بالقرآن والسنة والإجماع. وحضرتك أكدت في أكثر من مقام أخذك بالإجماع. فما سأقوله إنما هو استناداً إلى ما نقر به جميعنا وليس رأيي الشخصي.

  1. وعليه، أخالفك في جانب مما ذكرت. فقولك: "ولاحظوا أني قلت ( يستحقون) بناء على الوعد والوعيد الذي جاء في القرآن الكريم، ولم أقل ( يدخل)"...هذا يا دكتور يجعل الأصناف التي ذكرت أنها تستحق النار، يجعلها كلها في المشيئة، إن شاء الله عذبهم وإن شاء غفر لهم.

لكنَّ فيمن ذكرتهم يا دكتور أصنافاً مجمعاً على دخولها النار، ممن "بلغتهم رسالة محمد الرسول الخاتم ﷺ بأدلة واضحة وبيان شافي ومنطق سليم، ومع ذلك رفضوها" كما ذكرتَ.

وهؤلاء دلت على دخولهم النارَ النصوصُ المحكمة القاطعة التي لا تقبل التأوُّل، كقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)).

وقد يأَّس اللهُ المشركينَ بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)). فليس هناك أمل في أن يرحمهم الله بصرفهم عن النار. والنصوص في ذلك كثيرة جداً.

هؤلاء يا دكتور مُجمعٌ على دخولهم في النار، لا على استحقاقهم فحسب. ونحن هنا نتكلم عن جنس (صنف) من الناس، بعيداً عن تعيين مصائر أعيان المشركين، فهذا مبحث آخر.

  1. قولك يا دكتور: "ثم لماذا يريد بعض الناس احتكار الجنة لأنفسهم أو لأتباع مذهبهم أو حتى جماعتهم ؟!!!!"

أقول: لم يطرح أحد في هذا النقاش كلِّه احتكار الجنة لنفسه أو لمذهب أو جماعة ! وإنما الحديث عن أن الجنة للمؤمنين من أتباع الأنبياء وأنها محرمةٌ على المشركين أو من رفضوا دعوة الإسلام بعدما بلغتهم.

فهذه ليست "إرادة بعض الناس" هدانا الله وإياك لما يحب ! بل هي حكم الله الذي أكده في مواضع كثيرة جدا في القرآن لنؤمن به ونعتقد به اعتقاداً جازماً لا يدخله شك. حتى لا يستهين الناس بعدها بأمر الشرك ظانين أنهم يبقون معه في مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم. بل: (أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي).

  1. قولك يا دكتور: "ما شأننا نحن من يدخل الجنة والنار فهذا قرار إلهي وليس بشري".

الجواب: الله تعالى أخبرنا بمشيئته في هذا الأمر وأمرنا أن نؤمن بما أخبرنا ! وأن نرشد الناس لذلك ترغيباً وترهيباً، ولو لم يكن شأن بذلك لـمَا أخبرنا ولـمَا أمرنا أن نعتقده.

  • يا دكتور، اسمح لي أن أعيد التأكيد على ما ذكرته في مناصحتي المفتوحة لك وفقك الله: نحتاج الحسم في هذه اليقينيات الكبرى، فهي من الأمور القطعية.

  • وليست قضيتنا هنا نقصَ رحمةٍ بالناس ولا إرادةُ أن يدخل كثير منهم النار، وإنما إدراك حجم خطورة الشرك يجعلنا ندرك أنهم يحتاجوننا وبأيدينا الدواء، فنعمل على استنقاذهم من عواقب الشرك في الدنيا والآخرة. وهو ما أعمل عليه في السلسلة التي بدأت بها حديثاً: (كُن عزيزاً بإسلامك).

  • وبالمناسبة، فقد ذكر لي أخ شريطاً قديماً لك بعنوان: (العزة لمن؟) وما كان له من أثر جميل في نفوس الشباب. فيسرني جدا أن تتابع ما أنشره في السلسلة وتبدي ملاحظاتك، فبها إن شاء الله يصل المسلم إلى سلامٍ نفسيٍّ وانسجام مع كتاب الله بوعده ووعيده وتتحول يقينياته هذه إلى رحمة بالناس وحرص عليهم.

  • أسأل الله أن يفتح عليك ويوفقك لفهم مراده ويشرح صدورنا جميعا للحق.

  • الداعي لك بخير: إياد قنيبي.