السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام بينت أمنا عائشة رضي الله عنها اللغز في الاستجابة الفورية التي نراها من الصحابة لأمر الله تعالى. فقالت، فيما روى البخارى: (إنما نزل أول ما نزل منه –أي القرآن- سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا)...يعني ما كنا لنجد الاستجابة الفورية التي رأيناها في أمثلة الحلقات السابقة. إذن فقد علق الله قلوب عباده بالجنة ورهبهم من النار...فلما استقر اليقين في نفوسهم سهُل عليهم جدا أن يتركوا عاداتهم بمجرد سماعهم آية من كتاب الله تعالى.
اقتصاد مكة كان قائما على التجارة...لم تكن فيها زراعة تذكر ولا كان أيامها بترول. بعدما فتح المسلمون مكة كان كثير من عرب الجزيرة لا يزالون على الشرك، وكانوا يأتون للبيت الحرام الذي يعظمونه هم أيضا، فيتبادلُ معهم المسلمون البضائع بيعا وشراء. هنا يأتي أمر من الله تعالى بقطع هذا المصدر الذي يكاد يكون الوحيد للاقتصاد المكي. قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)) ((لا يقربوا المسجد الحرام))...إذن لم يعد للمشركين مصلحة في القدوم على مكة...ستنقطع التجارة...سينهار اقتصاد مكة. هكذا تقول الحسابات الدنيوية. لكن الله برحمته طمأنهم فقال: ((وإن خفتم عيلة)) –أي: فقرا- ((فسوف يغنيكم الله من فضله)) لكن لاحظ ماذا قال الله بعدها: ((إن شاء)). إن شاء أن يغنيكم أغناكم...أما أنتم فعليكم التزام الأمر بغض النظر عن هذا الضمان الذي ضمنه الله لكم. ليس لكم أن تشترطوا أن يبين الله لكم كيف سيعوضكم وكيف سيرزقكم حتى تستجيبوا لأمره، بل أنتم تستجيبون ثم الله يغنيكم إن شاء. كيف سيغنيهم؟ لم يخبرهم. استجاب الصحابة، وفعلوا ما يتسبب في انهيار الاقتصاد في الظاهر المادي. فأحل الله الجزية في الآية الأخرى التي تتبعها مباشرة في السورة، وفتح الله أنحاء الجزيرة العربية للمسلمين، فكان ذلك خيرا للمدن والقرى التي أخضعوها لسلطان الإسلام وأخرجوها من عبادة العباد وجور الأديان، وكان خيرا للمسلمين الذين عوضهم الله عما فقدوه من التجارة.
أخي، أختي...لو أننا نستجيب لأمر الله ثقة بحكمته ورحمته فلن يضيعنا. هذه النصوص القرآنية ليس لها مدة انتهاء تنتهي فيه صلاحيتها، بل هي حق وصدق أبدي. إذا عرضت عليك وظيفة فيها محرمات...تَذَكر أن الذي رزق أهل مكة في وسط الصحراء دون موارد قادر على أن يرزقك. إنما يمتحن إيمانك...((وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم)). والسلام عليكم ورحمة الله.