→ جميع المقالات
النفاق - الحلقة 4
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقتين الماضيتين أن أحدنا قد يكون في قلبه إيمان ومحبة لله ورسوله فيظن أنه ليس مصابا بالنفاق في أية درجة من درجاته، بينما القرآن يدلنا على أن هذا القلب قد يكون فيه نفاق يزيد وينقص بحسب الأحوال. هذا يقودنا إخواني إلى حقيقة مهمة، وهي أن الإنسان قد يكون منافقا وهو لا يعلم: ا) قال الله تعالى في وصف المنافقين: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلارْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) (البقرة). قال ابن القيم في مدارج السالكين: (وأما النفاق: فالداء العضال الباطن الذى يكون الرجل ممتلئا منه وهو لا يشعر) (الجزء الأول ص347).

  • وبوب الإمام البخاري بابا بعنوان: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر
  • وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم)). فبعض من (زعم أنه مسلم) قد يصدق زعمه هذا لما يرى من صلاة نفسه وصيامها ولا يشعر بنفاقه.
  • والآيات الدالة على أن المرء قد يسيء وهو يحسب أنه محسن كثيرة، كقوله تعالى:
  • ((ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين (36) وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون (37) ))

وكقوله تعالى: ((أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا)). إنها المعاصي يا إخواني...تفسد الفطر وتحدث مرضا في القلوب. وكما أن مريض الفم لا يحسن التذوق فإن مرضى القلوب يرون الفساد صلاحا. ((كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)). ولخفاء النفاق فقد خاف الصحابة على أنفسهم منه. روى البخاري عن ابن أبي مليكة, وهو من كبار التابعين أنه قال: (أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه).

  • حذيفة بن اليمان كان أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين. أسرَّ له النبي بأسمائهم قبل موته عليه الصلاة والسلام. بعد وفاة النبي سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: ناشدتك بالله هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم –أي في المنافقين-؟ فقال حذيفة: لا، ولا أزكي بعدك أحداً. أي لن أجيب أحدا بعدك عن هذا السؤال ليبقى الناس على خوف من النفاق.

عند سماع هذه الآثار فإننا نقف عادة عند الإعجاب بورع الصحابة واعتبار أنهم كانوا يخافون النفاق (زيادة عن اللزوم). لكن ليس هذا ما ينبغي أن يفهم منها إخواني. فالصحابة أفقه الأمة، وهم بالتالي يعطون الأمور أوزانها المناسبة ويخافون مما يجب الخوف منه. فخوفهم هذا يُشعر بخفاء النفاق إلى الحد الذي يمكن معه أن يوجد في النفس ولا يشعر به صاحبه. فجدير بهم أن يخافوه ونحن بذلك أجدر. فكلما زاد إيمان المرء وفقهه بطبيعة النفاق زاد خوفه منه. والسلام عليكم ورحمة الله.