→ جميع المقالات
حسن الظن بالله - الحلقة 10 - مذاقات لا توصف !
١٤‏/٧‏/٢٠١٤
  • لا زلنا نتكلم عن حكمة الله عز وجل.. وكيف أنك عندما تتأمل حكمته تعالى في الابتلاء يكون ذلك سببًا في زيادة محبة الله، فتنقلب المحنة منحةً، بخلاف الذين ينهار حبهم لله إذا ابتُلوا.

  • قبل نعمة البلاء الذي مررت به كنت أتساءل: كيف يصبر المؤمنون الذين يبتليهم الله بابتلاءات شديدة. كنت أومن بقدرته تعالى على تصبيرهم لكن أتمنى أن يطمئن قلبي. وعندما خالطتُ نماذج من هؤلاء الناس كان من نعمة الله علي أن فهمت كيف يصبرون. فأورثني ذلك سلامة صدر تجاه أقدار الله تعالى.

  • رأيت أولًا أن من حكمة الله تعالى أنه لا يبتلي عباده المؤمنين بقواصم ظهر لا يتحملونها.. بل ببلاء يتناسب مع إيمانهم.

  • روى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)) (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط)

  • ثانيًا: رأيت كيف يرفق تعالى بعباده المؤمنين فيتدرج في ابتلائهم.. يبتلي على قدر الإيمان.. ثم يصبر.. فيزيد الصبرُ الإيمانَ إلى درجةٍ تؤهله لتَحَمُّل ابتلاء أشد.. يبتليه الله ذلك البلاء.. ثم يصبر.. وهكذا.. فيبقى البلاء يمتزج بالإيمان فيرتقيان بالعبد في المنازل إلى درجة ما كان يحلم بها ولا يتصور أنه أهلٌ لها في بداية بلائه!

  • ثالثًا: حتى على فرض أن بلاءً شديدًا حلّ بالمؤمن فجأة.. رأيت كيف أنه تعالى يمنح عبده المؤمن مذاقات تُذاقُ ولا توصف! تمامًا كطعم الفاكهة ورائحة العطور..

  • لو طلبت منك أن تصف لي طعم البرتقال أو التفاح أو رائحة الياســـمين أو الريـحــان.. هــل تــســتــطيع؟ هذه مذاقات تذاق ولا توصف.

  • كذلك فإن عباد الله هؤلاء الذين لا تتصور كيف يصبرون، ذاقوا طعم السكينة والأنس بالله وتعلق القلب به والرضا بقضائه.. هذه المعاني مذاقات: تذاق ولا توصف. ذقت في تجربتي شيئًا منها فعرفت أثرها.. لكني في نعمة البلاء خالطتُ أناسا أحسبهم خيرًا مني وأكثر عيشًا لهذه المعاني مني.

  • كانت بلاياهم شديدة، أشد من بلائي بكثير، ولكن وجوههم مع ذلك كانت تشرق بالرضا والبشر والسكينة، وألسنتهم تلهج بحمد الله واستصغار صبرهم ما دام لوجه الله تعالى. بل إن أحدهم قال لي: (إني، وأنا أدعو الله بالفرج، أكاد أحيانًا أسأل الله ألا يستجيب دعائي، لما أتذكره من عظيم أجري حينئـذٍ في الدار الآخرة)!

  • كنت أذكر لهذا الأخ أني أحسن الظن بالله تعالى أنه سيجعل لي فرجًا ومخرجًا قريبًا، فكان يقول لي: (هذا جميل، ولكني أريد لك مستوى أرقى من ذلك: أريدك أن تستمتع بنعمة البلاء!).

  • تستمتع بنعمة البلاء! لم أفهم كلمته هذه في حينها لكني بدأت أعيشها بعد فترة من استمرار "نعمة البلاء".

  • لقد رأيت في تجربتي طرفًا من حكمة الله في الابتلاء.. بدأ البلاء خفيفًا في البداية وظننت أنه سيزول قريبًا.. صبَّرَني الله واشتد عودي فزاد البلاء.. وكلما اشتد، كانت تنزل من الله سكينة تُصَبِّر. فالحمد لله الحكيم الرحيم.

  • هذه المذاقات العجيبة إن لم تذقها فلك أن ترى آثارها: سحرة فرعون ما كان لهم هَمٌّ إلا: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبِينَ ٤١} [الشعراء: 41].. كانوا قــد عــاشــوا ســنين طــويـلة عـلى طلب الـدنـيا بالسحر ومخادعة الناس.

  • ثم ما هي إلا لحظة من الهدى واليقين جعلتهم جبالًا رواسي أمام التهديد بالتقطيع والتصليب، يقولون لفرعون: {قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ ٧٢ إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغۡفِرَ لَنَا خَطَٰيَٰنَا وَمَآ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَيۡهِ مِنَ ٱلسِّحۡرِۗ وَٱللَّهُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ ٧٣} [طه: 73،72]..!!

  • يا الله! أناس دنيويون طينيون.. في لحظة ذاقوا فيها هذه المذاقات التي لا توصف تحولوا إلى عمالقة تعلقت أرواحهم بالدار الآخرة لا يرجون من بشر نفعًا ولا يخافون ضرًّا !

فإذا رأيت أناسًا صالحين يُبْتَلَون بلايا شديدة، وثارت في صدرك تساؤلات عن حكمة الله في ابتلائهم، فقل: (عليَّ نفسي. هم لم يشْكُوا ربهم سبحانه لأحد. فإن كانوا راضين بقضاء الله فما شأني أنا؟ فالله أرحم بهم مني).. مع سعيك طبعًا في عونهم ورفع البلاء عنهم إن استطعت.

خلاصة هذه المحطة:

من حكمة الله تعالى أن يمنح أصحاب البلايا الشديدة مذاقاتٍ لا توصف.