ممكن تكون تنصح ابنك أو زميلك فيقول لك: "مش كله دين !"، أو يقول لك عن معلم العلوم: "قَلَبَ الحصة دين"، لأنه تحدث فيها عن عظمة خلق الله وذكر بعض الآيات.
هذا من أخطر المفاهيم التي تسربت إلينا من عَلمنة المناهج الدراسية وثقافة المجتمع: أن "الدين" له شعائره التي تأخذ جزءاً من وقتنا (كالصلاة) وزاوية من حياتنا، وله حصته في المدرسة، وتخصصه في الجامعة..بعد ذلك، "مش مقبول" خلط "الدين" بــ"العلم"، و"مش معقول" كلما أردت أن أمزح أو أتسلى "تجيب لي سيرة الدين" !!
تصوُّرٌ هزيل عن دين رب العالمين الذي وصفه بقوله: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).
ديننا هو "صبغة الله"، التي يجب أن تصبغ حياتنا كلها بلونها، كما قال تعالى: (صبغةَ الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون).
قال المفسرون فيها: سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب، فيلزمه ولا يفارقه، كالصبغ يلزم الثوب.
أَدرُس قواعد العربية التي تساعدني على فهم ديني وتراثي الذي أعتز به كمكون من هويتي.
والإنجليزية لأدعو الناطقين بها إلى ديني وأعرف لغة من يستهدفون ديني وأبرع في العلوم.
أتعلم الأحياء وعلوم الطبيعة لأزداد يقيناً بعظمة الخالق وأزيد يقين الناس وأكسب عيشي كما يأمرني ديني.
إذا مزحتُ وتسليت فأنا أمزح وأتسلى بضوابط ديني.
ألهو مع أولادي وأعانقهم وأستمتع بطفولتهم وأنا أعلم أن ديني العظيم يأجرني حتى على هذه الأفعال الفطرية.
إنها "صبغة"، يجب ألا تنفك عنا كمسلمين في حال من الأحوال.
لكن هل تعرفون ما الذي يُنَفر الناس أحياناً ويوقعهم في هذه العبارة السيئة (مش كله دين)؟
قلة الحكمة في التعامل معهم...عندما يكون "وعظك" متكلفاً في غير مكانه:
هم في لهو ولعب مباح وأنت تريد أن تعظهم موعظة مطولة لا تناسب المقام.
ابنك اليافع يكلمك عن اهتماماته فـ"تفقسه" (تُفَشِّله) وتلقي عليه محاضرة: (هذا الذي قلته أوفعلته خطأ وكان يجب عليك أن تفعل كذا وكذا).
أنت أستاذ بمدرسة أو محاضِر بجامعة...تخرج عن موضوع حصتك أو محاضرتك بشكلٍ متكلف وتُطيل بلا مناسبة.
لكن ! هذا كله ليس من الدين حتى يقال: "مش كله دين" !
ففي الحديث الذي رواه البخاري:
كان عبد الله (بن مسعود) يُذكر الناس في كل خميس فقال له رجل: (يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكَّرتنا كل يوم).
قال: (أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها، مخافة السآمة علينا).
الله أكبر ! النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كلامه أجمل كلام البشر، كان يقلل من المواعظ لئلا يمل الناس ! علماً بأن مواعظه كلمات معدودات! وعبد الله بن مسعود يهتدي بهدي النبي فينصح في الأسبوع مرة وهم متعطشون!
علِّم الناس بسلوكك وأخلاقك، ولا تكثر المواعظ، فليس هذا من الدين...ولمن يقول: "مش كله دين"...بل ما أجمل دين الله لو فهمناه !