من مشاكلنا كثرة الجدل وقلة العمل. نمضي وقتا طويلا في الخلاف على مسلك أردوغان-حزب العدالة والتنمية ما بين مؤيد له –عاطفيا في العادة- ومعترض عليه شرعيا. ويغفل الطرفان عن استثمار نتائج هذا المسلك استثمارا إيجابيا لصالح الدعوة. بينت موقفي في كلمة (مناقشة موضوعية للنموذج التركي)، وأرى أن هذا التبيان مهم لئلا يفتتن الناس بمسلك مخالفة أحكام شرعية من أجل مصالح شرعية. لكن بغض النظر عن الحكم على هذا المسلك، فقد أدى في المحصلة إلى أجواء حرية للدعوات بكافة أشكالها. المؤلم، والمؤلم جدا، أننا نحن المسلمين من أقل الناس استثمارا لهذه الحريات! ففي الوقت الذي ترى فيه دعوات فاسدة كالماركسية ولا أخلاقية مثلا استغلت حالة الحرية للترويج لنفسها في الجامعات، لا ترى دعوة إسلامية نشطة تعالج أفكار العلمانية والإلحاد والنفور من الدين، مع أن المجال متاح لها أيضا. بالنسبة لكثير من المسلمين، اسم تركيا لا يعني لهم أكثر من السياحة، أو شراء البضائع، أو –في أحسن الأحوال- مدخلا لدعم مسلمي الشام وجهادهم. ماذا عن الشعب التركي؟ لماذا نغفل دعوته؟! عندما زرت تركيا قبل ثمانية أشهر ألقيت محاضرات في مدينة صغيرة (قيصري)، ومع أني غير معروف لدى أهلها، ومع أن المترجمين لم يكونوا محترفين، إلا أن الإقبال كان طيبا جدا، والناس متعطشون لسماع كلمة طيبة. ما أعظمه من استثمار دعوي، لو أن بعض من أنعم الله عليهم بالمال يفرغون شبابا مثقفين ذوي أسلوب وخلق حسن يتعلمون اللغة التركية ويعيشون في تركيا وينشطون في الدعوة فيها...بتأنٍّ وحكمة، بحيث يركزون على إثبات صحة الإسلام ابتداء ثم مفاهيم محبة الله والطواعية له تعالى وإخضاع الحياة كلها له، ويقتلعون برفق من نفوس الناس آثار الأتاتركية البغيضة، ويزرعون في نفوس الناس الحنين إلى أمجاد الخلافة الإسلامية وسيادة الشريعة بدلا من العلمانية. ما أنفع هذا الاستثمار على المدى البعيد، فهو مظنة أن يهتدي به خلق كثير، وأن ينمي حالة تعاطف الشعب التركي مع قضايا المسلمين، وبالخصوص القضية الشامية، بحيث تشكل عمقا استراتيجيا وأرضا خصبة لانتشار أي كيان إسلامي متحرر يقوم في المنطقة. أما أن تمر السنون تلو السنون ومثقفو الأمة وعلماؤها لا يحسنون أكثر من نقد النموذج أو تأييده عاطفيا ويهملون هذه الفرصة التاريخية من الحرية، والتي لا ندري متى ستنتهي، ثم إذا خسرنا تركيا بحثنا عن بلد غيرها يهرب إليها بعضنا من الاضطهاد...فهو تقصير قد نندم عليه فيما بعد. اللهم استعملنا في طاعتك واجعل الإسلام قضية حياتنا.