→ جميع المقالات
عاتِبوهم ولا تُسقطوهم!
١٢‏/١٠‏/٢٠١٩

تعرفت على شخص قبل 16 عاماً..وتكوَّنتْ بيننا صداقة.. مرت الأيام..وتعرضتُ لظروف صعبة..حُبستُ...خرجت من الحبس...لم يأتِ ليسلم علي، ولا اتصل بي.. اتصلتُ أنا به فردَّ بفتور.. فقلتُ: (لعله يريد قطع العلاقة لئلا يتعرض لمشاكل. ومع ذلك، إذا حصل معه هو شيء فلن أقصر معه).. مرت السنوات..توفيت ابنتي..لم يُعزِّني ولا حتى باتصال ! عزَّ عليَّ ذلك..وتنازَعني طرفان: فمرةً أقول: أكرم نفسك يا إياد عن أن تتواصل مع من لا يريد صداقتك...الذي يبيعك بِعه أنت أيضاً... ومرةً أقول: أعطِه فرصةً..عاتِبْه..فإن أعرض فلا تسأل عنه بعدها..

  • ولماذا أعاتبه؟ الأمر واضحٌ: هو لا يسأل عني ولا يريد التواصل معي، ولم يحفظ صداقتنا ومودتنا..
  • أعود فأقول: عاتِبه ولو لأجله، ولا تنتظر منه أن يُقبل عليك بعدها...عاتبه لتوقظ فيه حس النخوة الذي تعلم أنه موجودٌ فيه...

مرت شهور...ثم كتبت له الرسالة المرفقة في الصورة... جاء الرد في اليوم التالي مفاجئا: (والله إن لك في القلب معزة كبيرة جدا ويشهد الله أنني في كل ابتلاء ابتُليت به كنت أدعو لك في سجودي دعوة أخ لك بظهر الغيب وما منعني عنك إلا تقصير...وأكرر اعتذاري، ويشهد الله أني أحبك في الله وأن لك في القلب معزة لا يعلمها إلا الله)... ثم اتصل بعدها وحلف لي بالله أنه يحبني كما يحب إخوته، لكن شغله ظرف صعبٌ...واتفقنا أن نتزاور من جديد...وأدركتُ أن علي أنا أن أقف معه في ظرفه الذي لم أكن أعلم عنه. حمدتُ الله بعدها على أني عاتبته بالرسالة، ولم تمنعني "عزة نفسي" عن إرسالها.. فعزةُ أنفسنا لا ينبغي أن تمنعنا من إعطاء فرصة تلو الفرصة لمن نحب ولمن نعلم فيهم خيراً...عملاً بقول الله تعالى: (أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين). عتب الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم لِـما فعله بغنائم حُنين حين وزعها على المؤلفة قلوبهم وفقراء المهاجرين ولم يعطهم منها مع أنهم هم الذين صمدوا معه حتى نصرهم الله..عتبوا ولم يُبقوها في نفوسهم...لأنهم يحبونه، ولا يريدون لهذه المحبة أن تشوبها شائبة ولا أن يسكتوا وفي قلوبهم غصة... وعتب عليهم النبي لـمَّا علم ما قالوا، وبين لهم أنه وكلهم إلى إيمانهم وتألف بمتاع الدنيا أقواماً ليُسلموا. ثم انفض المجلس والأنصار يبكون فرحاً بتعبير النبي عن محبته لهم ووفائه لهم ودعائه لهم ولذراريهم، وفرحاً بالخبر الذي أخبرهم به أنه عائد معهم إلى المدينة، ولن يبقى في مكة بين أهله كما ظنوا.. حصل العتاب، ووُضحت الأمور، وعادت المحبة أعمق وأوثق مما كانت... لهذا يا كرام..إن استطعتم أن تلتمسوا لأحبابكم عذراً بحيث لا يبقى في النفس شيء فافعلوا..فإن لم تستطيعوا فعاتبوهم، لكن لا تسقطوهم من حساباتكم.