السلام عليكم ورحمة الله، إخواني وأخواتي نرى في العالم الإسلامي اليوم مئات من المسلمين يقتلون يوميا كما في سوريا وغيرها. نرى شبابا يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله لكنهم أقل عددا وعدة من أعدائهم فيقتل كثير منهم...نرى ذلك فنحزن ونتألم، وينبغي لنا أن نتألم. لكننا قد ننسى معنى مهما، وهو أن اصطفاء الشهداء مقصود في ذاته. الله تعالى يريد أن يتخذ من عباده شهداء. قال تعالى: ((وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء)). لاحظ: يغير الله تعالى موازين القوى حتى يتغلب الكفار فيجاهدَهم المؤمنون فتسفك دماء في سبيله تعالى، فهذا أرقى أشكال العبودية. أن يقدم المسلم دمه في سبيل الله تعالى. إذن، فاصطفاء الشهداء مطلب في ذاته، وليس عرضا جانبيا أو ضررا جانبيا (collateral damage) للمقصود الأعظم. بل كما أن الله يحب أن تعلو كلمته ويُقهر أعداؤه فإنه كذلك يحب أن يتخذ شهداء.
هذا معنى ننساه ونحن نتحسر على آلاف الشباب في بلاد المسلمين المبتلاة ويقول بعضنا: ذهب دمهم هدرا، ولا والله –إن شاء الله- ما ذهب هدرا ما داموا قد قُتلوا من أجل دينهم وماتوا ثابتين عليه. لم يضيعوا سدىً، بل اتخذهم الله لنفسه.
ولاحظ التعبير: ((ويتخذ منكم)) أي: لنفسه سبحانه ((شهداء)). تصور صندوقا يُعرض عليك فتزهدُ في كل ما فيه إلا جوهرة نفيسة تتخذها لنفسك وتقول هذه نصيبي وحصتي. ولله المثل الأعلى: ماذا يريد الله بالدنيا وما فيها؟! هي كلها بزينتها وجمالها وثرواتها لا تَزِن عند الله جناح بعوضة...إنما يتخذ منها لنفسه ويؤيي إلى كنفه: الشهداء.
لكن...طبعا، وبلا شك، ومما لا ريب فيه...أن هذا الكلام ليس للقاعدين ليخذلهم عن نصرة إخوانهم المسلمين المستضعفين. ليس لمن لم يكلف نفسه بنصرة إخوانه وأخواته أن يقول: (لماذا نحزن عليهم؟ دعهم يُقتلون شهداء! لا! بل نقول هذا الكلام لمن يحاول أن يقوم بواجبه تجاه المستضعفين من المسلمين بما أوتي من قوة لكن تحول دونه الحوائل. نقوله حتى يعلم الناس أن لله في كل شيء حكمة وله بعباده المؤمنين رحمة. أما من قصر في حق إخوانه المستضعفين فليحزن، وليحزن على نفسه أولا لأنه سيحاسب على تقصيره.
نسأل الله أن يعيشنا سعداء ويقبضنا شهداء. والسلام عليكم ورحمة الله.