السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام نتابع اليوم الحديث عن صفات النفاق التي نسأل الله أن يطهر منها قلوبنا جميعا. صفة اليوم هي تغيير الولاء بحسب ميزان القوى. فمن في قلبه نفاق فحساباته أرضية طينية...ينظر أين تميل كفة موازين القوى...فإن طاشت كفة أوليائه تنكر لهم، وأعطاهم ظهره وحالف ضدهم وساعد عليهم كأن لم تكن بينه وبينهم مودة. فالمنافق لا يفهم معنى الوفاء لوليه والمروءة والشهامة والنبل والنخوة والنجدة...ومن استثار فيه هذه المعاني كان كمثل الذي ينعق بما لا يسمع. إنما هو دوما "مع الواقف" كما يقال. قال الله تعالى: ((ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ولئن قوتلتم لننصرنكم)) (الحشر-11) وعود ضخمة رنانة من المنافقين لأوليائهم بالمناصرة والمساندة. قال الله بعدها: ((والله يشهد إنهم لكاذبون (11) لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون (12) )) فبمجرد أن يذهب مجد الكافرين تظهر خسة المنافق ونذالته... ثم بين الله تعالى السبب فقال: ((لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله)) فالمنافق لمَّا والى الكافر ما استحضر أمر الله ونهيه...ولمَّا ترك هذه الموالاة ما تركها لله وإنما خوفا من المؤمنين. فهو لم يذكر الله على كل حال! ((ذلك بأنهم قوم لا يفقهون (13) )).
((الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين)) أي ألم نحمكم من المؤمنين، فكافئونا على ذلك وقربونا. كأن المنافق يحمل صحنه ويدور وهو يسيل لعابه باحثا عن المنتصر يستجديه أن يملأ الصحن طعاما... إن قلتَ له: "رضوان الله"، "الجنة"، "الغيرة على الدين"...فتح فمه ونظر إليك نظرة من لم يفهم شيئا ثم تولى عنك وهو يقول: (وهل تملأ هذه الأشياء صحني؟)!
قال الله تعالى: ((وإن منكم لمن ليبطئن)) أي عن ملاقاة العدو ((فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا)) فيعتبر المنافق خذلانه للدين توفيقا ونعمة من الله تعالى! ((ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم)) سيندم حينئذ ويتمنى لو كان مع المؤمنين. هل تراه يندم لأنه يرى نصر الله لعباده المؤمنين فيعلم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فيحتقر ما هو فيه من بطالة ونفاق وتشتاق روحه إلى التحليق في مدارج الأبطال؟ لا! ما زالت تطلعاته لا تعدو أصابع قدميه! ((يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما)) يريد الغنيمة...بضعة دنانير ومتاعا زائلا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، ولا تدري أيتهما تتبع)) (مسلم). اللهم طهر قلوبنا من النفاق وارزقنا الصدق وحب التضحية في سبيلك. والسلام عليكم ورحمة الله.