يتساءل البعض: كيف نوفق بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أرحم من هذه بولدها) وحقيقة أنه تعالى يعذب الكفار وعصاة المسلمين في الآخرة؟ والجواب: أولا: ينبغي التفريق بين رحمة الله العامة التي تكون في الدنيا، ورحمته الخاصة التي تكون في الآخرة، فهو سبحانه يرحم عباده في الدنيا كلهم ، مؤمنهم وكافرهم ، طائعهم وعاصيهم ، رحمة عامة ، فيرزقهم ويطعمهم ويسقيهم ويشفيهم. فلولا رحمة الله ما تنفس أحد الهواء ، ولا وجد أحد شربة ماء. ومن رحمته بهم أن أرسل لهم الرسل ودلهم على طريق سعادتهم الأبدية وأمهلهم وهم يعصونه. إلى غير ذلك من صور الرحمة التي لا تحصى. وهو سبحانه بذلك أرحم بعباده جميعا من الوالدة بولدها، فإن الذي جعل الوالدة رحيمة لا بد أن يكون أرحم منها. أما رحمته الخاصة التي تكون في الآخرة فلا تكون إلا للمؤمنين، وليس للكافرين فيها نصيب. فينتقل الكافر من رحمة الله إلى عدل الله، إذ أخرج الكافر نفسه من التأهل لهذه الرحمة الخاصة في الدار الآخرة. قال تعالى: ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/ 156. لاحظ: (ورحمتي وسعت كل شيء)...هذه الرحمة العامة في الدنيا. (فسأكتبها): أي أخص بدوامها واستمرارها في الدار الآخرة من هذه صفاتهم: (للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون). أما عصاة المسلمين فمن شاء الله أن يدخله النار منهم بعدله فإنهم لا يخلدون في نار جهنم، إذ لا يسوي بينهم وبين الكفار. ثانيا: كما أن الله مُتَّصف بالرحمة فهو تعالى مُتَّصف أيضا بالعدل. وأسماء الله تعالى وصفاته لا تتعارض. فإذا قال قائل: نتوقع أن يرحم اللهُ الكافر في الآخرة لأنه أرحم الراحمين فالرحمة صفته، قلنا : يلزم لذلك أن لا يعدل، والعدل صفته، قال تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) وقال سبحانه : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ). فمن تمام حكمة الله وعدله سبحانه أن يفرق بين وليه وعدوه، وأهل طاعته وأهل معصيته، ومن عبده، ومن عبد غيره، وإلا فإن التسوية بين هؤلاء جميعا من الظلم الذي يناقض العدل والحكمة. والله تعالى أعلم. الجواب مأخوذ من موقع الإسلام سؤال وجواب مع اختصار وإعادة صياغة.