→ جميع المقالات
كيف تغرب الشمس في عين حمئة
٢‏/٨‏/٢٠١٦

قال الله تعالى في وصف رحلات ذي القرنين: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) (سورة الكهف). هل يعني ذلك أن الشمس على ضخامتها غربت وانغمرت داخل عين حمئة كما تنغمر كرة ثقيلة في الماء؟ طبعا لا! المسألة ببساطة أن ذا القرنين بلغ نهاية الأرض من جهة المغرب، حتى إذا نظر للشمس وهي تغرب في تلك النهاية كان آخر ما توارت خلفه -بالنسبة للناظر إليها- عيناً حمئةً، أي أنها لم تختفِ خلف جبل أو خلف سهل، بل خلف عين حمئة. ولا تعني الآية أبداً أن الشمس (انغمرت) في داخل عين حمئة! رجعت إلى كثير من تفاسير السلف لأرى هل فهم منهم أحد أن الشمس انغمرت في عين حمئة، فلم أجدهم فهموا منها ذلك ولا وقع عندهم استشكال أصلا حتى يبحثوا له عن حل، مع أنهم كانوا في زمن ليس لديهم تصور عن كروية الأرض ودورانها حول الشمس. ومن خطر له منهم أن من الناس من قد يفهم هذا الفهم الخاطئ نبه عليه. قال القرطبي: (ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسها؛ لأنها مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة. بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض) انتهى. راجع النقطة1 في التعليق. فلسنا أمام شبهة تحتاج حلاً ! ولا أمام آية يظهر منها التعارض مع العلم حتى نبحث عن توفيق! بل هكذا هو التعبير اللغوي عن غروب الشمس, والمستخدم حتى في غير العربية، بل وحتى في مثل لغة وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (راجع النقطة2 في التعليق). لكن لحظة! ما هي هذه العين الحمئة؟ يمكن أن نتصور أن ذا القرنين رأى الشمس تغرب في بحر أو محيط كما يراها الشخص الواقف على ساحل البحر المتوسط مثلا. لكن ما قصة العين الحمئة؟ بداية، ما معنى عين حَمِئَة؟ معناها عينُ ماءٍ ذاتُ حَمَأَةٍ، أي ذات طين أسود: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون). أين هذه العين التي بلغها ذو القرنين والتي يتشكل عنها مسطح مائي يمكن أن تُرى فيه الشمس غاربةً؟ لا نعهد مثلها في العالم المعروف وقت نزول القرآن، أي في المنطقة التي تعاقبت عليها الحضارات. إنما هذه العيون هي جزء من مجموعة مظاهر طبيعية تسمى geothermal features (المظاهر الأرضية الحرارية)، وتحتوي على العيون الطينية (الحمئة) (mud pots) والعيون الحارة (geysers)، وهذان المظهران يتواجدان بالقرب من بعضهما (راجع ن3 في التعليق): الذي فاجأني وأنا أُحضر الموضوع خارطة لأماكن تواجد هذه العيون عالميا، وهي الصورة العليا المرفقة. طبعا هي من موقع أجنبي لا علاقة له بشرح الآية، على الرابط التالي: http://geology.com/articles/geyser.shtml تلاحظ في هذه الصورة تواجداً لافتاً للعيون الحارة، ومعها العيون الحمئة في أقصى غرب الكرة الأرضية. راجع خارطة أخرى في ن4. تمام...الآن تعال نستعرض صورة غروب الشمس على إحدى العيون الحمئة في أقصى الغرب. الصورة السفلى هي للغروب على عين حمئة أو حارة في غرب أمريكا. وحتى ترى صورا متنوعة لعيون حارة وحمئة اكتب على جوجل: ((geyser at sunset، أي ينبوع حار عند غروب الشمس، ثم اختر images (صور). ويبدو أن المنظر الذي رآه ذو القرنين شبيه جدا بهذا المنظر والله أعلم. فلنعد إلى الآية: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة). لاحظ التساق الكامل! لكن لحظة! قلنا أن أقصى غرب الكرة الأرضية لم تكن منطقة معروفة زمن نزول القرآن. فهل يُعقل أن ذا القرنين الذي عاش قبل هذا الزمن بكثير وصلها؟ والجواب والله أعلم: نعم! لا يُستبعد، خاصة وأن الله تعالى قال: (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا)...كل شيء، وقد يشمل ذلك أسباب اجتياز المحيطات الوصول إلى أقاصي الأرض المجهولة لأهل منطقة الحضارات. ولقد رأيت في تفسير (فتح القدير) للإمام الشوكاني تأييدا لهذا الاحتمال إذ قال: (قيل : ولعل ذا القرنين لما بلغ ساحل البحر المحيط رآها كذلك في نظره ، ولا يبعد أن يقال : لا مانع من أن يمكنه الله من عبور البحر المحيط حتى يصل إلى تلك العين التي تغرب فيها الشمس ، وما المانع من هذا بعد أن حكى الله عنه أنه بلغ مغرب الشمس ، ومكن له في الأرض ، والبحر من جملتها ، ومجرد الاستبعاد لا يوجب حمل القرآن على خلاف ظاهره) انتهى. لكن القرآن يذكر أن هذه الأرض كانت مأهولة؟ وما المانع؟ عدم معرفتنا بأهلها لا يعني أنهم لم يكونوا موجودين. إذن فلا يبعد أن القرآن يشير بهذه الآية إلى تلك المنطقة الموجودة في أقصى غرب الكرة الأرضية. هذا ما ظهر لنا في تفسير الآية والله أعلم، وقد يكون غيره أصح منه. لكن على جميع الأحوال لا يوجد -كما يدعي المشككون- خطأ علمي! الرد على العديد من الاستفسارات في التعليق.