السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام لا زلنا ندرس أساليب الباطل في التفلت من الحق وحججه وبراهينه. استعرضنا ثلاثة أساليب في الحلقات الماضية، واليوم نحن مع أسلوب جديد ألا وهو الاستهزاء. هكذا الإنسان التافه إذا ووجه بالحجج والأسلوب المقنع وخاف أن يَظهر ضعفه أمام الداعي إلى الحق وأمام الناس المستمعين الذين بهرتهم الحجة المقنعة فبدأوا يقرأون وجهه وينتظرون رده...فإذا عدم الحيلة وأسقط في يده لجأ إلى أسلوب الاستهزاء ليعلو ضجيج الضحك فيغطي على هزيمته أمام نور الحق. قال الله تعالى في سورة الزخرف: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) )). تصور! آيات بينات لم يجدوا سبيلا إلى إنكارها، فلاذوا بالضحك! ثم بعد آيات وصف الله المصير البائس لهؤلاء التافهين: ((فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ( 55 ) فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ( 56 ) )) وأنا أقرأ هذه الآيات أتصورهم وهم يضحكون في كبرٍ فإذا بأقدار الله تكنسهم فجأة إلى مزبلة التاريخ وتريح ظاهر الأرض من شرهم ونتنهم.
ولما أنزل الله عز وجل قوله في سورة المدثر: ((سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) ))...يذكر الله فيها عدد خزنة جهنم: تسعة عشر...فصاحب القلب الحي يتصورهم واقفين على حواف جهنم كبيرةً هيئاتهم عابسة وجوههم كلما أراد من في النار أن يخرج منها ضربوه بمقامع من حديد...منظر يهز القلوب الحية ويخلعها من مكانها...لكن أبا جهل كان له من هذه الآيات موقف آخر، قصه علينا ابن كثير في تفسيره...قال أبو جهل: (يا معشر قريش، أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد فتغلبونهم؟) نعوذ بالله من الخذلان وموت القلب! فأنزل الله تعالى: ((وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا)). كان ذكر هذا العدد فتنة لميتي القلب أمثال أبي جهل الذي اتخذه مادة للاستهزاء والعبث. ولا يزال أعداء الإسلام يستخدمون أسلوب الاستهزاء وإثارةِ الضحك الجنوني كلما عجزوا عن مواجهة الحجة بالحجة. فاحرص يا أخي على أن تخشع وتتدبر وتتأمل هذه الآيات لتزيدك إيمانا، ولا تتخذ شيئا من القرآن مادة للمزاح واللهو فإن الله ما أنزله لهذا وإنما لتقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم. والسلام عليكم ورحمة الله.