هناك قيم تُسرق منا نحن المسلمين بهدوء دون أن نشعر...أهمها: تعظيم الله تعالى، والغضب لأجله، والغيرة على دينه. كنت أذكر في مواعظي للشباب قصة مؤثرة عن الشاعر الهندي أختر الشيراني، الذي كان في جلسات شرب الخمر مع رفقاء السوء يقول له أحدهم: (ماذا تقول في فلان؟)، فيؤلف شعرا بذيئا ماجنا يُضحكهم به...إلى أن قال له شيوعي عربي مرة: (ماذا تقول في محمد؟)، فارتعد جسم أختر وانتفض وتناول كأس الخمر و ضرب بها الشيوعي على رأسه و سبَّه وأمر بإخراجه...وقال كلاما لا أكاد أتمالك نفسي وأنا أذكره، ملؤه التعظيم والغضب لله ولرسوله. أخشى أننا سنصل إلى مرحلةٍ إذا ذكرنا هذه القصة أمام شباب المسلمين فسيقولون لنا: (لكن هذا تصرف خاطئ)... (طيب افرض أن الضربة بكأس الخمر قتلت الشيوعي، لا يجوز أن تقتل أحداً لمجرد أنه استهزأ بالنبي)... (أنا لست مع الشاب الشيوعي لكن أيضا ليس من حق أختر أن يستخدم العنف في الرد عليه)!! الغضب لله أصبح في مجتمعات المسلمين مُـجَرَّماً...تُـجَرِّمه القوانين، بل ويُجرمه كثير من "النخب" والرموز الدعوية، والهيئات الإسلامية! حتى صارت ثقافة (تجريم التعظيم) شائعة في "المسلمين"!! وساعد في نشر هذه "الثقافة" وجودُ ممارسات سيئة من بعض الجماعات "الإسلامية"، فَكَرَدَّةِ فِعْلٍ عليها هرب الناس من رمضاء الغلو إلى نار التهاون في حق الله وحق رسوله وحق دينه! وهذا التهاون لا يقل خطورة أبدا عن خطورة الغلو. إذا رأيتَ منكراً، إذا انتُهكت أمامك محارم الله، إذا استُهزئ بدينه، فإياك أن تغضب أو تغار على دين الله! فإن الغضب والغيرة لم يعودا مقبولين...إذ قد رُكِّب في كيانك ووضع على عاطفتك كوابح ( برِيكَّات) وسلاسل: ستستحضر صُوَر الغلو وتخاف أن تحسب على أهله... ستستحضر الإعلام الذي يُدين ويُنَدد ويشجب ويستنكر... ستستحضر صورة "دعاة" يسارعون إلى التبرؤ من أي ردة فعل على المنكرات ويخطِّئونها ويُحمقونها أكثر مما يتبرأون من الذين أتاحوا هذه المنكرات والاستخفاف بدين الله أن يعيث في بلاد المسلمين فسادا... ستستحضر صورة تعليقات الناس... لذا، فإن غيرتك على دين الله لن تشتعل أصلا حتى تنطفئ، ولن تولد أصلا حتى تموت! بل قد ترى الفساد أمامك في بيتك، في سلوك أبنائك ومظهر بناتك... وتمنعك هذه الكوابح النفسية كلها من أن تنكرها أو تغيرها!! يُراد أن يبقى سوق المنكر عامرا، وأن تتعود على رؤية بضاعة الكفر والمجون والاستهزاء محمية بقوة القانون، وأن تموت القلوب تحت شعار: مكافحة التطرف! بدلاً من أن يكون شعارنا (لا بد للغضب لحرمات الله من ضوابط)، ينبغي أن يكون: (لا بد لانتهاك حرمات الله أن يزول)، وإن كان الغضب والغيرة ينتج عنهما أخطاء، فانعدامهما أم الكوارث، وموت القلوب، وفساد الدنيا والآخرة.