السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام، ذكرنا في الحلقة الماضية أن مراعاة الألفاظ مطلوبة شرعا وأن الله تعالى قال: ((يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)) وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في أحاديث كثيرة بتجنب ألفاظ بغض النظر عن نية قائلها.
اليوم سنستمر في الحديث عن موضوع مراعاة الألفاظ لأهميته...وسنركز على التسميات وأثرها.
حرم الله عز وجل أمورا. هذه المحرمات ينبغي أن تبقى قبيحة ومنفرة في حسِّنا. لكن الشيطان زين للناس أن يسموا هذه المحرمات بغير اسمها. وهذه من الخطوات الأولى للاجتراء على المعصية.
انظر مثلا إلى الخمر... سميت خمرا لأنها تُخمر العقل، يعني تغطي على العقل وتذهبه. ماذا يسميها البعض في أيامنا؟ "مشروبات روحية". وهي تسمية فيها نوع من المديح، وكأن الخمر تنعش الروح. هل تعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم أخبر بأن هذا التغيير في التسمية سيكون؟ في الحديث الذي رواه ابن ماجة وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا تذهب الليالي والأيام حتى يشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها))...إذن تغيير الاسم خطوة على طريق الاستحلال والتقليل من قبح المعصية.
الربا...ماذا يسمى اليوم؟ فائدة...يقال: يقدم البنك الفلاني قروضا بنسبة فائدة كذا. الفائدة كلمة طيبة تشعر بأن هذه المعاملة المالية نافعة كالبيع والشراء، وهذا يذكرنا بقوله تعالى: ((ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا))، بينما يقول عز وجل: ((وأحل الله البيع وحرم الربا)).
فالأصل في المسلم أن يُبقي المحرمات على أسمائها التي سماها الله بها، لا أن يقبل بتداول تسميات تقلل من قبح هذه المحرمات. فإذا قيل لك: هل البنك الفلاني يتعامل بالفائدة؟ قل له: تقصد بالربا؟ سيقول لك: المهم أن يصل المعنى، حينئذ نبين أن مراعاة الألفاظ مطلوبة، ونذكر بقول الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)).
بل حتى بعض المصطلحات مثل وصف مسلم ما بأنه متشدد أو متعصب. هذه مصطلحات استخدمها في الأصل أناس لا يقيِّمون المفاهيم والأشخاص بــ(قال الله) و(قال رسوله)، بل قد يكون ترك الحرام عندهم تشددا والاستقامة تعصبا. لذا، فحتى إن وجدنا من مسلم ما تشديدا على نفسه أو على الآخرين فلنسمها مبالغة، إفراطا، لكن لنتجنب تسميات غيرنا حتى نحافظ على تمايزنا، ولنتذكر أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مخاطبة النبي بلفظ (راعنا) لأن اليهود استخدموه بنية فاسدة. فأحب الله لعباده ان يتمايزوا عن أهل الباطل حتى في كلمة تحتمل معنى صحيحا.
فالمسلم، مميز بعقيدته، مميز بكلامه، مميز بمظهره، لأنه من خير أمة أخرجت للناس.
والسلام عليكم ورحمة الله.