السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن من صفات النفاق التسخطَ عند البلاء وتأملنا قوله تعالى ((ومن الناس من يعبد الله على حرف)). نذكر اليوم صفة أخرى ألا وهي: عدم الاستعداد للتضحية في سبيل الله. قال الله تعالى: ((ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله))...فدعوى الإيمان باللسان سهلة. لكنهم لما أوذوا في سبيل الإيمان الذي ادعوه تزلزلت قلوبهم الضعيفة لأنهم رأوا هذا الأذى الدنيوي مساويا في حسهم لعذاب الله الشديد في الآخرة أو أكثر، فاختاروا ترك الدين ليسلَموا من أذية الدنيا ولو أدى ذلك بهم إلى عذاب الله. قال الله تعالى في الآية التي بعدها: ((وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين (11) )) (العنكبوت). نعم...سيبتلي الله عباده بالمغربلات والمحكات ليظهر المؤمن من المنافق.
قد يُبتلى المرء في سبيل الله فيأخذ برخصة الاستتار والإنكار بالقلب ويترك عزيمة الإنكار باليد واللسان. وهذا مفهوم مقبول في حدود معينة. لكن المشكلة فيمن يُبتلي في سبيل الله فـ"يأخذ موقفا" من الدين وتصبح عنده "ردة فعل" كما يقال ويفرط على إثرها في الواجبات ويرتكب المحرمات وكأنه وجد صفقة الدين خاسرة!
من في قلبه نفاق لا يضن بالتضحية بنفسه فحسب، بل إنه لا يصبر على فوات مصالح دنيوية وإن كان محرما، كالقرض الربوي وبيع السلع المحرمة. فمن لم يجاهد نفسَه فكيف يجاهد بنفسه؟! ومن لم يضح بالكسب الحرام فكيف يضحي بماله ووقته ونفسه في سبيل الله؟ ومقابل ماذا إذن يرجو جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين؟!
من في قلبه نفاق يشترط أن يحقق له الإسلام منفعة دنيوية حتى يرضى عن الإسلام! قال تعالى واصفا هذا الصنف: ((ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون)). لا يرضون عن الدين إلا إن جاء لهم بمتاع دنيوي. فهؤلاء هم المدعو عليهم بالتعاسة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط. تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش)) (البخاري). فعبد الدرهم والدينار يتنقل بين المبادئ والمنهجيات بحثا عن المال والمصالح الدنيوية. يلهث وراء بريق الدرهم على يديه ورجليه، فلعل الأشواك تدخل في يديه ورجليه في سعيه هذا...وإذ ذاك فـ(لا انتقش)...أي لا خرجت منه الشوكة كما دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم. عبد الدرهم والدينار قد لا ينسلخ من الإسلام صراحة بل يغير ويبدل بهواه و يزعم أن ما هو عليه موافق للإسلام...بينما هو في الواقع قد باع دينه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم. يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا. أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا. يبيع دينه بعرض من الدنيا)) (مسلم). اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد. والسلام عليكم ورحمة الله.