→ جميع المقالات
الرجاء في مثل هذا اليوم (عرفة)
١١‏/٩‏/٢٠١٦

من حسن الفهم ألا نعتمد خطابا واحدا في تقريب أنفسنا والناس من الله تعالى. صحيح أن معاصينا وذنوبنا سبب ما نحن فيه من وضع أليم، وإن لم نتب فنحن مُتَوَعَّدون بعقوبتها في الآخرة... لكن –ومن قبيل التوازن- علينا أن نتذكر عِظَم وكرامة أننا...مسلمون. إن هُنَّا -كأُمَّةٍ مستَضعفة- على الناس ثم عدنا فظننا أنا هُنا على الله كذلك، فإن هذا يُضعف عزيمتنا ورجاءنا في استجابة الله لدعائنا ويوقعنا في اليأس والإحباط. عليك أن تحاسب نفسك وتزكيها، لا أن تجلدها وتحقرها. فيك ميزة كبرى مهما أسأت وأذنبت: أنك مسلم تقر لله بالوحدانية وتعظم شرعه ولا ترضى به بديلا. وهذا سبب كرامة عظيمة وقربى عند الله. فابْنِ على ما فيك من خير لتعوض النقص، ولا تنظر لنفسك بعين الازدراء. أخي، أتعلم ما معنى أنك (مسلم)؟ أختي أتعلمين ما معنى أنك (مسلمة)؟ أنك تقر بالحقيقة العظمى التي من أجلها خلق الله السماوات والأرض وأرسل الرسل وأنزل الكتب وخلق الجنة والنار. لذلك فقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن من أعظم التوسل إلى الله أن تتوسل بتوحيدك فتقول: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). وفي الحديث الصحيح أن العبد يؤتى به يوم القيامة فتُنشر له سجلات سيئاته كل سجل منها مد البصر، ثم توضع بطاقة عليها (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله)، فيقول العبد: (يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟!)، فيقول: (إنك لا تُظلم)، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فتثقل البطاقة وتطيش السجلات. الثلاثة الذي سُد عليهم الغار فدعوا الله كل منهم بأرجى عَمَلٍ له...هم لا يمتنون على الله بأعمالهم هذه ولكن كأنهم يتوسلون إلى الله ويسترحمونه بأنه وفقهم إلى هذا الأعمال الصالحة فأشعرهم أنهم من أهل كرامته وأطمعهم في رحمته ومعِيَّته. ليس شرطا أنهم كانوا صالحين في سائر حياتهم، فانظر مثلا ثانيهم الذي كاد استغل حاجة ابنة عمه ليراودها عن نفسها، لولا أن منعته تقوى الله في آخر لحظة، وليس هذا حال زاهد عابد، ومع ذلك فقد استجاب الله له وفرج عنه. هل نعدم نحن أعمالا صالحة نتوسل بها عند الله تعالى؟ ردد في نفسك: (أنا أحب الله، أنا أعظم الله، أنا أغار على حرمات الله، أنا لستُ سيئا كما يوهمني الشيطان ليبعدني عن الله، بل أحب الله وأرجو أنه تعالى يحبني). مع الحرص الشديد على ألا تقع فيما يمس جوهرتك الكبرى (توحيدك) مما انتشر في هذا الزمان كالاستخفاف بشرعه تعالى أو تقديم قوانين البشر عليه وجعل الطاعة المطلقة لغيره سبحانه. عندما تقرأ قوله تعالى (إن رحمة الله قريب من المحسنين)، لا تقل: وأين أنا من المحسنين وفي من المعاصي كذا وكذا؟! بل قل: (توحيدي لله وتعظيمي لدينه إحسان، فلستُ مطرودا من هذه الآية بالكلية. لكن علي أن أتخلص من ذنوبي لتكون رحمة الله مني أقرب وأقرب). هذا ما ينبغي أن يمتلئ به قلبك في مواسم الخيرات والرحمات مثل يوم عرفة، لتدعو الله برجاء ويقين. قال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه وعيناه تذرفان، فالْتَفَتَ إلي فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له. والله تعالى أعلم.