→ جميع المقالات
خطأ خطير في فهم (لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)
٢٥‏/١‏/٢٠١٥
  1. قالوا: عبد الله بن أُبي ابن سلول كان ينطق بالكفر المستوجب لحد القتل (حد الردة)، ومع ذلك عطل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحد من أجل مصلحة تألف القلوب، ودرء مفسدة غضب قبيلته له وحديث الرأي العام (الناس) أن محمدا يقتل أصحابه.
  2. وهذا الكلام من أبطل الباطل المنتشر بين المسلمين! وقد روجه دعاة التنازلات و"الديمقراطية" والعمل من داخل المنظومة الجاهلية، و"التدرج في أسلمة القانون".
  3. هذه الشبهة توهم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد رأى عبد الله بن أُبي إنساناً وجيهاً له أتباع كُثر، فهاب من تبعات إقامة الحد عليه، بينما أقام الحد على الضعيف ماعز والضعيفة الغامدية والضعيفة الجهنية...على هؤلاء الضعفاء! ألم يقل هو ذاته صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ؟!
  4. ما حقيقة الأمر إذن؟ كان المنافقون كعبد الله بن أبي عادة ما يقولون كلاما غير صريح في الكفر (لحن القول)، كقوله: (لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل).

من الأعز ومن الأذل؟ هل ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نصا؟ لا. 5. ثم إنهم كانوا يقولون مثل هذا الكلام فيما بينهم، فلا ينقله عنهم إلا أفراد من الصحابة كزيد بن الأرقم الذي نقل (ليخرجن الأعز منها الأذل) إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والشهادة بالردة لا يكفي فيها رجل واحد، وإنما لا بد من إقرار الشخص على نفسه أو وجود البينة كشهادة نصاب كافٍ من الشهود. 6. ثم كان المنافقون ينكرون هذا الكلام (مع أنه غير صريح في الكفر)، كما في البخاري أن النبي لما أرسل إلى ابن سلول يسأله عن كلمته هذه: (فاجتهد يمينه ما فعل)، يعني حلف بالله ما قال هذا الكلام (يحلفون بالله ما قالوا). 7. ثم حتى عندما كان ينزل الوحي بإدانة المنافقين ومرضى القلوب فإنهم كانوا يُظهرون عدم قصد الكفر: (ولئن سألتهم ليقولُن إنما كنا نخوض ونلعب)، أي ما قصدنا استهزاء بالدين. 8. ثم حتى عندما كان القرآن يدينهم بالكفر فإنهم كانوا يُظهرون التوبة، وهذا أمر مهم. فقد فتح الله لهم باب التوبة في آيات كثيرة، وهو وحده سبحانه بعد ذلك يعلم من صدقت توبته ومن كان فيها كاذبا: (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين). 9. لم يكن المنافقون يتمادون في هذا الكفر ويصرون عليه. قال تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا (60) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا (61) سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا (62) ) ورسول الله لم يقتلهم تقتيلا. إذن فلا شك أنهم انتهوا عن أفعالهم. وإلا لأغراه الله بهم ولقتلهم، فهذه سنة الله الثابتة (ولن تجد لسنة الله تبديلا). 10. فتوبتهم الظاهرة كانت تُسقط إيجاب حد الردة. 11. بقي سؤال: إن قلنا ذلك في استهزائهم بالإسلام. فماذا عن حد الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والذي نص كثير من الفقهاء على أن سابه يُقتل حدا وإن تاب؟ 12. فالجواب: هناك حقان: حق الله تعالى بقتل المرتد حدا، وحق النبي صلى الله عليه وسلم بقتل من يسبه. فإذا أظهر ساب النبي توبة رُفع حق الله تعالى وبقي للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل من يسيء إليه أو أن يعفو عنه، إذ أن هذا حقه الشخصي الذي له أن يسقطه في الدنيا وليس حدا يجب عليه إقامته. وهذا -والله أعلم- معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه). إذ لم يكن في الأمر حد واجب بل حق شخصي له أن يسقطه. 13. فكيف إذا انضم إلى ذلك أن قول ابن سلول لم يكن سبا صريحا يذكر فيه اسم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يثبت بنصاب كاف من الشهود حتى يقال أن ابن سلول ثبتت ردته بهذا القول. 14. خلاصة الأمر: لا يجوز أبدا أن نقول: وجب حد القتل على ابن سلول ومع ذلك عطله النبي صلى الله عليه وسلم. قال عليه الصلاة والسلام: (تعافوا الحدود فيما بينكم. فما بلغني من حد فقد وجب). فالشريعة ليست متطلعة إلى إقامة الحدود. لكن إذا بلغت الإمام وجب عليه إقامتها. لكن الحد لم يجب على ابن سلول أصلا. 15. وهذا إخواني خلاصة قراءات كثيرة في الموضوع، خاصة لابن حزم وابن تيمية رحمهما الله. وقد شنع ابن حزم جدا على من قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عطل الحد على ابن سلول. ستثور في ذهنك تساؤلات كثيرة نجيب عنها في مقالات قادمة بإذن الله. إذ تعمدت الاختصار جدا. والله تعالى أعلم.