أيها الكرام كلمة أقولها الآن وأظنكم ستدركون أهميتها بعد حين. علينا الحذر من كثرة الحديث عن الوباء وكأنه الانتقام الرباني المرتقب الذي سيُمَرغ أنوف الجبابرة. فالانطباع الذي يُبنى بهذا الخطاب في نفوس الناس أنه: أخيراً ! ها هو الله تعالى "يتدخل" ليضع حدَّاً للظلم الذي بلغ ذورته. لك أن تتصور ماذا سيحصل إذا انحسر الوباء عن أنظمة عالمية عرفت كيف تستغله فأحكمت قبضتها وأصبحت أكثر سيطرة وتسلطاً على الناس، ولم يزددْ عامة الناس إلا رهَقاً وفقراً ! سيتساءل جماعةُ (الله ينتقمُ لنا): أهكذا انتقام الله؟ أين الله؟ فهم كانوا ينتظرون أن يَسْحق الله الظالمين ويُنَفِّسَ عن المقهورين! وقد ترى بعدها موجةً أخرى من الردة من تلك النفوس المتواكلة التي فهمت دينها خطأً، وفهمت السنن خطأً، وفهمت العبودية لله خطأً على طريقة: (الله يحاربهم وينتقم لنا، ونحن ننتظر النتائج ! فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولن نُصلِح من أنفسنا ولا نعملَ بنفَسٍ طويل ومع ذلك إنا متفائلون ونحسن الظن بالله) ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل... فإن لم يحقق الله أوهامهم قالوا إنا به كافرون! وهي نفسها النفسية التي ألحدت عندما لم ينصرنا الله في الثورات العربية. وكنا في بدايات الأمر نحذر من حصول هذه الانتكاسة وموجة سوء الظن بالله. ونحن وإن كنا نقول لهم: (إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد). ونقول لهم: (فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)). إلا أننا نحذر أيضاً أنفسنا والفضلاء والمتبوعين أن نَنفخ اليوم في أوهام الناس بكثرة الحديث عن الوباء على أنه الانتقام الرباني المرتقب! نعم، هذا الوباء يُظهر ضعف الإنسان، ويُظهر قدرة الله، لكنه ليس أكثر من فرصة..إما أن يستغلها المسلمون أو يستغلها أعداؤهم وأعداء الإنسان كما أسلفنا. فمن مات بالوباء وهو على صلاح فرحمة له وكفارة، ومن مات على الكفر والظلم فعذاب مُعَجَّل قبل العذاب الأكبر. لكن ليس بالضرورة أن يعجل الله عقوبة الظالمين كلهم في الدنيا، فمَن استغل الفرصة من هؤلاء الظالمين فزاد طغياناً وتمكنا فالدنيا دار بلاء (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار). نهضة المجتمعات والأمم لها سنن لا تتخلف...وتَبَوُّؤُ الأمة مكانتها له سنن.. فهي فرصة...وليس لنا أن ننتظر أن يكمل الله عنا المعركة ويأتينا بالنصر والفرَج على طبق من ذهب ! هي سنن لا تحابي أحداً..ولم يشأ الله أن يجعل نصر الأمة المحمدية بصيحة ولا رجفة ولا طيرٍ أبابيل، بل وضع لنا القاعدة الماضية إلى يوم الدين، أن لا بد أن تكون المبادرة من المسلمين: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض). ولسنا أعز على الله من رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحاب رسوله، ومع ذلك خاطبهم أن إذا أردتم من الله نصراًعلى من ظلموكم فلا بد أن يكون ذلك (بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم). لنا أن نستبشر إذا قدمنا كل ما نستطيع ثم طلبنا من الله أن يبارك في هذا الذي قدمناه والعدة التي أعددناها...لا أن نتفاءل ونحن مفرطون فيما تحت أيدينا وفيما في وُسعنا حتى على مستوى انفسنا وأهلينا وأبنائنا. #VALUE!
هذه الكلمة احفظوها، وخزنوها في ذاكرتكم وعلى أجهزتكم، حتى إذا ما رأيتم بوادر من أنفسكم أو من الناس أنْ لماذا لم ينصرنا الله؟ وهل هكذا انتقام الله؟ نزداد ضعفاً وقهراً ويزداد الظالمون تسلطاً ؟!) فقولوا لهم: (قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير). نسأل الله أن يعيننا على إصلاح أنفسنا حتى نكون أهلاً لنصره.