→ جميع المقالات
حسن الظن بالله - الحلقة 20 - لن تضيع وسط الزحام
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

ألا تحب أن تستأثر بصديق، بحيث تحس أنه لك، وأنك أعز الناس عليه فلن ينشغل بغيرك عنك؟ ألا تحس بقيمة هذا الصديق في المآزق؟ أظنك لاحظت أن مجرد بث همومك لهذا الصديق المتفهِّم لك والحريص عليك يشعرك بالراحة وتنفيس الهم.

قلت لأخي الأكبر مرة: هل معك ربع ساعة لأكلمك في مشكلة؟ فأجاب: (أنا كُلّي لك)! غمرَتْني هذه الكلمات وأنِستُ بها.

هكذا نحن.. نحب أن نستأثر بمن يتفهمنا ويعيش معنا آلامنا وآمالنا.. مجرد وجوده مصدر طمأنينة لنا.. فكيف إذا كان قادرًا على حل مشكلاتنا؟! كم ستســـتقر نفوسنا حينئذ ..

في المقابل، قد تحس بالضياع عندما يزاحمك على هذا الصديق آخرون.. تخشى أن يشغلوه عنك. قد يعرف هذا الشعور من له إخوة كثيرون يزاحمونه على أبٍ واحد، من لها ضرة تزاحمها على زوج واحد، من له زملاء يزاحمونه على معلم واحد.. لم يعد الأب أو الـــزوج أو الـمــعــلــم لكَ أو لكِ أنت وحـــدك.. فقد تُنسى أو تُنسَين في زحمة الآخرين.

فتش نفسك! هل تسرب إليك شعور كهذا تجاه: ربك سبحانه وتعالى ؟!

لا أسألك عن قناعاتك العقلية ، فهي تأبى ذلك ولا شك.. لكن الإنسان قد يختزن في باطن شعوره هواجس تسبب له قلقًا فلا يدري مصدره، ومنها هذا الهاجس.. أنك ضعت أمام الله وسط الزحام!

إليك حقيقةً مؤنســةً مُطَمْئِنـةً: الله سبحــانه وتعالى مطلع عليك، قريب منك، يعلم بهمك، ويسـمع دعاءك، ويفرح بتوبتك، ويدبر أمرك.. كل هذا كما لو كنتَ وحدك في هذا الكون لا يشركك فيه إنس ولا جان! ألم تَرَ إلى قوله تعالى: {مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ ٢٨}[لقمان: 28].. قال ابن كثير: (سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة). كذلك في الحديث القدسي : (يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته لم ينقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر).

فسبحان من لا يشغله سائل عن سائل، ولا مستغيثٌ عن مستغيثٍ.. {سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ ١٠} [الرعد: 10].. فلا يضيع عنده أحد وسط الزحـــام.

لن تضيع في الزحـــام.. بل لك أن تتصور كما لو أنك تدعو الله وحدك وأنه يسمعك وحدك.. وأن معاني أسماءٍ من أسماء الله الحسنى تتجلى في ربوبيته لك أنت كما لو كنت وحدك.. فيظهر فيك آثار رحمة الله وقربه وعفوه ولطفه وكرمه وحلمه ومغفرته وإجابته ووُدِّه و هدايته وبِرِّه و رأفته ورزقه و كفايته وستره ورفقه وعطائه.. يظهر و سيظهر فيك هذا كما لو كنت وحدك في هذا الكون.. لذا، فلن تضيع في الزحام.

لاحظ كيف أن الله تعالى أفرد كلمة (الداعِ) في قوله {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ} [البقرة: 186].. ففي هذا الإفراد من الإشعار بالعناية بدعائك أنت ما قد لا يكون في الجمع (الداعين إذا دعوني).. ليست استجابة مجملة عامة لمجموع الداعين بحيث تجزئ استجابته لأكثرهم عن الاستجابة لأفرادهم فردًا فردًا.. بل يجيب دعوتك أنت كما لو كنت وحدك، ولو دعاه تعالى معك في اللحظة نفسها مليارات بل ما لا يحصى من الإنس و الجن والملائكة.

كذلك قوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62].. كل مــضــطــر عــلــى حـــده كــمــا لــو كــان وحـــده.. {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا ٦٤} [مريم: 64].. سبحانه فهذا شأنه: {وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ ٦١} [يونس: 61]..

فادعُ الله وارجُه وأنس به وتأمل في نفسك آثار أسمائه وصفاته واستحضر معيَّته كما لو كنت وحدك.. وتذكر دومًا : لن تضيع وسط الزحـــام.