→ جميع المقالات
بالقرآن نحيا - الحلقة 9 - (وليعفوا وليصفحوا)
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي...أحيانا عندما نتكلم عن طاعة الله تعالى يقول قائل: (شوي شوي، ما في شيء بيجي مرة واحدة، هي كبسة زر؟). وفي الواقع أن الإيمان يجعل الإنسان يطيع الله عز وجل بالفعل كأنها كبسة زر! في الحلقتين الماضيتين رأينا أمثلة من ذلك: عمر كان في حالة غضب وهم ان يبطش بعيينة فسمع ((وأعرض عن الجاهلين)) فتوقف وسامح. الصحابة كانوا يشربون الخمر فسمعوا ((فهل أنتم منتهون)) فأراقوها على الفور. اليوم نحن على موعد مع مثال آخر، مسألة أصعب من الغضب وأصعب من السكر، إنسان يطعن في عرض ابنة الصحابي. ومع ذلك عندما جاء أمر الله بالعفو والصفح استجاب الصحابي كأنها كبسة زر...إنه الإيمان يصنع العجائب. كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قريب فقير اسمه مسطح، وكان أبو بكر يبره فينفق عليه من ماله. عندما افترى المنافقون على أمنا عائشة رضي الله عنها واتهموها في عفتها، ماذا كان يتوقع من مسطح؟ أن ينبري للدفاع عن ابنة قريبه الذي يحسن إليه من قبيل البر والوفاء. لكن العكس حصل! شارك مسطح في نقل الإشاعة. أنزل الله براءة الطاهرة المطهرة من فوق سبع سماوات وعوقب الذين نشروا الإشاعة، وحز في نفس أبي بكر ما فعله قريبه فقال: (والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال)...طبعا، ردة فعل متوقعة تماما. لكن الله عز وجل يريد لعباده خلقا أسمى، فأنزل تعالى: ((ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ( 22 ) )) (النور). ماذا كانت ردة فعل أبي بكر رضي الله عنه؟ قال: (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي). فعاد ينفق على مسطح وقال: (والله لا أنزعها منه أبدا) (البخاري)... يعني لا أوقف النفقة عليه أبدا. كأنها كبسة زر...تحول 180 درجة: من (والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا) إلى (والله لا أنزعها منه أبدا). قال ابن كثير تعليقا على هذا الموقف: فلهذا كان الصديق هو الصديق [رضي الله عنه وعن بنته]. هل قل احترام أبي بكر عند المسلمين بعدما استجاب لأمر الله بالعفو؟ لا والله، بل يترضى عنه ويحبه مئات الملايين من البشر إلى يوم القيامة.
لذلك يا أخي، عندما يقال لك: سامح أخاك الذي أساء إليك، سامح صديقك الذي هجرته...لا تقل: (لا، لقد أساء إلي إساءة لا يمكن أن أنساها). لن تكون أكبر من إساءة مسطح لأبي بكر، ومع ذلك: ((وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)).