→ جميع المقالات
حسن الظن بالله - الحلقة 38 - سوف تراهما بمنظر أكثر إبهاجًا بإذن الله!
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

كتبت هذه الخاطرة عام 1431 هجري، 2010 م:

بدأت محنتي الحالية في البعد عن عائلتي عندما كان عمر التوأَمَتَين من أطفالي (لين ولجين) خمسة أشهر.. ولا زالت لإحداهما صورة عالقة بذهني؛ كنت أضعها على ظهرها على الأرض فتنقلب على بطنها ثم ترفع صدرها بيدها.. فإذا التقت عيناي بعينيها ابتسمت ابتسامة الانتصار ورأسها يهتز لثقله على جسمها الصغير!

بقدر ما كان هذا المنظر مبهجًا في حينه فقد أصبح مؤلمًا لي الآن وأنا في الغربة بعيد عن أولادي، أتمنى أن أرى الصغيرتين وهما تكبران يومًا بعد يوم، أن أرى تطور حركاتهما مرحلة مرحلة؛ تتقلبان ثم تحبوان ثم تمشيان وهما تمسكان بأطراف الأثاث ثم تمشيان مسافات قصيرة بخطوات سريعة مُنْتَشِيَتَيْن بتشجيع الحاضرين.. هذه المرحلة تمر الآن وأنا بعيد عنهما، فاقداً بذلك متعة لن تعود!

كان لهذا التفكير وخــزٌ مـؤلمٌ في حِسِّي.. إلى أن قلت لنفسي: (لا تحزن، سوف تراهما بمبلغ أكثر إبهاجًا بإذن الله)! {عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبۡدِلَنَا خَيۡرٗا مِّنۡهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ ٣٢} [القلم: 32].. قلت لنفسي: ماذا تستفيد إن عايشتَ تطورات حركات ابنتيك هاتين حتى كبرتا وقاربتا سن التكليف، ثم إذا بهما تفاجئانك بالنفور من ارتداء الحجاب مثلاً؟! أي ذكرى جميلة تبقى حينئذ إن كانت ابنتاك من صلبك ترفضان شعائر دين تضحي أنت من أجله؟!

ارجُ الله تعالى الذي ابتليت في سبيله أن يعوضك لا في الآخرة فحسب، بل وفي الدنيا كذلك، بأن ترى ابنتيك هاتين تسعيان نحوك يومًا وقد ارتديتا الحجاب من تلقاء نفسهما استعدادا للخروج معك في مشوار، وقد امتلأتْ عيناهما سرورًا بما فعلتا، وارتسمت على وجهيهما البريئين ابتسامة رضا.. سيكون حينئذ منظر أجمل وأنقى وأبهى وأكثر إشاعة للبهجة في نفسك من أي منظر فقدتَهُ ببعدك عنهما {إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ} [الأنفال: 70]..

كثيرًا ما نتحسر على نعم نفقدها أو مــراحــل مــن حــياتنا لا نعيشها كما نتمنى لأننا نعتقد أنها لا تُعوَّض. أحسن الظن بربك يا أخي وارجه أن يعوضك بخير مما فقدت. وتذكر في الوقت ذاته أن هذه الدنيا أهون من أن تحرص على التمتع بكل مباحاتها.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((و لَقَابُ قوس أحدكم في الجنة أو موضع قيد – أي : سوط – خير من الدنيا وما فيها))!.. فحسرتنا على فوات متاع دنيوي أكثر من فوات فرص عظيمة للفوز بالجنة.. إن هذه الحسرة دلالة على غفلة منا يجب علينا أن نستحي منها ونسعى إلى تداركها.

إن الحرص على التمتع بكل لحظة من لحظات الدنيا متوقع لا منك أنت أيها المؤمن، بل ممن لا يؤمن بحياة آخرة، فهو يتحسر على ما يفوت منها لأنها كل شيء في نظره.

فَعَلِّقْ نفسك يا أخي بنعم الآخرة، ولا توسوس لك نفسك بأن في الدنيا متعًا تفوت دون أن يكون لها تعويض من جنسها في الآخرة.. ألست إن دخلت الجنة كان بإمكانك أن تطلب إعادة ما فاتك من نعيم الدنيا؟ بلى {لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ} [الزمر: 34].. لكن ما أظنك فاعلًا ! فإن نعيمًا وصفه العظيم بأنه عظيم {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ ٢٢} [التوبة: 22].. سيشغلك عن متاعٍ فاتَ في دنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة !

فلتطِب نفسك بالتضحية في سبيل الله.

ملاحظة: مرت السنوات ولبست أختهما سارة الحجاب من نفسها وهي طفلة، ثم توفيت بخاتمة حسنة والحمد لله.